محمد بكري: أنا أكبر من إسرائيل بكثير والتطبيع مرفوض مع المغتصب

2017/10/01
Updated 2017/10/01 at 8:16 صباحًا

بيروت – زهرة مرعي / خلال وجوده في بيروت شغل الفنان محمد بكري الصحافة الصهيونية وتصدر عناوينها. شخصياً لم ينشغل بهذا الضجيج الذي افتعله المحتلون، فمن له جذور ضاربة في أرض وطنه لا يخشى لمام ناس تجمعوا من شتى أنحاء الأرض مفتعلين وطناً لهم، بعد اغتصابه من أهله. من بيروت قال محمد بكري “أنا أكبر من إسرائيل” ومن بيروت كذلك قال “التطبيع الثقافي مع الكيان مرفوض”.
معه كان هذا الحوار:
■ بعد أيام من إقامتك في بيروت كيف تصف كفنان ومثقف فلسطيني صلتك بهذه المدينة؟
■ مشاعري “مخربطة” مزدوجة، مثلثة أو مربعة. بلد حضن أهلي الفدائيين وكان حضناً دافئاً لهم. تواصلت مع الحالة السابقة من خلال كتابات محمود درويش. كضيف ليس لي حصر الإحساس الصحيح. حصل أن زرت مخيم صبرا قبل أيام، فمت. عشت إحساساً خانقاً، وشممت روائح ليس للبشر العيش وسطها. ولم أفهم لماذا هذا الواقع الذي يعيشه اللاجئون في لبنان. وأسأل لماذا وبأي حق يعيش الفلسطيني في لبنان الذي هو قطعة من فلسطين في مثل تلك الظروف؟ لماذا هو منزوع من ألف باء حقوقه الأولى؟ أليس حراماً وعيباً على اللبناني الإنسان أن يحرم أخيه الفلسطيني من أولويات حقوقه بالحياة والكرامة؟ هذا ما سألته لنفسي وأنا أختنق كلياً، وعدت لمكان إقامتي وكلي تساؤلات. حاكيت ربي، وأنا المؤمن به. شعرت بوجع حقيقي وعميق يشبه ألم الأسنان في العظام أو ألم الروح، لأني كفلسطيني أعيش فيما يسمى إسرائيل بأفضل من الفلسطيني في لبنان. وهؤلاء أعدائي، احتلوا بلدي وطردوا أهلي وشردوا ناسي. هذا موجع. ما
أطلبه فقط الاعتراف بالفلسطيني كإنسان له حق في الحياة والكرامة، فهو لم يختر اللجوء بل فرض عليه.
■ وماذا عن حياتك في بيروت إلى جانب مواجع المخيمات؟
■ أعيش هنا بحب بين أهلي وأصدقائي الطيبين والمحترمين جداً، من مسرح المدينة، دار النمر، جريدة الأخبار وجمعية أساس للثقافة والفنون، وجميع الناس الذين أعشقهم فعلاً. ولهذا أنا حيال مشاعر مزدوجة. كنت أتمنى لو بلغ المخيمات جميعها خبر عرض “المتشائل”. تساءلت لماذا لم يأتوا لمشاهدة ابنهم ممثلا على مسرح في مدينة لجأوا إليها؟ صراحة أنا حيال مشاعر متضاربة و”مش عارف حالي وين”؟ حتى الجهات لا أعرفها.
■ هل ترددت في تلبية الدعوة لزيارة لبنان؟
■ لم أتردد قيد أنملة. كنت أعشق هذه اللحظة. أعيش في حلم، بتعبير أدق أعيش مشاعر مراهق. أعرف أن لهذا البلد تاريخ وفيه عظماء. فيروز، وديع الصافي، ميخائيل نعيمة، الأخوين رحباني، زياد الرحباني، إيليا أبو ماضي وكثيرون غيرهم نشأنا مع إبداعاتهم المتنوعة. وكذلك الطعام الذي اتذوقه لأول مرة في حياتي. لا يستهان بفلسطين في الطهي إنما “أكلكو” أحلى. بلاد الشام تتشابه إنما الملكة هنا ونحن الأمراء. “يقول ضاحكاً”.
■ أنت هنا والمحتل يقيم الدنيا ولا يقعدها. هل يشغلك مستقبلك في “البلاد”؟ أم تستمتع بالراهن؟
■ استمتع بلحظتي الراهنة ولا أحسب حساباً لأحد. مستقبلي لم ولن يرتبط بهذه المنظومة. أنا أكبر من إسرائيل بكثير. عندي أصل وجذور. لي ثقافة وحضارة عريقة. وأنتمي لمنارات سطرت تاريخاً منهم غسان كنفاني، أميل حبيبي، محمود درويش، إدوارد سعيد وكثيرون غيرهم.
■ لماذا تصف وزيرة الثقافة الإسرائيلية بالغبية؟
■ ليست فقط غبية بل غوغائية، لا أخشاها ولا أفكر فيها، ولا أعيرها أدنى اهتمام. بالنسبة لي هذا الشاب الذي يرتدي البنفسجي الذي أتى لنا بالقهوة، والآخر الذي يرتدي الكاكي وأتى لنا بالماء أهم منها بكثير.
■ بالعودة إلى عرض “المتشائل” هل لجمهور بيروت صفات خاصة؟
■ وجدت ذكاء خارقاً في فهم المطروح.
■ رغم اللقاء للمرة الأولى مع هذا العرض إلا أننا لاحظنا بعض الارتجالات؟
■ ليست كثيرة. منذ رحل أميل حبيبي أحاول أن أكون صادقاً وملتزماً بالنص. ولأن حبيبي رحل فأنا حيال أمانة وممنوع الخروج عن النص إلا قليلاً. كان يسمح لي بذلك رحمه الله، وكان يردد “يا رفيق ليش مقلتش هاي الجملة”. أخبره بأنها غير موجودة في النص الأصلي فيبدي اعجابه بها طالباً وجودها. لن أزيد على ما قاله لي حبيبي وفاء لصديق عمري وحبيبي.
■ بعد ألفي عرض ماذا تغير في النص وفي محمد بكري؟
■ أصبحت عجوزاً. في بدايات “متشائل” كنت أحتاج للمكياج من تبيض شعر وخطوط على الوجه. ما شاء الله الخطوط لا تعد، وشعري أبيّض، وأنا على المسرح دون ماكياج.
■ بعد ألفي عرض كم تسري “المتشائل” في مسامك؟
■ أعيشها. نحن بصدد تصليحات في منزلنا في البعني، ولا أجد أياً من حاجاتي، حتى أني لم أجد النص قبل مجيئي إلى بيروت كما أفعل في كل عرض جديد. ذاكرتي لا تعينني الآن، ولا أذكر أين كان العرض الأخير قبل بيروت للـ”متشائل” لكنه في فلسطين.
■ متى وصلت لخلاصة جعلتك تقول “رجليَ على الأرض ورأسي في السماء”؟
■ لا أعرف تحديداً متى عرفت هذا، لكن هذا أنا.
■ ما هي مصادر قوتك؟
■ زوجتي وأبنائي.
■ وكم لديك من الأبناء؟
■ خمسة أولاد وبنت، هم مع زوجتي رصيدي في الحياة. أقول “رجليَ على الأرض ورأسي في السماء” ولست أدري إن كنت أعرف ذلك ومتى عرفت.
■ أين هو الرهان على اليسار الإسرائيلي في لحظتنا الراهنة؟ وهل كان الرهان عليه سابقاً مبالغاً فيه؟
■ أعلن إفلاسه كما في العالم أجمع. بت شبه متأكد من أن هذا اليسار الإسرائيلي لم يكن موجوداً يوماً. لو وجد هذا اليسار لما حدث ما حدث.
■ ما هو موقفك من التطبيع الثقافي مع الكيان الصهيوني الذي يبرره البعض وينظّر له ويرفضه آخرون؟
■ التطبيع مع المؤسسة الصهيونية مرفوض، مرفوض ومرفوض وغير مقبول. فالاعتراف بالكيان الصهيوني والتطبيع مع إسرائيل ككيان قائم على احتلال الآخر وتدميره وإلغائه لا أقبله مطلقاً. كفلسطيني وفنان أعيش داخل الكيان أختار الأعمال التي أرغب المشاركة فيها. أي مستعد للعمل مع إسرائيلي حين تتوافر الشروط التي لا تتناقض مع مبادئي. بما يعني الحفاظ على هويتي كفلسطيني والاعتراف بها. ومن الشروط أيضاً إلتزامي بقضيتي وانتمائي. إضافة لذلك فالعمل يجب أن يحمل روحاً مناهضة للإحتلال، ولكل ما تعنيه كلمة صهيونية من معنى. إن توفرت هذه الشروط فلا مشكلة عندي من العمل مع إسرائيلي.
■ كم عمل مع الإسرائيليين توافرت فيه شروطك تلك؟
■ تقريباً ولا عمل.
■ ألم تعمل فنياً مع الإسرائيليين؟
■ عملت في فيلم “ما وراء القضبان”. حاولت عمل ما أريده، ونجحت، وبشق النفس استطعت تغيير نهاية الفيلم في سنة 1984 وكنت شاباً صغيراً. والنهايات مهمة في الأفلام.
■ كيف تنظر إلى فعل الثقافة في غسل الأدمغة قياساً إلى فعل السياسية وأيهما أقوى؟
■ لا أعرف أيهما الأقوى. على ما يظهر السياسة أقوى من الفن في عالمنا هذا. السياسيون هم أصحاب القرار في تغيير جغرافيا المكان والعلاقات بين البشر. للأسف الفن أنظف بكثير من السياسة. الفن لا يحمي المصالح ولا يتعامل معها، بل هو يحاكي مشاعر وضمير، فيما السياسة متلاعبة وقابلة للتصنيف. الفن يعيش دهوراً فيما السياسة سريعة التغيير. ليت للفن قدرة التأثير التي للسياسة. كفنان لي عشرات الأعمال في السينما والمسرح وجميعها يصب في البحر عينه ولم أغير شيئاً. ربما غيرت بعض العقول، كأن يقول لي ذلك متفرج لمسرحية أو مشاهد لفيلم. هو تغيير على الصعيد الفردي وليس الجماعي. فالناس يتبعون أيديولوجيات معينة ومن الصعب اقتلاعها لوضع جديد مكانها عبر فيلم أو مسرحية.
■ لكنك لا تقدم فناً للفن أنت صاحب قضية؟
■ صحيح. القضية في دمي وروحي. هي عمودي الفقري ومن خلالها أنطلق. إنما لكل عمل صيغته. ولا أعيش بالشعارات.
■ اللوبي الصهيوني يدير هوليوود ولا يمكن محو آثار السينما التي يقدمها للعالم أجمع؟
■ صحيح، ولهذا لا أتعامل مع منتجين أو مخرجين يسيئون إلى قضيتي. حين يُعرض لي عمل أمريكي، أوروبي أو إسرائيلي، أقرأ ما بين السطور والحروف والنقاط. إن توافق مع شروطي أقول نعم. رفضت في حياتي عشرات العروض. لا ألغي أثر الفن على البشر، لكني أضعه في حجمه الطبيعي. لو تمكن المسرح والسينما من تحرير فلسطين لحررتها مليون مرة.
■ كم يمتعك عملك بالفن؟
■ بلا حدود. أفتخر وأكبر ويصل رأسي إلى السماء عندما أكون على قناعة بالعمل الذي أقدمه.
■ من دعمك في قرار احتراف الفن؟
■ زوجتي ليلى. تزوجت مبكراً في عمر الـ22 سنة.
■ ولم تكن قد بدأت الفن فكيف تدبرت الحياة؟
■ كنت فقير الحال بكل معنى الكلمة حين تزوجت. عملت في البناء بعد تخرجي من جامعة تل أبيب. وانطلاقتي الأولى كانت مع فيلم “Hanna K” مع كوستا غافراس وكنت في عمر الـ30 سنة. وزوجتي هي داعمي الأول والأخير.
■ وكيف تحملت ليلى حياتك كفنان ونجم؟
■ تحملت كثيراً ولا تزال تتحمل. نشّفت ريقها.
■ حتى مع “تنشيف” الريق وأنجبتما ستة أبناء فكيف بدونه؟
■ ربما مكرهة أختك لا بطلة!
■ كيف ومن أين تستمد صمودك في وطنك المحتل؟
■ من خلال أبنائي وأحفادي الثلاثة وجميعهم أملي ورصيدي في الحياة. لا أستطيع إلا أن أبتسم حين أتخيلهم.
■ من يعمل بالفن بينهم؟
■ صالح، زياد، يافا، وولاء الذي بدل إسمه لآدم كي يلفظ صحيحاً في الولايات المتحدة.
■ ماذا عن لقاء الأقارب في لبنان؟
■ موجع، مبكي وحزين. شاهدتهم ولا أدري إن كان هذا سيحصل ثانية. أكره السفر بسبب الوداع. ليس سهلاً أن أودع كل من تعرفت إليهم في بيروت. أعيش في الطائرة تقريباً لكني لم اتآلف مع السفر. يتندر بعض الأصدقاء طالباً مني اسئجار غرفة في المطار. لم اعتد السفر ولم أتآلف مع الفنادق. ولا حل.
■ هل من جديد فني لديك؟
■ هو فيلم روائي طويل عنوانه “واجب” مثلته مع ابني صالح. وإن شاء الله سيذهب إلى الأوسكار. وقعته المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر التي تعيش بين السعودية والولايات المتحدة. سبق لها أن أخرجت فيلمين من بطولة ابني صالح، و”واجب” هو الثالث لها من بطولة صالح وأنا. وأكيد سأكون في بيروت حين يُعرض فيها./ عن “القدس العربي”

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً