يسرد حكايات مثيرة حول رواياته وحكاياته مع خاله الروائي السوداني أمير تاج السر لـ«أيام الثقافة»: أصبحت الرواية مطيّة لكل من أراد أن يلمع

2015/12/22
Updated 2015/12/22 at 9:36 صباحًا

20152112211240

– تركني الطيب صالح أعتمد على نفسي .. لقد خدمني فعلاً بذلك
– لديّ رقيب داخلي يوجهني نحو احترام أعراف المجتمع وتقاليده
– إن بدأت كتابة عمل ما .. أسعى لإكماله مهما كانت الظروف
حاورته بديعة زيدان:

بات أمير تاج السر العلامة الفارقة في الرواية السودانية المعاصرة، وأحد أبرز الروائيين العرب، منذ عقود، فبدءاً بروايته “كركمول”، مروراً بـ”مهر الصياح” و”زحف النمل” و”توترات القبطي”، وما بعدها من روايات حقق كل واحدة منها حضورها الكبير، كـ: “366”، و”اشتهاء”، و”ايبولا 76″، و”صائد اليرقات”، و”العطر الفرنسي”، وغيرها، وحتى روايته الجديدة “منتجع الساحرات”، بقي الروائي الطبيب سر الرواية السودانية وسحرها وعمقها، وعنوانها الأبرز .. معه كان لـ”أيام الثقافة” الحوار الآتي:

* كثيرون  لا يعرفون أن الطيب صالح هو خالك .. حدثنا عن علاقتك به، وهل أثر عليك، أو كان له دور في كونك اتجهت إلى الكتابة؟
– الطيب شاهدته أول مرة، وأنا تلميذ في الابتدائية، حين ذهبنا إلى قرية، وجاء هو لتقبل العزاء في جدي، والده محمد صالح أحمد .. كان ذلك في العام ١٩٧٣ .. شاهدت رجلا هادئا، كثير الاستماع للناس، ويدخن بكثافة، وأحضرت له كراستين، كتب لي عليهما إهداء خاصا، ظللت أتباهى به أمام التلاميذ في المدرسة، كان خطه رائعا فعلا.
بعد ذلك كنت أراه بطريقة متقطعة، حين يزورنا في بورتسودان حيث كانت والدته تقيم معنا قبل وفاتها، كنت أكتب الشعر في تلك الأيام، ثم كتبت روايتي الأولى “كرمكول”، وكانت عن بيئة شمال السودان وربما فيها تأثر بمفردات بيئة الطيب، وأعطيتها له فقال إنني سأكتب أفضل مستقبلا.
بعد ذلك تصادقنا بشدة حين قدمت للعمل في الدوحة، وكان موجودا في مهمة لأشهر عدة، وكنا نتحدث عن كل شيء بما في ذلك الأدب.
حقيقة ليس للطيب دخل في اتجاهي للكتابة، ولا تأثرت به إطلاقا، وظلت علاقتي به رائعة حتى توفي، وربما تلاحظين أن الطيب لم يقدمني أصلا، بل تركني أمضي في الطريق معتمدا على نفسي.. وأشعر الآن أنه خدمني فعلا بذلك.
* ما الفرق بين روايات نجيب محفوظ والطيب صالح والنتاجات الأدبية لتلك الحقبة الزمنية وروايات أمير تاج السر وأبناء جيله؟
– فرق كبير طبعا، فنجيب والطيب وغيرهما من أبناء جيل الأربعينيات والخمسينيات، كتبوا في زمن مختلف، بمعنى أن القضايا كانت مختلفة، ومناقشتها وليدة ذلك الزمن، مثلا قضايا الملكية في مصر وثورة يوليو، وقضايا الاستعمار ومضاعفاته وما بعده في السودان ومعظم الدول العربية، هذه كانت مواضيع أثيرة، إضافة إلى المجتمع نفسه الذي يختلف كثيرا عن المجتمع اليوم، الذي نكتب عنه فقد تطور، وتغيرت مفاهيمه بالتأكيد.
الرواية ليست لغة وقواعد فقط ولكنها جغرافيا واقتصاد، وفلسفة وأفكار عديدة تتغير بتغير الأزمنة … الآن موسم الهجرة وأولاد حارتنا وقنديل أم هاشم، باتت أعمالاً كلاسيكية، وتعاد طباعتها لإيصالها للأجيال التي لم تعاصر كتابتها، وأيضا لإيصال شيء من التاريخ، فالروائي بطريقة أوبأخرى يؤرخ لأحداث وحيوات، ومدن، وطرق وأحياء.. هكذا، وشخصيا أعود للروايات إذا أردت قراءة أحوال مجتمع قديم.
باختصار فإن الأجيال القديمة أبدعت فيما قدمت بناء على معطيات زمنها، ونحن قدمنا أيضا وأتى بعدنا من قدم ويقدم، وهكذا تتواصل الأجيال، كل يضيف لما قدمه الجيل الذي سبقه.
* كيف ترى الأدب السوداني قياسا بالأدب في الوطن العربي إجمالا؟ ..هل هو غائب أم مغيب، أم أنك ترى أن يحظى بحضور جيد؟
– أعتقد أن سؤال الأدب السوداني لم يعد مهماً كالسابق، فقد تمت الإجابة عنه عشرات المرات مني ومن غيري من الكتاب السودانيين، فلم يعد ثمة أدب مغيب في زمن الإنترنت والواتس اب والاتصالات المروعة التي غزت العالم.
الكل يستطيع أن ينشر في أي مكان يريد، ويجد من يقرأه، وكذا الأدب السوداني، مثله مثل الآداب الأخرى، نال حظه من الانتشار ويوجد أدباء معاصرون، أصبحوا معروفين جدا، وموجودين على خارطة الأب العربي، والعالمي إن شئتِ.

لكل رواية ما يميّزها

* “رسائل المرحوم إلى أسماء” والتي تحولت إلى رواية “366” ما قصة هذه الرسائل، وهل هي خدعة من الكاتب ليبني عليها رواية أم أنها حقيقة ؟
– إطلاقا ليست خدعة، وأظنني بينت الواقعة في مقدمة الكتاب، وعدد من الحوارات، نعم فحين كنت طالباً في المدرسة الثانوية بمدينة بورتسودان، وكنا خارجين من المدرسة، نحن مجموعة طلاب، عثرنا على تلك الرسائل التي كتبها من سمى نفسه المرحوم، ووضعها في مظروف كبير، تحت حجر ضخم بالقرب من سور المدرسة.
كان مكتوبا على المظروف: رسائل المرحوم إلى حبيبته أسماء، وهي مجموعة كبيرة من الرسائل، مكتوبة بحبر أخضر، يصف فيها المرحوم معاناته في حب أسماء التي شاهدها مرة واحدة، ولم يعثر عليها مرة أخرى، وكان الرسالة الأخيرة، رسالة انتحار.
لقد قرأنا تلك الرسائل، وتقاسمناها، وضاعت، ولم أعد أذكر ماذا كان مكتوبا فيها، فقط الإطار العام للقصة الذي قمت بتعبئته بحبري الخاص، وكتبت قصة موازية العام ٢٠١٣، ويبدو أنها نجحت لأنها طبعت أربع مرات وحصلت على جائزة كبيرة.
كان عليّ أن أتقمص شخصية المرحوم وأرتدي مشاعره حتى أكتبها، وهنا أحسست بالإرهاق أثناء الكتابة، وبالتعاطف الشديد مع تلك الشخصية البائسة، وبعد ذلك ندمت على كتابة الرواية، لكن كان الوقت قد فات على الندم.
* حققت رواية “مهر الصياح” انتشاراً واسعاً وترجمت إلى العديد من اللغات حتى أن البعض وصفها بالرواية الملحمية .. برأيك ما سر تميز هذه الرواية وما تعني لك؟
– “مهر الصياح”، روايتي التي تبهجني شخصيا بالرغم من أنني كتبتها منذ ثلاثة عشر عاما، لقد حشدت في هذه الرواية كل اندفاعاتي وتعقلي، ومعلوماتي، ومعرفتي، عما أسميه: آليات القهر على مر الأزمنة، قصة آدم نظر، ابن صانع الطبول، الذي حلم أن يصبح نائبا للسلطان وانتهى نائبا للسلطان بالفعل، لكن بعد درجات من القهر ليست قليلة.
إنها رواية فيها أساطير، وميثولوجيا شعبية، وتاريخ، وجغرافيا، وحكايات، ونجحت في اللغة الإنكليزية، وكانت من الأكثر مبيعا في الأدب الأفريقي، أعتقد أنه ورغم تعقيد الأفكار داخل هذه الرواية، فقد كتبتها بأسلوب سهل، أصبح فيما بعد أسلوبي المعتاد، وأنا سعيد أن هذه الرواية لا تزال حتى الآن، تعاد طباعتها ويحتفي بها القراء.
* لم تقل نجاحات روايتك “زحف النمل” عن غيرها، وحظيت بانتشار جماهيري وإعجاب نقدي وكانت الأعلى مبيعا في معرض الكتاب بالقاهرة .. ما الذي يميز زحف النمل، هل هو العودة للموروث الشعبي أم الانتصار للإنسان أم ماذا؟
– “زحف النمل”، نشرتها أول مرة العام ٢٠٠٨، وصدرت عن دار العين في مصر، وأعتقد أنها نجحت أيضا، ثم أعدت طباعتها مع الدار العربية للعلوم العام ٢٠١٠، هذه رواية عن المغني الذي أصيب بالفشل الكلوي واحتاج إلى متبرع للكلى.. هي رواية ساخرة إلى حد ما، وفيها توثيق للموروث الشعبي، وأغنيات دينية وتراثية ومدائح نبوية، أنا من قام بتأليفها متكئا على خبرتي بالشعر، ولكن رأيي رغم ذلك أنها قد ظلمت، ولم تحظ بأضواء كثيرة، حال روايتي الأخرى: توترات القبطي التي ظلمت أيضا، رغم أهميتها، ولما تنبأت به ويحدث الآن في الوطن العربي.
* بعض النقاد العرب أشاروا إلى أن أمير تاج السر في السنوات الأخيرة “وقع في فخ التسرع”؟
– لم يقل النقاد العرب شيئا كهذا عني، فكل نص روائي أقدمه يقابل بالاحترام من معظم من يتعامل مع نصوصي من قراء أو نقاد أو أصدقاء للتجربة.. هذا ذكره صحافي في مقال غريب لم يكن الهدف منه النقد ولكن، شيئا آخر، وبعدها منع كل ما يكتبه عني من أن ينشر في صحيفته، ولم ينتقص ذلك من قيمة ما أقدمه، أو يقصيني من سكة الكتابة.
هذه أشياء صغيرة لا ألتفت إليها، ولو كنت أهتم بالصغائر لما وصلت إلى العالم، ولتركت الكتابة منذ زمن طويل.
الآن لي قراء بسبع لغات، ويراسلني العديدون، وأشارك في مؤتمرات ثقافية، وأقيم ورشاً للكتابة في كل مكان، وبعض أعمالي مقررة على الطلاب، في الجامعات.. هكذا، كل درب فيه حلو ومر.

أسئلة في الكتابة

* هل تكتب مسودات روايات مكتملة أو غير مكتملة وتضعها في الأدراج أم أن كل رواية تبدأ بها تكملها حتى تحصل على نصيبها من النشر؟ هل لديك أعمال غير مكتملة؟
– أنا من النوع الذي إن بدأت كتابة عمل ما، أسعى لإكماله مهما كانت الظروف، حيث أرهق نفسي بالكتابة اليومية، ومعروف أنني أكتب حوالى أربع ساعات نهارا، وحوالى ألف كلمة في اليوم لا أتجاوزها .. أجنح إلى التكثيف، وعدم إرهاق القارئ بتفاصيل كثيرة لا داعي لها، وغالبا ما ينتهي العمل في زمن جيد، والنصوص التي تنقطع كتابتها لأسباب خارجة عن الإرادة مثل المرض والسفر، والمشاغل المهنية، صعب استعادتها مرة أخرى، وهذه تضيع وتكون مركونة في ملف أسميه: الأعمال المهملة، ولديّ عملان لم يكتملا وأصبحا مهملين، وأعتقد أن أهمية الموضوع تلاشت بتغير الزمن، حتى أنني لم أرهق نفسي في محاولة استعادة أي منهما.
هناك بالطبع أشخاص يكتبون بطريقة متقطعة، ويقضون أعواماً في كتابة نص واحد، أنا لا أستطيع أن أفعل ذلك، إما يكتمل عندي النص الذي بدأ، وإما أن يصبح نصا مهملاً.
* كيف يستقي الروائي فكرة رواية ما؟ وهل يمكن لأحد أن يقول إن الروائي الفلاني سرق فكرة روايته من فيلمي أو تقريري الصحافي أو أي شيء آخر؟
– الروائي يعيش في مجتمعه، ويتأثر بما حوله من الأشياء، ومن يحيطون به من الناس، والأفكار موجودة في كل زمان ومكان كما ذكرت في روايتي “صائد اليرقات”، وليست حكرا على أحد، فقط المعالجة هي التي تختلف من كاتب لآخر، هذا على صعيد معظم الأفكار، وبالطبع توجد أفكار خاصة، لا ينبغي استعمالها من قبل كتاب آخرين إن طرحت في كتب.
أنا أستغرب من الذين يقولون إن فلانا سرق فكرتي، فهي ليست فكرته وإنما فكرة موجودة، ولو نبش الشاكي، لوجد من استخدم الفكرة قبله.
في حوار للزميل حسن داود بعد أن حصل على ميدالية نجيب محفوظ، ذكر أن الأسواني أخذ عمارة يعقوبيان من روايته: بناية ماتيلد.. شخصيا أعتقد أن وصف حيوات سكان مبنى، وتفاعلهم مع بعضهم البعض، ومع العالم من حولهم، ليست فكرة خاصة، وإنما فكرة عامة، عالجها حسن بطريقة وعلاء الأسواني بطريقة، وربما هناك في الغرب من عالجها، وقد كتبت شخصيا في أحد مقالاتي كيف أن فيلما سينمائيا عن رجل طيب متعاطف مع الإنسان، عبر وظيفته محاسبا في بنك، أوحى لي بفكرة رواية تعاطف، لكني عالجتها بطريقة بعيدة عنه، وكيف أوحت رواية الياباني: ياسوناري كواباتا لماركيز بروايتيه: ذكرى عاهراتي الحزينات، وهكذا نجد أشياء كثيرة مثل هذه، ولن نعتبرها سرقات أو استنساخاً من الآخرين.
* اشتهرت بأنك تكتب روايات سماها النقاد القرين، أي أنك تعمد إلى كتابة رواية داخل رواية .. ما الذي يغريك في مثل هذه التقنية وما الذي يميزها عن غيرها؟
– أفكار تأتيني وأكتبها، وقد فعلت ذلك في “صائد اليرقات”، وكتبت فصلين من رواية كان يقرأها بطل الرواية الأولى، المسألة كانت ضرورية حتى أبين الفرق بين ما سيكتبه فرفار، ضابط الأمن المتقاعد، والروائي الذي صادقه، واتخذه أستاذاً لتعليمه.. كتبت ذلك أيضا في “رواية طقس”، لأعطي فكرة عن رواية أمنيات الجوع التي كتبها الروائي، بطل “طقس”، وأكتب كذلك أشعاراً لشعراء، وسيناريوهات لمسرحيين، هكذا متى ما اقتضت الضرورة ذلك، ورأيي أن مثل هذه التداخلات تسهم في إثراء النصوص وكسر رتابتها، وليس تعقيدها، كما يدعي البعض.
شخصياً لا أعرف إن كان هذا موجودا عند أحد غيري، فلم يصادفني في ما قرأته من أدب حتى الآن.
* هل توافق على أن الروائي على عكس الإعلامي لا يجب أن يكون حيادياً فيما يطرح؟ وهل هناك خطوط حمر يتوقف أمامها أمير تاج السر عند كتابته أي عمل سردي جديد سواء في السياسة أم الدين أم الجنس ؟
– الروائي يقدم طرحه عبر شخوص، ويجب أن يترك شخوصه يقدمون الطرح، ويمتلك هو مفاتيح الأفكار، نعم لا بد من رأي في القضايا الكبرى داخل النصوص الروائية.
بالنسبة للخطوط، نعم أنا لديّ رقيب داخلي يوجهني نحو احترام أعراف المجتمع وتقاليده، وعدم التعرض للمقدس إطلاقاً، وربما لالتزامي الشخصي في كل نواحي حياتي دور كبير.
لست ضد أن يستخدم الروائي ما يريد استخدامه، فقط أتحدث عن نفسي، وأضيف إن اللغة المبتذلة والوصف الزائد على الحد، والإساءة للمقدسات، لا تقدم شيئا للنصوص.
* هل يحق للروائي الذي يكتب رواية تاريخية أن يغير حقائق تاريخية معروفة على مستوى الحدث أو الشخوص؟
– هناك نوعان من الكتابة التاريخية، تلك التي تعيد التاريخ كما هو، بمعنى تذكر وثائق وأشخاصا حقيقيين، وهذه يجب الالتزام بالحقائق فيها وصعب في الحقيقة كتابة هذا النوع.
النوع الآخر هو تخيل التاريخ، وفيه يقوم الروائي بغرس شخصياته في زمن بعيد ويبني روايته، وهذا هو النوع الذي أكتبه وأفضله، وفيه أنجزت “مهر الصياح”، و”توترات القبطي”، و”رعشات الجنوب”، و”إيبولا ٧٦”.

شباب وسلطة وروايات أيضاً

* في لقاء سابق لك هاجمت جيل الشباب من الروائيين، وقلت إن العديد منهم يكتب قبل أن يقرأ .. هل هو صراع الأجيال، أم أنك ترى أنها الحقيقة فعلاً .. وما رأيك بالجيل الشاب من الروائيين السودانيين الذين حققوا شهرة عربية كبيرة وآخرهم حمور زيادة؟
– لم أهاجم أحداً، ولكن أعتمد على مشاهداتي وقراءاتي … لقد أصبحت الرواية مطيّة لكل من أراد أن يلمع، والتقيت بالفعل بمن يكتب الرواية ولا يعرف اسما واحدا لروائي سبقه .. لست ضد الأجيال الجديدة، بالعكس أنا أشجعها، وأقرأ لمن يقدم شيئا، وأثني عليه، وفعلت ذلك حين عثرت على نصوص تستحق.
بالنسبة للسودانيين، ففيهم من يكتب بفن من الأجيال الجديدة، حمور زيادة ومنصور الصويم، وغيرهما، أعرف كتابتهم وأقدرها جيدا، فهم يملكون الموهبة.
* على عكس ما هو متداول قلت إنه ليس من الضرورة أن يكون المثقف عدواً للسلطة .. هل نفهم من ذلك أن أمير تاج السر شخص مهادن أم أنه موالٍ للأنظمة الحاكمة؟
– لم أكن مغرما بالسياسة في يوم ما، أقصد أنني لا أتعاطى السياسة أصلاً .. لا أؤيد أو أعارض، أنا كاتب أتعامل مع الإيجابيات بوصفها إيجابيات ومع السلبيات بوصفها سلبيات وأذمّها، وكل ذلك داخل نصوصي فقط.. ارجعي لكتبي، تجدين ما قصدته.
* يلاحظ أن رواياتك الأخيرة رغم أهميتها وحصولها على بعض الجوائز لم تحظ بما حظيت به روايتي “زحف النمل” ومهر الصياح” هل يعود ذلك لكثرة ما ينشر من روايات هذه الفترة أم لبروز روائيين شباب باتوا ينافسون جيلك أم تغير أسلوبك في الكتابة عن السابق ؟
– بالعكس، رواياتي الأخيرة مثل: “إيبولا ٧٦”، و”366″، و”طقس”، نجحت بشدة وأعيدت طباعتها عدة مرات في زمن وجيز، وترجمت “إيبولا”، و”طقس” للإنكليزية، وكتب عنهما نقاد غربيون كبار، والآن “إيبولا”، تنجح بشدة، وهناك مفاوضات لترجمتها للغات عديدة، كذلك “طقس”، انتشرت كثيرا.
أما “366”، فقد حصلت على جائزة كبرى، وطبعت ثلاث طبعات في عام واحد.. أعتقد أنه لا يوجد نجاح أفضل من ذلك، أما أسلوبي فلم يتغير ولن يتغير، إنه الأسلوب الذي ابتدعته وأعالج به الأفكار المختلفة.
* صحيح .. ما حكاية رسالة منظمة الصحة العالمية لك بعد كتابتك رواية “ايبولا 76” ؟
– نعم، رسالة وصلتني تنبهني لنشاط إيبولا الجديد العام ٢٠١٤، مع إحصائيات كثيرة للبلاد التي يرعى فيها ويحصد الأرواح، لقد اعتبرتها بمثابة اعتراف بروايتي “إيبولا ٧٦”، التي كتبتها عن النشاط الأول، وتنبأت باحتمال عودته مرة أخرى.

غواية الشعر

* بدأت شاعراً بمجموعة “الأحزان الكبيرة” ثم اتجهت إلى الرواية .. لماذا هذا التحول؟ وما الذي قدمته في الرواية ولم تقدمه في الشعر؟
– نعم هذا صحيح، “أحزان كبيرة” مجموعة قصائد منتقاة من  قصائد كثيرة، لم أنشرها.. لا أدري أحسست أنني أجيد في السرد أكثر، وأملك أسلوبي المتميز، بعكس الشعر الذي كان ناضجاً، لكن لم يمنحني الثقة بأنني أملك فيه طريقاً.
* يأخد عليك البعض أنك في أعمالك الأخيرة اتجهت إلى تبسيط اللغة مع أنك في أعمالك الأولى اعتمدت على التكثيف اللغوي الأقرب إلى اللغة الشعرية؟
– لغتي ليست بسيطة، أو ساذجة أو مهلهلة، وإن كان هناك من ذكر هذا، فلم يصب.. أكتب لغة شعرية ومكثفة حتى الآن، لكن أقل ضراوة من أعمالي الأولى التي كانت صعبة وشديدة الغموض.. لقد تنازلت عن غواية الشعر، وطوعته في آلة السرد، هذا كل ما في الأمر.

ولا يزال الإبداع مستمراً

* في روايتك الأخيرة “منتجع الساحرات” انحزت للاجئين والفقراء، ومع أن الرواية تدور أحداثها في ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن البعض وجدها تعبيرا عن الحالة الذي يعيشها العرب هذه الأيام؟
– نعم، إنها حكاية أببا تسفاي، الإريتيرية الجميلة التي كانت لاجئة في شرق السودان، في ذلك الوقت وشهدت لحظة ضياعها، واستعدتها بعد سنوات طويلة، لتعبر عن الحالة العامة للجوء، ومآسيه والحروب وظلمها، إنها رواية ملائمة لهذا الزمن في رأيي.
* قلت ذات مرة إن للكتابة سن تقاعد كبقية المهن .. هل تجد نفسك قريباً من هذه السن؟
– هههه، حتى الآن لديّ وقت، إن عشت، وبعدها سأتقاعد حتما، وتجدينني أكتب كثيراً قبل أن أتقاعد.

 

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً