معارك على “الدنيا الزائلة” بين “أصوات الله فى الأرض” (3)

2015/04/26
Updated 2015/04/26 at 9:06 صباحًا

thumbgen

تراث قديم من الخلافات بين نعينع والطبلاوى، يسكن غضبهما حيناً ثم يشتعل مرة أخرى، ويتبادلان الاتهامات والهجوم والرد، كل منهما يحرص على أن يظهر بمظهر البرىء المعتدى عليه. بدأ الخلاف بين الطبلاوى ونعينع عام 1979، عندما زار الشيخ أحمد نعينع القدس الشريف، فأنكر عليه الطبلاوى زيارته عندما التقيا فى وزارة الأوقاف، الزيارة التى يقول عنها نعينع إنها كانت لإحياء ليالى شهر رمضان وإنه دخل بتأشيرة من السلطات الأردنية. بعدها فى 2010 ثار خلاف بين الطبلاوى ونعينع حول الجبة والقفطان والبدلة، حيث كان الطبلاوى قد وجه انتقادات شديدة إلى القراء الذين يرتدون البدلة، ولا يلتزمون بالجبة والقفطان، وبالغ إلى الحد الذى طالب القنوات الفضائية والتليفزيون المصرى بجعل زى القارئ ضمن قيود الظهور على شاشات التليفزيون، فى حين كان الدكتور نعينع يرى أن الجلباب والعمامة زى من أصل تركى وليس من السنة فى شىء، وأصبح الآن لا يرتديه إلا قلة. واشتد الخلاف بينهما إلى الحد الذى جعل الشيخ أبوالعينين شعيشع نقيب المقرئين يتدخل لإنهاء الخلاف، وعُقدت جلسة صلح فى الخامس من نوفمبر 2010 وقادها الشيخ أحمد عامر، أمين مساعد نقابة القراء، وشيخ مقرأة الأزهر الشريف.
وفى جلسة الصلح بادر نعينع بالاعتذار للشيخ الطبلاوى وتقبيل رأسه وبادله الشيخ الطبلاوى تقبيل الرأس، إلا أن الصلح لم يصمد سوى شهور قليلة، لتفجر وفاة الشيخ شعيشع نقيب القراء الخلاف من جديد.
واشتد الصراع على كرسى النقيب حينما أعلن الشيخ محمد الطبلاوى نائب النقيب نفسه نقيباً للقراء، وهو الأمر الذى أغضب نعينع بوصفه الأمين العام للنقابة، حيث أعلن أنه لم يتم اختيار نقيب جديد، وأن الشيخ الطبلاوى ليس النقيب ولكنه قائم بأعمال النقابة لحين اختيار نقيب جديد، وانتهى الخلاف إلى إسناد النقابة إلى الشيخ الطبلاوى الذى صار نقيب القراء حتى الآن.
وتجدد الخلاف بينهما فى شهر يونيو 2014 حينما اتهم الطبلاوى نعينع برفع الأذان الشيعى فى إيران، وحوله إلى التحقيق وهو التحقيق الذى حفظه وزير الأوقاف، وحدثت المواجهة بينهما فى برنامج «العاشرة مساء»، وتبادل الشيخ أحمد نعينع والشيخ محمد الطبلاوى، اتهامات بأنهما يرفعان الأذان الشيعى، وكلاهما ينفيان ذلك، وطالب كل منهما الآخر أن يأتى ببرهانه، متحدين بعضهما البعض على الهواء مباشرة.
لم يشفع لنعينع عند الطبلاوى شغف الرئيس السادات بصوته، ولا ثناء الرئيس السادات عليه فى حفل بنقابة الأطباء الذى حضره قبل سفره لإسرائيل، حيث قرأ الشيخ نعينع بالمصادفة بعض آيات سورة النمل التى تقول «إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِى هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ * فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ»، وكانت بعض الدول تعارض الرئيس السادات فى الرأى وتقاطع مصر، فأكمل الشيخ نعينع الآيات قائلاً «إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنتَ بِهَادِ الْعُمْى عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ».
فمست هذه الآيات ما بداخل الرئيس السادات فى ذلك الوقت، واندهش الرئيس وقال إنه دائماً يقرأ القرآن ولكن يشعر وكأنه يسمع هذه الآيات لأول مرة، ثم أثنى على الشيخ أحمد نعينع بشدة وصافحه بحرارة.
ولم يشفع لنعينع كذلك أنه قرأ القرآن أمام عبدالناصر، فى حفل توزيع الأراضى على صغار الفلاحين، ولم يكن يومها تجاوز الخامسة، حيث تم وضعه على منضدة، وقام بتلاوة سورة الفتح أمام الرئيس فحمله وقبَله.
ولم يشفع للطبلاوى عند نعينع تسمية الطبلاوى «بصاحب الحنجرة الذهبية» ولا اعتبار الكثيرين للطبلاوى بأنه آخر حبة فى مسبحة القراء العظام، ولا اعتباره صاحب النغمة المستحيلة، ولا المكانة البارزة التى حققها فى قلوب الكثيرين، ولا الشهرة الكبيرة التى حققها الطبلاوى فى تلاوة القرآن الكريم وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة، أو تنظيمه حصصاً للقرآن الكريم فى المساجد، أو تكريمه فى لبنان، أو أنه قرأ القرآن فى جوف الكعبة حينما شارك فى غسيلها بحضور العاهل السعودى الراحل الملك خالد بن عبدالعزيز.
ولم يشفع للطبلاوى عند نعينع أنه تلقى دعوة من مستر جون لاتسيس باليونان ليتلو القرآن أمام جموع المسلمين لأول مرة فى تاريخ اليونان، وكذلك الدعوة التى وجهت إليه من قبل المسئولين بإيطاليا عن طريق السفارة المصرية، لتلاوة القرآن الكريم فى مدينة «روما» لأول مرة أمام جموع غفيرة من أبناء الجاليات العربية والإسلامية هناك. كذلك لم يشفع للطبلاوى أنه أحيا مأتم الملكة «زين الشرف» والدة الملك حسين ولا مئات الأسفار التى جاب خلالها الشيخ الطبلاوى معظم دول العالم لقراءة القرآن الكريم.
الطبلاوى حفظ القرآن كاملاً بالأحكام ولم يتوان لحظة واحدة فى توظيف موهبته التى أنعم الله بها عليه فلم يترك الكتّاب، أو ينقطع عنه وإنما ظل يتردد عليه بانتظام والتزام شديد ليراجع القرآن مرة كل شهر.
يقول الشيخ الطبلاوى: «بدأت قارئاً صغيراً غير معروف كأى قارئ شق طريقه بالنحت فى الصخر وملاطمة أمواج الحياة المتقلبة فقرأت الخميس والأربعين والرواتب والذكرى السنوية وبعض المناسبات البسيطة، كل ذلك فى بداية حياتى القرآنية قبل بلوغى الخامسة عشرة من عمرى وكنت راضياً بما يقسمه الله لى من أجر والذى لم يزد على 3 جنيهات فى السهرة ولما حصلت على 5 جنيهات تخيلت أننى بلغت المجد ووصلت إلى القمة». ويتحدث الطبلاوى عن خلافه الأخير مع الشيخ أحمد نعينع قائلاً: «إن أزمة رفع الأذان الشيعى انتهت، ولم يثبت أن الشيخ أحمد نعينع رفع الأذان الشيعى فى إيران».
والشيخ أحمد نعينع الذى بدأت رحلته مع القرآن فى كُتاب القرية وعمره لم يتجاوز الرابعة، وحفظ القرآن وعمره لم يتجاوز الثامنة، تأثر بالشيخ مصطفى إسماعيل وبهره صوته فقلده بل كاد يصل إلى حد التطابق، تمت دعوته فى عام 1985م للمشاركة فى المسابقة الدولية لحفظ القرآن الكريم التى عقدت فى «نيودلهى»، وكانوا ينادون على المتسابق ليقرأ ثم تضاء لمبة حمراء إيذاناً بانتهاء الوقت، وعندما جاء الدور على القارئ الطبيب أحمد نعينع طلبوا منه قراءة ربع المحصنات من سورة النساء، وبعد مرور 15 دقيقة نظر الدكتور أحمد نعينع إلى اللمبة الحمراء فلم يجدها مضاءة، وهنا قالوا له: اقرأ سورة الرحمن فقرأها وفاز بالمركز الأول.
يقول الشيخ أحمد نعينع عن خلافه الأخير مع الطبلاوى حول الأذان الشيعى: «لم أرفع الأذان الشيعى فى إيران وكل ما فعلته هو قراءة القرآن والتحكيم فى مسابقة للقرآن».

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً