على الهند إلغاء نظام الديمقراطية البرلمانية ..بقلم :شاشي ثارور

2017/03/22
Updated 2017/03/22 at 9:32 صباحًا


نيودلهي- يتصف النظام البرلماني الهندي الذي ورثته الهند عن بريطانيا بانعدام الكفاءة. وحسب منطق وستمنستر البريطاني، فإنك تنتخب مجلسا تشريعياً من أجل تشكيل الجهاز التنفيذي. وعندما يفشل الجهاز التنفيذي في الحصول على أغلبية مضمونة في المجلس التشريعي، تسقط الحكومة، مما يؤدي إلى عقد انتخابات جديدة. والنتيجة هي تصويت بطريقة أو بأخرى من أجل المجالس التشريعية لتسع وعشرين ولاية هندية كل ستة أشهر تقريباً، وكل واحدة من تلك الانتخابات هي بمثابة استفتاء على الحكومة في نيودلهي. وباختصار، أصبحت الديمقراطية الهندية المنفلتة ومتعددة الأحزاب في حالة استفتاء دائم.
شملت جولة الإنتخابات الأخيرة في الهند خمسة مجالس تشريعية في الولايات. وقد انتصر رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، في أوتار براديش -أكبر ولاية هندية والتي يصل عدد سكانها إلى أكثر من 200 مليون نسمة، وخرج منها 7 من 15 رئيس وزاء في الهند- وفي ولاية أوتاراكاند المجاورة. وانتصر حزب المعارضة الرئيسي، حزب المؤتمر الوطني الهندي، في ولاية البنجاب الشمالية الغربية، كما فاز حزب المؤتمر في ولايتي جوا ومانيبور من دون تحقيق الأغلبية المطلقة، مما أدى إلى نجاح حزب بهارتينا جانتا في تشكيل حكومات في هاتين الولايتين من خلال الدخول في ائتلافات من أجل تأمين أغلبية تشريعية.
تبدو النتيجة وكأنها نتيجة متباينة. لكن السياسة الداخلية الهندية عادة ما ترجح كفة الولايات الشمالية الناطقة بالهندية. كما أن أعداد الناخبين في أوتار براديش أكثر بكثير من أعداد الناخبين في الولايات الأربع الأخرى مجتمعة. ولذلك، تم توصيف النتائج بأنها بمثابة انتصار لحزب بهارتيا جانتا، مما يؤكد شعبية مودي ويكافئه على قيادته، بما في ذلك الحملة الانتخابية نفسها.
في واقع الأمر، قاد مودي بنفسه الحملة الانتخابية في أوتار براديش، علماً بأنه يمثل برلمان إحدى مدن الولاية، وهي مدينة فاراناسي. ويعني حضور مودي العديد من الفعاليات السياسية وإلقاؤه كلمات في عدد كبير من التجمعات الانتخابية، أنه راهن بسمعة حكومته وسمعته هو شخصياً كرئيس للوزراء، على الانتخابات.
الفوائد تتعدى المكانة. فقد كان الانتصار في أوتار براديش حاسماً من أجل تمكين مودي من التحكم بمجلس الشيوخ الهندي الذي يتم انتخابه من قبل المجالس التشريعية في الولايات. كما أن نتائج الانتخابات الأخيرة تعطيه الأغلبية المطلوبة لانتخاب مرشحيه لمنصبي رئيس الهند في تموز (يوليو) ونائب الرئيس في آب (أغسطس).
ولكن، ما هو الثمن؟ إحدى سلبيات الانتخابات الدائمة في الهند هي أنه عادة ما يضطر رئيس الوزراء إلى أن ينحي جانباً دوره كقائد للبلاد، وأن يتصرف كقائد لحزب. ويستخدم مودي أساليباً قاسية وصارمة في حملاته الانتخابية، وهو يستمتع باللجوء إلى الإهانات القوية والهجمات ذات الطابع الحزبي على خصومه (بما في ذلك أنا شخصياً). ولا يعكس أسلوب مودي خلال تلك الحملات الانتخابية صفات رجل الدولة. ومع ذلك كله، سوف تحصل تلك الانتخابات مجدداً، حيث ستقام جولة جديدة من الانتخابات -بما في ذلك في ولاية مودي الأصلية، غوجرات، قبل نهاية العام.
من الحجج الحاسمة الأخرى على حاجة الهند إلى نظام رئاسي هو مشهد رئيس الحكومة وهو يتخلى عن مهام عمله كل بضعة أشهر من أجل الانخراط في حملات سياسية لمصلحة حزبه. وقد استنفد النظام البرلماني أغراضه بالنسبة للهند، وهو لم يكن مناسباً على أي حال للظروف الهندية. وهذا النظام مسؤول في الواقع عن العديد من المصاعب السياسية الرئيسية في البلاد.
لقد حارب القوميون الهنود مثل الثوريين الأميركان قبل قرنين من الزمان من أجل الحصول على “حقوق الرجل الإنجليزي”؛ حيث اعتقدوا أن تكرار تجربة المجالس البرلمانية سوف يعكس تلك الحقوق وتضمنها. وعندما اقترح رئيس الوزراء البريطاني السابق، كليمنت آتلي، كعضو في اللجنة الدستورية البريطانية النظام الرئاسي في الولايات المتحدة الأميركية كنموذج للهند، رفض قادة الهند بشدة ذلك الاقتراح، وقال آتلي: “انتابني شعور بأنهم اعتقدوا أني أعرض عليهم السمن كبديل عن الزبدة”.
لكن السمن كان يمكن أن يكون أنسب لذائقة الهنود النباتية. وبينما يمكن أن يكون النظام البرلماني مناسباً لبلد صغير ومتجانس بشكل عام، فإن النظام البرلماني في دولة كبيرة ومتنوعة
نظام سياسي منقسم مثل الهند هو بمثابة وصفة للفوضى على أقل تقدير.
يشير المدافعون عن النظام إلى أن ذلك النظام حافظ على وحدة الهند، وأعطى كل مواطن الحق في المساهمة في تقرير مصير البلاد السياسي. ولكن أي شكل من أشكال الديمقراطية الحقيقية سيفعل الشيء نفسه. والسؤال هنا ما هو شكل الديمقراطية الذي سيضمن أيضاً الأداء الفعال من دون السماح بأن تبقى الحكومة مشتتة الذهن بسبب السياسات ضيقة الأفق.
وربما يكمن الجواب في النموذج المطبق في الولايات المتحدة الأميركية أو أميركا اللاتينية، والتي يوجد فيها مسؤول تنفيذي منتخب، أي رئيسٌ على المستوى الوطني وحاكم على مستوى الولاية، واللذان يؤديان مهام عملهما لفترة محددة كرئيس للدولة وكرئيس للحكومة.
يعني وجود مسؤول تنفيذي يتم انتخابه مباشرة أنه لن يكون عرضة لرمال الدعم البرلماني المتحركة. وهو يستطيع تشكيل حكومة تضم مسؤولين موهوبيين واثقين باستقرار فترة عملهم. وفوق ذلك كله، فإن باستطاعته تكريس طاقاته للحكم، عوضاً عن السياسة فحسب. والدورة الانتخابية التي لا تتوقف ستنتهي في نهاية المطاف.
في مثل هذا النظام، سوف يصوت المواطنون للشخص الذين يرغبون في أن يتولى مهام القيادة، مما يعني أن بإمكان الرئيس أن يدعي أنه يتحدث بالنيابة عن غالبية الهنود عوضاً عن غالبية أعضاء البرلمان. وفي نهاية الفترة الزمنية المحدة -لنقل خمس سنوات كما هو الحال بالنسبة لأعضاء البرلمان الهندي حالياً- سيتسنى للعامة الحكم على نجاح قائدهم في تحسين حياة الناس عوضاً عن نجاحه في إبقاء الحكومة في سدة الحكم.
بطبيعة الحال، تبقى الديمقراطية غاية في حد ذاتها. وهي مهمة للغاية من أجل بقاء الهند. والتعددية هي عنصر أساسي لتحديد شخصيتنا، ونحن فخورون بها. ولكن قلة من الهنود فخورون بنوعية السياسات التي فرضتها ديمقراطيتنا علينا. ومن أجل مواجهة التحديات وتلبية احتياجات سدس سكان العالم، يتوجب على قادة الهند العمل ضمن نظام ديمقراطي يعمل على تمكين الحكم عوضاً عن تعطيله. وفي تلك الحالة فقط يستطيع هولاء تحقيق بعض التقدم للناس الذين يمثلونهم.
سوف يحقق النظام الرئاسي ذلك. فهو سيمكن القادة من التركيز على تمثيل الناس عوضاً عن التفكير في كيفية البقاء في السلطة. ومع وجود دورة انتخابية أكثر إتساعاً ويمكن التنبؤ بها، سيتمكن قادة الهند من التحرك إلى ما هو أبعد من العمل غير السار الذي يثير عاصفة من الجدل السياسي، والتفرغ للحكم. وفي مثل هذا التحول في التركيز، يكمن التبرير النهائي للنظام الرئاسي.

*وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ووزير الدولة الهندي الأسبق للشؤون الخارجية ووزير الدولة لتنمية الموارد البشرية، ويعمل حاليا رئيس اللجنة البرلمانية الدائمة للشؤون الخارجية والنائب عن حزب المؤتمر الوطني الهندي
*خاص بـ الغد، بالتعاون مع “بروجيكت سنديكيت”.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً