موسكو تخسر معركة بعد حمام دم: كييف تتنازل للمعارضة لإنهاء الأزمة

2014/02/22
Updated 2014/02/22 at 10:35 صباحًا

 

 -

 

اتخذ الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش «خطوات دراماتيكية» لإنهاء الأزمة في بلاده، إذ وقّع اتفاقاً مع زعماء المعارضة أمس، تضمن تنازلات كبيرة، ما أثار صدمة وخيبة أمل في الأوساط الرسمية الروسية. ووجه سياسيون وبرلمانيون روس اتهامات إلى يانوكوفيتش بـ «الخيانة»، فيما شكك مسؤول العلاقات مع أوكرانيا في مجلس الدوما أوليغ ليبيديف بقدرة الاتفاق على الصمود. (للمزيد)

واستجاب الاتفاق طلبات المعارضة، لجهة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وتنفيذ إصلاحات دستورية تقيّد صلاحيات الرئيس، وتشكيل حكومة وفاق وطني. ورحب أنصار المعارضة المعتصمون في «ميدان أوروبا» بالاتفاق الذي قوبل بالتشكيك في مناطق السكان الناطقين بالروسية.

وحضر سياسيون أوروبيون مراسم التوقيع في كييف، في ظل غياب روسي ملحوظ، وسط تشكيك الأوساط السياسية في موسكو بصمود الاتفاق، وتحذيرها من انعكاساته السلبية على وحدة أوكرانيا.

واعتبر مراقبون في الغرب «تنازلات» يانوكوفيتش بمثابة «خسارة للمعسكر الروسي» وانتصار للعواصم الأوروبية التي ساندت الاحتجاجات في أوكرانيا منذ اندلاعها قبل ثلاثة أشهر، نتيجة رفض الرئيس الأوكراني توقيع اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي بتحريض من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وكان الأخير بادر إلى تقديم مساعدات مالية لكييف بلغ حجمها 15 بليون دولار.

وانتهت جولات المفاوضات الشاقة التي بدأت ليل الخميس، واستمرت بعد ليل طويل حتى ظهر أمس، بتفاهمات أخرجت اتفاق إنهاء الأزمة الأوكرانية إلى النور، على رغم أنه ولِد على خلفية استمرار التوتر في الشارع وتواصل التجاذب السياسي الذي عكسه حضور الطرفين الروسي والأوروبي المفاوضات.

ونص الاتفاق الذي أعلنه الرئيس الأوكراني، على بنود شكلت استجابة «شبه كاملة» لمطالب المعارضة، لجهة الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة بدءاً من أيلول (سبتمبر) المقبل، وإعادة تفعيل دستور العام 2004 الذي أقر بعد انتصار «الثورة البرتقالية» ويقيّد صلاحيات الرئيس، في مقابل صلاحيات واسعة للبرلمان والحكومة، ما يعني تحويل أوكرانيا إلى جمهورية برلمانية – رئاسية.

ووضع الاتفاق أسساً لتشكيل حكومة وفاق وطني تدير المرحلة المقبلة إلى حين إجراء الانتخابات. وبموجب الاتفاق أقيل وزير الداخلية فيتالي زاخارتشينكو الذي سيُستبعد من أي تشكيلة حكومية بعدما حمّلته المعارضة مسؤولية قمع الاحتجاجات ما أسفر عن سقوط أكثر من 110 قتلى في الأيام القليلة الماضية.

وشملت التفاهمات إطلاق سراح رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو، المعارضة الشرسة ليانوكوفيتش والتي تتزعم كتلة في البرلمان الأوكراني.

وابدت أحزاب المعارضة ارتياحها، وقوبل توقيع الاتفاق بهتافات ترحيب في «ميدان أوروبا»، المعقل الرئيس لحركة الاحتجاج، بعد ليل من الترقب والتوتر.

كما أعرب الوسطاء الأوروبيون عن ارتياحهم إلى الاتفاق، وتوجه وزيرا الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي والألماني فرانك فالتر شتاينماير إلى الميدان بعد التوقيع، ووجها دعوة إلى كل الأطراف للالتزام ببنود الاتفاق.

في المقابل غادر المبعوث الرئاسي الروسي فلاديمير لوكين، كييف قبل مراسم توقيع الاتفاق ومن دون أن يدلي بتصريح، علماً أنه حضر المرحلة الأولى من المفاوضات.

وسيطر التحفظ على تصريحات المسؤولين الروس بعد إعلان الاتفاق، وإثر مواقف نارية اتخذتها موسكو محذرة الوسطاء الأوروبيين من أن ضغوطهم على يانوكوفيتش «قد تؤدي إلى تقسيم أوكرانيا ونقل أخطار التطرف إلى البيت الأوروبي».

أعلن الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش عزمه على الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة والإفساح في المجال أمام إجراء إصلاحات دستورية تقلص صلاحيات الرئيس. ودعا إلى تشكيل حكومة وفاق وطني لتجاوز محنة البلاد. وأتت «الاستجابة لمطالب المعارضة»، صادمة لموسكو التي حذرت أوساطها من «تداعيات مؤلمة»، فيما تواصلت ضغوط المحتجين في كييف والمدن الأخرى.

وأسفرت المفاوضات الشاقة التي استمرت لمدة تسع ساعات ليل الخميس – الجمعة واستؤنفت ظهر أمس، عن «اتفاق تمهيدي» لتسوية الأزمة الأوكرانية المتصاعدة بعنف منذ أيام.

وأعلنت أوساط المعارضة التي شاركت مع الرئيس في المفاوضات بحضور وزراء أوروبيين انضم إليهم مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير لوكين، إن الطرفين وقعا بالأحرف الأولى على صيغة التسوية التي تم التوصل إليها.

وأعلن يانوكوفيتش في وقت لاحق أمس، تفاصيل «خطة التسوية» وقال إنه «كرئيس للبلاد وضامن للدستور أقوم بما يمليه علي واجبي». وأوضح إنه سيدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة، وإلى الشروع بإصلاحات دستورية تعيد إلى الحياة دستور عام 2004. ويعد هذا مطلباً أساسياً من مطالب المعارضة كون دستور عام 2004 قيد صلاحيات الرئاسة ومنح صلاحيات أوسع إلى البرلمان ورئيس الحكومة.

كما دعا يانوكوفيتش «كل الأطراف إلى الانخراط في مفاوضات لتشكيل حكومة وفاق» أطلق عليها تسمية «حكومة الثقة الوطنية».

وفي مبادرة هدفت إلى تعبئة تأييد أنصاره خلف قراراته، تعمد يانوكوفيتش الإشارة إلى مسؤولية الجميع عن وقف إراقة الدماء، وقال إن واجباته «أمام الشعب وأمام أوكرانيا وأمام الله، تفرض علينا العمل لحفظ البلاد وحماية حياة المواطنين وإعادة السلام والاستقرار إلى وطننا». وزاد أنه «في هذه الأيام المأسوية، عندما تكبدت أوكرانيا خسائر فادحة، عندما سقط ضحايا على جانبي المتاريس، أعتبر أنه من واجبي أن أعلن أمام الذكرى الطيبة للقتلى، أنه لا يوجد شيء أغلى من الحياة الإنسانية».

وكان الديوان الرئاسي مهد لصدور بيان يانوكوفيتش بالإعلان عن «انتهاء المفاوضات الخاصة بتسوية الأزمة السياسية في البلاد بمشاركة الرئيس وزعماء المعارضة وممثلي الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية» وأنه «تم الاتفاق على توقيع اتفاقية لتسوية الأزمة بالأحرف الأولى».

وشارك في المفاوضات إضافة إلى المبعوث الروسي، وزراء الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي والألماني فرانك فالتر شتاينماير، وحضرها من جانب المعارضة فيتالي كليتشكو زعيم حزب «الضربة» وأرسيني ياتسينيوك زعيم الكتلة البرلمانية لحزب «الوطن» الذي تتزعمه رئيسة الوزراء السابقة المسجونة يوليا تيموشينكو، وأوليغ تياغنيبوك زعيم حزب «الحرية». كما شارك في جزء من المفاوضات وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس.

 

توتر

وأتت نتيجة المفاوضات بعد ليلة متوترة تواصلت فيها مواجهات المعارضين مع قوات الأمن، على رغم اجتماع البرلمان في ساعة متأخرة من الليل وإعلانه سلسلة إجراءات للتهدئة، بينها الطلب من السلطات وقف الحملات الأمنية التي أطلقت عليها تسمية «الحملة ضد الإرهاب». وطالب البرلمان الذي يسيطر عليه حزب «الأقاليم» المؤيد ليانوكوفيتش بسحب الجيش وإعادته إلى ثكناته خارج العاصمة ورفع الحصار الأمني المفروض على «ميدان أوروبا» حيث يعتصم المحتجون.

وعلى رغم الإجراءات التي وصفت بأنها «تنازلات قاسية» للمعارضة استمرت عمليات التعبئة في الشارع أمس، وتواصل قدوم معارضين من مدن أخرى لدعم المحتجين في الميدان، فيما قام ناشطون بمحاولات لاقتحام مبنى البرلمان.

واعتبرت أوساط أوكرانية موالية للرئيس أن قرارات البرلمان والنتائج التي أعلن عنها يانوكوفيتش، ستمنح المعارضة دفعة قوية لأنها تعد «استسلاماً لمطالبها».

 

تحفظ روسي

لكن الصوت الأعلى في معارضة قرارات يانوكوفيتش أتى من موسكو. وعلى رغم التزام الكرملين بالصمت لساعات بعد الحدث، فان الديوان الرئاسي أعلن عن عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن القومي الروسي حضره الرئيس فلاديمير بوتين وشارك فيه رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف، ورئيسا مجلس الفيديرالية (الشيوخ) فالنتينا ماتفيينكو والدوما (النواب) سيرغي ناريشكين، ومدير الديوان الرئاسي سيرغي إيفانوف، والأمين العام لمجلس الأمن نيكولاي باتروشيف ونائبه رشيد نورعلييف. كما حضر الاجتماع وزراء الخارجية سيرغي لافروف والداخلية فلاديمير كولوكولتسيف والدفاع سيرغي شويغو، ومديرا هيئة الأمن الفيديرالية ألكسندر بورتنيكوف وجهاز الاستخبارات الخارجية ميخائيل فرادكوف. ولم تعلن نتائج الاجتماع لكن المعلوم أن هذا المجلس يعقد في جلسات طارئة لمناقشة القضايا الكبرى التي تواجهها روسيا.

في غضون ذلك حذر مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين الغرب من أن «وصول المعارضة إلى السلطة في أوكرانيا، سيفتح الباب لفوضى عارمة قد تقود إلى تقسيم البلاد». وقال إن السياسيين الأوروبيين «لا يدركون تماماً ماذا يفعلون حالياً، وروح التطرف ستنتقل إلى بلدانهم إذا انتصرت في أوكرانيا».

وكرر موقف بلاده «الواضح»، مشيراً إلى أن موسكو «تدعو إلى قطع الطريق على كل محاولات الاستيلاء على السلطة عن طريق القوة».

وفي أول رد فعل معلن في موسكو، وصف النائب البارز في حزب «روسيا الموحدة» الحاكم ليونيد كلاشينكوف، الرئيس الأوكراني بأنه «خائن»، وقال إن «تنازلاته ستكون لها تداعيات مؤلمة وتهدد وحدة البلاد».

ولفت البرلماني الذي يشغل منصب نائب رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الدوما إلى أن «يانوكوفيتش باستسلامه لمطالب الميدان، خان المواطنين الذين طالبوه بحسم الموقف وإعادة الأمن». وزاد إن قرارات يانوكوفيتش «لا تلبي مصالح القسم الشرقي في أوكرانيا الناطق بالروسية ولا أستبعد أن توجه القوى الناشطة هناك دعوة لموسكو للتحرك».

الحياة الجديدة – رائد جبر

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً