غزة / لم تكن التصريحات الأخيرة التي فجر فيها نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الدكتور موسى أبو مرزوق جملة من الأسرار، أخرجها من ‘الصندوق الأسود’ متوقعة، وربما بعضها جاء معاكسا لتحليلات الكثيرين في كيفية تعاطي المؤسسة الأمنية المصرية في العهد السابق مع الحركة التي تحكم قطاع غزة، حين قال أبو مرزوق أن اللواء عمر سليمان وزير المخابرات السابق كان رجل دولة بـ ‘امتياز’، وأنه كان يقف ضد محاولات استهداف الحركة.
في مجمل التحليلات السابقة كانت الإشارات تؤكد أن العلاقة بين حركة حماس، وبين مصر المؤسسة الرسمية في عهد الرئيس السابق مبارك لم تكن على خير ما يرام، وأن شكل العلاقة في أغلب الأوقات كان متوترا، وأن التنسيق بين الطرفين الذي يتولاه من القاهرة جهاز المخابرات بقيادة اللواء سليمان، ومن الحركة نخبة من قيادة مكتبها السياسي، كان في إطار ‘علاقة الجوار الحدودية’، خاصة في ظل تأكيدات كان يرددها بالبعض تفيد بان مصر كانت مرغمة على هذا التنسيق، خاصة إدارة ملفات فلسطين سواء الداخلية (المصالحة)، أو مع إسرائيل (التهدئة، وصفقة تبادل الأسرى)، فقط من باب عدم حبها في إدخال أحد غيرها من الدول (العربية والإقليمية) مثل تركيا وقطر، على هذه الخطوط، لتظل هي اللاعب الأساسي في الوساطات الفلسطينية.
لكن التصريحات التي أدلى بها الدكتور أبو مرزوق وهو الرجل الثاني في الحركة، والمرشح لتولي زعامة التنظيم، والمقيم في هذه الأوقات في القاهرة، بعد خروج الحركة من سورية، لبرنامج ‘ أستوديو البلد’، الذي بثته قناة ‘صدى البلد’ المصرية، كانت مخالفة لتوقعات كل المحللين.
فأبو مرزوق حين فتح ‘الصندوق الأسود’ الذي يتحدث عن جملة من الأسرار، التي تحتفظ فيها الحركة، وحين وصل لمرحلة الحديث عن اللواء سليمان، قال على غير المتوقع أنه كان يقف ضد أي محاولة تستهدف حركة حماس.
وسليمان الذي قضى قبل أشهر في الولايات المتحدة بعد نزاع مع مرض خطير هو رجل الأمن المصري الغامض الذي لم يتحدث إلا قليلا للإعلام، ومنها تلك الكلمات المعدودة التي أعلن فيها عقب ثورة كانون الثاني (يناير) تنحي مبارك عن الحكم لصالح الجيش، حيث لم تمكن عملية عزوفه عن الحديث للإعلام جمهور المحليين من معرفة ملامح شخصيته التي وصفها البعض بـ’الحادة’، كان يرى في أوقات أنه من أشد رجال المؤسسة المصرية التي تجابه حركة حماس، وهي الحركة التي جاءت بحكم سياسي لجماعة الإخوان المسلمين (المحظورة وقتها سياسيا في مصر) على منطقة لها حدود جغرافية مع هذه الدولة العربية الكبيرة.
فنائب زعيم حماس قال في بداية ذكره للواء سليمان قال ‘الله يرحمه’، وذكر أن الرجل هو من أمر بإحالة التعامل مع الملف الفلسطيني من جهاز امن الدولة، الذي أداره لسنوات طويلة، إلى جهاز المخابرات العامة.
وتابع بالحديث أنه تم التعامل لسنوات مع سليمان، وأن هذا التعامل في ملفات عديدة كانت له ‘سلبيات وإيجابيات’ كأي علاقة تتم، وأضاف يشرح شكل العلاقة ‘لكن الله يرحمه (سليمان) كان رجل دولة بامتياز ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك، واعتقد أن القضية الفلسطينية كانت في قلبه رغم مخالفته لبرنامجنا’، إذ قال انه كان يميل لبرنامج أبو مازن (الرئيس الفلسطيني).
أبو مرزوق رغم حديثه عن مخالفة اللواء سليمان لبرنامج حماس، إلا أنه قال انه ‘كان يقف ضد أي محاولة استهداف لنا بما فيها السلطة’.
ولأول مرة يكشف أبو مرزوق أن سليمان قال في بعض الأوقات حين كان يتم الحديث عن تسوية سياسية، حيث كان يقول وقتها ‘فلتذهب أدراج الرياح’، وأنها ‘ت بها قيمة’ وأنه واجب على الفلسطينيين ‘المحافظة على حركة حماس وبرنامج المقاومة’، ويشير إلى موقف سليمان انه كان منذ فترة عهد الرئيس السابق ياسر عرفات.
وبحسب معلومات نائب زعيم حماس عن سبب وفاة سليمان، فقد نفى أن يكون الرجل كما أشيع قضى في تفجير دمشق الشهير ضد طاقم العسكري الكبير الذي استهدف وزير الدفاع هناك وكبار مساعديه وقال ان سليمان كان مريضا بمرض نادر في غلاف القلب وتلقى العلاج في ألمانيا حيث جرى سحب كمية من المياه كانت تتجمع في صدره، لكنه سرعان ما أصيب بانتكاسة وسافر لتلقي العلاج في أمريكا وهناك مات طبيعيا بمرض في القلب ولم يتم اغتياله من قبل السوريين، كما نفى أن يكون قد قضى على يد المخابرات الأمريكية والإسرائيلية لما يحمله من ملف كبير حافل بالأسرار.
وكانت حماس أعلنت تأييدها للثورة المصرية التي أطاحت بمبارك، وقالت ان نظام الرجل المخلوع كان يشارك في حصار غزة، لكنها أيضا وجهت في بعض الأوقات للنظام المصري الجديد بقيادة الرئيس محمود مرسي أحد قادة الإخوان المسلمين انتقادات، أهمها بسبب استمرار أزمة الكهرباء، خاصة وأن الحركة كانت تتوقع أن يرفع الحصار السياسي والاقتصادي المفروض عليها نهائيا في عهد مرسي، وهو أمر لم يتم لغاية اللحظة، خاصة وأن الأجهزة الأمنية تقوم منذ أسبوعين بحملة ضد أنفاق التهريب أسفل الحدود مع غزة، والتي تعتبرها حماس شريان حياة للفلسطينيين في القطاع في ظل الحصار الإسرائيلي.
وتزامن مع اشتداد الجملة وأن أعلن قبل يومين عصام الحداد مساعد الرئيس المصري محمد مرسي للشؤون الخارجية أن مصر لن تتسامح مع تدفق الأسلحة المهربة من قطاع غزة وإليه حيث يؤدي ذلك إلى زعزعة الاستقرار في سيناء، مبررا بذلك سبب حملة إغراق القوات المصرية للأنفاق بالمياه والتي بدأت منذ أسبوعين.
وتؤرق هذه الحملة حركة حماس الحاكمة في غزة والتي تعتبر ذراعا لجماعة الإخوان المسلمين، التي تعتلي سدة الحكم في مصر الآن، خاصة ويجبر التقارب بين الحركة والجماعة الأولى لالتزام الصمت لغاية اللحظة على حملة تدمير الأنفاق، على خلاف موقفها السابق من الحملات المشابهة التي كانت تتم في عهد مبارك.
ونفى أبو مرزوق أن تكون حماس قد دربت شبابا من جماعة الإخوان المسلمين في غزة على السلاح، وقال ‘هذا الاتهام له علاقة بمحاولة إظهار الفلسطينيين بصورة سيئة من اجل أهداف أخرى، خاصة أنه قيل إننا ندرب العناصر الجهادية في سيناء وكلها اتهامات تحتاج لدليل ومنطق وتدقيق أكثر لتصديقها’.
ومضى يقول ‘لدينا عدونا الأساسي وهو العدو الصهيوني ولدينا قضيتنا الوطنية ولا نتدخل في الشأن السياسي للدول فما بالنا بالشأن العسكري، ومثل هذه الاتهامات والأقاويل لزرع إسفين بين أبناء غزة خاصة والفلسطينيين عامة ومصر’.
القدس العربي – أشرف الهور.