العدوان الاسرائيلي على فلسطين: التخطيط للجريمة

2014/08/07
Updated 2014/08/07 at 9:15 صباحًا

2_1407297405_4986

منذ توقيع اتفاقيات اوسلو عام 3199 مروراً بحكومة رابين وليس انتهاءً بحكومة نتنياهو اليمينية، ظل الهاجس الأمني مسيطراً على عقول القيادات الاسرائيلية دون استثناء، وحجز الفلسطيني في العقل الاسرائيلي صفة “الأغيار” بدلا من الجار، وفسر الاهتمام المتزايد  في اسرائيل عن المناطق الأمنية والعازلة وبذل جهد من أجل اكمال عملية تنفيذها على أرض الواقع، وترافق ذلك مع إجراءات عنصرية مورست على الارض، بعيداً عن الحقوق الفلسطينية السياسية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة على الانفصال، وهروباً من الاستحقاقات والالتزامات المرتبطة بعملية السلام

في كل مرة كانت دولة الاحتلال وأجهزتها الأمنية تقر بعدم نجاعة الخطط الأمنية التي تقوم بها، بعد خوض الاختبارات والتغول في الدم الفلسطيني. في الضفة مثلاً، والقدس جزء منها، طَبّقَ شارون ما خُطط له في اسرائيل استراتيجياً لتنفيذ “حزام أمني” بطول 340 كيلومتر تقريباً، وعمق يتراوح بين بضع مئات الامتار إلى كيلو مترين، من خلال جدار الضم والتوسع ، ومارس نتنياهو ذلك في الضفة من خلال الزحف الاستيطاني، وشكل ذلك أحد اسباب فشل العملية السياسية، ومع ذلك يحاول فرض “حزام أمني” في غزة كنتيجة  لجرائم الحرب التي يمارسها جيش الاحتلال بحق الانسانية في القطاع.

نصت اتفاقيات اوسلو عام 1993 على توفير حزام أمني بعمق خمسين متراً على طول حدود غزة، لم تلتزم بها دولة الاحتلال كما لم تلتزم بأي شئ وقعت عليه منذ عام 1993، وبفعل غطرسة القوة كان جيش الاحتلال يوسع هذا الحزام عقب كل عدوان حتى وصل نحو الكيلومترين عقب الانسحاب الاحادي الذي نفذه شارون عام 1995. تركز هدف شارون الاستراتيجي حينها الوصول بالوضع الفلسطيني سياسياً وجغرافياً الى ما كانت عليه الحالة الفلسطينية قبل الاعلان عن حكومة التوافق، للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية، وهو ما تسعى حكومة نتنياهو لاستكماله باعتباره واحداً من الافكار الاستراتيجية في العقل الاسرائيلي. في أعقاب عدوان 2008 وصل عمق هذا الشريط ما بين 500-2000 متر تقريباً، وعقب عدوان 2012 جرفت دولة الاحتلال كل المزروعات، وقطّعت الاشجار المثمرة، واستخدمت النيران لمنع المواطنيين من الوصول الى اراضيهم ما خلق أمراً واقعاً بالقوة!.

يحاول الاحتلال استنساخ تجربة لبنان الفاشلة في أعقاب  حرب تموز 2006، وذلك عندما صرح عمير بيرتس وزير الحرب الاسرائيلي في حينه، أن أحد الاهداف الاسرائيلية من وراء الحرب على لبنان هو تنفيذ حزام أمني بعمق كيلو متر واحد داخل الاراضي اللبنانية، واضاف أيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها ان الحزام يجب أن يكون بعمق كيلومترين، وأنه لا نية لوقف اطلاق النار طالما لم يتحقق هذا الهدف.

في العدوان الاسرائيلي الحالي  (تموز 2014) على قطاع غزة، توغلت قوات جيش الاحتلال بعمق ثلاثة كيلومترات في بعض مناطق القطاع، وحولتها الى منطقة دمار بفعل القصف والتدمير والتجري

تستهدف إسرائيل اعادة احتلال 170كم من مجموع مساحة القطاع البالغة تقريباً 365 كم ، اي ما نسبته  47% من مجموع المساحة، وتهجير نحو 800 الف مواطن، والدفع بهم نحو العمق ما يعني اكتظاظاً شديداً في مساحة تعتبر الاكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، وتدمير عشرات القرى والبلدات، وضرب الزراعة بشكل كبير جراء تدمير الآبار (نحو 200 بئر على طول الحدود) واستنزاف المياه الجوفية المستنزفة أصلاً. بالمختصر تحويل قطاع غزة من “معتقل”  بفعل الحصار الاسرائيلي إلى زنزانة  أقل تحضراً لنحو مليون وثمانمائة الف مواطن فلسطيني!.

هل يعي العالم نتيجة ذلك؟ إنه الانفجار الذي على الامم المتحدة ومجلس الامن والدول الخمس دائمة العضوية وعلى رأسها الولايات المتحدة ان تتحمل مسؤولياتها تجاه حماية الشعب الفلسطيني من الدولة الوحيدة التي تتجاوز كل الاعراف الدولية ومواثيقها دون أن تحاسب بل تكافأ بفتح مخازن الاسلحة الامريكية الاستراتيجية.

المفاوضات المغلقة

صمدت جولة المفاوضات الأخيرة تسعة أشهر (29 تموز/يوليو 2013- 29 نيسان/ابريل 2014)، وتنصلت إسرائيل بل تنكرت لإلتزاماتها تجاه إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى الذين كان يجب الافراج عنهم في نيسان 2014 (وجب اطلاق سراحهم عقب إتفاقيات أوسلو عام 1993)، وجاء تعطيل الافراج عن الدفعة الأخيرة بقرار واضح من (الكابينت) الإسرائيلي مساء 3 نيسان/ابريل 2014.  تَنَكُر دولة الاحتلال مرة أخرى لاستحقاقات العملية التفاوضية، أوقف المفاوضات وأثبت أن إسرائيل ليست شريكاً حقيقياً لتحقيق السلام الذي أتفق على وصفه بالتاريخي، ما أوصل الأمور إلى طريق مسدود.

وخلال هذه الفترة اطلقت دولة الاحتلال  العنان للاستيطان وعبث المستوطنين بحياة المواطنين، واستمرت في خنق الفلسطينيين إقتصادياً وإجتماعياً، وقطعت أوصال المحافظات من خلال الحواجز الاحتلالية وغيرها، ما يعني أن حكومة الاحتلال كانت تلعب على عامل الوقت لترتيب إئتلافها اليميني القائم على المصالح، وبالتالي غلّبت مصالحها الداخلية على حساب تحقيق المصالحة التاريخية فانكفأت للداخل الاسرائيلي.

بالمقابل واجه الجانب الفلسطيني إنكفاء دولة الاحتلال لطبيعتها الاحتلالية، بتحرره من ضغط المفاوضات مع دولة لا تقيم للعملية السياسية وزناً، وصبّ جهده لتمتين جبهته الداخلية والذي تمثل في أمرين: الأول؛ تحقيق المصالحة الفلسطينية بأي ثمن، وتشكيل حكومة وفاق وطني قادرة على مواجهة كافة التحديات الخارجية. والثاني؛ تعزيز الحضور السياسي والديبلوماسي للدولة الفلسطينية على الصعيد الدولي، كخطوة للتوجه نحو المؤسسات الدولية والانضمام لمؤسسات الأمم المتحدة، أتبعتها القيادة الفلسطينية بشروط العودة للمفاوضات التي بقيت في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، على أن تكون هذه المفاوضات جدية وتستمر لثلاثة أشهر وتبحث في الحدود والقدس واللاجئين، ووقف شامل لكل العمليات الاستيطانية.

تحققت المصالحة في 27 نيسان/ ابريل رغم التهديدات الاسرائيلية والضغوط الامريكية، وشهد الثاني من حزيران  قيام الرئيس محمود عباس بتشكيل حكومة الوفاق الوطني.

الاحتلال يخلط الاوراق

لم تتوقف دولة الاحتلال عن التفكير مجدداً لإعادة خلط الأوراق لتبقي جميع الخيوط بيديها، وهكذا نفذت اسرائيل ودون سابق انذار، انتشاراً عسكرياً مكثفاً في محافظة الخليل وعلى تخوم بيت لحم في ساعات مساء يوم 12 حزيران 2014، ومساء اليوم التالي 13 حزيران أعلنت رسمياً اختفاء ثلاثة مستوطنين، وأعلنت أيضاً العثور على جثثهم مساء الاول من تموز. كالت الاتهامات للرئيس عباس  وشنت حملة سياسية وديبلوماسية دولية للتحريض على حكومة التوافق المشكلة حديثاً وعلى الرئيس ابو مازن الذي يتحالف مع حماس، واتهمت الحركة  بتنفيذ عملية الاختطاف!

أذاً اسرائيل أعلنت عن اختفاء المستوطنيين واعلنت العثور عليهم دون اشراك احد في هذه العملية التي كانت مثار شك منذ البداية، واتهمت حركة حماس، واعلنت فيما بعد اسماء المنفذين الذين لم نسمع عنهم شيئاً، وبقيت الرواية اسرائيلية حتى تبين لاحقاً “حسب قناة ZDF الالمانية” أن القصة جنائية، والسؤال الذي يُطرح على دولة الاحتلال باعتبارها الدولة  المتحكمة في كافة منافذ الوطن أين  عامر أبو عيشه ومروان القواسمي؟‍!.

في الاثناء وبفعل التحريض الاسرائيلي الرسمي والاعلامي أختُطِفَ الفتى محمد أبو خضير فجر الثاني من تموز من أمام منزله في حي شعفاط بالقدس وجرى التنكيل به وحرقه حياً. دون الخوض في سيناريوهات التحليلات الاسرائيلية حول عملية الاختطاف ومن قام بها،  أشتعلت كافة مناطق القدس، ومحافظات الضفة على وقع أبشع جريمة عرفها العصر الحديث،

كانت اسرائيل بدأت عملياً منذ يوم 14 حزيران 2014 تنفيذ غارات جوية بطائرات اف 16 لبعض مناطق قطاع غزة، الذي رد بقصف المستوطنات المحيطة بالقطاع، وتدحرج الامر إلى استدعاء قوات الاحتياط تحضيراً لعدوان مبيت على القطاع، يعيد خلط الأوراق في المنطقة، ويعيد نكأ الجرح الفلسطيني بتعميق الشرخ، واغراق حكومة الوفاق الفلسطينية في تفاصيل أكبر من قدرتها على تحملها.

سرعت دولة الاحتلال من عدوانها على القطاع، تحسباً من تدهور الأوضاع في القدس والداخل الفلسطيني ومحافظات الضفة، بعد أن عمتها التظاهرات بشكل لم تكن الاجهزة الامنية الاسرائيلية تتوقعه، ولم تكن بحاجة لذريعة سقوط الصواريخ في محيط تل أبيب وعلى تخوم القدس، لأنها بالاساس جاهزة وخطط العدوان جاهزة في أدراج رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو.

وهكذا بدأت اسرائيل عدوانها على القطاع بقصف مختلف محافظات القطاع يوم 6 تموز 2014، وبدأت احتلالها وعدوانها البري مساء 18 تموز، وعلق نتنياهو على ذلك بقوله:”انه يوم مصيري لاسرائيل”. أما يعلون وزير ما يسمى بالامن الاسرائيلي فقال:  “لن يكون هناك مساومة على أمن مواطنينا”. فلسطينياً تعاملت الحكومة بمنتهى المسؤولية والوطنية منذ اليوم الأول للعدوان الذي رفضته ونددت به، تأكيداً على وحدة الشعب والوطن والتزاماً بمسؤولياتها كحكومة تمثل الكل الفلسطيني، وشرعت بجملة خطوات سياسية وديبلوماسية لوقف العدوان، واغاثية عاجلة لشعبنا في القطاع.

في20 تموز بدأت دولة الاحتلال اجراءاتها الميدانية لتنفيذ واحد من الأهداف المعلنة: اقامة شريط أمني بعمق ثلاثة كيلو مترات من خلال القصف العشوائي المركز على الشجاعية والشعف والزيتون وبيت حانون والقرارة، وتركز من أطراف معبر المنطار والشجاعية شرقاً باتجاه وسط الشجاعية التي دُمرت بالكامل، ونفذ فيها جيش الاحتلال مجزرة رهيبة بحق العرق البشري على الهواء مباشرة وسط مناشدات المدنيين، وصمت الامم المتحدة ومنظماتها المختلفة، وما تزال بعض الجثث شاهدة على هول المجزرة تحت الانقاض حتى مطلع آب 2014.

مقارنة الخسائر حتى اليوم الـ28 للعدوان الاسرائيلي 3 آب

قطاع غزة

اقتصادياً

الناتج المحلي 1,8 مليار $

ا (نتحدث عن ارقام تقريبية إذ لم يتم حتى الان حصر الخسائر)

–  خسائر اقتصادية  نحو 3 مليار $   أي ضعفي الناتج المحلي .

– حسب الاتحاد العام للصناعات فإن هناك

134   مصنعاً تم تدميرها

217   ورشة عمل متوسطة تم تدميرها

19    مؤسسة مالية تم تدميرها

– خسائر البنية التحتية تقدر بنحو 5 مليار $.

– اجمالي الخسائر الاقتصادية والانشائية والعامة والخاصة تقدر بنحو 15 مليار

اقتصادياً

الناتج القومي 273 مليار$

-حسب صندوق النقد الدولي 0,2% من الناتج القومي، أي أن الخسائر نحو 546   مليون $.

– حسب يديعوت أحرونوت بلغت الخسائر   3,5  مليار $

الضحايا البشرية

حسب وزارة الصحة

1865   شهيداً، بينهم

426   طفلاً

254  أمرأة

9563  جريحاً معظمهم من الاطفال والنساء(4804)

69 مجزرة بحق العائلات والأسر

الخسائر البشرية

حسب وسائل الاعلام الاسرائيلية

63   جندي وضابط

5 كلاب

نحو 170 مصاب معظمهم بالهلع

اسرائيل لا تفصح عن الخسائر بأوامر عسكرية

وتشير مصادر غير رسمية في نجمة داوود الحمراء أنها نقلت نحو 800 مصاب الى المستشفيات الاسرائيلية

الأبنية المدمرة

حسب المركز الأورومتوسطي لليوم 27 للعدوان

10604  منزلاً بينها

188    مدرسة متضررة بشكل جزئي

24      مستشفى بشكل جزئي

134    مسجداً بشكل جزئي  وكلي

6       جامعات بشكل جزئي

الأبنية المدمرة

لا يوجد ارقام معلن عنها بفعل الرقابة غير أن ما ظهر على وسائل الاعلام لا يتجاوز 10 بيوت جانبية

3 منازل بشكل جزئي

المهجرون

نحو 220 ألف مواطن في مدارس الانروا (حسب الانروا) وكل 15 مواطن في غرفة مدرسية.

حسب منظمات حقوق الانسان نحو 475 الف مواطن منتشرون بين المدارس والاقارب والمتنزهات والمستشفيات، (لا يتلقون سوى ابسط الخدمات الاغاثية).

310 االاف مواطن بفعل التدمير الكامل للمنازل

165 ألفاً بفعل التهديدات الاسرائيلية بقصف المنازل،

المهجرون

يوجد في محيط غزة اربعة تجمعات استيطانية يبلغ مجموع المستوطنين فيها 43,100

المغادرون بارادتهم نحو 10,000 آلاف

تم وضعهم في مراكز الخدمات السياحية والفنادق.

160 دعوى قضائية على الحكومة الاسرائيلية تطالب بتعويضات جراء خسائرمادية”مركبات،مبان زراعية”

 الكهرباء

نحو 90% من الكهرباء مقطوعة عن المواطنيين والمستشفيات، ومضخات المياة والصرف الصحي. بفعل قصف محطة الكهرباء الوحيدة في القطاع، وتضرر معظم خطوط الكهرباء بفعل القصف.

المياه

يعاني القطاع أساساً من مشكلة في تزويد المياه بفعل المصدات التي تقيمها دولة الاحتلال على طول الحدود، واستنزاف المياه الجوفية بحيث أصبح معدل النترات والتلوث عال جداً. ومع ذلك وبفعل العدوان فقد تعطلت مضخات المياة بفعل استهدافها بشكل مباشر من جيش الاحتلال، وتدمير شبكة الكهرباء، وفقدان الديزل، وبالتالي فإن تزويد المياه بالمنازل أصبح معطلاً بنسبة 95% ما يهدد بكارثة أنسانية

الصرف الصحي

توقفت شبكة الصرف الصحي في القطاع بنسبة 95% ويمكن القول أنها قد تصل لنسبة 100% في حال استمرار العدوان ما ينذر بكارثة انسانية وبيئية.

الجلاد والضحية

تمتلك اسرائيل قدرة عسكرية تفوق امكانيات العرب قاطبة، فهي رابع جيش في العالم وثاني جيش معزز الكترونياً، غير أن هذه القوة لن يكون بمقدورها فرض ارهابها على الشعب الفلسطيني الاعزل والضعيف. ايقاع آلاف الضحايا الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة، وتدمير البنية التحتية، الكهرباء والماء والصرف الصحي. هكذا فعلت في لبنان وهكذا فعلت في القطاع والضفة من خلال حروبها المتكررة دون نتيجة، فحتى مساء 2 آب 2014 سقط في غزة والضفة 1712 شهيداً ونحو 9080 جريحاً من المدنيين ثلثهم من الأطفال والنساء، والخسائر المادية تقدر بنحو 3 مليار دولار أمريكي، ما يعني أن اسرائيل التي تتغنى بقدرتها العسكرية والتكنولوجية سقطت أخلاقياً، ما يفسر سبب عدم نجاحها في حروبها المتكررة سوى بدم الابرياء! آن للجلاد أن يتوقف عن تنفيذ جرائمه ويطرح السؤال بوضوح: كيف يمكن حل الصراع مع الضحية؟ بالتاكيد سيجد الجواب بأنه لا حل للصراع التاريخي دون حوار حقيقي يمنح للشعب الفلسطيني حقوقه السياسية

خريطة الألم!

تدحرجت الأهداف الاسرائيلية من وراء عدوانها على قطاع غزة، بذريعة إعادة الهدوء للمناطق الجنوبية، مرورا بتدمير الانفاق، وتحجيم قوة حماس والجهاد الاخذة بالتعاظم. ابتكر الاحتلال وسيلة لتنفيذ ذلك حسب يوسي ميلمان المحلل الأمني والاستخباراتي الاسرائيلي، بإختراع اسرائيلي شيطاني يسمى “خريطة ألم”،  لعدم قدرة جيش الاحتلال الاسرائيلي من الوصول إلى “بنك الاهداف” بعد الدمار الشامل الذي ألحقه بقطاع غزة. و”خريطة الألم”حسب الجيش الاسرائيلي تعني قتل المدنيين، ليتساوق مع الشعار العنصري لليمين المتطرف في اسرائيل “الموت للعرب” واغتصاب نسائهم! هذه عقلية المحتل الذي يتعمد استهداف المدنيين، وهيّ الوسيلة الأكثر إجراماً، هيّ صورة النصر التي تعودت عليها اسرائيل دون موقف حازم صارم من المجتمع الدولي وعلى رأسها مجلس الأمن، الذي تعود وضع رأسه في الرمل حتى لا يُتهم بالعداء للسامية. ولكن الشعب الفلسطيني لن يغفر لمن أوغل ولمن صمت على تنفيذ الجريمة، فلن يستطيع أحد إدعاء عدم المعرفة، لأن الجريمة كانت تحت بصر العالم أجمع  وعلى الهواء مباشرة!.

مع  “خريطة الألم” تقل أهمية الأهداف الأخرى التي تعتقد إسرائيل بقدرتها على فرضها بالقوة، وتتركز جملة الأهداف الاسرائيلية بالعمل على تعميق الشرخ الفلسطيني واعاقة الوحدة الفلسطينية وحكومة التوافق، وحرمان الفلسطينيين من وسائل الدفاع عن انفسهم وعلى رأسها  سلاح المقاومة الفلسطينية وفرض صيغة هدوء مقابل هدوء واستمرار حصار القطاع. العدوان الذي استهدف غزة ترواح بين أهداف استراتيجية وأخرى تكتيكية يمكن تلخيصها بما يلي:

–        تدمير عملية المصالحة الفلسطينية كهدف استراتيجي.

في ظل غياب شريك اسرائيلي حقيقي لعملية السلام، وتلكؤ حكومة اليمين التي تريد المراوحة حول المربعات الأولى دون تنفيذ الاستحقاقات المترتبة على ما تم التوافق حوله، استعادت القيادة الفلسطينية زمام الأمور وذهبت لمواجهة المجتمع الدولي موحدة سياسياً وجغرافياً. وقف الرئيس محمود عباس في مواجهة الضغوط من الولايات المتحدة والتهديدات اسرائيل من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية، بعد سنوات سبع عجاف استطاعت اسرائيل خلالها من التذرع دوماً بحالة الانقسام التي كانت واحدة من الاهداف وراء الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة عام 2005، لمنع قيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع عاصمتها القدس. وذهب بقوة نحو توحيد الصف الفلسطيني وتعرية دولة الاحتلال من ذرائعها للتنصل من الالتزامات والاستحقاقات السياسية أمام العالم.

تفتقت العبقرية الاسرائيلية عن فعل اسرائيلي لمنع الفلسطينيين من الوصول الى هدف توحيد صفوفهم، فكان هذا العدوان الجائر على القطاع، لإحداث الفتنة في الصف الفلسطيني لإدامة الفصل بين الضفة وغزة سياسياً وجغرافياً، وتنفيذ عدوان يؤدي إلى حل مجزوء  ومشوه في غزة بعيداً عن الضفة والقدس التي تعد لها حلاً مغايراً.

–       خلط الأوراق كهدف تكتيكي.

تعرض التحالف اليميني الحاكم الذي يقوده نتنياهو للكثير من الضربات ما هدد بانهياره والذهاب لانتخابات مبكرة، فعمل على اعادة خلط الاوراق “في الجوار الذي أعاد ترتيب صفوفه”، للحيلولة دون قدرته على الحركة السريعة دولياً واقليمياً وادخال الشأن الفلسطيني في خضم تجاذبات وصراعات إقليمية على حساب الدم الفلسطيني النازف، في محاولة لسحب البساط من تحت القيادة الفلسطينية وتعميق الشرخ في الصف الفلسطيني.

      إحتكار صورة الضحية كهدف استراتيجي.

  نجحت الماكينة السياسية الدعائية لدولة الاحتلال والحركة الصهيونية على ترسيخ صورة الضحية لأكثر من ستة عقود، ومن خلال ذلك ابتزت المواقف السياسية والدعم المالي، هذه الصورة اهتزت كثيراً بفعل فظاعة الجريمة الاسرائيلية بحق الطفل الفلسطيني المقدسي محمد ابو خضير الذي اختطف وجرى التنكيل به وحرقه حياً، ووجدت استنكار وشجب المجتمع الدولي قاطبة، وفقدت اسرائيل على وقع الجريمة صورتها كضحية، وباتت بحاجة لوقف النزيف في صورتها وبشكل خاص أوروبا التي باتت أقرب لاتخاذ مواقف بحق اسرائيل “دولة الاحتلال” والاستيطان باعتباره غير شرعي.

أمام ذلك وجدت دولة الاحتلال نفسها بحاجة لجهد لتغيير هذا الانهيار في صورتها مهما كلف الثمن، فكان قرارها الذهاب إلى عدوان على قطاع غزة، بذريعة أن دولة اسرائيل تدافع عن نفسها، وبحثت عن مبررات عسكرية وأمنية للعدوان لضمان بقاء التعاطف الدولي إلى جانب اسرائيل “الضحية”!!.

–       التدريب في اللحم الحي كهدف تكتيكي داخلي.

مؤخراً واجهت موازنة جيش الاحتلال الكثير من التجاذبات في الكنيست الاسرائيلي، حتى أن بعض القيادات العسكرية الاسرائيلية تحدثت عن تأثير ذلك على القدرة الهجومية والدفاعية لجيش الاحتلال، جراء عدم الموافقة على موازنة الجيش، وتم تقليص تدريب الجنود وعدد الطلعات الجوية للطيران الحربي. ما استنفر كافة مراكز القرار العسكري السياسي الامني لنفضت الغبار عن بعض الخطط الجاهزة للقيام ببعض التحركات على حساب اللحم الفلسطيني الحي، باعتبار المناطق الفلسطينية حقل الرماية، ويشكل المدنيون الأبرياء أهدافاً متحركة لا تحظى بالحماية الدولية، وبخاصة أن دولة اسرائيل تعامل طوال الوقت بأنها فوق القانون ولا تخضع لمعايير المساءلة العالمية عن جرائمها!!

تجنب المحاكم الدولية

  في ظل تعثر حكومة نتنياهو في تحقيق أي من الاهداف الاستراتيجية والتكتيكية، سوى ايغالها في الدم واللحم الفلسطيني، وتدمير البنية التحتية للقطاع، بدأ الصوت يعلو في حكومة نتنياهو حول وقف العدوان أو استمراره، حتى أن غدعون ساعر الوزير في حزب اليكود، دعا نتنياهو لقراءة متعمقة في تقرير فينوغراد (هآرتس)، فيما ذكرت (يديعوت) أيضاً أن الكثير من قادة الجيش يحضرون أنفسهم للمحاكمة بسبب الإخفاقات في العدوان على غزة.

لكن حقيقة الأمر أن على اسرائيل الإستعداد لمواجهة التحقيق الدولي في جرائم الحرب على غزة، بعد وصول لجنة التحقيق الدولية التي شكلها مجلس حقوق الإنسان، والتي ستبحث في الكثير من الجرائم التي إرتكبها جيش الإحتلال في القطاع، وقصفه المدارس والمستشفيات والجوامع والمنازل وابادة الكثير من العائلات.

وزارة الاعلام الفلسطينية

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً