خداع الموت

2016/09/05
Updated 2016/09/05 at 9:19 صباحًا

89148498-45d2-47e0-91e8-95cf76522986

 

 

 

تخيّل عالمًا من دون شيخوخة؟ عالماً يمكن للمرء فيه وهو يحتفل في عيده الرابع والتسعين أن يشارك بالماراثون مع أصدقائه في المدرسة؟ تخيّل عالماً يمكن للمرء فيه وهو يشيخ أن يستبدل قلبه وكبده بأعضاء جديدة؟ لا يتوافر هذا العالم اليوم، غير أنه يمكن أن يوجد يوماً ما من خلال عملية إبطاء الشيخوخة.
ازداد معدل أمد الحياة في القرن الأخير، بسبب تحسن نوعية الطعام، والسكن، وخدمات الصحة العامة وتوافر بعض الأدوية التي تؤخر عملية الشيخوخة. وفي المراحل المقبلة، لن يزيد معدل أمد الحياة فحسب بل أيضاً أطول مدة حياة (Maximum lifespans) من خلال إمكانية استبدال أعضاء مهترئة بالجسم بأخرى، أو من خلال التلاعب بالحمض النووي، وتوفير الأدوية ضد الشيخوخة. إذ تنمو قطاعات ابتكار العلاجات غير المثبتة، والأعضاء الصغيرة التي تستخدم لفحص الأدوية، وتقنيات التحرير الجيني (gene editing) لإطالة عمر الأشخاص الذين يرغبون بذلك.
قد يعتبر البعض، من وجهة نظر شخصية، الأمر مرغوب فيه غير أن ذلك يفرض آثارًا عميقة على المجتمع. تفاقم الحياة الطويلة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية. تشكل مسألة الحصول على العلاجات ضد الشيخوخة تحدياً جاداً فإذ كانت الحياة المديدة مكلفة، فمن يحصل عليها أولاً؟ خصوصًا أن الدخل يشكل اليوم أحد مؤشرات أمد العمر. فبالتالي تزيد العلاجات المكلفة من حدة الفوارق بين الأغنياء والفقراء.
من جهة أخرى، تطرح عملية إبطاء الشيخوخة تساؤلات عدة: هل سيواجه العاملون الكبار في العمر التمييز كما يحصل اليوم أو يمكن لهم وضع اليد على الفئات الشابة؟ هل سيتشبث المدراء بمناصبهم غافلين عن مسار الأجيال الصاعدة أو أنهم سيكبرون بملل ويقومون بأعمال مختلفة؟ هل سيتوقف الأشخاص الكبار في العمر عن اعتبار أنفسهم طاعنين في السنّ ومحافظين على وضعهم النفسي والجسدي أو أنهم سيساهمون في جعل المجتمع أكثر محافظة؟
في ظل هذه المعطيات، لن تظل أزمة منتصف العمر مرتكزة على كيفية استرجاع الشباب، بل سيكون هاجس الأفراد في كيفية إمضاء النصف الزمني المتبقي في حيواتهم. ربما سيعود بعض الأشخاص، وفي عمر الخمسين، الى المدرسة لتعلم أمور مختلفة فيصبح المحاسب طبيباً، أو يعمل المحامي في الجمعيات الخيرية، أو يحتاج العامل الى راحة. ومن الممكن أن يهدد الملل والحاجة الى التنوع العائلة والحياة الأسرية. حالياً، هناك تراجع في حياة «الشريك الواحد» أي إمضاء العمر برفقة شريك واحد، ومع طول امد الحياة، سيشهد ذلك تراجعاً كبيراً لصالح العلاقات المتعددة. أما بالنسبة للخصوبة، قد يحافظ الرجل على خصوبته غير أن التقنيات التكنولوجية ستساعد المرأة على الحفاظ على خصوبتها. يعتبر هذا التخمين مضحكاً أو ينضوي على الكثير من التفاؤل. غير أن الرؤية للمستقبل لا تتعلّق بإطالة أمد الحياة، فحسب بل بضرورة توفير حياة صحية. تظهر بعض الأمراض مثل الخرف، السرطان، مشاكل القلب، الروماتيزم وغيرها مع التقدّم في العمر ومع انتهاء فترة الإنجاب. وقد يشيخ العقل بطريقة سلبية، فإذا كان العضو مهيئاً للعمل والعيش لمدة سبعين أو ثمانين عاماً، فربما لا يقدر على العمل لمدة مئة وخمسين عاماً، ما يجعل من توفير حياة صحية لفترة مديدة تحدياً إضافياً.

(عن «الإيكونوميست»)

 

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً