روايتها الأخيرة «الذئاب لاتنسى» قائمة على فكرة «تأثيم الجميع» الروائية السورية لينا هويان الحسن: مهما ابتعدت أو تدمرت أمكنتي المفضلة يمكنني دائما أن أكتب !  

2016/02/09
Updated 2016/02/09 at 10:01 صباحًا

 

20160802212840

أقبل النقد من المختصين من النقاد وأرفضه من زملائي الكتاب
المرأة هي محرك رئيسي حتى لو اقتصر وجودها على الكواليس
الإهمال حوّل البادية السورية إلى بؤر تستقبل الجماعات المتطرفة

حاورتها بديعة زيدان:

من يشاهد صور الروائية السورية لينا هويان الحسن، لا يمكن له أن يتخيّل أنها ابنة البادية السورية، وبالتحديد بادية حماة، حيث مسقط رأسها، لكن ما إن يقلّب الواحد فينا صفحات غالبية روايتها منذ الأولى «معشوقة الشمس»، وحتى روايتها التي تصدر قريباً «الذئاب لا تنسى»، حتى يتلمس في أكثر من طريقة تلك الحياة المهملة أو المغبونة في البادية السورية، والتي سعت الحسن إلى تسليط الضوء عليها بإبداع واقتدار، حيث استطاعت أن تتغلل فينا حتى وكأننا نشتم رائحة البنّ المحمص في ركوة الحياة هناك في المكان القريب منها على الدوام .. هي روائية لها مشروعها الريادي والمغاير .. معها كان لـ»أيام الثقافة»، الحوار التالي:
ما حكاية البادية معك ولماذا تسكنك وتسكن نصوصك بهذا الشكل مع انه مظهرك الخارجي لا يوحي بأنك كنت ذات يوم تعيشين في مضارب البدو بعيداً عن الطرقات المعبدة؟
إنها الجذور، مسألة «الجذر»، حيث نكتشف مع الوقت أن النضج لا يبعدنا عن جذورنا بقدر ما يقربنا منها، أن نكبر يعني أننا نتمكن من المشي بتحرر كبير من سلسلة «الجذر» وأزمة «الأصول»، ومعضلة «الانتماء»، لكل هذا وجدتُ حلّا واحداً هو الكتابة.
جئت إلى هذا العالم لأعيش ازدواجية جميلة لكن فيها الكثير من القسوة، ازدواجية البداوة والتحضر، عشت في عالمين أكثر ما يميز علاقتهما “التنافر” .. البداوة منحتني الكثير من الذاكرة الثرية، بينما المدينة علمتني كيف أكتب تلك الذاكرة، وأحولها إلى روايات.
ما حكاية ختم جدك؟ حدثينا عن جدك وختمه؟ وعمك الذي وصفتِه ذات مرة بالبدوي الاخير؟
هنالك أشخاص يتدخلون مبكرا في حياتنا، ويؤسسون لنا كأفراد في المستقبل .. لم أحظ بمقابلة جدي، لكني حظيت بختمه، أحمله دائما معي كأيقونة سرية لا يعرف قيمتها أحد غيري، لعلي أتوهم أنه يلهمني ويساعدني على الكتابة كلما تحسسته بين أصابعي. بينما عمي كان نموذجا مثاليا لشخصية البدوي، سيظل حاضرا في مخيلتي كلما كتبت عن البدوي الذي يحمل بندقيته، ويفتخر بفرسه.
ألماس ونساء
رغم العديد من الروايات التي اشاد بها النقاد اشتهرت لينا برواية «الماس ونساء» خاصة بعد وصولها لقصيرة البوكر .. هل هي نعمة الجوائز ام ماذا؟
إنه الحظ، بالدرجة الأولى، معظم قرائي يعتبرون أن روايتي «سلطانات الرمل» أكثر أهمية من «الماس ونساء» .. هذا أمر لا يمكنني المجادلة فيه، فأنا أكتب نصوصي وأتركها لحكم القارئ الذي قد يكون في احيان كثيرة قاسيا لسبب ما.
اتفهم أن يعجب قارئ ما بإحدى رواياتي ويفضلها على أعمالي الأخرى .. مثلا روايتي “نازك خانم” هي الأكثر مبيعا بين رواياتي، علما أنني لم أرشحها أصلا لأي جائزة.؟!
برأيك ما الذي ميز رواية «ألماس ونساء» عن غيرها لتصل لقصيرة البوكر .. ام انه مجرد حظ؟
لا أحب الدخول في هذه التفاصيل، لكن بشكل عام الرواية هي أول نص أدبي سوري يُكتب عن المهجر السوري في أميركا اللاتينية. يحمل في طياته ثيمات مختلفة منها ثيمة الدين، وتحرر المرأة .. لكن ما يهم أنني كتبتها بحب كبير أيضاً، وبإخلاص كبير، واحترام لعقل القارئ.
لم أقدم على خوض هذه التجربة إلا بعد أن اطلعت على الكثير من الوثائق اللازمة لأضمن أني كتبت شيئا موثوقا.
كان مغايراً ولافتاً في «الماس ونساء» وقبلها في «نازك خانم» قيامك بتسليط الضوء على المرأة السورية في الازمات الكبرى والحروب .. هل هو ايضا تسليط للضوء على ما هو مهمل في ظل ان المرأة هي شيء ثانوي في هكذا ازمات؟
المرأة هي محرك رئيسي حتى لو اقتصر وجودها على الكواليس. سواء في الحرب أو السلم هي موجودة بقوة، بدوري اخترت النماذج القوية، مثلا نازك خانم، هي شخصية استثنائية في زمنها، غادرت دمشق لتكون عارضة أزياء في باريس. هنالك نساء يعشن الحياة كاملة دون أن ينطقن بكلمة «لا»، ونسائي هن من النمط المضاد، المرأة التي تحمل أسئلة كثيرة، ولاتقبل الحياة كما هي، انما تريد تغيير كل شيء لصالحها.

روايات
برأيك لماذا لاقت رواية بنات نعش رواجا كبيرا بين القراء والمثقفين؟
كانت الرواية الاولى التي تتناول عالم البدو في سورية بشكل مباشر، جلبت للقارئ جغرافيا جديدة، وأمكنة لم يطرقها الأدب سابقا، أيضا الشخوص بدت «اورجينال» ، جديدة لم يعهدها القارئ، كتبتها بنَفَس واحد، لهذا بدت سلسلة وأحبها القراء.

رواياتك تشبه الافلام الوثائقية وخاصة عن البادية السورية  ..هل ترين ان البادية السورية مهملة لتقومي بتسيط الضوء عليها؟ وهل التوثيق من مهام الروائي؟
مهملة كلمة قليلة للتعبير عن حقيقة أن البادية السورية منسية ومتجاهلة ومغبونة على كل الأصعدة، حتى إنه بسبب الاهمال الطويل تحولت حاليا إلى بؤر تستقبل الجماعات الاسلامية المتطرفة .. في روايتي «سلطانات الرمل» تنبأت بذلك، ونوهت إلى حقيقة أن أبناء العشائر وتحديدا الأمراء منهم والشيوخ، بعد أن حرموا من امتيازاتهم بذريعة «الاشتراكية» والتأميم … الخ، من تلك الممارسات المتسرعة التي حولتهم إلى قادة للجماعات الاسلامية.. قبل أن ندين أحدا علينا أن نفكر كيف وصلوا إلى ماوصلوا إليه.

اول رواية لك كانت “معشوقة الشمس” وكنت طالبة جامعية .. حدثينا عن ظروف هذه الرواية؟ هل لها مكانة خاصة لديك كونها العمل الاول ام تتبرئين منها كما بعض الروائيين الذين يتبرأون من اعمالهم الاولى؟
لست من هواة تسجيل “البراءات”، بطبعي أحب الشبهات أكثر من “البراءات”، لأن الحياة كلها شبهة طويلة الأمد، والبراءة أصلا شيء وهمي وغير موجود، والأدب لايمكنه أن يكون بريئا قط، اقول دائما، علينا أن نكون خونة الجميع لنكتب، وأنا بدأت خياناتي الأولى للقبيلة مع روايتي “معشوقة الشمس” التمرين الأول .. لولا الخيانة مع الولاءات لا يمكننا أن نكتب نصا جميلا.

سبق وان قلت في لقاء صحافي ان رواية سلطانات الرمل أثيرة الى قلبك .. لماذا؟
ربما لأنها تضمنت حكايات اختلستها من قبيلتي، من أقاربي، من أهلي، كان هنالك لذة في تدوين ما اعرف أنه ممنوع الحديث فيه أصلا.

عمل شعري
في العام 2011 جاء عملك الشعري الاول .. هل هي استراحة ما بين روايتين او انك لم تجدي نفسك في عالم الشعر؟
لايمكنني تصنيفه ولا الركون لسبب بعينه، كل ما في الأمر أنني كتبت نصوصا متفرقة عن «الافتراس» في مواقع الكترونية متنوعة، وجدت أنه من الأفضل جمعها في كتاب واحد خوفا من السرقة الأدبية، فمثل هذه السرقات موضة حقيقية سهلتها وبررتها وسوغتها وسائل التواصل الاجتماعي.

عن سورية
تعرضت البادية السورية كغيرها من مناطق سورية للدمار خلال فترة الحرب .. هل تعتقدين ان في ذلك تهشيما لذاكرتك وطفولتك ام ان ذلك سيدفعك لكتابة المزيد من الاعمال عما تختزنينه عنها في الذاكرة؟
هنالك العالم المبني في ذاكرتنا وهذا ملكنا لا يمكن أن ينتزعه أحد أو يهشمه احد، كل ما أكتبه ينبع من ذاكرتي، لديّ تراكم كبير لا ينضب، مهما ابتعدت أو تدمرت أمكنتي المفضلة، يمكنني دائما أن أكتب.

تعيشين الغربة رغما عنك كالكثير من السوريين وكما نعلم الكتابة من الغربة ليست كالكتابة من الوطن كيف سيؤثر على مشاريعك الروائية القادمة؟
ربما أنا أقل الكتّاب غربة، لأني اخترت مدينة بيروت لتكون مكان اقامتي، لم أشعر أني غريبة، بيروت مدينة حقيقية، بجمالها، وانفتاحها، وتنوعها، أشعر أني بزيارة طويلة، ولست منفية، ابتعادي عن دمشق كان لأسباب شخصية. لعل البعد عن أوطاننا يتيح لنا رؤية أكثر وضوحا، وبالتالي يمكننا أن نكتب نصوصنا بحرية أكبر.

هل تفكر لينا هويان الحسن بالكتابة عن الاحداث الراهنة في سوريا؟
نصي الجديدة «الذئاب لا تنسى» عن الأحداث الراهنة.

اتهامات
تحدثتِ مؤخراً عن تشابه ما بين رواية خالد خليفة الاخيرة «الموت عمل شاق» ومقال لك منشور منذ فترة عن رحلة نقل جثمان شقيقك الشهيد .. كان لكل منكما مبررات وللاخرين آراء صبت في معظمها بأن من حق الروائي استقاء الافكار من اي مصدر، ولكل طريقته في المعالجة .. ما رأيك؟
لكن أن يكون هذا المصدر نصا لزميل لي ؟! .. أنا شخصيا لا يمكن أن أفعلها لأنني أعتبر أن الأدب شيء خصوصي وحميم لا يقبل الاختلاس من نصوص أخرى.
ربما هنالك كتاب يعتبرون هذا امرا مشروعا أو تذاكيا من نوع ما، لعل خالد اتكأ على مكانته الادبية المهمة ليحمي نفسه من هذه التهمة، ولم يتوقع أنني سأتكلم في الموضوع، لكنها بداوتي هي التي دفعتني لقول شيء واضح أنه حدث وهو نفسه لم ينكره.
كل ما في الأمر أن ادعى أنه لم يقرأ مقالتي التي تحمل بذرة الرواية قبل أكثر من سنة ونصف .. بالنهاية الأمر متروك للقارئ والناقد، ولن أتحدث عن الضمائر لأنها مغيبة لصالح أخلاقيات جديدة لا تمت للأصالة بصلة .. هنالك شيء يروج له يسميه الشوام :”شطارة”.

انقسامات المثقفين
هل ترين أن ما يحدث في سورية وانعكاسات ذلك، وما رافقه من انقسامات طالت المثقفين ما بين مؤيد ومعارض أثرت على العلاقة فيما بينهم .. وبصراحة هل تنازلت لينا هويان الحسن عن صداقات لها بسبب المواقف السياسية المتعارضة؟
حتى لا أسقط في هذا المطب أعلنت “الحياد الايجابي”، أي انا لست مؤيدة ولست معارضة، أنا مع كل حل ممكن أن يوقف سفك الدماء دونما حساب في وطني.
أرفض أن أحسب على أحد، أو على أية جهة، أي لم أبع نفسي ونصي لأحد الأطراف، نصي مستقل، وصفحتي على الفيسبوك أكبر دليل على ذلك، أرفض التحزب لطرف على حساب طرف آخر، وروايتي الأخيرة “الذئاب لاتنسى” قائمة على فكرة :”تأثيم الجميع”.. كل الأطراف تاجرت بنا نحن السوريين، القتلى بالمجان.

أسئلة متنوعة
قلت في حوار سابق أن الادب كالحياة تغير وابتكار .. كيف انعكس ذلك في تطور مشوارك الروائي وهل سينعكس اكثر وضوحا مستقبلا؟
هل تعتقدين أن مواضيعي متشابهة، هل أكرر نصوصي؟ كتبت عن البدو وعن المدن وكتبت الشعر، كل من قرأ لي يعرف أنني سأقدم نصا لا يشبه سابقه، أقدس الاختلاف، وكل نص جديد لي هو، مشروع مختلف عن الذي سبقه.

ماذا عن غزارة انتاجاتك الادبية ما بين رواية وشعر وكتب توثيق .. وكيف تستطيعين المواءمة ما بين الكم والجودة؟
الكتابة عادة يومية لدي، كل يوم أكتب صفحة على الأقل وأحيانا أكتب عشرات الصفحات، لاحقا انتخب ما أريده.

كثير من الروائيين العرب والاجانب هم في الاساس صحافيون وانت كذلك .. كيف تكون الصحافة رافعة للادب ومحفزة له؟ في حين ان البعض يرى ان اللغة الصحافية قد تؤثر سلبا في التكوين اللغوي والسردي للرواية؟
بدأت بكتابة الروايات قبل العمل بالصحافة، ويمكنني القول أن الصحافة مرنت قلمي أكثر، منحتني الصحافة الانضباط اليومي اللازم للكتابة، وجعلتني على تماس حقيقي بكل ما يحدث في العالم.

هل انت مع النقد مهما بلغت قساوته ام انك من الحزب الرافض للنقاد باعتبارهم اوصياء على القرّاء ام انك مع ترك الامر للقارئ، دون تدخلات نقدية؟
أقبل النقد من المختصين من النقاد الذين لا يعملون بشيء غير النقد، وأرفضه من زملائي الكتاب، كيف لكاتب أن يتحرر من عداوة الكار ويكتب نصا نزيها في هذا الشأن؟!
لعدة مرات وقعت نصوصي ضحية لمثل هذه العداوات الرخيصة. بينما أحترم كل ما يكتبه الناقد المحترف والمتخصص وأستفيد من ملاحظاته.

برأيك لماذا نفتقد في الوطن العربي الى انواع معينة من الروايات المتخصصة كروايات الخيال العلمي والروايات البوليسية وروايات الرعب وغيرها؟
ليس لدينا مؤسسات كبيرة تحمينا، أو استوديوهات سينمائية تقوم بتبني مثل هذه النصوص وتحولها إلى أعمال مرئية.
خريطة الوطن العربي مزعزعة، أين الاستقرار الذي يسمح بنمو مثل هذه النصوص؟ .. الخيال العلمي، الادب البوليسي، أدب ترفيهي بالدرجة الأولى، من سيكتب للترفيه ونحن نعيش كل هذا الدمار والقتل والتجويع؟!

ما سر ارتباط يوم عيد ميلادك بخط الاسطر الاولى لرواية جديدة؟
أعتبر أن «الكتابة» ولادتي الحقيقية. لم أشعر أني موجودة قط خارج ما أكتب، الأدب عالم قائم بحد ذاته.

اخيرا .. اعلن قبل ايام عن قرب صدور روايتك الجديدة «الذئاب لا تنسى» ضعينا في اجواء هذه الرواية ؟
إنَّها وحوش التذكُّر، دفعتني لأقتلها على أرض الكلمات. ملأتُ كلّ هذا الورق لعلّه يشفيني قليلًا من الحزن. قُتِلَ شقيقي ياسر، خلال الأحداث السوريَّة الأخيرة البائسة، ولأنَّ الذاكرة تتقلّب بين ظلالها كحيوان نائم في ليل الشتاء، حضرت حكايات الماضي مع ياسر، واشتبكت اللُّغة والكلمات على تخوم روايات شخوصها من دم ولحم.
لكنَّهم، الآن، أرواح بلا أجنحة، غفلة تحطّ على كتفك، وتهمس: أكتب.. كتبتُ، ومن بين أسنان الماضي استدعيت حكايات كثيرة، من بينها حكايات النساء القتيلات باسم “الشرف”، مدفونات في المغائر الرومانيَّة، التي تشكِّل ملمحًا واضحًا في تضاريس وخريطة البادية السوريَّة الوسطى التي نشأتُ فيها.
عندما عرفت الشابّة الجميلة “ونسة الأيزيديَّة”، التي تعبد “تاووسا ملكيّ”، لم أعرف أنِّي سأكون مدوِّنة لحياتها القصيرة، بينما لم يتسنَّ لي قط رؤية الخاتون عمشة، لأنَّها قُتلت قبل زمن طويل من ولادتي، وهنا حاولت رسم ملامحها المحتملة.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً