لم يعد الحديث عن الحرب الشاملة في الشرق الأوسط مجرد تنبؤات، وإنما في واقع الأمر قد تفصلنا ايام على اندلاعها، نتتياهو والمجلس الحربي الإسرائيلي نزلوا إلى غرفة العمليات المحصنة تحت الأرض، وهذا ليس حدثا عاديا، وإنما هو استعداد لحرب شرسه ودموية جدا. كنا نقرأ في السنوات القليلة الماضية عن غرفة العمليات هذه، وإنها مجهزة للحرب النووية او الكيماوية، وتتمتع بشبكة اتصالات تعمل في كافة الظروف. هذا النزول ليس وحده ما يشير إلى ان الحرب الشاملة واقعة لا محالة، الا إذا تظافرت جهود كثيفة لتفادي ذلك، او ان يجري اتفاق في اللحظة الاخيرة لوقف النار في غزة، الا ان هذا قد أصبح احتمالا ضعيفا مع إصرار نتنياهو على مواصلة الحرب حتى “تحقق اهادفها”.
وما يشير الى ان الحرب قد تشتعل في الايام والاسابيع القليلة القادمة هو تسلسل الاحداث ذاتها، وخاصة منذ زيارة نتنياهو الى الولايات المتحدة الأميركية، وما تبعها من تصعيد خطير، اغتيال فؤاد شكر في قلب الضاحية الجنوبية، واغتيال إسماعيل هنية في المربع الامني للحرس الثوري الإيراني في قلب طهران لم يكن هذان الحدثان قرارا إسرائيليا منفردا بل هو قرار أميركي إسرائيلي مشترك، والهدف منه حشر إيران وحزب الله في الزاوية، ودفعهم الى مهاجمة إسرائيل بقوة أكبر، الأمر الذي سيعطيهم حق الرد بضربات أقوى وأعنف، وفي مثل هذه الحالة نكون قد دخلنا فعلا في الحرب الشاملة. الامر الآخر هو ان إدارة الرئيس بايدن اصبحت متحررة من ضغوط الانتخابات، ويمكنها التركيز على حرب إن نشبت.
ثم وبعد ما حدث في السابع من أكتوبر مباشرة وضعت إسرائيل والولايات المتحدة خططا لتغيير قواعد اللعبة في الشرق الاوسط، واليوم وبعد ما بدا لإسرائيل بأنها تسيطر نسبيا على الوضع في قطاع غزة، أصبح بإمكانها الانتقال لمرحلة أوسع من الحرب. وتذكر تصريحات نتنياهو في الساعات الأولى للحرب التي قال فيها إن الشرق الأوسط سيتغير بعد الحرب، أما التسلسل الاوسع للأحداث، فإن تهديد الحوثيين للملاحة في البحر الاحمر لن يمر عليه الغرب مر الكرام، وان وقف الحرب مع بقاء هذا التهديد قائما هو أمر غير وارد من خلال وقف إطلاق نار في قطاع غزة، فمسألة تفكيك محور المقاومة ورفض مبدأ وحدة الساحات هو ما تعمل واشنطن وتل ابيب على فعله كقاعدة تحكم مسألة الحرب والسلم في الشرق الأوسط، ومن هنا سمح لنتنياهو الا يمواصل الحرب على قطاع غزة، فوحدة الساحات،او ربط الجبهات بعضها ببعض هو أمر “غير مقبول ” ولا يمكن القبول به.
ونذكر هنا أن إسرائيل ومعها واشنطن رفضتا حتى في السلم ان يفوض العرب بوفد عربي موحد وفرضت مسارات تفاوضية منفصلة في مؤتمر مدريد عام 1991، بعد حرب الخليج الأولى، وقبل ذلك خلال حرب العام 1948 عندما فرضت إسرائيل، التي تأسست للتو على الدول العربية مبدأ توقيع اتفاقيات هدنة منفصلة مع كل دولة على حدة، والامر ذاته اليوم يتكرر مع مسألة ربط الجبهات بعضها ببعض وشرط وقف النار في غزة للتوقف الجبهات الاخرى. إسرائيل ومعها واشنطن على استعداد للدخول في حرب شاملة على ان تقبل فرض واقع وحدة الساحات.
قبول إسرائيل لهذا الواقع سيعني هزيمتها، وسيعني اضعاف للوجود الاميركي في المنطقة لذلك لا يستبعد ان تجر واشنطن وتل أبيب إيران، إلى الحرب الشاملة في محاولة لفرض واقع جديد. وخلال كل ذلك نلاحظ أن آلة الحرب الإسرائيلية تواصل ذبح الفلسطينيين في قطاع غزة دون هوادة، والاخطر من ذلك ان تستغل إسرائيل اندلاع حرب شاملة لتنفيذ مخططاتها المبيتة لتهجير الفلسطينيين من القطاع، وربما عدد كبير منهم من الضفة الغربية ايضا. مع ذلك قد لاتسير الحرب كما تشتهي رياح تل أبيب وواشنطن وقد تضطران للقبول بمبدأ وحدة الساحات إذا تحولت الحرب الى حرب استنزاف طويلة الأمد، فإسرائيل ترغب بحرب قصيرة لعدة أيام او أسابيع لكنها حرب شرسة وقد تستخدم فيها أسلحة غير تقليدية لكن ليست نووية او كيماوية. وما نتمناه هو الا تصل الأمور إلى مثل هذه الحرب، بل العكس ان تتوقف الحرب على غزة الان وليس بعد أسابيع.