الانتقال من رد الفعل إلى الفعل ..بقلم :مهند عبد الحميد

2017/12/26
Updated 2017/12/26 at 9:16 صباحًا


انتهى فصل من رد الفعل الشعبي والرسمي على قرار ترامب الذي اعتبر مدينة القدس عاصمة لدولة الاحتلال واعتمد نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وكانت نتيجة هذا الفصل من رد الفعل الدولي والعربي والإسلامي والفلسطيني حرمان «تحالف ترامب نتنياهو» من الغطاء القانوني والسياسي، واعتبار القرار غير شرعي ومتناقضاً مع القانون الدولي وقرارات مجلس الامن والجمعية العامة واليونسكو التي تتعامل مع القدس كمدينة محتلة، وتعتبر كل الوقائع الاستعمارية الإسرائيلية فيها كما في الأراضي المحتلة باطلة وغير قانونية وينبغي التراجع عنها.
لكن هذا الموقف الهام، لم يَرْقَ الى مستوى فرض التراجع عن القرار، وذلك يعود الى ضعف رد الفعل الشعبي الفلسطيني والعربي والإسلامي والدولي. فرغم التحدي الذي قذف به ترامب في وجه الشعوب وهو يهين قيمها ومعتقداتها ويحاول تدمير حلمها في وضع حد للاستعمار الإسرائيلي وفي انتصار الحرية والعدالة على العدوان والقهر والنهب وغطرسة القوة.
علينا الاعتراف بأن رد الفعل الشعبي العربي المحدود، يعود الى انتصار معسكر الثورة المضادة المدعومة من دول الهيمنة ورأس المال السياسي– الاصوليات الدينية والانظمة المستبدة – على الشعوب العربية التي فجرت انتفاضاتها من اجل الحرية والكرامة. الثورة المضادة التي أعادت إنتاج الارهاب والقمع والسيطرة والافقار والمهانة، بالاضافة الى التشرد والاقتلاع. كان ترامب ونتنياهو وحلفاؤهم يدركون حالة الشعوب العربية الصعبة، لكنهم أغفلوا حقيقة أن قرارهم الاستفزازي التسلطي قد دشن نوعاً من الاستنهاض، انطلاقاً من واقع ان الحرية في الإقليم وفي العالم لا تتجزأ.
أما رد الفعل الشعبي الفلسطيني الذي تميز عن غيره بعض الشيء، فلم يكن بمستوى الحدث أيضاً، وذلك يعود أولاً الى القمع الإسرائيلي المنهجي اليومي المتراكم ضد الهبات الشعبية وضد ظاهرة المقاومة الفردية. ويعود ثانياً الى هشاشة المؤسسات الشعبية والقطاعية فضلاً عن ترهل التنظيمات السياسية، الذي تمخض عن عجز التقاط الرود العفوية وتنظيمها ووضع المهمات المبتكرة لها على غرار تجربة الانتفاضة الأولى. خلافاً لذلك، جرى الإعلان عن «أيام غضب» خالية من مضمون، وبدت منعزلة عن الحراك والردود العفوية.
محدودية الردود العفوية تعود للخطاب السياسي والتعبوي الخامل والتقليدي غير الجاذب الذي كان يقدم للقطاعات الشعبية من قبل التنظيمات، مع وجود تفاوت في الخطاب وفي العلاقة مع تلك القطاعات، ويعود ثالثاً، لحالة الإحباط الناجمة عن تجديد القيادة الفلسطينية الرهان على ادارة ترامب لمجرد وعودها بإبرام صفقة القرن لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، ولم يمض طويل وقت قبل إعلان ترامب عن بواكير صفقته بقراره الاستفزازي حول مدينة القدس، محدثاً المزيد من الإحباط واليأس في الأوساط الشعبية.
ما أود قوله، إن قوة او ضعف الحراك الشعبي له صله بالإعداد السابق وبالخطاب السياسي والتعبوي المترافق مع الحدث وبالمبادرات الملموسة، وبمقومات تطوير اي فعل عفوي، وبالفعل الجماهيري القطاعي المنظم الذي يستطيع بناء الاحتجاج وتطويره، ليكون فعلاً مستمراً.
إن محدودية الرد الشعبي الفلسطيني والعربي، وغياب المبادرات الدولية البديلة للاحتكار الأميركي للعملية السياسية، انعكس على الموقف الرسمي العربي الذي لم يمارس اي نوع من الضغوط على إدارة ترامب كي تتراجع عن قرارها. والذي لم يساعد الدول التي تعرضت للضغوط كي لا تتراجع أمام ترامب سواء بالامتناع عن التصويت – 34 دولة – او بعدم حضور اجتماع الجمعية العامة – 22 دولة-. الاخطر من ذلك هو الهجوم المضاد الذي يشنه ترامب وحلفاؤه بهدف تنفيس المعارضة الدولية وإفقادها مضمونها وتأثيرها. والمرشح الأكبر الذي تعرض وسيتعرض للضغوط والعقوبات هو فلسطين، نظراً لأهمية الموقف الفلسطيني في التأثير على المواقف الأُخرى. الضغوط بدأت فعلا قبل القرار بإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وبوقف المساعدات الأميركية، وغير ذلك، ولا شك أن الضغوط الاميركية بمشاركة بعض الدول العربية ستتزايد بغية كسر الموقف الفلسطيني، أو احتوائه.
الصمود الفلسطيني، والارتقاء بالمواقف الفلسطينية، لا يكون إلا بتقوية البيت الفلسطيني المهلهل الذي تُرك بدون صيانة ردحاً طويلاً من الزمن. الأهم هو الوقوف عند المال السياسي الذي تعتمد عليه السلطة والمنظمة والذي سَيُفَعِل الداعمون ضغوطهم عبره أكثر من اي وقت مضى، واتباع سياسة اقتصادية تعتمد ما امكن على الذات وأقل على الدعم غير المشروط.
من الضروري توقف المنظمة عند هذه المسألة المحورية الحساسة فوراً وقبل سريان الضغوط . المسألة الأُخرى التي لا تقل أهمية هي وضع المركز السياسي خارج القبضة الإسرائيلية، فاجتماعات المجلس المركزي بالنصاب القانوني تعتمد على الأذونات الإسرائيلية والموافقة الإسرائيلية. ولن تتورع دولة الاحتلال عن قلب الطاولة في أي لحظة غير عابئة بالشرعية التي تضفيها الأمم المتحدة على عمل مؤسسات المنظمة والسلطة باعتبارهما مكونات لدولة تحت الاحتلال. إن هذا الوضع يطرح أهمية وجود جزء من التمثيل الشرعي الفلسطيني وجزء من الهيئات الفاعلة في بلد شقيق لا يتدخل في الشأن الفلسطيني كالجزائر او تونس، او في بلد صديق كجنوب افريقيا او غيرها من الدول التي تسمح بحرية الفعل والتحرك غير المشروطين. إن الملاءمة السياسية والمالية للشروط الجديدة لا تكون ولا تتحقق إلا بتغيير وتعديل وتجديد في البنية القائمة، ومن خلال بنيات جديدة لا تكون تحت رحمة الشروط والضغوط. انه التجديد الذي يفتح الانسداد أمام الديمقراطية الفلسطينية ويحصن البيت الفلسطيني ويوفر مقومات المقاومة الشعبية الجدية طويلة النفس لمشاريع تصفية القضية الفلسطينية.
في كل الأحوال، بدأت معركة سياسية ووطنية فلسطينية كبيرة عنوانها إنهاء الاحتلال وتقرير المصير الفلسطيني، معركة تبدأ بإسقاط وعزل قرار ترامب حول القدس وإنهاء الاحتكار الاميركي للعملية السياسية، وقطع الطريق على ما يسمى صفقة القرن. لقد انتهت مرحلة ردود الفعل، لتبدأ مرحلة الفعل الجماهيري والوطني المنظم. الذي يؤكد ان القدس وكل العناوين الوطنية الاخرى هي شأن وقرار وطني فلسطيني أولا بالاستناد الى القانون والشرعية الدولية والحقوق المشروعة غير القابلة للتصرف. الفعل الجماهيري المنظم والموجه للرأي العام العالمي والأميركي والعربي، وللشعب الاسرائيلي الذي قدم نموذجاً سلبياً مدهشاً في محاكاة الأصولية القومية والدينية اليهودية المتطرفة، والذي التحقت معارضته التقليدية بحكومة المستوطنين وبسياساتها العنصرية. تنظيم الاحتجاجات السلمية القطاعية والمشتركة الحاشدة التي توجه رسائل للرأي العام آنف الذكر، وتنظيم الضغط على مصالح دولة الاحتلال والمصالح الأميركية، وتحويل الاحتلال الى قضية خاسرة عبر المقاطعة الاقتصادية والادارية والامنية – التنسيق الامني- . ويظل ابتكار اشكال من النضال وعدم تكرار الاشكال الفاشلة هو الفرق المطلوب.
عن صحيفة الايام

Share this Article