قدم الصحفي وكاتب الرأي أكرم عطاالله ورقة عمل لمؤتمر اتحاد الصحفيين العرب ، المنعقد في رام الله وغزة ، بتاريخ 21-22/6/2014 م ، والتي كانت تحت عنوان ” أزمة الصحافة في العالم العربي ” ، ولأهمية الورقة وعكسها الواقع الصحفي الفلسطيني واشتباكاته بالواقع العربي المحيط ، يعيد ( أمد للاعلام ” نشر الورقة كما قدمها الاستاذ أكرم عطاالله .
” يبدو أن قدرنا نحن العرب أن يكون حديث الأزمة حاضرا في كل لقاءاتنا واجتماعاتنا ومؤتمراتنا فالأزمة هي العنوان الدائم في سؤال البحث الدائم عن الذات وعن الواقع الذي يعج بها على كافة الأصعدة سواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية حتى وحين يصل الأمر للصحافة يزداد الأمر تعقيدا لأن الصحافة تبحث عن الأخطاء والخطايا لدى الجميع شعب وسلطة شعب يعيش أزمة الفكر وسلطة تعيش أزمة الثقافة هذا يعني أنها تفتح جبهتها الدائمة ضد كل الخصوم ضد التخلف والاستبداد وضد التغول والفساد ما يعني أن كل ترسانة السلطة متأهبة ومتوثبة دوما لإطلاق فوهة مدافعها وسوط جلاديها ضد الصحافة فالتخلف والفساد هو جزء من منظومة العمل والعقل العربي العربيين وهنا أزمة الأزمات ضد مهنة تعتقد أنها قادرة بقلم رصاص على تغيير العالم . في العالم الغربي يطلقون على الصحافة مهنة المتاعب ولكن ثبت أنها في العالم العربي مهنة الإخطار إذا ما راجعنا عدد قتلى الصحافة ومعتقليها ومعذبيها في العالم العربي، فمن تجرؤ على الاقتراب من العمل بمهنية كما كل صحافي العالم ؟ولنا أن نقف عند بعض الحقائق الصادمة التي نشرتها منظمة freedom house في شهر مايو من هذا العام الخاصة بتصنيف بعض الدول العربية في مجال حرية الصحافة فقد صنفتا ولبنان وتونس الأفضل عربيا في المكان 112 والجزائر في المكان 127 ثم ليبيا في المكان 134 وقطر 152 ثم مصر 155 أما فلسطين يبدو الرقم مخجلا إلى الحد الذي يدين وبشدة النظام السياسي وأجهزته الأمنية حيث صنفت في المكان 179 أي الأسوأ بين الدول العربية لو تجاهلنا السعودية التي كانت في المكان 181 . هل هذا صدفة ؟ أم هذه الأرقام جزء من مؤامرة كما اعتدنا القول ؟أم أنها انعكاس لواقع حقيقي في الدول العربية ؟ هكذا هو الأمر فالصحفي في العالم العربي يكتب ويمارس مهنته متصورا أن رجل الأمن يجلس بجانب منفضة سجائره يقرأ معه كل ما يكتب حرفا بحرف وكلمة بكلمة ، هذا الرقيب الذي أنتجه قمع الأمن والتجويع والزنازين جعل الصحافة عندنا منزوعة الدسم إلى الحد الذي عجزت خلاله عن أن تدافع عن قضايا جمهورها خوفا من البطش وبقيت فقط الصحافة التي تفرش للحاكم بساطها الأحمر تدافع عنه في وجه الجمهور الغاضب والمغضوب عليه فأنتج هذا الواقع إلى حد ما تحالفا معاكسا لأسس المهنة بين الصحافة والحاكم بينما كان يجب أن يكونا نقيضين لأن الصحافة الحقيقية جرى ملاحقتها وإفلاسها ومداهمة مكاتبها وبيوت مهنيها الذين وجدوا أنفسهم على قارعة المجتمعات . الصحافة لا تعمل إلا في فضاء الحرية ، والحرية شرط لصحافة مهنية وهذه الغائب والمغيب قسرا في الدول العربية الحرية بمفهومها الشامل والمنبثقة عن وعي يؤمن بالآخر وبالنقد والتسامح تجاه الانتقاد وهذه ثقافة مضادة للثقافة العربية التي تعيد إنتاج الاستبداد بأشكال مختلفة وفي كل ما تنتجه في كل الأنظمة والمواقع والواقع المختلف فيه على كل شيء لكن لديه إجماع على استهداف الصحافة من السلطة للمعارضة ومن قال أن المعارضة في الدول العربية أقل بطشا من السلطة فهو مخطئ ولكن انعدام أدوات القمع يجعلها أقل قسوة في التعامل مع الصحافيين حين تقترب منهم فتكتفي بالتشهير والمحاصرة والاتهامات . حين يكون هذا هو واقع الحالة العربية وحين تنعدم مساحات الحرية لكل فئاتها وحين يحرم المواطن من التظاهر والاحتجاج والتعبير عن رأيه يبدو الحديث عن حرية الصحافة كنوع من الانفصال عن واقع يمعن أكثر في مصادرة ومنع كل شيء مخالفا للسلطة الحاكمة ويصبح الحديث عن أزمة الصحافة هو حديث المنطق الأكثر انسجاما مع واقع مخالف لمنطق الأشياء في كل تفاصيله حين نلقي نظرة على ما يحدث حولنا من صراع على السلطة وقتل الإنسان بدم بارد وحيث يبدو أنه أرخص ما نملك حينها يبدو البحث عن حرية الصحافة حالة من الترف فماذا تعني حريتها إذا لم يكن للإنسان قيمة ؟ فالصحافة في العالم العربي جزء من منظومة المستلبين المنتزعة حريتهم وجزء من ثقافة غارقة في القديم ووريثة لتجربة طويلة من الإقصاء السياسي والاجتماعي والديني والمذهبي إقصاء لأي آخر وشار قدر الصحافة أن تكون دوما في موقع أي آخر حتى بالنسبة للمجتمع نفسه أحيانا وريث نفس الثقافة حين تقترب من عقله وتراثه الذي يحتاج إلى مراجعة ونقد لممارساته وعاداته المقدسة المأخوذ بها حد الانبهار . هذا الإرث الثقافي من الإقصاء من جهة والتنميط من جهة أخرى جعل الصحافة الحقيقية تتعرض للإقصاء والصحافة المنمطة ” أي على نمط النظام ” تنمو وتزودهم فنشأت مدرسة جديدة في الصحافة هي صحافة ” شاعر القبيلة ” أصبحت هذه الصحافة هي الصحافة الرائدة في العالم العربي نمت وتمددت تحت كنف الحاكم مهدت ومجدت تواطأت مع السلطة ضد مصالح شعوبها وهذا أحدث تشوها للدور الوظيفي الحقيقي للصحافة وحولها من رقيب على الحاكم يحسب لها ألف حساب قادرة على الإطاحة به إلى جزء من أدوات الحاكم التي يستخدمها ضد شعبه وتحسب له الصحافة كل الحسابات لأن أجهزة أمنه قادرة على حجز مقعد في جهنم لأي صحفي يقترب من بلاطه . لو أجرينا نظرة فاحصة في الدول العربية التي سمحت بإنشاء نقابات أو اتحادات للصحافيين سنجد أن أغلب هذه النقابات وقياداتها تابعة للحزب الحاكم في وطنها على توافق تام مع النظام ، حتى مع أجهزته الأمنية ألم يكن ذلك مدعاة للسؤال فالسلطة والصحافة على طرفي نقيض فكيف ينشأ هذا التوافق العجيب ،وهل الخلل في الصحافة ؟وكيف تقبل التطويع ؟ أم في النظام الذي لا يترك خيارات للصحافي في العالم العربي سوى الجوع والسجن والفقر والحرمان أو حياة كريمة في كنف السلطة فالعلاقة بين الصحافة والسلطة في العالم العربي هي علاقة حدية مع أو ضد، الصحافي نفسه لو قرر الكتابة ضد الحاكم ضد سيجد نفسه في زنزانة أو أن يكتب مع قد يجد نفسه في الوزارة هكذا الأمر بكل بساطة إنها معادلة أنتجت صحافة انحرفت عن مسارها . ما هو دور الصحافة ؟ وهو السؤال الذي يحرجنا جميعا حين نعرف ما عرفناه مما نشرته الصحافة عن أموال للرئيس المصري السابق فقط بعد تنحيه ، وحجم تحكم سيدة تونس السابقة في الدولة ، وعن قصص غرام القذافي وقصور الحريم وكثير من الأمثلة التي نسوقها والتي تعكس هشاشة دور الصحافة ، ألم يكن حرى بها أن تنقب وتحقق وتتقصي عن كل هذه المآسي سابقا ؟ المسألة صعبة ولكن الشجاعة المفاجئة بعد السقوط تحول هذه التحقيقات من تحقيقات مهنية إلى ما يشبه تحقيقات عالم الإثارة والتشويق والمغامرات وتحقيقات الصحف الصفراء ليس أكثر وهنا أزمة أخرى . نحن في فلسطين من أسوأ الدول في مجال حرية الصحافة وتغيب صحافة الانتقاد والتحقيق والاستقصاء وتسجل عجزها عن الإطاحة بأي مسئول وأنها لم تستطع من عمرها الذي نعتبره بدأ مع السلطة أن ترسل ملفا واحدا للقضاء وأن كل ملفات القضاء لم يكن للصحافة دور فيها وأن نظامنا السياسي هو وريث الثقافة العربية التي تتميز بالإقصاء فلا صحافة معارضة إلا ما سمح به الانقسام من فضاء وفره بحكم الخلاف ما سمح للصحافة النفاذ منه أو ما سمح به النظام في كل منطقة من حرية شتم الآخر في الجهة الأخرى وهذا ليس دور الصحافة التي كانت تحشى الأمن في كل منطقة ولم تكن بمستوى المسئولية وليس صدفة أننا مصنفون في المكانة 179 وإذا كان الأمر هكذا تحت الاحتلال فكيف سيكون الأمر حين يرحل الاحتلال ؟ فالصحافة كي تعمل بمهنية تحتاج إلى ظروف وشروط لها علاقة بج8ملة مفاهيم حداثية مترابطة سواء بالديمقراطية أو تفهم الآخر والنقد وتفهم حرية الرأي والفكر والتسامح وهذه كلها هي ثقافة في حالة تضاد مع الثقافة العربية القبلية والتي لا زالت تعيش واقع الحزب القبلة ونظام القبلية المشكلة مشكلة وعي مجتمعي ومنظومة عامة وليس مشكلة حزب حاكم أو صحافة .. البيئة معقدة ولكن وذلك لا يعني أن ليس هناك ظواهر تستحق الاحترام في العمل الصحفي العربي وهي محاولات وليدة عززتها ثورة التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي وهذه تحتاج إلى كل الدعم والإسناد ولكن علينا أن نعترف أن هناك أزمة لنبحث عن الحل ..!