النخبة المعطلة ..بقلم :د.عاطف أبو سيف

2017/07/17
Updated 2017/07/17 at 11:57 صباحًا


أشد آفات المجتمعات سياسياً هو تعطيل دور النخبة فيها بسبب الدور الكبير المناط والمتوقع أن تقوم به بجانب مقدرتها على القيام بذلك.
وربما تشهد الحالة العربية عموماً صراعات مريرة على عملية “التنخيب” أو “الانتخاب” بغية صياغة مستقبل الدولة الوطنية في العالم العربي – لم يعد عالماً.
أما في السياق الفلسطيني فإن ثمة تراجعا في دور النخبة وربما تشوها في تكويناتها. فليس ثمة نخبة بالمعنى الحقيقي للكلمة – والمعنى الحقيقي أمر قطعي وهو مخاتل أيضاً.
ولكن وبشكل عام فإن ثمة تشوها واضحا في تشكل النخبة وتراجعا لدورها ليس بسبب عملية التشوه هذه، ولكن بسبب العجز الكبير الذي تكشفت عنه النخب المشكلة. فنظرة إلى القيادات الصاعدة في التنظيمات الفلسطينية ومقارنتها بالقيادات المؤسسة لهذه التنظميات يصاب المرء بالدوار.
فثمة “إقليمية” و”مناطقية” و”محلية” عالية في عمليات التصعيد والتنخيب، فقيادة التنظيمات الجديدة هي قيادات ضيقة الهوية وتعمل على تعزيزها على حساب الهوية العامة، وفي صراع وتنافس ضيق مع هويات فرعية ومناطقية أخرى.
وهذا ينطبق على مجمل التنظيمات ويصعب تخيل أن هذا الحاضر هو استمرار لذلك الماضي، أم أن سمة التطور حين يكون للخلف تكون كذلك.
والأمر نفسه ينسحب على النخب في المجال الثقافي والاجتماعي، فلم يعد هناك كتاب أو شعراء يرتبط اسمهم بالهوية الوطنية وبصياغة الموروث والخطاب المتداول، بل إن غايات الكتاب، وليس كلهم بالطبع، باتت البحث عن علاقات خارجية ومعارف وعلاقات عامة تؤهلهم لحضور المؤتمرات والسفر وربما يتم تصميم الأعمال الأدبية والفنية من أجل الجوائز والدعوات.
وهذا أمر ينسحب على الأعمال الفنية التشكيلية وغير ذلك، ويرتبط بذلك تراجع دور الاتحادات والوزارات والمفوضيات العاملة في قطاع الثقافة والفن، وأهم من ذلك غياب اهتمام رأس المال الوطني بدعم مثل هذه النشاطات لحمايتها من بطش أجندة المانحين.
وهذا بدوره يلقى بظلاله على مستقبل النظام السياسي وتطوره. المؤكد أن ثمة علامات استفهام كثيرة لابد من إثارتها في هذا السياق حين يتم التفكير في المستقبل، لأن المستقبل ليس مجرد الغد بل هو الغد الذي ننشد، وإذا كان كذلك فإننا سنواجه الكثير من التحديات التي سيكون جزء أساس منها مرده قصورنا وعجزنا عن القيام بواجباتنا وبالدور المتوقع منا.
تنحاز النخبة بطبعها للهوية الوطنية، وحتى حين تكون مصادر النخب وخلفياتها مختلفة عن الهوية السائدة فإنها تسعى إلى التأثير عليها ومحاولة إعادة صياغتها. وبالطبع فإن ثمة مفاهيم مختلفة تحدد المرجعيات المختلفة لمثل هذه النخب، كما أن فهمنا لفكرة النخبة ودورها المفترض تصوغ توجهاتنا وفهمنا للمتوقع منها ولآلية انشغالها بالشأن العام.
لأنه ليس صحيحاً الافتراض أن النخبة من “النخب” والانتخاب وبالتالي التفوق فقط، بل هي من دورها في قيادة بوصلة المجتمع.
فليست النخبة بالشيء البعيد عن الناس ولا هي مجموعة سكان الأبراج العاجية والتأمليين وأصحاب الكروش من الساسة المنفصلين عن الواقع.
فلو كان الأمر كذلك لتم تقسيم المجتمعات إلى طبقات ثابتة لا يمكن إحداث اختراق بينها، وتعذرت عملية العبور من طبقة لأخرى كما هي العادة في التقسيمات الطبقية مثلاً في بعض المجتمعات.
وعليه فإن عملية الاختراق والعبور عملية ممكنة وليست معقدة في المجتمعات الحية. وبالاستعارة من الدراسات العلمية فإن التجنيد للنخبة أمر متأصل في المجتمعات المتحركة والحية.
يتأسس على ذلك أن يكون دور النخبة مركزيا في صياغة الهوية الوطنية وفي الصراع من أجل إعادة تثبيتها في حالة تعرضها للتآكل نتيجة أسباب كثيرة.
والمؤكد في كل ذلك أن النخبة العاجزة عن القيام بدورها هي نخبة معطلة لعملية تطور مجتمعها، وبالتالي تفقد موقعها في المجتمع ولا تعود نخبة. هل يشبه الأمر سياقنا الفلسطيني! ربما.
لكن لنلتفت إلى الصراع في المجتمعات العربية على مثل هذا الدور بين النخب التقليدية التي هي نتاج مرحلة بناء الدولة الوطنية بعد التحرر والنخب الإسلامية التي§ تحاول إعادة صياغة الهوية الوطنية وفق جينات هوياتية جديدة مشتقة من الماضي كما يعاد تعريفه لا كما يعرفه الناس.
أيضاً سيكون من الظلم حصر الصراع على الهوية الوطنية بين النخب التقليدية المشار إليها وبين النخب الإسلامية، إذ إن مرحلة خيبة الأمل من الدولة الوطنية ونخبها التقليدية أنتجت بدورها نخباً وطنية غير منحازة بالفطرة للنخب القديمة ولا هي تحاول أن تلبس عمامة الخطابة من خلال البحث في الماضي عن هويات يعاد بعثها من جديد.
ليس هذا بيت القصيد وإن كان جزءاً منه. ما أرمي إليه هنا أننا نمر بحالة عجز واضحة وستكون أكثر وضوحاً في قادم الأيام.
فحتى صراع النخب هو صراع مشوه لا يهدف إلى التحسين والتطوير بل إلى التدمير والتفتيت.
والانقسام الفلسطيني الذي مر عليه عقد من الزمن وربما يمر عقد آخر خير مثال على ذلك. وإذا كان الصراع جزءاً من البناء والتطوير، كما هي حال السياسة، فإنه في حالتنا لا يرمي إلا إلى الهدم والتفتيت.
يصلح عنوان هذا المقال “النخبة المعطلة” أن يكون بضم الميم وفتح العين ويصلح بفتح الأولى وكسر الثانية. ويعتمد النطق على المعنى المراد، وإن كانت حالتنا الراهنة تحتمل الإثنين.
فمن جهة فإن دور النخبة مُعطل لعجز ذاتي في تكوينها وهويتها وربما غيابها الطوعي عن الفعل السياسي والاجتماعي والثقافي ومساهمتها الناقصة في صناعة المنجز الوطني في الأوقات الراهنة، ومن جهة ثانية فإن دورها معطل بسبب تشوه التكوينات التي تساهم في تصعيد النخبة وفي تبلورها، وبالتالي يظل اشتباكها ناقصاً ولا يرقى لمستوى التحديات التي يفرضها الواقع على النخبة، أو على الأقل المستويات المفترضة من اشتباكها مع الواقع.
وعليه فإن ثمة افتكاكا بين النخبة ودورها وبينها وبين هويتها.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً