مبروك… القدس تهزم ترامب ..بقلم :صادق الشافعي

2017/12/23
Updated 2017/12/23 at 8:59 صباحًا


لم تبد أميركا على هذه الدرجة من الانحياز لدولة الاحتلال كما بدت في الأيام الأخيرة. ولا هي بدت على هذه الدرجة من العزلة في أروقة الأمم المتحدة، في مجلس الأمن والجمعية العامة بالذات. في أقل من أسبوعين من الزمن فقط، بدت وحيدة في مواجهة الأربعة عشر عضواً الآخرين عندما ناقش مجلس الأمن قرار الرئيس ترامب حول القدس. وتكررت وحدتها في جلسة التصويت على مشروع القرار الذي تقدمت به مصر حول نفس الموضوع عندما صوتت وحيدة بالرفض (الفيتو) ضد الأربعة عشر عضواً الآخرين. وهي حالة نادرة من الإجماع الدولي في مجلس الأمن، خصوصاً أنها جاءت متوافقة ومنسجمة مع حالة إجماع دولي عام.
مندوبة أميركا الدائمة في مجلس الأمن (هيلي) اعتبرت القرار «إهانة لن تنساها الولايات المتحدة أبداً»، وهاجمت الأمم المتحدة «والعار الذي يلتصق بها لكونها مكاناً معادياً لأكثر الديمقراطيات ثباتاً في الشرق الأوسط». وزادت كرامات المندوبة الأميركية، بتهجمها على إدارة الرئيس السابق أوباما عندما اعتبرت تصويت تلك الإدارة بالامتناع وليس بفيتو الرفض على القرار 2334 الذي صدر عن مجلس الأمن بإدانة استيطان دولة الاحتلال، اعتبرته «وصمة عار».
مشهد العزلة أصبح أكثر درامية عندما انتقل مشروع القرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي انعقدت بصفة «متحدون من أجل السلام» لمناقشة نفس القرار. وهو ما يعطي القرار الذي تتخذه وهي منعقدة بهذه الصفة درجة الإلزام.
أميركا استبقت انعقاد الجمعية العامة وعملية التصويت على القرار بالضغط المستفز والمهين على حلفائها بعدم التصويت لصالحه، وبالتهديد للدول الأخرى، إن هي صوتت بالموافقة عليه.
التصويت في الجمعية العامة جاء لطمة قوية إضافية للولايات المتحدة ودولة الاحتلال.
فقد صوتت 128 دولة عضواً من الأعضاء الحاضرين لصالح القرار بنسبة 74.4%، وصوت ضد القرار 9 أعضاء فقط وامتنع عن التصويت 35 عضواً.
الأرقام المذكورة مقرونة بأسماء الدول تقدم قراءة تفصيلية وتظهر حقائق مهمة:
– لم يصوت مع أميركا إلا دولة الاحتلال و7 من الأعضاء غير المعروفين والذين يشكلون ملاحق لأميركا مثل مكيرونيزيا وجزر مارشال، و….
– من بين الدول الممتنعة عن التصويت لم يكن هناك أي دولة أساسية من شركاء أميركا في العضوية الدائمة لمجلس الأمن، ولا من حلفائها في حلف الناتو (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، إسبانيا….)، ولا كان فيها أي دولة آسيوية أو إفريقية كبيرة مثل الهند وماليزيا وجنوب إفريقيا و… جميع هذه الدول صوتت مع القرار.
– أربع من الدول الاشتراكية السابقة (التشيك والمجر وبولندا ورومانيا) امتنعت عن التصويت. – معظم الدول التي امتنعت عن التصويت مثل كندا وأستراليا مثلاً أودعت توضيحاً لتصويتها تؤكد التزامها بالشرعية الدولية وقراراتها حول القدس، وأنها لن تنقل سفاراتها إليها.
الولايات المتحدة بهذه المواقف والتصرفات استعدَت العالم كله تقريباً، وباعت تحالفاتها وحلفاءها لصالح تحالفها ودعمها لدولة الاحتلال وسياساتها وأطماعها الاحتلالية والعنصرية.
صحيح أن الولايات المتحدة ظلت الحليف والداعم الأول لدولة الاحتلال منذ اليوم الأول لقيامها، لكنها لم تكن على هذه الدرجة من السفور والانقياد والاستفزاز كما أصبحت منذ اليوم الأول لرئاسة ترامب.
النتيجة، جاءت هزيمة مدوية صنعتها القدس الشريف. والهزيمة أسقطت:
– أسقطت «صفقة القرن» الذي وعد بها الرئيس ترامب، وأسقطت معها كل ما تم تداوله من تفاصيلها (بلاويها) من الحل الإقليمي، إلى الدولة على نصف الضفة الغربية وغزة، بلا سيادة ولا أمن ولا قدس، إلى حل الحلقات الثلاث، إلى استقطاع مساحة من أرض سيناء وتبادل أراض، إلى… وكلها تلتقي على شطب حل الدولتين وتجاهل حقوق وتطلعات الشعب الفلسطيني وتبلع القدس.
– أكدت للعالم بجلاء تام، بكل دوله وشعوبه وقواه، أن دولة الاحتلال لم تكن لتقبل ولا يمكن لها أن تقبل طواعية وبأي حال، قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، وأن الدور الأميركي ظل، ولا يزال، يوظف لاستدراج التنازلات الفلسطينية والعربية.
– فرملت إلى حد كبير الأوهام الأميركية بقدرتها على استمالة بعض دول وقوى المنطقة لصالح صفقة العصر بمضامينها الموصوفة، ولصالح تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، دونما التزام بحقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. العكس هو ما تحقق، فقد تم تأكيد الموقع المركزي للقضية الوطنية الفلسطينية في مجالها العربي الشعبي والرسمي وأيضاً الإقليمي والإسلامي.
كل الأحداث التي حصلت وكل أشكال الرفض والإدانة لقرار ترامب على كل المستويات الشعبية والرسمية الوطنية والإقليمية والدولية وما أفرزته من حقائق ومعطيات وإنجازات تفتح الأفق واسعاً للتفاعل معها وتجييرها في حركة سياسية نشطة ومدروسة وعلى كامل اتساعها في كل الساحات الإقليمية والدولية. تقوم على قواعد التمسك بحقوقنا الشرعية وثوابتنا الوطنية وعلى الشرعية الدولية وقراراتها، وتفتح الأفق واسعاً، في البداية، لترتيب الأوضاع الفلسطينية في البيت الفلسطيني، منظمة التحرير وكل مؤسساتها وتعبيراتها.
إن النجاحات التي تحققت، والمعارك القادمة علينا أيضاً، تشجع كثيراً على تحقيق إنجازات ملموسة وضرورية وطال انتظارها، بالذات في عنوان الانقسام البغيض. وتشجع أيضاً، على مقاربة عناوين وطنية أساسية لتوفير قناعات ومواقف مشتركة باتجاه الحسم فيها أو باتجاه التوافق على خطوات تمهيدية أو إدخال تعديلات في أشكال وطرق التعامل معها.
يساعد على ذلك أن مواجهات الأسبوعين الأخيرين والإنجازات التي تحققت فيها، على المستويين الجماهيري النضالي المقاوم والرسمي السياسي والإعلامي، قد اظهرت توافقاً ملحوظاً وتقارباً واضحاً في الرؤى والمواقف يمكن البناء عليها وتطويرها. ويبقى دعم الحركة الجماهيرية ووحدتها وتنظيمها ونضالاتها الحلقة المركزية في كل ذلك.
عن صحيفة الايام

Share this Article