لماذا مكافحة الفساد تهُمّ؟

2016/05/11
Updated 2016/05/11 at 8:52 صباحًا

index

واشنطن العاصمة- وصف البابا فرانسيس الفساد بأنه “غرغرينا الناس”. كما قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن الفساد هو “عامل من عوامل التطرف” لأنه “يدمر الإيمان بالسلطة الشرعية”. ووصف رئيس الوزراء البريطاني الفساد بأنه “من أكبر أعداء التقدم في زمننا الراهن”.
والفساد ببساطة هو استخدام الوظيفة العامة من أجل تحقيق مكاسب شخصية. وكما يقر القادة بشكل متزايد، فإن الفساد يهدد التنمية والكرامة الإنسانية والأمن العالمي. وفي مؤتمر مكافحة الفساد الذي يعقد في لندن بتاريخ 12 أيار (مايو)، سوف تتوفر لقادة العالم -مع ممثلين عن قطاع الأعمال والمجتمع المدني- فرصة سانحة للتعامل مع هذه الحقيقة.
يعامل الفساد باستنكار في كل الثقافات وعلى مر التاريخ، وهو موجود منذ بداية وجود الحكومات. لكنه أصبح، مثل الجرائم الأخرى، معقداً بشكل متزايد خلال العقود القليلة الماضية، مع تأثيرات مدمرة على رفاهة وكرامة أعداد لا تحصى من الأبرياء.
في المقام الأول، يتسبب الفساد بشل آفاق التنمية. فعندما ينتشر الاحتيال في مجال المشتريات العامة أو تتم سرقة حقوق الملكية للموارد العامة من المصدر، أو يتم احتكار القطاع الخاص من قبل شبكة ضيقة من المقربين للحكام، فإن السكان يصبحون محرومين من القدرة على تحقيق إمكاناتهم.
لكن للفساد تأثير آخر معروف بشكل أقل، هو أنه بينما يشاهد المواطنون قادتهم وهم يقومون بإثراء أنفسهم على حساب الشعب، فإنهم يصبحون محبطين وغاضبين بشكل متزايد -وهو ما قد يؤدي أحياناً إلى الاضطرابات الأهلية ونشوب الصراع العنيف.
وتتجذر العديد من الأزمات الأمنية العالمية الحالية في هذه العملية المتغيرة والمتجددة. وقد ساعد السخط من السلوك المتعالي لضابط شرطة فاسد في الدفع ببائع فاكهة تونسي إلى إشعال النار في نفسه في العام 2010، مما أدى إلى اندلاع الثورات في العالم العربي. وقد طالب المحتجون باعتقال وزراء محددين ومحاكمتهم وطالبوا باستعادة الأصول المنهوبة، وهي مطالبات نادراً ما كانت تتحقق.
وفي الأماكن حيث عادة ما يتباهى المسؤولون الحكوميون بثرائهم وبالقدرة على الإفلات من العقاب، تستغل الحركات الدينية المتطرفة -بما في ذلك طالبان وبوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية- غضب المواطنين. وحسب هذه الجماعات، فإن الطريقة الوحيدة لاستعادة النزاهة العامة تأتي من خلال تطبيق صارم لقواعد السلوك الشخصي. وقد أصبحت هذه اللغة تزداد قدرة على الإقناع باطراد مع عدم وجود بديل قابل للتطبيق وعدم وجود مجال للمناشدات السلمية.
من الواضح أنه يجب محاربة الفساد. لكن الأقل وضوحاً هو كيفية القيام بذلك. ففي عالم من المطالبات المتنافسة، يبدو أن الحكومات الفاسدة تخدم أغراضاً حيوية، حيث تقوم إحداها بإرسال الجنود لمحاربة الإرهاب، وتوفر أخرى موارد طاقة حيوية أو قدرة الوصول إلى المواد الخام. وبذلك يتوجب على الزعماء في نهاية المطاف التعامل مع توازنات صعبة.
حتى نحدد النهج الأفضل في كل حالة على حده، فإنه يتوجب على الحكومات تحليل المشكلة بشكل أكثر فعالية. ويعني ذلك تحسين جمع المعلومات والبيانات الاستخبارية. وكما ذكرت الخبيرة الأمنية ساره تشايس في كتاب ضد الفساد، مجلد يضم المقالات التي ستنشرها الحكومة البريطانية خلال القمة، فإن الفساد اليوم هو ممارسة منظمة، وهو نتاج عمل شبكات معقدة تشبه الجريمة المنظمة، حيث يتواصل العملاء الفاسدون من خلال تلك الشبكات. ويجب على الحكومات دراسة تلك النشاطات وتداعياتها بنفس الطريقة التي تدرس بها المنظمات الإجرامية أو الإرهابية العابرة للحدود.
ويجب على البلدان المانحة التي تتوفر لديها تلك التقييمات هيكلة المساعدات بطريقة تخفف من مخاطر الفساد. فالمساعدات العسكرية أو التنموية هي مساعدات سياسية، ويجب تطويع البرامج للتحقق من أن لا يتم الإستيلاء على الأموال من قبل النخب السارقة. ويعني ذلك أنه لم يعد يمكن إلقاء عبء جهود مكافحة الفساد على مختصين لا يمتلكون موارد كافية، كما يجب أن يكون لتلك الجهود دور مركزي في التخطيط لمبادرات التنمية الرئيسية أو بيع أنظمة الأسلحة المكلفة. ويجب أن تفهم الحكومات المتلقية أن التمويل سوف ينقطع إذا استمرت في تبديده أو سرقته.
في واقع الأمر، يجب أن يحدد الفساد وأبعاده الطريقة التي يتعامل بموجبها المسؤولون الغربيون مع نظرائهم في العالم النامي. وتولي الوزارات التي أمضينا حياتنا المهنية في خدمتها -وزارة الخارجية الأميركية ووزارة الدفاع الأميركية- أهمية كبيرة لبناء العلاقات، ويعتمد الدبلوماسيون على تلك العلاقات في تعزيز مصالحهم الوطنية. وفي بعض الأحيان، تكون العلاقات المهنية بين الضباط العسكريين هي القنوات الوحيدة التي تصمد أمام العواصف السياسية. ولكن الدبلوماسيين والقادة العسكريين يجب أن يكونوا مستعدين للعودة خطوة إلى الوراء عندما يكون ذلك ملائماً، ووضع شروط على تعاملاتهم واستخدام نفوذهم -حتى لو كان هناك خطر إغضاب نظرائهم.
لكن، وكما كشفت التقارير مؤخراً عن الموردين التابعين لشركات وهمية أو الرشوة عن طريق الوسطاء، فإن الكثير من النفوذ الحقيقي موجود في الوطن -أي في القطاعات المالية والعقارية المحلية، وفي شركات العلاقات العامة والمحاماة التي تلمع من صور الفاسدين، وفي الجامعات التي تعلم أولاد المسؤولين الفاسدين وتسعى للحصول على تبرعاتهم. ويظهر تطبيق قانون المنظمات الفاسدة والمتأثرة بالابتزاز لتجريم مسؤولي “فيفا”، الهيئة الدولية المشرفة على نشاط كرة القدم، كيف أن التركيز على مزودي الخدمات الغربيين يمكن أن يحد من الفساد بين المسؤولين الأجانب.
سوف تكون الأداة المهمة في الحرب ضد الفساد هي الابتكار التقني الذي يمكن أن يقلل من فرص حصول السلوك الخاطىء، ويمكن المواطنين من التبليغ عن الممارسات القانونية، ويعزز الشفافية والمساءلة لدى الحكومات. وقد تم إحراز تقدم في العديد من المجالات، من التسجيل الألكتروني للناخبين إلى الدفعات الإلكترونية للموظفين الحكوميين. وبينما لا تشكل التقنية دواء لجميع الإمراض، فإن الجمع بينها وبين الإصلاحات الحكيمة في السياسات ربما يقدم مساهمة ذات معنى في الكفاح من أجل الحكم الرشيد.
لن تكون أي من هذه الاقتراحات سهلة التنفيذ. ولكن، من أجل التعامل مع العديد من الأزمات التي يعاني منها العالم حالياً، فإن وجود تركيز قوي على مكافحة الفساد سيكون أمراً حاسماً. وأملنا هو أن يظهر المؤتمر القادم في لندن وحدة الهدف والالتزام بالعمل الذي تمس الحاجة إليه.

وليام جيه بيرنز؛ ومايكل مولين.

*وليام بيرنز: مساعد سابق في وزارة الخارجية الأميركية، ورئيس كارنيغي للسلام العالمي. مايكل مولين: كان رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي من 2007 وحتى 2011.
*خاص بـ”الغد”، بالتعاون مع “بروجيكت سنديكيت”

 

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً