فيما شهدت فنزويلا مرور الذكرى السنوية الأولى لرحيل رجلها القوي، هوغو شافيز، تابع خلفه نيكولاس مادورو حملته ضد المحتجين المطالبين بوضع حد للفساد والجريمة المتفشية وسوء الإدارة الاقتصادية. ومنذ بدء المظاهرات التي عمت طول البلاد وعرضها قبل شهر، أسفرت الاشتباكات التي وقعت بين القوات الأمنية الفنزويلية والمحتجين حتى الآن عن مقتل 18 مواطناً وجرح أكثر من 250 آخرين على الأقل.
تركت تجربة شافيز الاشتراكية اقتصاد فنزويلا ومجتمعها في وضع متثاقل. وأورد استطلاع حديث لمعهد “غالوب” أن الوضع الاقتصادي المزري “دفع التشاؤم الفنزويلي حيال اقتصاد الأمة في العام 2013 ليكون الأعلى من نوعه -حيث قالت نسبة 62 في المائة من الراشدين الفنزويليين أن الوضع الاقتصادي يسوء، بينما قالت نسبة لا تتجاوز 12 % -وهي الأخفض من نوعها- إنه يتحسن. حتى أن أرقاماً حكومية فنزويلية رسمية تظهر أن سلعة من بين كل أربع سلع منزلية رئيسية، مثل الحليب أو ورق الحمّام، في حالة نقص. وبالإضافة إلى ذلك، رافق النمو في الجريمة العنيفة الانزلاق الاقتصادي في البلد الغني بالنفط. وقدر مرصد العنف الفنزويلي، وهو مجموعة غير حكومية تتتبع الاتجاهات في منسوب الجريمة، أن معدل جرائم القتل قد تضاعف بمقدار أربعة أضعاف منذ العام 1998.
فيما نزل عدة آلاف من الفنزويليين في طول البلاد وعرضها إلى الشوارع للتظاهر ضد الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، استخدم مادورو وعلى نحو متزايد، تكتيكات قاسية لإسكات المنتقدين والسيطرة على المعلومات وضبط تدفقها وقمع أشكال التعبير عن الاستياء السياسي. وقد حظرت قوات أمن النظام الاحتجاجات في الشوارع وأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على حشود المواطنين، كما دهمت مكاتب أعضاء المعارضة بينما اعترضت، مؤقتاً، مستخدمي الإنترنت وهم يرسلون أو يتلقون صوراً على شبكة التواصل الاجتماعي “تويتر” وقطعت بث المحطة التلفزيونية الكولومبية، وهددت المحطات الإعلامية الدولية (سي إن إن) وغيرها التي تغطي الاحتجاجات. وأشارت تقارير الأخبار إلى إن حكومة مادورو استخدمت أيضاً عصابات موالية للنظام، والتي تعرف باسم colectivo “الجماعيون” لشن حملة عنف ضد المحتجين. وحذرت نائبة زعيم المعارضة، ماريا كورينا ماشادو -عضو الجمعية الوطنية في فنزويلا التي كان زملاؤها المشرعون الموالون للنظام قد هاجموها جسدياً في مقر الجمعية في العام الماضي- حذبت مؤخراً بالقول: “إننا نعيش في ظل قمع لا رحمة فيه، ليس فقط من جانب الأجهزة الأمنية التابعة للدولة، وإنما أيضاً من جانب “الجماعيين” والمجموعات شبه العسكرية المسلحة التي تتمتع بحماية الحكومة”.
يعكس لجوء حكومة مادورو إلى العنف والتخويف، وليس في جزء صغير منه، الهشاشة المتنامية للنظام. ومع أن شافيز استخدم عوائد الدولة الضخمة من النفط لشراء الدعم الشعبي، فإن أعوام سوء الإدارة في الشركة النفطية المملوكة للدولة “بتروليوس” أفضت إلى خفض احتياطيات بورصة المبادلات الخارجية لحكومة مادورو إلى أدنى مستوى قياسي يسجل في عشرة أعوام. وبالإضافة إلى ذلك، أفضى إصلاح مادورو الفاشل للعملة إلى تفشي التضخم ليصل إلى نسبة 56 ٪. وبالنسبة لمادورو، فقد لاحظ إريك أولسون من مركز ولسون مؤخراً أن “الاستراتيجيات السابقة للملاحة في الصعوبات الاقتصادية بوجود صناديق مالية نفطية لم تعد مفيدة على ضوء هبوط الإنتاج النفطي. فقد تحول بعض النفط غير المستغل أصلاً إلى عملة قانونية، فيما يثبت برنامج العملة المزدوج أنه مكلف اقتصادياً ولا يمكن تحقيقه”.
على الرد العنيف الذي قابلت به حكومة مادورو الاحتجاجات لا يجب أن يشكل مفاجأة تامة. فمنذ أن تولى الرئاسة في العام 2013، اتخذ مادورو بشكل متكرر خطوات تهدف إلى تقويض المؤسسات الديمقراطية الهشة في فنزويلا، ممدداً سلطته الحاكمة، ومهمشاً أعضاء المعارضة في البلد. وكان التطور الأحدث هو منحه القوات المسلحة في البلد دوراً مرموقاً بازدياد في الشؤون المحلية من أجل حشد دعم الموالين لشافيز. وكما تقول وكالة الاسوشيتدبرس: “من دون الكاريزما التي تمتع بها تشافيز وخلفيته في الجيش، لكان مادورو قد مدد دور العسكريين في الحكومة على نحو درامي، معيناً أكثر من 300 عسكري أو ضابط متقاعد في مناصب سياسية، بما في ذلك ربع أعضاء المجلس الوزاري. كما أنه رفع مرتبات الجنود بشكل أسرع من التضخم، ووضع إدارة عسكرية لشبكة التلفزة”. وفي تطور ينطوي على نذر، سمح خلف شافيز للقوات العسكرية وخدمات المخابرات بلعب دور فعال ونشيط على الأرض في فنزويلا. وينصب القلق راهناً على احتمال أن يستخدم مادورو المزيد من التكتيكات القمعية للمحافظة على تمسكه بالسلطة.
يدعو المشرعون الأميركيون راهناً إدارة أوباما إلى الرد بشكل أكثر حزماً على الاستخدام المتصاعد للعنف من جانب حكومة مادورو. وفي هذا الصدد، أقر مجلس النواب الأميركي بأغلبية الأصوات يوم 8 آذار (مارس) الحالي مشروع قرار من الحزبين غير ملزم (ن. ق 488) الذي صاغته عضو المجلس النائبة اليانا روز -للهيئتين وشارك فيه 34 مشرعاً آخر.
ويحث المشروع القرار وزارة الخارجية الأميركية على العمل مع الشركاء في المنطقة لضمان “مواكبة الحريات الأساسية الرئيسية في فنزويلا للميثاق الديمقراطي البين-أميركي” لإقناع منظمة الدول الأميركية بعقد اجتماع للمجلس الدائم للاستجابة للأزمة في فنزويلا، ولتقوية قدرة المنظمة للاستجابة لمظاهر “تآكل المعايير والمؤسسات الديمقراطية في الدول الأعضاء”.
في مجلس الشيوخ، حث المشرعون إدارة أوباما على تحميل المسؤولين في الحكومة الفنزويلية المسؤولية عن تنسيق حملة الإرهاب العنيفة التي ينفذها مادورو. وطرح رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس، بوب مننديز (ديمقراطي نيوجيرزي) والسناتوران ماركو روبيو (جمهوري فلوريدا) وديك دوربن (ديمقراطي الينوي) مؤخراً مشروع قرار غير ملزم يدعو الرئيس أوباما إلى استخدام الآليات الموجودة لفرض عقوبات مستهدفة، ووضع حظر على التأشيرات وتجميد لأصول الأشخاص الذين يخططون وييسرون أو يرتكبون انتهاكات إجمالية ضد المتظاهرين السلميين والصحفيين والأعضاء الآخرين في المجتمع المدني في فنزويلا”.
لن يكون هذا الإجراء من جانب الفرع التنفيذي من دون سابقة: ففي يوم 10 شباط ( فبراير)، فرضت وزارة الخارجية حظراً على التأشيرات ضد 20 مسؤولا أوكرانياً ممن اعتبروا مسؤولين وضالعين أو غير ذلك في توجيه إساءة معاملة حقوق الإنسان ذات الصلة بالقمع السياسي.
على المدى البعيد، سيكون لدى المشرعين الأميركيين خيار اتخاذ المزيد من الإجراءات التشريعية الأكثر جوهرية لمعاقبة المسؤولين الحكوميين في فنزويلا والبلدان الأخرى، المنخرطين في الإساءة لحقوق الإنسان. وعلى سبيل المثال، طرح السناتور بن كاردن (ديمقراطي من ماديسون) والسناتور جون مكين (جمهوري من أريزونا) في وقت سابق من هذا العام تشريع المسؤولية عن حقوق الإنسان العالمية (ش/ 1933) الذي من شأنه أن يمدد قانون ماغنيتسكي الذي يستهدف مسؤولي الحكومة الروسية المتورطين في عمليات القتل خارج الدوائر القضائية والتعذيب والاتهامات الإجمالية الأخرى لحقوق الإنسان المعترف بها دوليا في روسيا، والذي يحرم المسيئين لحقوق الإنسان في حكومات أخرى من الدخول للولايات المتحدة، أو استخدام المؤسسات المالية الأميركية.
قبل حملته العنيفة الأحدث، طرد مادورو دبلوماسيين أميركيين في ثلاث مناسبات، واتهم واشنطن جزافاً بتسميم شافيز قبل وفاته، وبتنسيق العنف والتشجيع على عمليات التخريب ضد الحكومة، والتآمر مع المعارضة السياسية في البلاد. ويجب أن لا تخاف واشنطن من تحميل كاراكاس المسؤولية عن عدم الوفاء بمسؤولياتها والتزاماتها المنصوص عليها في دستور فنزويلا وفي الميثاق الديمقراطي ما بين الأميركيين.
الآن، يناضل الشعب الفنزويلي لتقرير مصير الأمة، ويجب على الولايات المتحدة وشركائها الديمقراطيين في المنطقة عدم التزام الصمت فيما تدوس حكومة مادورو على حقوق الفنزويليين وتسجن على نحو تعسفي المعارضين والمحتجين وتستخدم القوات النظامية والعصابات المسلحة غير النظامية لإرهاب المواطنين. وكما حث السناتور روبيو مؤخراً، فإن الشعب الفنزويلي الذي يكافح ويضحي من أجل الحرية والتحرر وحقوق الإنسان يستحق الاستماع إلى صوته، ويستحق وقوف الدولة المدافعة البارزة عن حقوق الإنسان في العالم إلى جانبه. ومن شأن فرض حظر على منح تأشيرات السفر وفرض عقوبات مالية مستهدفة على القادة الفنزويليين المسؤولين عن تنسيق الهجمات ضد المتظاهرين أن يرسل رسالة قوية في هذا الصدد.
الغد الأردنية