إدارة الأزمات ..بقلم :عمر حلمي الغول

2017/04/20
Updated 2017/04/20 at 8:33 صباحًا


لا يخلو مجال من مجالات المجتمع او الطبيعة من الأزمات. غير ان الطبيعة لها قوانينها، التي تعالج من خلالها أزماتها، وأحيانا تتدخل القوى البشرية في الحد من الكوارث والأزمات الناشئة نتاج تصادم قوانينها والمؤثرات المناخية المختلة. لكن المجتمعات البشرية بكل مكوناتها وفي بنائيها الفوقي والسفلي تواجه بشكل متواتر وإرتباطا بجملة من العوامل الداخلية والخارجية أزمات عاصفة. فإن أحسن الفريق القومي او المتخصص في هذا المجال او ذاك الإمساك بجذور هذه الأزمة او تلك، ووضعوا رؤية علمية متكاملة لمعالجة مسببات وتداعيات الأزمات بالإستناد لإداة متخصصة ومؤهلة، فإن السيطرة على الأزمات السياسية او الإقتصادية/ الإجتماعية او الإعلامية /الثقافية يصبح امرأ واقعيا وممكنا.
لكن في حال واجه مجتمع ما او قطاع من قطاعات هذا المجتمع او ذاك أزمة تهدد مصيره او تؤثر على مستقبله ونموه، وأبقى المعنيون الأزمات تسير دون ضوابط وكوابح لمفاعيلها، فإن النتائج الأنية والمستقبلية ستكون مهددة لمركبات المجتمع او القطاع او المجال المتأثر بالإزمة. وفي مطلق الأزمات، وأي كانت مواقعها وحجومها وتأثيراتها، لا يكفي عندئذ النخب في هذا المجال او ذاك، تشخيص الأزمة او الإشارة لوجودها او الدعوة لضرورة حلها. لإن ما تقدم ليس سوى نقطة في بحر من مواجهة التحدي المطروح.
ولو إنتقل المرء من المجرد إلى الملموس، وحاول تسليط الضوء على القضية الفلسطينية بكل تشعباتها ومركباتها. سيلاحظ، انها قضية معقدة، رغم ان إعادتها إلى جذورها أمر بسيط وسهل، إلآ أن ذلك لا يسقط عنها صفة التعقيد والحاجة الجدية والدائمة لخلايا متخصصة لإدارة ازماتهاعلى المستويين الضيق والواسع، او في النطاقين العام والخاص لمعالجة كل الظواهرالناشئة والتداعيات المتفاقمة عن عملية الصراع القومي والصراعات المتفرعة عنه. ولا يكفي هنا الإشارة لوجود إطار وطني جامع مع برنامج سياسي وإدارات ومؤسسات لإدارة العمل. كل هذا مطلوب وضروري. لكن القضية الأكثر تعقيدا في تاريخ البشرية تحتاج إلى مطبخ سياسي رفيع ومتجدد وإلى إستقطاب كفاءات نابهة وطنية وقومية وأممية للمساهمة في مواجهة التحديات التاريخية والمتوالدة من رحم التطورات بوجهيها السلبي والإيجابي. والسعي الدائم لتوسيع نطاق المطبخ او خلايا الأزمات العامة الخاصة. لإن توسيع الدائرة او الدوائر يفتح الأفق امام صانع القرار في تفادي الإرباكات الناشئة عن تبسيط الأزمات وسبل معالجتها. دون ان يسقط حق صانع القرار من إضفاء طابعه ومكانته على هذا او ذاك. اضف إلى ان منح العوامل الموضوعية ثقلا أعظم مما لها، وإعطائها أكثر مما تستحق في ميدان المواجهة، وبالتالي تحجيم دور وموقع العامل الذاتي، لا يخدم بحال من الأحوال رسم سياسة برنامجية قادرة على بناء رؤية تكتيكية او إستراتيجية للخروج من دوامة الأزمات الداخلية او الخارجية.
ولإن الساحة الفلسطينية تعج بالأزمات التنيظيمية والإدارية والإقتصادية/ المالية والإجتماعية والثقافية والإعلامية والتربوية والصحية والرياضية والسياسية، ويتهددها أعداء كثر، لا يمكن إختزالهم في دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، وإن كانت تشكل رأس الحربة والعنوان الأساس في عملية المواجهة، غير ان ذلك لا يقلل من ثقل وبؤس الإنقلاب الأسود على المشروع الوطني، ولا من ظاهرة الفساد والفوضى وتهميش المأسسة الحقيقية، وإختزال العملية الديمقراطية في بعض المظاهر الشكلية، بالإضافة للإعداء الآخرين على المستويات الإقليمية والدولية، ومنها دور وأثر مؤسسات الحركة الصهيونية العالمية ومن يقف خلفها من دول وأقطاب، لذا فإنها (الساحة) بحاجة ماسة لبناء خلايا ازمات متعددة في الشأن العام والمجالات الخاصة، وإنشاء مراكز ابحاث متخصصة للإسهام في إستنباط وإستشراف المستقبل برؤية أوسع وأعمق مما هو قائم. وكلما كانت عملية التلاقح الفكري السياسي اوسع، كلما كانت المخرجات أعلى وأكثر أهمية لجهات الإختصاص. والنتيجة السريعة مما تقدم، ما لم تتبلور خلايا أزمات ناجحة ومؤهلة ومتخصصة، وتحتضن كفاءات متميزة، سيبقى العمل العام والخاص اسير إجتهادات فردية او شبه فردية لا يخدم المشروع الوطني والنهوض بالمؤسسة الفلسطينية.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً