وسط الموت والدمار اللذين يمطران قطاع غزة، ثمة أمل خافت ما يزال هناك. نادراً ما كانت فرصة التوصل إلى اتفاق متبادل بعيد المدى، والذي يمكن أن يمنح الجانبين درجة من الاستقرار والأمن ويسمح للفلسطينيين والإسرائيليين بالنمو الاقتصادي، أفضل مما هي اليوم.
في حقيقة الأمر، وبطريقة غير مقصودة، حسن الهجوم الإسرائيلي على غزة فرص التوصل إلى مثل هذا الترتيب عن طريق تقوية حماس سياسياً، هذه الميليشيا الإسلامية التي لا تشكل نظيراً عسكرياً للجيش الإسرائيلي بأي حال، لكنها تمكنت بالفعل من إحراز انتصار نفسي. فقد أثبتت حماس قدرتها على الوصول إلى مدن إسرائيلية رئيسية بصواريخها، والتسلل إلى داخل إسرائيل، وإقناع شركات الطيران الدولية بوقف رحلاتها إلى تل أبيب، وخوض مقاومة حضرية شرسة في داخل المدن الغزية.
انتصار إسرائيلي عسكري، وإنما هزيمة سياسية
تأمل إسرائيل في إضعاف حماس ونزع سلاحها، وإنما ليس القضاء عليها تماماً، لأن ذلك يمكن أن يفتح الباب أمام سيطرة جماعات إسلامية أكثر تشدداً على غزة. ومن وجهة النظر الإسرائيلي، سوف يعني إضعاف حماس تقوية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وكذلك إما تقويض الموقف الفلسطيني أو جعله غير قادر على التفاوض على حل نهائي للصراع بشروط مقبولة للفلسطينيين، ولو من بعيد.
سيكون من شأن ذلك تجنيب إسرائيل اتخاذ قرارات مؤلمة سيترتب عليها اتخاذها، والتي ستكون ضرورية لكي تعمل أي تسوية سلمية نهائية، مثل تفكيك المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، ومستقبل مشترك للقدس الشرقية، وهما المنطقتان اللتان كانت إسرائيل قد استولت عليهما خلال حرب الشرق الأوسط للعام 1967. ونتيجة لذلك، سيكون الحل المفضل لدى إسرائيل على المدى المتوسط، إن لم يكن على المدى الطويل، هو استمرار الوضع الراهن، مع سيطرة كاملة فعلياً على الضفة الغربية ووجود حماس غير فاعلة.
على الرغم من الأسباب المختلفة والشروط المختلفة أيضاً، تتقاسم حماس مع إسرائيل هدف التوصل إلى ترتيب بعيد المدى، والذي لن يجبرها على تقديم تنازلات سياسية مثل الاعتراف بإسرائيل والتخلي عن الكفاح المسلح. وقد دعت حماس مراراً إلى عقد هدنة لمدة عشر سنوات. وهي تدرك أن الفلسطينيين ليسوا في وضع يمكنهم من إقناع إسرائيل أو فرض شروط عليها والتي تكفل قيام دولة فلسطينية مستقلة حقاً إلى جانب إسرائيل، والتي لن تكون أكثر من مجرد مساعد ضعيف عسكرياً لجارتها القوية.
مع ذلك، وكما هو الحال في معظم مواجهاتها المسلحة مع الفلسطينيين والعرب منذ حرب العام 1967، فإن إسرائيل تكسب عسكرياً، لكنها تخسر سياسياً. وإذا كان ثمة شيء، فهو أن هذا الاتجاه يتخذ شكلاً أكثر وضوحاً في الصراع الحالي على خلفية تحسن الأداء العسكري الفلسطيني، مهما كان محدوداً، وتصاعد مشاعر القلق الدولي، ليس فقط بسبب عدد الأرواح المدنية الفقودة، وإنما بسبب سياسة إسرائيل تجاه المناطق الفلسطينية بشكل عام.
مصداقية حماس المتزايدة في الشارع
بالإضافة إلى ذلك، أصبحت حماس تتمتع بمصداقية متزايدة في الشارع، بينما أصبح عباس يبدو أقل فعالية مما كان عليه أصلاً. وكانت إسرائيل قد شرعت في هجومها على حماس باستخدام مصرع ثلاثة مراهقين مخطوفين كذريعة، حتى قبل أن تهاجم غزة، بهدف إجهاض الجهد الوحيد الذي بذله عباس وحماس من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية، والتي كانت ستمكن الفلسطينيين من التفاوض على حل نهائي للمشكلة الفلسطينية.
نتيجة لذلك، ومع عدم اهتمام أي من الطرفين بالتوصل إلى حل نهائي حقاً، فإن الترتيبات طويلة الأجل ستكون أفضل صفقة مطروحة على الطاولة. ومع ذلك، قد يكون من الممكن تماماً الاتفاق على هدنة طويلة الأمد حول قضايا مثل مستقبل الحصار الإسرائيلي المستمر منذ سبع سنوات على غزة، والذي يجهض قدرتها على استيراد السلع بحرية. أما القضايا الأخرى فهي مطالب الفلسطينيين بالتمكن من بناء مطار وميناء –وهي متطلبات النمو الاقتصادي التي ستعقد السيطرة الإسرائيلية. ولا يستطيع سوى وسيط موثوق لدى كلا الطرفين أن يتمكن من استكشاف ما إذا كان يمكن تجاوز هذه العقبات.
محاورون يتحدثون مع محاورين
هنا تكمن المشكلة. ليس هناك وسيط مفرد –الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، مصر، قطر أو تركيا- والذي يستطيع أن يتحدث بأي مصداقية تذكر مع الطرفين الرئيسيين: إسرائيل وحماس. وترفض الولايات المتحدة وإسرائيل، شأنهما شأن الدول الأوروبية المختلفة، الانخراط مع حماس التي وسموها بأنها منظمة إرهابية.
أما مصر، وبينما تصرح بتعاطفها مع الفلسطينيين، فإنها سعيدة لرؤية الإسرائليين وهم يقومون بالعمل القذر نيابة عنها، والمتمثل في إضعاف ما تراه على أنه امتداد لجماعة الإخوان المسلمين، التي حظرت مصر نشاطها واعتبرتها إرهابية. كما أن علاقات تركيا مع إسرائيل بلغت منحدرات جديدة وليس لدى قطر علاقات رسمية مع إسرائيل.
ما يعنيه كل ذلك هو أن على المحاورين التحدث مع المحاورين الآخرين للوصول إلى واحد من الطرفين المعنيين –وهي بالكاد وصفة لتحقيق نوع النجاح الذي ينهي ببساطة سفك الدماء المباشر، وإنما يمكن يخلق الأسس لترتيب أطول مدى والذي ينطوي على فرصة لتحريك الأمور إلى الأمام. سوف يكون الحل المثالي هو جلب حماس من العراء والعزلة. لكن ذلك يبقى، مع استمرار القتال على الأرض في هذه الآونة، خارج منطقة الممكن. وكان نهج الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل أزمة غزة، بعد أن فشل جهد وزير الخارجية جون كيري للتفاوض على اتفاق سلام، هو ان يدع الأطراف تتعامل مع فوضاها الخاصة.
لكن ترك الأطراف تعاني وحدها يفشل في إدراك الفرصة وينتج الكوارث مثل كارثة غزة. وسيكون النهج الأكثر إيجابية هو إدراك أن أياً من إسرائيل أو حماس –وهما طرفان لسكون أي حل نهائي من دون أحدهما مجرد وهم- لا يريد السلام، وإنما يريد فعلاً وقفاً للأعمال العدائية لوقت طويل. وسوف يشكل تحقيق ذلك تقدماً مهماً وسيجعل إلحاق الخسائر الفادحة في الأرواح أقل ضرورة.
الغد الأردنية