سياسة أمريكا الجديدة القديمة فى الشرق الأوسط ..بقلم :د. جمال عبد الجواد

2017/05/25
Updated 2017/05/25 at 7:52 صباحًا


«الشرق الأوسط دخل مرحلة جديدة»، هكذا تحدث كثير من المحللين تعليقا على زيارة الرئيس الأمريكى ترامب للسعودية، ولقاءات القمة التى عقدها فى الرياض مع قادة دول خليجية وعربية وإسلامية. القول إن السياسة الأمريكية الجديدة أدخلت الشرق الأوسط مرحلة جديدة هو قول لا يخلو من حقيقة، وإن كان لا يشرح الحقيقة كلها.

فالسياسة الأمريكية الجديدة فى المنطقة ليست جديدة تماما، ولكنها فى الحقيقة عودة – بالطريقة والقدر الذى تسمح به الظروف – لسياسات أمريكية جرى اتباعها فى السنوات العشرين الفاصلة بين الثورة الإيرانية وهجمات الحادى عشر من سبتمبر، حين سعت الجمهورية الإسلامية لتصدير ثورتها إلى دول الجوار، فردت الولايات المتحدة بالتعاون مع جيران إيران لتعزيز أمنهم، وإحباط محاولات التمدد الإيراني.

أدخلت هجمات الحادى عشر من سبتمبر السياسة الأمريكية حالة من عدم الاتزان فأصابت الإدارات الأمريكية المتعاقبة «حمى التجريب»، فجرب جورج بوش الصغير الترويج للديمقراطية والتغيير بقوة الغزو العسكري، بينما جرب باراك أوباما سياسة «كف الايدي» وترك المنطقة لمصيرها، بعد أن أصابته المعضلات الأخلاقية للسياسة الواقعية بالشلل السياسي.

رغم ما بينهما من خلافات، اتفقت سياسات بوش وأوباما على أمرين، أولهما هو العمل ضد مصالح الحلفاء الإقليميين، وما الفوضى الخلاقة التى أطلقتها كوندليزا رايس فى المنطقة سوى نموذج لهذا العبث، وثانيهما هو خدمة المصالح الإيرانية، وهو الأمر الذى حدث نتيجة سوء تقدير فى عهد الرئيس بوش، وبتخطيط مسبق فى عهد الرئيس أوباما. لقد حصلت إيران، نتيجة غزو جورج بوش للعراق، على هدية مجانية، فاخترق نفوذها مناحى الدولة والمجتمع والاقتصاد فى العراق، مستفيدة من الفراغ الناجم عن تفكيك مؤسسات الدولة العراقية. أما الرئيس أوباما فقد ابتلع الطُعم الإيراني، واختزل التهديد الذى تمثله إيران فى بعده النووي، وعقد مع إيران اتفاقا لتجميد الحصار الاقتصادى والسياسي، مقابل تجميد محدود المدة للمكون العسكرى فى البرنامج النووى الإيراني، وهو ما اعتبره حكام طهران ضوءا أخضر لمواصلة التمدد فى المنطقة.

بانتخاب الرئيس ترامب لاحت فرصة استعادة الولايات المتحدة الصف المعادى لإيران. ترامب لا يكن حبا خاصا للعرب، لكنه يكره الإيرانيين الذين خطفوا الدبلوماسيين فى الماضي، والذين مازالوا يهتفون «الموت لأمريكا» عندما يريدون الاحتفال، والطرفان كلاهما من المسلمين فى كل الأحوال. ترامب رجل اعمال يحب الصفقات الرابحة، والمملكة لديها ما تقدمه له مقابل إظهار عين أمريكا الحمراء لإيران. تعزيز التحالفات القديمة، والتصدى للتمدد الإيرانى هو جوهر سياسة ترامب فى الشرق الأوسط، فى حين تأتى مواجهة التطرف والإرهاب فى مرتبة تالية، رغم أنها تمثل الاسم «الكودي» والمبرر المبدئى للسياسة الجديدة. فالتهديد الإيرانى هو التهديد الأهم الذى يواجه السعودية والخليج. هكذا ترى النخب الحاكمة هناك – وعن حق – الأمر. فالجغرافيا، والمذهب، والأيديولوجيا تضع السعودية وإيران على طريق التصادم الحتمي، وللقيادة السعودية الاحتفاء بنجاحها فى كسب الولايات المتحدة لصفها فى هذا الصراع.

لقد وفر لقاء القمة بين قادة الدول العربية والإسلامية مع الرئيس الأمريكى مظلة ضرورية من الشرعية للتحالف الأمريكي-السعودى فى طوره الجديد، فأمريكا فى أعين الكثيرين من العرب والمسلمين محسوبة فى صف الأعداء أكثر منها فى صف الأصدقاء، والتحالف معها يحتاج إلى مظلة عريضة من قادة العرب والمسلمين. لكن المشاركين فى القمة ليسوا جميعا على قلب رجل واحد فيما يخص الأولويات الأمنية والسياسية، ولكل منهم الأسباب الخاصة التى دعته للمشاركة فيها، فالفوز بلقاء الرئيس الامريكى هو مطلب عزيز لبعض القادة، بينما تعد المملكة بمواردها الوفيرة صديقا يصعب تجاهل طلباته بالنسبة للكثيرين.

تباين أولويات دول الإقليم هو الاختبار الأكبر الذى يواجه الوفاق الأمريكي-السعودى المستعاد، فالتباحث بين دول الإقليم المعنية لم يتم حول «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي» المعلن عنه، ولا حول قوة احتياط «التحالف الإسلامى العسكري» ذات الـ 34 ألف جندي، بينما لم يضع أى من القادة المشاركين فى القمة توقيعهم على «إعلان الرياض» رغم أهمية ما ورد فيه. الأرجح أن عملية تفاوض طويلة ومضنية ستبدأ مع اختتام جولة ترامب فى المنطقة، وأن دول المنطقة سوف تكون مطالبة بالانضمام إلى نظام للأمن الإقليمى تم الشروع فى تأسيسه. الأرجح أيضا أن لافتات «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي» و»التحالف الإسلامى العسكري» سوف يتم استخدامها بغض النظر عن عدد وطبيعة الأعضاء المشمولين بعضويتها، وأن سوريا – وربما اليمن أيضا سوف تكون ساحة الاختبار الأولى لهذه الهيئات.

لقد آلت الأمور فى الشرق الأوسط إلى ما هى عليه الآن بسبب عوامل كثيرة، من أهمها السياسات التى اتبعتها الولايات المتحدة فى المنطقة طوال العقد ونصف العقد الأخير، والمؤكد أن استعادة السياسة الأمريكية السابقة سيسهم فى تحسين الأوضاع الأمنية فى الإقليم. إلا أنه سوف يكون من المستحيل إصلاح كل الضرر الذى أحدثته سياسات الخمسة عشر عاما الأخيرة، فعقارب الساعة فى السياسة، مثل أى شيء آخر، لا ترجع إلى الوراء.

من المهم أيضا ملاحظة أن التدهور الأمنى فى الشرق الأوسط لم يحدث فقط فى سنوات العبث الأمريكي، لكنه بدأ قبل ذلك بكثير. ولعلنا لم ننس أن البنية التحتية لحزب الله المتحكم فى الدولة اللبنانية تم وضعها فى ذروة الالتزام الأمريكى بأمن حلفائها الإقليميين، فالالتزام الأمريكى لم يكن، ولن يكون، بوليصة تأمين شاملة ضد كل المخاطر. السياسة الأمريكية المرتبكة هى أحد العوامل الرئيسية التى وصلت بالمنطقة إلى ما هى عليه الآن من اضطراب وفوضى، وتعديل السياسة الأمريكية يمكن له أن يسهم فى تحسين ظروف المنطقة. غير أن السياسة الأمريكية لم تكن أبدا العامل الوحيد الذى أوصل المنطقة إلى ما هى عليه، فأهل المنطقة أقصد حكامها – يتحملون نصيبا كبيرا فى الإخفاقات التى حدثت، وليس من الواضح ما إذا كانت سياسة ترامب الشرق أوسطية ستغرى المعنيين على التمسك بسياسات الماضى التى قادت إلى الفشل، أم أنها ستشجعهم على تسريع وتيرة الإصلاح. والأمر الآن متروك لأولى الأمر فى المنطقة، فالرئيس ترامب لا يحب إلقاء المحاضرات، ولا يريد فرض قيم بلاده على أحد.
عن الاهرام

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً