العودة إلى قراءات محمود درويش ..بقلم :عادل الأسطة

2018/01/07
Updated 2018/01/07 at 9:18 صباحًا


كلما قلت يجب أن أكف عن الكتابة عن محمود درويش وأشعاره أجدني أعود إليه وإليها.
محمود درويش ولازمة اليهود ولازمة القدس ومظفر النواب أصبحوا جزءا من مشروعي النقدي. طبعا هناك أسماء أخرى وموضوعات أخرى أتابعها.
مرة توقفت مطولا أمام قصائد الشاعر التي يخاطب فيها النقاد، وتحديدا أمام قصيدتين هما “إلى ناقد” من “حالة حصار ” 2002 و”اغتيال “من “أثر الفراشة” 2006.
قلت: كما لو أن الشاعر يوجه كلامه إلي ويقترح علي وجهة نظر هي ألا أفسر كلامه بطريقتي “بملعقة الشاي” ثم عاد ورأى أن ما بين الشاعر والناقد هو سوء تفاهم حتى لو كان ضربا من الاغتيال. “يغتالني النقاد أحيانا” و”أشكرهم على سوء التفاهم”.
هل كنت أسقط ما في ذهني وأنا أقرأ أشعاره؟ “لا تفسر كلامي بملعقة الشاي” – يعني وفق مسطرتك النقدية – أي وفق منهجك النقدي. وغالبا ما اتكأت على المنهج الاجتماعي.

التفسير الاجتماعي غيلة وغدرا:
في كتاب “مناهج دراسة الأدب “لـ (مارين جريزي باخ)، تحت المنهج الاجتماعي عنوان يأتي ما تحته على تفسير النقاد الماركسيين لبعض الروائيين البرجوازيين مثل (بلزاك) و(كافكا) وترى مؤلفة الكتاب أن النقاد الماركسيين ومنهم (جورج لوكاتش) أسقطوا رؤاهم على الروائيين وحملوا نصوصهم أكثر مما تحتمل.
هل رأى درويش أن نقدي يحمل نصوصه أكثر مما تحتمل؟
ربما.
في قراءتي أشعار الشاعر وقعت مرة في سوء قراءة اكتشفتها لاحقا، ما حدا بي لأن أكتب مقالا عنوانه “القراءة وإساءة القراءة” صححت فيه قراءتي الأولى.
في أثناء تحكيمي أبحاثا لأساتذة جامعيين أو لطلاب ماجستير أو دكتوراه كتبوا عن الشاعر لاحظت العجب فطلبت من أصحاب الأبحاث إعادة النظر فيما كتبوا واجتمع لدي كم هائل من القراءات غير الدقيقة.
ليس الأمر مجرد سوء تفسير. أحيانا كان من باب سوء قراءة المفردات ونقلها. كما لو أن الدارس كان يقرأ ما في ذهنه لا ما في ديوان الشاعر.
أمثلة
– مرة أعطاني طالب دكتوراه رسالته لأنظر فيها. ما إن قرأت أمامه عن علاقة درويش بامرئ القيس حتى انسحب وأخذ الرسالة وتراجع عن إهدائه. كتب إن علاقة درويش بامرئ القيس علاقة تشابه فقلت له: إنها علاقة تناقض وتعارض.
– مرة حكمت بحثا عن ديوان “لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي”.
وأنا أقرأ البحث عدت إلى الديوان للتأكد من دقة نقل النصوص فلاحظت عدم الدقة.
في “لاعب النرد” سطر نصه “على هذه الكنبة” وقد نقله الباحث “على هذه النكبة” وكتب عن النكبة، والسياق يقول إنه يكتب قصيدته وهو على “كنبة”.
كان الباحث مهذبا وعاد إلى الديوان وصحح وشكرني.
– من فترة قريبة قرأت مقالا لأستاذ من جامعة عنابة عنوانه “الثورة الجزائرية في شعر محمود درويش. “- مدرج على النت – وقد توقف الدارس أمام أسطر من “أوراق الزيتون” 1964 والأسطر هي
“آمنت بالحرف نارا..لا يضير إذا/
كنت الرماد أنا..أو كان طاغيتي”
وقد صارت مفردة “الحرف”: “الحرق”.
ودال الحرق لليهود دال مرعب لا يمكن لدرويش استخدامه.
الدارس، وعليه اعتمد دارس آخر على ما يبدو، شرح البيت اتكاء على دال “الحرق” لا دال “الحرف” الذي أورده الشاعر مؤكداً كشاعر ماركسي في حينه على أهمية الكلمة وإيمانه بدورها ومدلولها المجازي.
هذه مجرد أمثلة على إساءة قراءة الشاعر.
مرة كتبت إن علاقتي بأشعار الشاعر مثل علاقة النحويين بحتى.
قال عالم نحوي: “سأموت وفي نفسي شيء من حتى: “وأنا غالبا ما كررت: “سأموت وفي نفسي شيء من أشعار محمود درويش”.
عن صحيفة الايام

Share this Article