هل يجب عقد المجلس الوطني قبل المصالحة أم العكس؟ نعيم الأشهبقلم: نعيم الأشهب

2018/03/24
Updated 2018/03/24 at 8:11 صباحًا

الدعوة لعقد المجلس الوطني الفلسطيني أواخر نيسان القادم ، قبل أن يسبقه إنجاز المصالحة وتوحيد الصف الفلسطيني والاتفاق على استراتيجية بديلة، هو كوضع العربة قبل الحصان ، بل ويدفع في الاتجاه المعاكس نحو تعميق الانقسام ، وجعله بلا رجعة ، في أدق المراحل وأخطرها على القضية الفلسطينية ومستقبلها ، وبما يشكك ، في الوقت ذاته ، بأن الدافع من وراء الدعوة لعقده ليس تبني سياسة بديلة لسياسة أوسلو الكارثية والتصدي الفعلي لصفقة العصر التصفوية ؛ يعزز هذا الشك خطوات الرئيس عباس مؤخرا. فحين أعلن التخلي عن الوساطة الأميركية المنفردة بين الإسرائيليين والفلسطينيين ، عقب قرار الرئيس الأميركي ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ، فإنه ، أي الرئيس عباس ، بدل أن يعزز قرارات المجلس المركزي المتواضعة ، التي جاءت في مجال الرد على خطوة ترامب سالفة الذكر، ويسّرع تنفيذها ، قام بتجميدها ! مما يترك الانطباع بأن إعلانه التخلي عن الوساطة الأميركية المنفردة في النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي هو مجرد نوع من ” الحرد” ، وأن الجمود والشلل الذي أعقب هذا الإعلان ، بما في ذلك وأد قرارات المجلس المركزي سالفة الذكر، هو في انتظار “الترضية” من الطرف الأميركي.
وجدير بالذكر ، في هذا السياق ، أن إعلان التخلي عن الوساطة الأميركية في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني تطلّب ربع قرن بالكامل، كان ربحا صافيا للاحتلال بقدر ما كان وبالا كارثيا علينا، ليدرك الرئيس عباس أن الولايات المتحدة ليست طرفا محايدا في هذا النزاع ؛ وأنه لولا خطوة ترامب الاستفزازية بخصوص القدس ، لربما كان الرهان الخادع على الولايات المتحدة يمتد ويطول ؛ علما بأن الأخيرة ، لم تخف يوما ، ولا أخفت تحيزها الكامل لإسرائيل المعتدية . ومعروف في هذا السياق أيضا أن الرئيس عباس ، مهندس أوسلو، أعلن لدى تقديمه هذا الاتفاق الى المجلس المركزي الفلسطيني ، بأن هذا الاتفاق إما أن يؤدي إلى الدولة المستقلة أو يؤدي إلى الجحيم . وها قد تجاوزنا الربع قرن دون أن يقرّ الرئيس عباس بأن هذا الاتفاق المشؤوم أوصلنا إلى الدرك الأسفل من الجحيم ، بدليل أنه يواصل الوفاء بالالتزامات التي فرضتها أوسلو على الطرف الفلسطيني ، في حين لم ولا يلتزم الطرف الإسرائيلي على الإطلاق بتلك الخاصة به ، بموجب هذا الاتفاق .
لكن سياسة الجمود والشلل التي اتخذها الرئيس عباس عقب اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل أغرى التحالف الأميركي – الإسرائيلي – الرجعي العربي ، بالاندفاع في هجومهم على الطرف الفلسطيني على أكثر من جبهة. وفي هذا السياق، دعت واشنطن إلى عقد مؤتمر دولي تحت العنوان المخادع والمرائي:”بحث سبل إخراج قطاع غزة من الأزمة الإنسانية التي يعيشها”!. أما أبرز نجوم هذا المؤتمر، إلى جانب الولايات المتحدة ، فهم إسرائيل ودول الخليج، إضافة إلى مصر والأردن . والمفارقة الصارخة أن تزعم واشنطن ، راعية هذا المؤتمر ، أنها مهتمة بمعالجة الأزمة الإنسانية لقطاع غزة ، وهي الداعم الرئيسي للحصار الإسرائيلي الخانق عليه ولجميع الجرائم والحروب العدوانية التي شنتها إسرائيل على سكان هذا القطاع ، وهي التي خفضت بالأمس مساعدتها للسلطة الفلسطينية واتبعت ذلك بقطع نصيبها من موازنة وكالة الغوث لتجويع اللاجئين ، الذين يمثلون أغلبية سكان القطاع، لإرغامهم على التخلي عن حقهم المدعوم بقرارات الشرعية الدولية بالعودة إلى ديارهم التي جرى اقتلاعهم منها بقوة السلاح.
أما إسرائيل، صانعة كل مآسي الشعب الفلسطيني ، فادعاؤها الحرص على حلّ الأزمة الإنسانية في قطاع غزة تثير أقصى درجات السخرية. فمسلسل الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها يوميا، ودون توقف، ضد سكان القطاع، تستعصي على الحصر. فحتى حين كان ممثلوها يجلسون في هذا المؤتمر المشبوه كانت طائراتها ترش السموم على المحاصيل الزراعية للغزيين ، غير مكتفية بالتجويع الذي يسببه الحصار الخانق وبآثار الحروب الثلاثة التي شنتها على هذا القطاع خلال السنوات القليلة الماضية .
وعلى أي حال، فالطرف الأميركي، بغبائه المعهود ، لم يخف غرضه التآمري من وراء عقد هذا المؤتمر المشبوه. فالبيت الأبيض يعلن في الثاني عشر من آذار الجاري :”أن إدارة ترامب تعتقد أن تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة يتطلب اهتماما فوريا … وأنه (أي هذا الاهتمام ) خطوة ضرورية نحو التوصل لاتفاق سلام شامل بين الإسرائيليين والفلسطينيين ، بمن فيهم الفلسطينيون في كل من غزة والضفة الغربية”.
يكشف هذا البيان المقتضب عددا من الحقائق ، منها: أولا – أن المشاعر الإنسانية المزيفة للمبادرين والمشاركين في هذا المؤتمر المشبوه ، والتي هبطت عليهم فجأة ، بينما كانت غائبة على مدى سنين طويلة من معاناة سكان القطاع، ليست سوى غطاء رخيص ومبتذل للهدف السياسي لهذا المؤتمر، باعتباره فصلا من مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية في إطار صفقة العصر إياها، وأن التركيز على القطاع يفضح التوجه لإقامة دويلة مسخ في القطاع واعتبارها الدولة الفلسطينية الموعودة، بينما يجري ترك مصير الضفة والقدس العربية للمحتلين الإسرائيليين،
وثانياً – ان تجاهل هذا البيان لذكر مدينة القدس العربية ليس من باب الصدف أو السهو، وإنما اعتبار قضيتها قد سقطت “وسويت” بإعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل.
وثالثا ً- أن الدول العربية المشاركة في هذا المؤتمر، ضالعة وعلى المكشوف، في عملية تصفية القضية الفلسطينية وإهدار حقوق شعبها ، في إطار صفقة العصر؛ تمهيدا لفتح الطريق العريض والعلني أمام تحالف هذه الدول، مع إسرائيل ضد إيران ومحور المقاومة ،الحليف الرئيسي للقضية الفلسطينية ، والمعادي لإسرائيل والولايات المتحدة,
والمفارقة الصارخة أن يخرج الرئيس عباس ، ردا على هذا التآمر العلني والصارخ من بعض الدول العربية على القضية الفلسطينية مع الإسرائيليين والأميركيين ، بتحذير وتوعد ” بالمساءلة ، تحت بند المس بالأمن القومي العربي والفلسطيني، في حال مسّ أحدهم أو شهّر بأي من القيادات العربية “، كما جاء في الصحف. وإذا كان الرئيس عباس قد أعلن عقب بيان ترامب حول القدس، في إحدى جلسات اللجنة التنفيذية “أن العالم معنا ولكن العرب ليسوا معنا” فقد أحجم عن الإيضاح من هم العرب الذين ليسوا معنا ولماذا؟ فان تحذيره وتوعده اليوم، يعيد إلى الأذهان فصولا من تآمر الأنظمة على القضية الفلسطينية عام 1948، فقد كان أول إجراء قامت به جيوش بعض هذه الأنظمة ، لدى دخولها أرض فلسطين ، هو مصادرة الأسلحة الدفاعية المتواضعة من أيدي السكان الفلسطينيين ومنعهم من أي نشاط سياسي ، بدعوى أن هذا يعرقل عملهم في تحرير فلسطين. أما نتيجة ذلك ، فمعروفة جيدا.
ان التصدي الفعلي والفوري لهذه الموجة الجديدة من التآمر، لتصفية القضية الفلسطينية يتطلب ، أولا وقبل كل شيء ،استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية بأي ثمن ، باعتبارها الشرط الذي لا بديل عنه لاستنهاض كل طاقات وقدرات شعبنا للتصدي للمؤامرة وإفشالها، كما فعل في مرات سابقة، وفي الوقت ذاته تحديد موقعنا من المحاور المتصارعة في المنطقة ؛إذ لا يمكن دحر مؤامرة بهذا الكم من المتآمرين ونحن نتزلّف لمحور الأعداء ولا نجرؤ حتى على تحديد هويتهم ، والاتفاق على خطة عمل لهذه المعركة الشرسة، ليجري تحشيد القوى من حولها.
أما عقد المجلس الوطني ، مهما كانت مبرراته وضروراته ، فلا يجوز الإقدام عليه الاّ إذا جاء ليعزز نضال شعبنا ووحدته أمام أعدائه ، لا تعميق انقسامه . بينما تصعيد الاتهامات المتسرعة ، كما جرى مؤخرا، عقب محاولة التعرض لحياة رئيس الوزراء الفلسطيني ، لا ينمّ عن إدراك دور الاحتلال في وقوع الانقسام وتآمره الدائم لتعميقه ، وأن هذه المحاولة الإجرامية هي في إطار قطع الطريق على مساعي المصالحة الوطنية.
وإذا كانت ظروف المواجهة المحتدمة ، اليوم، مع محور المتآمرين تستصرخ كل وطني فلسطيني لأخذ دوره في المعركة مع هؤلاء المتآمرين المتكالبين ، فان اليسار الفلسطيني مدعو، قبل غيره، للنهوض من كبوته الطويلة وأخذ دوره الفاعل في مقدمة الصفوف في هذه المعركة وإلاّ ، فاستمرار كبوته قد يعني نهايته الفعلية.

Share this Article