يتواصل العدوان على شعبنا منذ 500 يوم، حيث الإبادة الجماعية التي ضربت أهلنا في قطاع غزة، والتي لن تمحى من الذاكرة الجماعية ومن ذاكرة العالم، التي ستشهد دائماً على جريمة الاحتلال الإرهابية والعنصرية والفاشية المتوحشة.
وما يحدث في الضفة الغربية هذه الأيام، في شمالها الممتد في جنين وطولكرم وطوباس ونابلس وقلقيلية، ليس سوى استكمالاً لذات الحرب التدميرية الشاملة التي بدأت ما قبل السابع من أكتوبر وما بعده، وقد أعلن الاحتلال الحرب على شمال الضفة الغربية ويفتك في البنى التحتية والبيوت والمحلات التجارية والمركبات والشوارع والميادين وكل مقدرات هذه المحافظات الصامدة في وجه الاحتلال رغم الحصار والعقوبات الجماعية والتطهير العرقي، ويجبر الأهالي على النزوح من مخيم طولكرم وبعض البيوت في مدينة طولكرم وينصب الحواجز العسكرية داخل الأحياء السكنية المأهولة بالمدنيين والتي حولها الاحتلال إلى ثكنات عسكرية ومراكز للتحقيق وعذابات الفلسطينيين.
يعمل الاحتلال على تكريس احتلاله وفرض هيمنته الكاملة على الأرض الفلسطينية، ويعمل وبدعم أمريكي ومن رأس الهرم في الإدارة الأمريكية لتنفيذ سياسة الضم والتهجير وممارسة أبشع ممارسات النظام العنصري بحق شعبنا، وهذا الهدف كان ولا زال الشغل الشاغل للاحتلال، وتتحدد قدرتنا على مواجهة هذا التحدي وإسقاطه، من خلال المواجهة الشاملة واتخاذ الإجراءات العملية والملموسة، لتعزيز القضية الوطنية الفلسطينية ونضال شعبنا العادل والمشروع من أجل تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهذا يدعونا للمطالبة بضرورة قيام حكومة ومؤسسات السلطة الوطنية لإدارة الوضع بالضفة الغربية رغم كل محاولات الحصار والتفتيت، ومصادرة الأراضي والضم وإطلاق العنان لميلشيات المستوطنين لممارسة العدوان والفاشية وأعمال التخريب.
والسؤال المركزي اليوم، كيف ندير الصراع والمواجهة مع الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال من جهة، وكيف نرمم الوضع بمنظمة التحرير الفلسطينية كأساس للنظام السياسي الفلسطيني من جهة أخرى، بإطلاق المبادرة للحوارات الوطنية مع مكونات وقوى المنظمة السياسيّة والمجتمعيّة، تمهيداً وتأسيساً لحوار وطني شامل على قاعدة ترسيخ أهدافنا وإنجاز المشروع الوطني بتحقيق الحرية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، والالتزام بالبرنامج السياسي والالتزامات القانونية وبالشرعية الدولية والقانون الدولي بشكل شامل التي أكدت عليها منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد لشعبنا، وتعزيز المقاومة الشعبية كشكل نضالي يستجيب للظرف الملموس الذي تمر به قضيتنا وشعبنا مع المتغيرات الدولية والإقليمية وتأثيرها على مستقبل شعبنا وقضيتنا.
وإن نجاح الحركة الوطنية الفلسطينية من طرح هذه الأجندة الوطنية للإصلاح وتفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية وانهاء الانقسام، ولمعالجة الشأن الوطني العام الداخلي ومتابعة تنفيذه عبر آليات عمل فعالة وملموسة، قد يشكل مع الإنجازات والمكاسب التي تحققت خلال العام الماضي والتي تعمقت من خلالها مكانة القضية الفلسطينية استنهاضاً وطنياً كبيراً، وتقربنا من تحقيق أهدافنا العادلة بالحرية والاستقلال.
إن هذا المسلك الذي تنهجه بعض القوى الى جانب حركة حماس، والمعبر عنه بمحاولة استخدام القوة وفرض سياسية الأمر الواقع في قطاع غزة وأيضاً في الضفة الغربية، والتي تأتي في ظل ظروف قاسية ومعقدة يواصل الاحتلال فيها استنزاف شعبنا رغم وجود التهدئة الهشة ووقف اطلاق النار المزعوم والذي اشتدت خلاله همجية الاحتلال على الضفة الغربية، إنما تنسف من خلال الوسائل المستخدمة والأهداف السياسية المبيتة والتي أصبحت مكشوفة، فكرة انهاء الانقسام والجهود واللقاءات الحوارية الطويلة التي عقدت من أجل الوصول الى تحقيق هذا الهدف، والمبنية أساساً على حاجة وطنية فلسطينية داخلية تستجيب لحاجات ومتطلبات المجتمع الفلسطيني ووحدة الشعب والأرض والقضية ووحدة المرجعية والتمثيل، وتستهدف تعزيز صموده وقدراته على مواجهة المخططات والسياسات الإسرائيلية الأمريكية التي يعبر عنها نتنياهو وترامب .
لكن ينبغي القول أيضاً وبنفس الحرص والمسؤولية، إن عدم القيام بإجراءات وخطوات جدية لإصلاح الوضع الداخلي ووضع حد لحالة الفوضى والفلتان الأمني من قبل القيادة السياسية الفلسطينية، وتجاهل دور المؤسسات الشرعية لمنظمة التحرير وفي مقدمتها اللجنة التنفيذية، سيفاقم الأوضاع الداخلية ويوفر الفرصة لهذا الطرف أو ذاك أن يوظفها خدمة لأغراضه السياسية.
نحن في مرحلة من أدق وأخطر المراحل التي يمر بها الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وأمام محاولات مكشوفة لإعادة تعريف القضية الفلسطينية كقضية إنسانية أو جغرافية، والتعامل مع أبناء شعبنا كفائض عن الحاجة، حيث تفصل المشاريع المتعلقة بالتهجير القسري أو الطوعي، وفكرة الوطن البديل، وتوطين الفلسطينيين خارج حدود وطنهم الذي لا وطن لهم سواه، فماذا أعددنا من أجل مناهضة وإسقاط هذه المشاريع العدوانية التي تنتقص من حقوقنا ومن ثوابتنا الوطنية، وماذا فعلنا وماذا ينبغي علينا أن نفعل لتعزيز هذه القضية ووضع حد لكل الإجراءات والقرارات التي تتخذها الإدارة الأمريكية في خدمة ربيتها المدللة إسرائيل، التي كشفت المرحلة الماضية أنها ليست سوى كيان وظيفي في خدمة سياسات وأطماع الولايات المتحدة في المنطقة، وهو ما يتجلى في مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تحاول فرضه تكريساً للهيمنة الامبريالية الاستعمارية في المنطقة.