الديمقراطية الناعمة… بقلم : خيري منصور

2014/06/10
Updated 2014/06/10 at 9:00 صباحًا

e1f49599_1402377851263279900

 

تعددت أسماء وتصنيفات الديمقراطية بدءاً من المتوحشة وذات الأنياب، مروراً بالديمقراطية الأليفة، وأخيراً الديمقراطية الناعمة، وهذه الأسماء أو الصفات ليست مترادفات، لأن لكل منها سياقه التاريخي والثقافي، والعبارة التي تنسب إلى ونستون تشرشل، وهي أن الديمقراطية شر لا بد منه على غرار ما قاله الخطيب الروماني شيشرون عن الزواج تصلح مدخلاً لقراءات عدة حول أنماط الديمقراطية..

هذه الكلمة السحرية التي لم تترجم حتى الآن، منذ خمسة وعشرين قرناً عن اليونانية، لكن عصرنا أضاف إلى هذه الديمقراطيات المتدرجة من المتوحش إلى الأليف والناعم ديمقراطيات من طراز عجيب، مفصلة على قياس عرق أو جنس، ومنها ما قاله يوري أفنيري عن ديمقراطية الدولة العبرية، فهي حكر على اليهود فقط..

لهذا فهي تعلن القطيعة الجذرية عن المفهوم التاريخي للديمقراطيات .

وما يسمى الديمقراطية الناعمة يذكرنا بما أصبح يتكرر في هذه الأيام عن القوة الناعمة، التي تتجسد فيها الفنون والآداب والمنجزات الحضارية . وصاحب هذا المصطلح هو الأمريكي جوزيف ناي، لكن المصطلح أصبح أكثر شهرة من الرجل الذي اشتقه .

ولا تأتي الديمقراطية الناعمة في المراحل الأولى والتجريبية للديمقراطية، إنها حصيلة تراكم وخبرات تجعل من الممارسات الديمقراطية ما هو أقرب إلى المألوف اليومي بسبب السلاسة ووجود عقد اجتماعي هو بمثابة القاسم المشترك الأعظم بين أفراد المجتمع وشرائحه .

والمفارقة هي أن ما ارتكب حتى الآن من الجرائم باسم الديمقراطية ينافس ما ارتكب من جرائم باسم الحرية، وهذه عبارة أفرزتها الثورة الفرنسية عندما لاحظ المؤرخون أنها بدأت تأكل أبناءها .

ولن يصل العالم العربي وما يماثله في العالم الثالث إلى الديمقراطية الناعمة بين ليلة وضحاها أو لمجرد صدور قرارات رسمية، فحرق المراحل على هذا الصعيد ليس متاحاً كما هو الحال في التصنيع والتطور التكنولوجي، لأن هذه المسألة ترتبط عضوياً بموروثات وثقافات وأعراف وأنماط تفكير وتربويات .

لهذا فالخشونة التي تقترن ببواكير التجارب الديمقراطية يجب أن لا تثير دهشتنا لأن المجتمعات التي تطرق هذا الباب الصعب تعيش صراعاً بين ماضيها وحاضرها وبين عاداتها الذهنية الموروثة وبين حداثتها . وباختصار تحتاج إلى مران أولاً، ثم إلى تأهيل تربوي كي تصبح سلسة، وغير مشوبة بالعنف المتبادل والدم .

 

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً