فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان… من الطعام إلى الإرهاب… بقلم: د. كمال الهلباوي

2014/03/23
Updated 2014/03/23 at 10:53 صباحًا

 

21qpt985 

 

العالم يغلي من حولنا، خصوصا في منطقة العالم العربي، بل وفي داخلها وخارجها، وأحد العلماء البارزين في الخليج تشغله مشكلة الأكل في البوفيهات المفتوحة، هل هي جائزة أم لا؟ هل هي حرام أم حلال؟ لا يتحدث العالم الجليل عن نوعية الطعام، فهذا أمر معروف ولا يدور حوله نقاش مفصل أو خلاف بشأن تلك الأطعمة، إلا في كتب الفقه خصوصا القديمة. وتناقش كتب الفقه الوضع أو الواقع القائم، والاضطرار في حالة الضرورة كذلك، أما الشيخ الجليل صالح الفوزان، فقد أفتى مؤخرا، بعدم جواز دخول البوفيه المفتوح بالمطاعم، الذي يكون محدد السعر، لان الطعام فيه يكون مجهولا، وحجته في ذلك أيضا أن البيع والشراء مشترط فيه أن يكون المباع والمشترى والسعر معلومين. وهو محق في الاستشهاد، ولكن موقع الاستشهاد بشأن البوفيه غير دقيق.
ويرى الشيخ الجليل أنه لا يجوز أن يدخل أي شخص الى البوفيه المفتوح ويقال له، كل ما تشاء بعشرة ريالات أو خمسين ريالا بدون تحديد للطعام، فهذا في ظن الشيخ، طعام مجهول لا يجوز أكله. وقد رد على هذه الفتوى شيخ جليل آخر هو الشيخ سعود الشريم قائلا ‘إن القول بالجواز أقرب، لأن الأصل في الأمور الإباحة، ولا يحرم شيء إلا بدليل يجب الرجوع إليه’.
يدور هذا الحوار بعد أن امتلأت دولنا، بمطاعم البوفيهات المفتوحة خصوصا في الفنادق، ويعلم الناس أنهم يستطيعون أن يأكلوا أي شيء من هذه البوفيهات، ويرون الكثير من العلماء والمشايخ يأكلون منها، وعادة ما تشمل الوجبات معظم أنواع الطعام، فلك أن تأكل ما تريد مقابل ما تدفعه وهو السعر المحدد. وفي كثير من البلاد التي تشتهر فيها أكلات ووجبات معينة مثل الطعام اللبناني أو الهندي أو الفرنسي أو المصري…الخ، أصبح كل شيء معلوما لمن يريد أن يأكل. من الصعب أن يذهب أحد الى مطعم مفتوح ولا يجد ما يطلبه، ويكاد يعرف الناس تفاصيل الوجبات المعلن عنها في المطاعم والفنادق، ويعرفون أسعارها، وليس هناك في ذلك حرمة على الاطلاق، حتى عندما يدخل فرد ليأكل في مطعم ما، لا يعرف بالتحديد كم حبة أرز ستقدم له في الطبق، ولا من أين تم استيراد أو شراء هذا الأرز. أسئلة كثيرة والتفاصيل منها ما هو، مرهق للنفس ومثير للشكوك، بدلا من زرع الاطمئنان بالفتوى الصحيحة، حتى يأكل الناس طعامهم بعيدا عن الهم والغم الذي يملأ الشارع اليوم، ولا يكاد يخلو منه بلد حتى في البلاد الغنية والمرفهة.
هناك في المقابل، نوع آخر من الفتاوى ينتشر اليوم بين المتشددين بل والارهابين، يحل لهم ظلما قتل النفس التي حرم الله تعالى قتلها إلا بالحق، وهم يتجاهلون هذا الحق، ويفتون بغير علم، وبعض تلك الفتاوى يأتي من خارج الحدود، ومنها ما يأتي من متشددين مصريين أو غير مصريين في أوروبا. بعضهم اليوم كما أعرفهم، أصبحوا مرضى، ويحتاجون الى علاج نفسي مكثف، ليخرجهم من حالة الخوارج التي وصلوا إليها.
وهؤلاء ممن هربوا أيام مبارك ولم تجتذبهم الثورتان اللتان وقعتا في مصر ولم يعودوا الى مصر، لأن الحرية في أوروبا أوسع والحياة أيسر وأرغد، والعلم الشرعي قليل فينشرون سمومهم في كل اتجاه، وهم يستحلون تلك الحياة وأسوا ما فيها، ويعكسون صورة سيئة تنفر غير المسلمين من دخول الاسلام، وتجتذب بعض السذج والبسطاء من الشباب المسلمين الذين يغرونهم بالخروج الى الجهاد في ساحات الصراع القاتل في العراق وسوريا والصومال واليمن وسيناء، وغيرها من أماكن الصراع، تحت مسمى الجهاد في سبيل الله تعالى، وينسى هؤلاء قول الله تعالى ‘وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ’. محاربة الظلم ومواجهة الفساد أمر مشروع، ولكن كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ‘مَنْ’رَأَىتمِنْكُمْتمُنْكَراًتفَلْيُغَيِّرْهُتبِيَدِهِ، فَإنْ لمَ يَسْتَطِعْ فَبلِسانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ اْلإِيمَانِ’، وهو إنكار الظلم والفساد وحتى الحكم بغير ما أنزل الله تعالى.
مشكلة الخوارج قديمة وفتنة كبيرة كانت نائمة، فلماذا نوقظها اليوم وعندنا من التحديات والمشكلات الداخلية والخارجية ما يغنينا عن هذه المشكلة، التي قد لا نجد لها حلاً إلا يوم الفصل، حيث يفصل الله تعالى بين الجميع، وهو سبحانه وتعالى أعلم بالحق وعنده مفاتيح الغيب ومفاتيح الجنة والنار، لم يعطها لأحد من البشر، لا من الصحابة ولا من المعتصمين في رابعة الذين قادوا أنفسهم وقادوا غيرهم، خصوصا الشباب المتحمس الطيب الى كوارث ما أنزل الله بها من سلطان، وقول عاصم عبدالماجد وغيره خير شاهد، على ذلك العبث بالدين والدنيا معا.
عندما يتحدث العلماء والفقهاء والباحثون في تاريخ الاسلام عن الخوارج، تظهر مصيبة من أكبر المصائب في تاريخ الاسلام. كثير من المصائب تندثر وتنتهي، ولكن مصيبة الخوارج وعقيدة التكفير استمرت حتى يومنا الحاضر. يعانى من هذه المصيبة خلق كثير، ولا أظن أن هناك بلداً واحداً يخلو اليوم من هذه المصيبة الكبيرة.
تلوث هذه الجماعة او الفرقة عقول الشباب، بما تحمله من أفكار ضالة، شاذة عن طريق الوسطية والمنهج الاسلامي في الدعوة والنظر إلى الآخرين، حتى لو كانوا كفاراً.
ظهور هذه الفرقة يعود الى النصف الأول من القرن الهجري الأول، ومن أكبر جرائمهم تكفير سيدنا عثمان بن عفان الخليفة الثالث، وكذلك تكفير سيدنا علي بن أبي طالب الخليفة الرابع رضي الله تعالى عنهما. ولذلك لا ينبغى أن يغضب العقلاء من السفهاء، بل أن الشعور بالأسى والأسف هو الواقع. يحتاج كل من ينتمى الى هذا الفكر والفقه الشاذ علاجاً فكرياً وفقهياً ونفسياً.
منهم اليوم من يكفرون الناس بالمعصية أو بمخالفة الرأي السياسي، ونظراً لأن القرآن ذو وجوه ونزل على سبعة أحرف، فقد انحرفوا في فهم القرآن، بفهم شاذ غير الفهم الوسطي الصحيح. رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يُخرج أحداً من الاسلام بسبب المعصية، حتى من ارتكبوا الكبائر منها مثل الزنى والقتل والسرقة، فنالوا عقابهم حيث أقام عليهم الحد، وماتوا على الاسلام، ودفنوا في مقابر المسلمين، وصلى عليهم المسلمون. منهم بعد إقامة الحد عليه من أخذ سهمه من الاسلام، وهؤلاء يؤمنون ويفتون بقتل الأبرياء، ويفسدون في الأرض، ويخالفون منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويظنــون أنهم يحسنون صنعاً، مثل ذلك المكفراتي الذي يسمي نفسه داعية، وهو يفتي بأنه لا تجوز صلاة الجنازة على رجال الجيش والشرطـــة من شهداء قتلى التفجيرات في مصر، ويفتى أيضاً بأنه لا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين مخالفاً بذلك الاجماع، بعد مخالفته لمنهج الرسول، بل إنه أفتى بأنه لا تجوز الصلاة على شيخ الأزهر ولا على الشيخ علي جمعة ولا الشيخ برهامي حال وفاتهم. ألا لا يعلم الغيب إلا الله تعالى وكيف تكون الخواتيم. رغم التاريخ المرير للخوارج، ومطاردة سيدنا علي بن أبى طالب لهم، إلا أنه لم يكفرهم، وقال هم من الكفر فروا وقال: ‘من طلب الحق فأخطأه ليس كمن طلب الباطل فأدركه’.
أخشى أن يكون المكفراتية اليوم ممن ينطبق عليهم قول الله تعالى ‘الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا’، لقد وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم قبل ظهورهم، وهذه من المعجزات بقوله كما جاء عن أبى سعيد الحذري’يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم (تراقيهم)، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية’، والحديث متفق عليه. على أهل العلم في شتى الأنحاء، خصوصا علماء الأزهر الشريف الوسطيين وفي مقدمتهم شيخ الأزهر والمفتي، أن يخصصوا برامج مستمرة للحديث عن فتنة الخوارج وعقيدتهم وتحذير الناس من الوقوع في فخ التشدد والتطرف والتكفير، والابتعاد عن الفتن، وعدم الاغترار بخوارج هذا العصر، خاصة أن ظاهرهم في العبادة والزهد قد يفتن البسطاء من الناس والشباب.

القدس العربي

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً