اسرائيل تشن حربا جديدة على غزة
بدأت إسرائيل، بعد منتصف الليلة الماضية، حملة عسكرية ضد قطاع غزة، قال الناطق العسكري انه تقرر تسميتها “الجُرُف الصامد”، وذلك ردا على التصعيد الذي شهده الجنوب، امس، حسب ادعاء المصادر الاسرائيلية. وقال موقع “واللا” ان الجهاز الأمني يقدر بأن الهدوء لن يتحقق قريبا، وان مصادر امنية، تتوقع ان يرد الجيش بقوة على اطلاق الصواريخ”، خاصة ان القصف الصاروخي المكثف، يوم امس، وصل الى مناطق بعيدة، لم يصلها منذ عملية “عامود السحاب”، ما يعني تصعيدا لا يمكن تجاوزه.
وأوضحت المصادر الاسرائيلية انه “بعد عدة ايام من محاولة انهاء جولة القتال، من الواضح انه يتحتم على الجيش الرد الآن وبقوة”. وقالت ان الجبهة الداخلية مستعدة للتصعيد، وكذلك القوات العسكرية.
وكان الجهاز الأمني قد عرض امام المجلس الوزاري المصغر، مساء امس، عدة امكانيات للعمل، من بينها استئناف سياسة اغتيال قادة حماس. وقرر الوزراء ان استمرار اطلاق النار من قبل حماس سيؤدي الى رد إسرائيلي بالغ، واذا اوقفت حماس اطلاق النيران، فلن تبادر اسرائيل الى خطوات ملموسة. وقال مصدر سياسي ان “مبدأ الهدوء يقابل بالهدوء لا يزال ساريا، ولكن اذا اختار الجانب الثاني تجاهله وواصل اطلاق النار فان إسرائيل لن تجلس مكتوفة الأيدي”.
وقال منسق العمليات في المناطق الفلسطينية الجنرال يوآب مردخاي، “ان توسيع اطلاق الصواريخ سيؤدي الى تصعيد ورد عنيف وقاس من قبل الجيش”. وكان مردخاي يتحدث الى قناة الجزيرة، وقال: “لقد قررت حماس جلب الحرب على غزة في رمضان، وعلى حماس تحمل المسؤولية عن 1.8 مليون مواطن في قطاع غزة ووقف اعمال العنف فورا”.
وشجبت الناطقة بلسان الخارجية الأمريكية جين ساكي اطلاق الصواريخ وقالت “ان اسرائيل تملك حق الدفاع عن نفسها ونحن ندعمها”. وقدم سفير إسرائيل لدى الامم المتحدة رون فروشوار، الليلة الماضية، شكوى شديدة اللهجة الى مجلس الامن والأمين العام بان كي مون، وأشار الى “حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها في مواجهة القصف الصاروخي”، وكتب ان “القيادة الاسرائيلية ملتزمة بوقف اطلاق النار و”اعمال الارهاب” ضد مواطنيها، وهذا واجب كل حكومة مسؤولة، ومن يلحق ضررا بإسرائيل سيدفع ثمنا باهظا”. وطالب فروشوار بشجب اطلاق الصواريخ وحماس ومطالبة ابو مازن بتفكيك حكومة الوحدة فورا!
الجبهة الداخلية تأمر بفتح الملاجئ
وكتبت صحيفة “هآرتس” انه تم يوم أمس، اطلاق اكثر من 80 قذيفة من قطاع غزة باتجاه اسرائيل، وسمعت صافرات الانذار في منطقة السهل الساحلي والقدس، ايضا. وقال الجيش الإسرائيلي ان الصافرات في منطقة القدس كانت واهية. واسقطت منظومة القبة الحديدية 11 صاروخ غراد تم اطلاقها على “نتيفوت. ولأول مرة في جولة المواجهة الحالية تم توجيه الصواريخ الى أشدود.
وقرر وزراء المجلس الامني – السياسي، زيادة الهجمات الجوية على قطاع غزة، خاصة ضد حماس. وهاجم سلاح الجو، خلال اليوم الأخير، 17 هدفا في القطاع، وقتل ثمانية نشطاء من حماس ليلة الاثنين، ستة منهم جراء تدمير نفق في منطقة رفح. واتهمت حماس إسرائيل بالهجوم، لكن الجيش قال ان النشطاء قتلوا جراء انفجار مواد ناسفة. وحسب شهود عيان في غزة، فقد لجأت قيادة حماس الى الملاجئ، خشية التعرض للاغتيال.
وتم مساء امس اطلاق 20 صاروخا على اسرائيل اعلنت حماس مسؤوليتها عنها. واصيب سبعة مواطنين من اشدود بجراح طفيفة خلال هربهم الى الملاجئ. واصيب جندي بجراح طفيفة، صباح امس، في منطقة اشكول، جراء انفجار قذيفة. ويزيد عدد الصواريخ التي تم اطلاقها على اسرائيل، امس، عن كل الصواريخ التي تم اطلاقها في شهر حزيران والتي بلغ عددها 65 صاروخا.
وقال الجيش انه منذ اختطاف الشبان الإسرائيليين في 12 حزيران سقط في إسرائيل 230 صاروخا. وفي أعقاب القصف المكثف، امرت الجبهة الداخلية السلطات المحلية في منطقة قطاع غزة وفي اشكلون واشدود وبئر السبع بفتح الملاجئ العامة. وتم انشاء مراكز للطوارئ في البلدات الإسرائيلية في الجنوب تعمل على مدار الساعة. ومنعت الجبهة الداخلية التجمعات لأكثر من 500 شخص على مسافة 40 كيلومترا من قطاع غزة، كما تدرس الجبهة الداخلية التوصية بتعليق التعليم والغاء المخيمات الصيفية في المنطقة. واعلن عن تعليق التعليم الجامعي في جامعة بن غوريون وكلية سفير، كما تم تعليق الامتحانات.
بدء تجنيد الاحتياط
وطالب رؤساء السلطات المحلية في الجنوب رئيس الحكومة ووزراء المالية والداخلية والأمن، اعلان حالة خاصة في الجبهة الجنوبية، وقالوا انه لم يتم اعلان حالة الطوارئ بعد. وقرر الجيش الاسرائيلي، امس، تجنيد 1500 جندي من الجيش الاحتياطي، بينهم قوات من حرس الحدود. وقال ضابط رفيع ان الجيش يستعد مسبقا لاحتمال اتساع التصعيد. وقال انه تم توجيه رسالة واضحة الى حماس تقول ان عليها وقف اطلاق النار بدون شروط، واضاف: نحن مستعدون للتصعيد.
وقال مسؤولون كبار في القدس ان جهاز الاستخبارات المصري يواصل نقل الرسائل بين اسرائيل وحماس في محاولة لتحقيق هدنة. وقالوا ان الرسائل التي تصل من حماس تشمل الاعراب عن رغبتها بتهدئة الأوضاع ووقف النار، لكن رجال التنظيم يسلكون العكس. وحسب احد المسؤولين الاسرائيليين فان هناك خلافا بين القيادتين السياسية والعسكرية لحماس، “فيوم امس كان يبدو ان الاطراف متجهة نحو وقف النار والتهدئة، لكن الوضع كان مختلفا اليوم”.
وقالت مصادر فلسطينية في قطاع غزة لصحيفة “هآرتس” ان القطاع يستعد للتصعيد الذي قد يستغرق عدة اسابيع. وقال احد المواطنين ان حماس أخلت قواعدها ومقراتها التي يمكن تعرضها للقصف. ودعت الذراع العسكرية لحماس، كافة الفصائل الى توحيد الصفوف والاستعداد “كي يفهم العدو بأن الشعب الفلسطيني لن ينكسر”. وقالت كتائب عز الدين القسام انها لن تجلس مكتوفة الأيدي امام العدوان.
حماس تشترط التهدئة باعادة اطلاق سراح اسرى صفقة شليط
قال مصدر رفيع في حماس لموقع “واللا” ان شروط حماس لوقف التصعيد في الجنوب مركبة اكثر من مبدأ “الهدوء مقابل الهدوء”. واوضح قائلا: اذا ارادت اسرائيل التهدئة فعليها اطلاق سراح الاسرى الذين شملتهم صفقة شليط والذين اعيد اعتقالهم بعد اختطاف الشبان الاسرائيليين الثلاثة. كما اشترط التمسك بتفاهمات اتفاق وقف اطلاق النار التي تم التوصل اليها بوساطة مصرية بعد عملية “عامود السحاب” في 2012.
ونفى المصدر ان تكون لحماس أي علاقة باختطاف وقتل الشبان الاسرائيليين. وقال ان رئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل، تحدث هاتفيا مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، واوضح له ذلك. واكد المصدر ان إسرائيل لا تملك أي دليل يربط حماس بعملية الاختطاف. وقال ان إسرائيل اعلنت الحرب على غزة وعلى الشعب الفلسطيني في الضفة واعادت اعتقال عشرات المحررين في صفقة شليط دون أي مبرر. واكد ان على إسرائيل اطلاق سراحهم.
والد محمد ابو خضير: الحكومة الإسرائيلية قتلت ابني ولا اريد تعازي نتنياهو
اتهم حسين ابو خضير، والد الفتى محمد الذي قتلته عصابة من اليمين المتطرف، الحكومة الإسرائيلية بقتل ابنه، وقال ان مشكلة حكومة إسرائيل تكمن في انها تريد الضفة كلها”. واضاف في حديث ادلى به لمراسل “واللا” انه سيستقبل كل وزير يصل لتعزيته، الا وزراء اليمين. واوضح انه ليس معنيا بوصول رئيس الحكومة نتنياهو قريبا لتقديم التعازي، “فقلبي متألم جدا”.
وكان رئيس الحكومة نتنياهو، قد اجرى صباح امس، محادثة هاتفية مع والد محمد، واعرب عن صدمته هو ومواطني اسرائيل من عملية القتل البشعة. وقال: “عملنا فورا للعثور على القتلة وسيتم تقديمهم للمحاكمة واستنفاذ القانون بحقهم.”
وخلال المداولات التي اجرتها المحكمة المركزية في القدس، امس، في ملف قتل محمد ابو خضير، تبين انه تم تحويل بعض المشبوهين بالقتل الى الفحص النفسي! كما تبين ان ثلاثة من المعتقلين يشتبهون بتنفيذ الاختطاف والقتل، وثلاثة يشتبهون بتقديم المساعدة. ورفض القاضي خلال الجلسة، امس، السماح لثلاثة من المشبوهين بالتقاء محاميهم، لكنه حدد ان على الشرطة الانتهاء من جمع الأدلة والافادات واعادة تمثيل عملية القتل حتى يتم اللقاء بين المشبوهين والمحامين. وفي المقابل سمح للثلاثة الآخرين بالتقاء محاميهم امس. وتم يوم امس اعادة تمثيل عملية القتل. وكان احد المعتقلين قد اعترف، امس الأول، بأنه شارك في عملية القتل، وجرّم بقية رفاقه ما جعلهم يعترفون بالمشاركة.
الى ذلك وبعد انتهاء اسبوع الحداد على ولدها، شجبت راحل فرانكل، امس الاثنين، قتل الفتى الفلسطيني محمد ابو خضير، وقالت: “حتى في خضم الألم على نفتالي، يصعب وصف مدى الأسف على الجريمة التي وقعت في القدس. سفك الدماء الطاهرة يتعارض مع الاخلاق ومع التوراه، التي تعتبر قاعدتنا جميعا”.
وقالت فرانكل: “سيتم مقاضاة من قتلوا اولادنا ومن ارسلوهم، ولكن يجب ان تتم معاقبتهم هم فقط وليس أي شخص بريء. وسيتم ذلك من قبل الجيش والشرطة والجهاز القضائي وليس من قبل الخارجين على القانون. يجب ان لا يمر أي اب وأم بما نمر به الآن، نحن نشعر بألم عائلة محمد ابو خضير. ان وصية موت ايال وغيل عاد ونفتالي هي وصية حب للانسانية والوحدة. نفخر بالدولة التي اعتقلت المجرمين واوقفت البشاعة، ونأمل ان يعود الهدوء الى الدولة”.
وعلم ان مواطنين من الخليل وصلا، امس، الى بيت عائلة فرانكل وقدما التعازي. وقال شاي فرانكل، عم القتيل “ان اللقاء كان مؤثرا، فلقد جاءا مع كثير من النوايا وتحدثا مع ابي وراحل واعربا عن تعازيهما”.
ليبرمان يفك الشراكة مع الليكود
اعلن وزير الخارجية افيغدور ليبرمان، امس، شق التحالف بين حزبه “يسرائيل بيتنا” وحزب الليكود. وابلغ ليبرمان قراره هذا لرئيس الحكومة نتنياهو، وقالت “هآرتس” انه من المتوقع ان تتوجه كتلة ليبرمان الى لجنة الكنيست كي تصادق على الانفصال.
وقالت “هآرتس” ان قرار ليبرمان جاء على خلفية العلاقات المتعكرة مع نتنياهو في الاشهر الأخيرة، وسعيا منه الى ترميم حزبه الذي اشارت الاستطلاعات الى تراجع قوته. يشار الى ان الليكود ويسرائيل بيتينو لم يتحدا ابدا، فكل حزب حافظ على مؤسساته الخاصة وأدار جدول اعمال منفرد، وانعكس توحيد الحزبين فقط في جلسات الكتلة المشتركة في الكنيست، كل يوم اثنين، وفي التنسيق بين نتنياهو وليبرمان بشأن ادارة الحكومة والائتلاف.
ويتكهن الليكود بأن التنسيق بين الحزبين سيتواصل حتى اذا قرر ليبرمان الاستقلال. واعلن ليبرمان في مؤتمر صحفي ان القرار لا يعني الانسحاب من الحكومة وان حزبه سيواصل تحقيق الاستقرار في الائتلاف. وقال: ليس سرا ان الخلافات بيني وبين رئيس الحكومة اصبحت جوهرية ولا تتيح مواصلة العمل في اطار مشترك.
وقال ان التوحيد لم يحقق نجاحا في الانتخابات ولا بعد الانتخابات، ولا يزال حتى اليوم يشهد مشاكل تقنية. وكان نتنياهو وليبرمان قد اعلنا توحيد الحزبين في اكتوبر 2012، عشية الانتخابات البرلمانية، على امل ان تحقق الكتلة 47 نائبا، لكن الكتلة منيت بخسارة ساحقة، فعلى الرغم من كونها اكبر كتلة الا انها حصلت على 31 عضوا فقط، أي أقل بـ11 عضوا عن عدد اعضاء الكتلتين في الكنيست السابقة. ونتيجة الفشل في تحقيق فوز كبير في الانتخابات، عم الغضب مركز الليكود الذي احتج على الثمن السخي الذي تم دفعه لليبرمان في الحكومة (خمسة وزراء ونائبة وزير ورئاسة لجنتين).
وسعى رئيس كتلة الليكود داني دانون، خلال الأشهر الأخيرة الى تمرير قرار في المركز يقضي بحل التحالف بين الحزبين في الانتخابات القادمة، لكنه لم يتم المصادقة على القرار حتى الآن. وقال دانون، امس، ان حل التحالف بين الحزبين كان سيتم في كل الحالات، حيث يفهم الليكود ان التحالف لم يحقق زيادة في الأعضاء.
المصادقة على قانون حرمان الاسرى المحررين من المخصصات
كتبت صحيفة “هآرتس” ان الكنيست صادقت في القراءتين الثانية والثالثة، امس، على قانون حرمان الأسرى الأمنيين الذين يتم تحريرهم في اطار صفقات سياسية، من الحصول على مخصصات التأمين الوطني. وقد بادر الى القانون النواب ياريف ليفين (الليكود) ودافيد روتم وروبرت اليطوف (يسرائيل بيتينو). ودعم القانون 34 نائبا، وعارضه عشرة نواب وامتنع نائب واحد.
وحسب القانون سيتم حرمان هؤلاء الأسرى (المقصود الاسرى الفلسطينيين داخل إسرائيل) من المخصصات طوال الفترة التي كان يفترض ان يقضوها في السجن، وسيسري على الأسرى الامنيين الذين فرض عليهم السجن لعشر سنوات على الأقل. ويشمل المنع مخصصات الولادة والاصابة في العمل ومخصصات المتطوعين ومخصصات الحوادث والبطالة ومخصصات ضمان حقوق العاملين في حال افلاس شركة او تفكيكها. كما يمنع هؤلاء من تلقي مخصصات الشيخوخة والورثة وحتى الحصول على قروض لشراء سيارة.
مقالات
السلام هو الطريق
تحت هذا العنوان تكتب صحيفة “هآرتس” في افتتاحيتها، ان الطموح الى السلام وحد في السابق المجتمع الاسرائيلي الذي سعى الى انهاء الصراع مع الفلسطينيين والدول العربية، لكن في السنوات الأخيرة، خاصة منذ الانتفاضة الثانية، يبدو ان إسرائيل تخلت عن خيار السلام. ويركز الحوار العام حول طرق ادارة الصراع، بحيث يتحمل الجمهور ثمنه، ولا تضطر القيادة الى اتخاذ قرارات صعبة.
وتضيف “هآرتس”: لقد تم في ظل الوضع الراهن توسيع مشروع الاستيطان في الضفة الغربية، وترسخ على الأرض نظام تمييز يقوم على قانون لليهود وآخر للفلسطينيين. واستثمرت اسرائيل الكثير من الجهود لحشر الفلسطينيين داخل جيوب (مناطق A و B)، كي تفسح مكانا للمزيد من المستوطنين واحتمال ضم مناطق مفتوحة. وبدأ الاحتلال يمتد حتى إلى إسرائيل داخل الخط الأخضر، بصورة محاولات لتفكيك النظام الديموقراطي وقمع التعبير السياسي للمواطنين العرب، وتضييق خطوات المحاربين من أجل حقوق الانسان.
لقد بادرت صحيفة “هآرتس” الى مؤتمر إسرائيل للسلام، الذي سينعقد اليوم في تل أبيب، في سبيل اعادة السلام الى الحوار العام كبديل حتمي لمستقبل الدولة، لأنه يمكن فقط لاتفاق السلام مع الفلسطينيين ومن ثم مع الدول العربية، أن يضمن وجود اسرائيل في المنطقة كدولة ذات حدود يعترف بها ويحافظ على طابعها كديموقراطية مع غالبية يهودية. ولا وجود لطريق آخر لتحقيق اهداف الصهيونية، الا طريق الحوار والاتفاقيات والتسوية مع الجيران.
وتضيف “هآرتس” ان جمود العملية السلمية قاد الى جولة أخرى من العنف والتخوف المتزايد من اندلاع انتفاضة ثالثة. وقد أثارت أحداث الأسابيع الأخيرة، من جديد، القلق في الجانبين. ان دعوات التحريض التي يطلقها السياسيون من اليمين والذين يقترحون دائما اللجوء الى مزيد من العنف، تهدد باغراق اسرائيل والفلسطينيين في انهار من الدماء، والرد الوحيد على دعوات الكراهية هذه هو عدم التنازل ورفع راية السلام بفخر، والاثبات بأنه حيوي وممكن. وفي هذه الأيام الصعبة بالذات، يجب تحديد الحوار العام حول فهم أسباب تأخر السلام وكيف يمكن تحقيقه.
وتضيف: في المقالات التي قدموها لصحيفة “هآرتس” على شرف المؤتمر، يبين الرئيس الفلسطيني محمود عباس والأمير السعودي تركي الفيصل، ان اسرائيل تملك شريكا لاتفاق سلام يقوم على المبادرة العربية وتقسيم البلاد الى دولتين – اسرائيل وفلسطين. ويجب على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورفاقه في القيادة التجاوب مع التحدي واثبات وجود شريك اسرائيلي ايضا.
السلام ممكن
تحت هذا العنوان يكتب الرئيس الأمريكي براك اوباما مقالة خاصة تنشرها “هآرتس” على صدر صفحتها الأولى، بمناسبة انعقاد مؤتمر اسرائيل للسلام، اليوم. ويكتب اوباما في مقالته عن رحلته الى اسرائيل في العام الماضي، ويقول انه عندما كانت الطائرة تتأهب للهبوط في الاراضي المقدسة، نظر من النافذة وذهل مرة أخرى لحقيقة انه يمكن قياس امن اسرائيل بحساب الدقائق والكيلومترات.
ويضيف: “لقد فهمت ما الذي يعنيه الأمن بالنسبة لمن يعيشون قرب الحدود الشمالية وبالنسبة لاطفال سديروت الذين يريدون ان يترعرعوا بدون خوف، وبالنسبة للعائلات التي فقدت بيوتها واملاكها بسبب هجمات حزب الله وحماس الصاروخية. وكأب يمكنني تخيل الألم الذي تشعر به عائلات الشبان الثلاثة الذين اختطفوا وقتلوا بشكل مأساوي في حزيران. كما اشعر بالانكسار ازاء الاختطاف والقتل غير المبرر لمحمد ابو خضير، الذي تم سلب حياته منه ومن عائلته. وفي هذه اللحظة الخطيرة، يتحتم على كل الاطراف الدفاع عن الأبرياء وضبط النفس والحكمة، وليس بالانتقام”.
ويكرر اوباما في مقالته التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل ويتعهد بعدم التراجع عنه، ويقول ان ايمانه بالسلام سيبقى الى الأبد مرتبطا بهذا الالتزام. ويتحدث عن التعاون الامني بين البلدين، ووصول التعاون الاستخباري الى ارقام قياسية غير مسبوقة، وكذلك التعاون التكنولوجي الأمني. ويقول انه على الرغم من الأوضاع المالية للولايات المتحدة الا انها ستبقى ملتزمة بتمويل امن اسرائيل حتى عام 2018، من خلال تقديم المعونات السنوية بقيمة اكثر من ثلاثة مليارات دولار سنويا.
ويضيف ان التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل ينعكس في عمل الولايات المتحدة في كافة انحاء الشرق الأوسط، مشيرا الى اخلاء سوريا من السلاح الكيماوي الأمر الذي سيمنع الرئيس السوري، الذي يكنيه بالدكتاتور الوحشي، من استخدام السلاح ليس ضد شعبه فحسب، بل ضد جارات سوريا بما في ذلك إسرائيل. ويتعهد اوباما بمواصلة العمل مع المجتمع الدولي لدعم المعارضة السورية المعتدلة وحل الصراع سياسيا. كما يتحدث عن العمل لمنع ايران من الحصول على سلاح نووي، من خلال المفاوضات الدولية.
ويقول اوباما ان “الولايات المتحدة اظهرت التزامها بأمن إسرائيل من خلال السعي المتواصل لتحقيق السلام الدائم في الشرق الاوسط. لقد اعتبرنا دائما ان حل الصراع بين الاسرائيليين والفلسطينيين يحتم بذل جهود كبيرة واتخاذ قرارات صعبة من قبل الجانبين. ولذلك، ورغم خيبة املنا من عدم اتخاذ القرارات الصعبة في الجانبين، في سبيل دفع العملية السلمية، فان الولايات المتحدة لن تتخلى ابدا عن الأمل بتحقيق السلام الدائم، الذي يعتبر الطريق الوحيد لضمان امن إسرائيل الحقيقي”.
ويضيف: كما قلت في القدس في العام الماضي، فانه يمكن تحقيق السلام العادل، وقد امنت ولا زلت اؤمن بذلك الآن. والسلام يعتبر ضروريا لأنه الوحيد الذي يضمن مستقبلاً آمنا وديموقراطيا لدولة إسرائيل اليهودية”. ويقول ان التوصل الى اتفاق سلام مع الفلسطينيين سيساعد على تغيير الرأي العام الدولي، وعلى عزل المتطرفين القوميين، وتعزيز امن إسرائيل. ويضيف: “كما يحق للإسرائيليين العيش في الوطن التاريخي للشعب اليهودي، يحق للفلسطينيين تقرير المصير. الاولاد الفلسطينيين لديهم آمال واحلام بالمستقبل ويستحقون العيش بكرامة، وهو ما سيتحقق فقط في دولتهم. ان الرئيس عباس هو شريك إسرائيل، وهو ملتزم بحل الدولتين وبالتعاون الأمني معها. لقد اوضحت الولايات المتحدة ان على الحكومة الفلسطينية التمسك بالمبادئ ذاتها: الالتزام بنبذ العنف وبالاتفاقيات السابقة والاعتراف بإسرائيل. وتعتبر هذه المبادئ هامة جدا في فترة جمود المفاوضات وعلى كل الأطراف ضبط النفس والعمل معا للحفاظ على الاستقرار”.
ويرى اوباما انه “من المهم تذكر اهمية السلام عندما يتم مواجهة الانتكاسات ولحظات الاحباط، ويتحتم توفر رغبة سياسية كي يتم اتخاذ القرارات الصعبة المطلوبة، وكذلك دعم الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني والمجتمع المدني. وعلى الجانبين المخاطرة من اجل السلام. ففي نهاية الأمر نحن نعرف الهدف الحتمي للمفاوضات: دولتان لشعبين.” ويضيف ان رفض التسوية والتعاون لن يدعم امن الاسرائيليين او الفلسطينيين، والحل الوحيد هو دولة يهودية ديموقراطية تعيش بسلام وامن الى جانب دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة. ولذلك نصر انا ووزير الخارجية كيري على العمل مع نتنياهو وعباس في سبيل التوصل الى حل الدولتين. وعندما تتوفر الرغبة السياسية بالالتزام مجددا بالمفاوضات، ستكون الولايات المتحدة جاهزة لتقديم مساهمتها”.
رؤيا السلام الفلسطينية واضحة ومحددة
تحت هذا العنوان تنشر صحيفة “هآرتس” في ملحق خاص، مقالة كتبها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمناسبة مؤتمر إسرائيل للسلام المنعقد اليوم، جاء فيها: “مرت 26 عاما منذ ان تبنت منظمة التحرير الفلسطينية حل الدولتين بشكل رسمي. في قرار تاريخي مؤلم اعترفت فلسطين بدولة إسرائيل في حدود ما قبل 1967، وتنازلت عن أكثر من 78% من المناطق الفلسطينية.
بدلا من استغلال هذه الفرصة من أجل السلام، اختارت حكومة إسرائيل الحالية استخدام عملية السلام كستار دخاني لمواصلة الاستعمار والقمع. لكننا لا زلنا نؤمن بأن لا يتوقع جيراننا الإسرائيليون أن يعيش الشعب الفلسطيني في ظل نظام الابرتهايد.
إن طموح امة تنشد السلام والحرية الى الاستقلال لا يمكن قمعه بالقوة. رؤيا فلسطين للسلام واضحة ومغروسة جيدا في اسس القانون الدولي. وذلك لأننا نعتقد أنه لا يمكن تحقيق سلام عادل ودائم دون احترام حقوق الجميع، الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء. وفقا لهذه الاسس، يجب احترام سيادة الدولتين، فلسطين وإسرائيل، كما هو ملزم من خط الحدود الدولية 1967؛ ويجب احترام حقوق اللاجئين الفلسطينيين بموجب القرار 194 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
ان المفاوضات عبارة عن أداة قوتها جبارة من اجل السلام، لكن يجب ان يكون لها هدف صريح ومعايير معروفة. على الأقل فيما يخص فلسطين, فان الحكومة الإسرائيلية ليست شريكا في نفس الأهداف والمعايير كبقية العالم. حان الوقت لأن يعترف العالم بواقع سياسة الحكومة الحالية في اسرائيل التي لا تتماشى مع حل الدولتين. يمكن معرفة ذلك من خلال الاشهر التسعة الأخيرة من المحادثات التي جرت برعاية الولايات المتحدة، وفيها قامت إسرائيل ببناء وحدات سكنية لـ 55 ألف مستوطن جديد في الأراضي المحتلة. هل يكشف هذا نيتها بالتوصل إلى سلام عادل ودائم مع فلسطين؟
يذكرنا العديد من أصدقائنا بالقول الحكيم للرئيس الراحل كينيدي، “لا يمكن لنا ان نتفاوض مع أولئك الذين يقولون، ‘ما لي فهو لي وما لك فهو قابل للتفاوض‘”. لن يكون للمفاوضات اي معنى طالما استمرت إسرائيل بتعميق الاحتلال وتغيير ديمغرافية بلادنا بهدف فرض حقائق جديدة على الأرض. عندما مارست فلسطين حقها أخيرا وطلبت من الامم المتحدة الاعتراف بها كدولة، لم يكن ذلك محاولة لتجاوز مفاوضات السلام. اعلان 138 من الامم المحترمة في العالم فتح امام فلسطين فرصا جديدة للمطالبة بحقوقها وحقوق شعبها، مبدئيا بواسطة إمكانية الاندماج بمواثيق متعددة الاطراف والمنظمات الدولية.
القيادة الفلسطينية تدرك جيدا ان فلسطين تستطيع ان تنضم اليوم لمختلف المواثيق والمنظمات. نطلب من المجتمع الدولي ان يتوقف عن الاختباء وراء دعوات “تجديد المحادثات”، دون مطالبة اسرائيل بالايفاء بالتزاماتها. المجتمع الدولي مسؤول عن حماية اهلنا الذين لا حول لهم ولا قوة ويعيشون تحت تهديد المستوطنين، الجيش المحتل ومنع التجول المعذب. يجب اتخاذ إجراء حاسم يضمن أن لا يتمتع المستوطنون الإسرائيليون الذين يعيشون بصورة غير قانونية في دولتنا ويستغلون اراضيها ومواردها الطبيعية، بنفس التسهيلات التي يحظى بها الإسرائيليون الذين يعيشون في إسرائيل. يجب ان يكون موقف المجتمع الدولي من الحكومة الإسرائيلية متعلقا بمدى احترامها للقانون الدولي وحقوق الإنسان.
عندما عرضت جامعة الدول العربية خطتها السخية للسلام، مبادرة السلام العربية، ردت اسرائيل بتكثيف الاستعمار. هذا العرض، الذي لا يزال ساري المفعول، يتضمن الاعتراف الكامل والتطبيع من طرف 57 دولة أعضاء منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، مقابل انسحاب اسرائيل الى خطوط 1967 وحل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين بموجب قرار الأمم المتحدة 194. اسرائيل لن تحظى بعرض أفضل للدمج الإقليمي من مبادرة السلام العربية. بينما يواصل المستوطنون اعتداءاتهم على منازل الفلسطينيين، الكنائس والمساجد، ويواصل السجناء معاناتهم من المعاملة السيئة في السجون غير القانونية، وتواصل المستوطنات في الاتساع، وبينما أكثر من نصف أبناء شعبنا يعيشون في الشتات، وان احتمال التوصل إلى حل الدولتين يكاد ان يتبخر بسبب الحكومة الإسرائيلية، يواصل الفلسطينيون الشجعان تمرير رسالة سلام وعدل لإسرائيل وللعالم أجمع.
على الرغم من كل المحاولات الإسرائيلية لإرغام ابناء شعبنا على الاستسلام لواقع الشتات ونظام الابارتهايد بينما تتمتع هي بحصانة تجنبها العقاب، نواصل السير نحو الحرية. وهنا أقتبس من قصيدة المرحوم محمود درويش، “واقفون هنا. قاعدون هنا. دائمون هنا. خالدون هنا. ولنا هدف واحدٌ واحدٌ واحدٌ: أن نكون”.
كرئيس للشعب الفلسطيني أنا التزم تماما برؤيا الدولتين، بالتطبيع والسلام مع جارتنا- اسرائيل. لهذا السبب انضممت للبابا فرنسيس الاول- سويا مع الرئيس بيرس- للصلاة من أجل السلام. يريد ابناء شعبي السلام، ولذلك نحن نستمد التشجيع من مؤتمر “هآرتس” الذي يعكس طموحا مشابها لإسرائيليين كثيرين مستعدين بحزم لتسوية تاريخية. هذا الادراك يعزز تمسك ابناء شعبي بطريق السلام والمصالحة. هذا واجبنا المقدس، الإسرائيليون والفلسطينيون على حد سواء، من اجل أطفالنا.
مبادرة السلام العربية لا تزال توفر إطاراً للسلام
تحت هذا العنوان يوجه الأمير السعودي تركي الفيصل رسالة خاصة الى مؤتمر إسرائيل للسلام، الذي تعقد صحيفة “هآرتس”، حيث يدعو الى الحلم للحظة واحدة كيف ستكون عليه هذه الأرض المضطربة، وكيف ستبدو بعد الاتفاق بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني. ويقول انه كان سيسره الطيران مباشرة إلى القدس وسيسعده توجيه الدعوة، ليس للفلسطينيين فقط، بل للإسرائيليين أيضا.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة الأمير كما تنشرها “هآرتس”: “في بعض الأحيان وفي أحلك اللحظات، ما يدعو إلى الاهتمام هو ألا يقتصر الشجعان من الرجال والنساء ممن لديهم سعة في الأفق على التمسك بفكرة السلام، بل أيضاً محاولة تصور ما قد يبدو عليه هذا السلام.
ويتجلى ذلك في أوضح صوره في الشرق الأوسط، فهناك شعبان: الفلسطيني والإسرائيلي، كل منهما يسعى إلى تحقيق حلمه في إقامة دولة له. إن حل الدولتين هو الحل الوحيد الذي يمكن أن يجسد هذا الحلم، ويلبّي طموحات الشعبين الوطنية. مثل هذا الحل كان في صميم الرؤية التي وضعتها الجمعية العمومية للأمم المتحدة في قرار التقسيم عام 1947م، الذي فشل المجتمع الدولي في تنفيذه في ذلك الحين، كما تلاه أيضاً فشل في عدد من عمليات السلام الرامية إلى جلب السلام إلى حيز الوجود منذ ذلك الحين.
والنتيجة هي مأساة إنسانية للفلسطينيين الذين يعيشون تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي الظالم، وأيضاً للإسرائيليين المحاصرين في وضع سيزيد مع مرور الوقت من عزلتهم الدولية. فمع توقف جهود وزير الخارجية كيري في الوقت الراهن، وخيبة الأمل المتزايدة نتيجة الإخفاق في دبلوماسية الولايات المتحدة مؤخراً، فإن الوقت، الآن، هو الوقت المناسب لفرض السلام الذي يتمناه جميع الناس، أهل النيات الحسنة، أكثر من أي وقت مضى.
إن مبادرة السلام العربية، التي كان خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله ملك المملكة العربية السعودية أول من اقترحها، والتي أقرتها جامعة الدول العربية في عام 2002م، لا تزال توفر إطاراً للسلام، وصيغة للتوصل إلى حل عادل وشامل للصراع الإسرائيلي، ليس مع الفلسطينيين فقط، بل مع العالم العربي كله أيضاً، وبقناعة تامة بأنه لا يمكن للحل العسكري أن يمنح دول المنطقة السلام والأمن اللذين ينشدونهما جميعاً.
وتعترف مبادرة السلام العربية أن جميع الدول العربية ستقيم علاقات طبيعية مع إسرائيل بمجرد انسحابها من الأراضي التي احتلتها في حرب يونيو/ حزيران 1967م، وقبولها بدولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية. ويجب، بطبيعة الحال، أن يتم الاتفاق على مسألة الحدود الفعلية، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين في المفاوضات، وفقاً للمبادئ الدولية. وفي لبنان، يمكن تسليم الأراضي التي تحتلها إسرائيل للأمم المتحدة إلى حين وجود حكومة لبنانية قادرة لاستعادتها؛ وفي سوريا، كذلك، يمكن وضع هضبة الجولان المحتلة تحت إدارة الأمم المتحدة إلى أن يتم تشكيل حكومة جديدة يمكن أن تتسلمها. فمع حسن النيات، وبدعم من الولايات المتحدة، وجامعة الدول العربية، لا شيء مستحيل.
آمل حقاً أن ينتظم الإسرائيليون في الخط الذي قبله وفد جامعة الدول العربية في واشنطن في إبريل من العام الماضي، الذي أعلن بوضوح أن مبادرة السلام العربية ليست جامدة، بل يمكن تعديلها لتأخذ في الحسبان ما تم الاتفاق عليه بحرية بين الإسرائيليين والفلسطينيين في مفاوضاتهم.
ما زلت، مثلي مثل الآخرين في المنطقة نشعر بالأسى، كما أني حزين أيضاً، لم لا توجد هناك استجابة على الإطلاق للمبادرة العربية من قبل أي حكومة إسرائيلية، على الرغم من موافقة العالم العربي المستمرة عليها في كل قمة تعقدها جامعة الدول العربية على مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية، وفي كل قمة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي. وقد ذهب وفد عربي إلى إسرائيل لنقل تلك المبادرة مباشرة إلى الشعب الإسرائيلي. وهناك من بين العرب من يقول، وفي عدة مناسبات: إنه لا جدوى من تلك المبادرة، بل ينبغي نبذها والتخلي عنها. لكننا متمسكون بها، ومصرّون على التمسك بها؛ فهي لا تزال مطروحة على الطاولة قطعاً. دعونا نحلم للحظة واحدة كيف ستكون عليه هذه الأرض المضطربة، وكيف ستبدو بعد الاتفاق بين هذين الشعبين. . . اسمحوا لي أن أحلم أيضاً. . .
تخيل لو يكون بمقدوري أن أسافر على متن طائرة من الرياض، وأطير مباشرة إلى القدس، وأستقل حافلة أو سيارة أجرة، وأذهب إلى قبة الصخرة أو المسجد الأقصى، وأؤدي صلاة الجمعة، ثم أقوم بزيارة حائط المبكى وكنيسة القيامة. وإذا ما سنحت لي الفرصة في اليوم التالي، فبإمكاني أن أزور قبر إبراهيم في الخليل، وقبور الأنبياء الآخرين عليهم السلام جميعاً. ثم أتابع طريقي، وأزور بيت لحم، مسقط رأس السيد المسيح، وأن يكون بمقدوري أن أواصل طريقي لزيارة متحف “ياد فاشيم” كما زرت متحف المحرقة في واشنطن، عندما كنت سفيراً هناك.
ويا له من سرور أن أتمكن من توجيه الدعوة، ليس للفلسطينيين فقط، بل للإسرائيليين الذين قد ألتقي بهم أيضا، للمجيء وزيارتي في الرياض، حيث بمقدورهم زيارة موطن أجدادي في الدرعية، الذي عانى على يدي إبراهيم باشا ذات المصير الذي عانت منه القدس على يد نبوخذ نصر والرومان.
ولك أن تتخيل أيضا كيف ستتطور التجارة والطب والعلوم والفنون والثقافة بين شعبينا
.أخشى أن يكون البديل هو استمرار الصراع، بناء على الحقائق على الأرض، ولا سيما المشروع الاستيطاني المستمر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا ما يدفعنا، بصورة أقرب وأقرب، إلى اليوم الذي لن تعد فيه القضية مرهونة بمسألة تحقيق حل الدولتين، بل بالصراع وسفك الدماء، وهل سيستمر الوضع حينها على ذلك الحال ليكون هو القاعدة. هل هذا حقا ما تريده إسرائيل؟ الاستيلاء على الأراضي من قبل المستوطنين لتصبح حصريا “للإسرائيليين فقط”، والطرق السريعة على أراضي الضفة الغربية الفلسطينية تقف حائلاً أمام بقاء أمة فلسطينية متصلة جغرافياً وقابلة للحياة. وبينما تتشدق حكومة إسرائيل بحل الدولتين، إلا أنها تنتهج سياسة تفضي في المحصلة النهائية إلى دولة واحدة، وليس إلى “حل” دولة واحدة، ويستحيل، والأمر كذلك أن يقال عنها أي شيء آخر سوى أنها بامتياز “وصفة لكارثة”، في ظل انعدام المساواة في الحقوق السياسية والاقتصادية والإنسانية في فضاء تلك الدولة الواحدة.
آمل أن ينضم مؤتمر إسرائيل للسلام إلى الجهود الرامية لتصور رؤية السلام الذي سيكون ممكناً في ظل وجود مبادرة السلام العربية كحجر أساس لهذا السلام. إنني أتطلع إلى اليوم الذي أتمكن فيه من حضور مثل هذا المؤتمر، بل وأتطلع حقا إلى العمل مع أولئك الإسرائيليين الذين سيأتون قادمين إلى الرياض للمشاركة في مؤتمرات حول كيفية العمل معاً لمعالجة عدد من المشكلات الملحة الأخرى التي تشكل تحدياً لنا في المنطقة وحلّها.
نتنياهو ضد التحريض، حقيقة
تحت هذا العنوان يسخر نحاميا شتراسلر في “هآرتس” من تصريح نتنياهو بعد زيارته لعائلة الشاب القتيل نفتالي فرانكل بأنه ضد الارهاب وضد التحريض. ويقول شتراسلر ان نتنياهو يعتقد بأننا حمقى، وانه لم يلاحظ أحد منا بأنه ملك ملوك المحرضين. ففي كل يوم وفي كل شهر، وطوال فترة سلطته لا يفوت نتنياهو أي فرصة لوصف الفلسطينيين بأنهم وحوش، ويفتقدون الى القيم، ومتوحشين بلا حدود. ولا يمر اسبوع لا يخيفنا فيه من أنهم سيقومون علينا لقتلنا، ولذلك يجب عدم التحدث معهم عن اتفاق وسلام وحياة، لأنهم ليسوا بشرا ولا انسانيين.
وبعد ذلك يقلب عينيه نحو الأعلى ويشجب قتل محمد ابو خضير ويقول انها عملية قتل بشعة ويعد باستنفاذ القانون مع القتلة. ولكن سلطته كلها، وانتصاره في الانتخابات، بنيت على الوصفة المضمونة للتحريض والكراهية والترهيب.
ويضيف شتراسلر بأن نتنياهو شجب قتل رابين، ايضا، ولكنه كان هو الذي وقف على الشرفة في ساحة صهيون، في تلك المظاهرة السامة التي رفعت خلالها صورة رابين بملابس “الاس إس” النازي، وترددت هتافات “رابين قاتل” و”رابين خائن”. كان يمكنه النزول عن الشرفة كما فعل دافيد ليفي. وكان يمكنه ان يصرخ بصوت اعلى من المحرضين واخراجهم من المظاهرة، لكنه لم يفعل ذلك، ولم ننس، ايضا، من سار في مقدمة المسيرة عند مفترق رعنانا، التي رفع خلالها النعش الذي كتب عليه “رابين يدفن الصهيونية”.
ويقول شتراسلر ان القتلة هم اناس ضعفاء، يفتقدون الى عامود فقري، ويتأثرون بكلمات التحريض التي يسمعونها من نتنياهو ونفتالي بينت واوري اريئيل وابيغدور ليبرمان وحاخامات بني عقيبا. انهم يتشربون كلماتهم بتعطش، ومن ثم يخرجون الى ساحات القدس لتصيد العرب، وللمبادرة الى شجارات والمشاركة في مذابح. انهم يفهمون جيدا ان قادتهم يمكنهم الحديث فقط، وان عليهم هم ترجمة أقوالهم الى افعال.
كما انهم يرون قوات الشرطة والشاباك المشهود لها وهي تغض النظر ولا تعثر منذ سنوات على منفذي عمليات “بطاقة الثمن” وحارقي المساجد وثاقبي اطارات السيارات وكتبة شعارات التحريض. انهم يفهمون ان السلطة تغض النظر وتشجع بذلك اعمالهم. وهم ينتبهون الى حقيقة انه عندما يتم قتل عرب في المناطق الفلسطينية فان التعقيب يكون “الشرطة العسكرية تحقق” لكن لا شيء يحدث.
ويتساءل: ما الذي حدث مثلا في التحقيق بمقتل الشابين في بيتونيا؟ واين وصل التحقيق في قتل القاضي الأردني على معبر اللنبي؟ وماذا عن التحقيق في مقتل محمد دودين برصاص الجيش قبل عشرة ايام في دورا.
ويرى شتراسلر انه يتحتم على نتنياهو كي ينقذ بعضا من كرامته، زيارة عائلة حسين ابو خضير وتعزيتها بمقتل ابنها، تماما كما ذهب لتعزية عائلة فرانكل. لا يمكن الاكتفاء بمحادثة هاتفية، وليتعلم من الملك حسين الذي قطع زيارته الى اسبانيا بعد قتل الطالبات الإسرائيليات في “نهرايم” وطار الى اسرائيل لزيارة بيوت الطالبات في بيت شيمش والاعتذار امامها وهو راكعا على ركبتيه.
ويضيف شتراسلر: انا ضد هدم البيوت، لكن نتنياهو يؤيد ذلك، واذا كان حقا يعتقد ان القتل هو القتل، فليأمر بهدم بيوت المشبوهين اليهود بقتل محمد. فقبل ايام فقط صادقت المحكمة العليا على هدم بيت زياد عواد الذي يتهم بقتل ضابط في الشرطة، حتى قبل تقديم لائحة اتهام ضده، فلماذا الانتظار؟ فلدى نتنياهو الارهاب هو الارهاب، ويجب عدم التمييز بين دم ودم.
سكين في قلب الأمة
تحت هذا العنوان يكتب حاييم شاين، في “يسرائيل هيوم” انه لم يصدق احد في إسرائيل انه يمكن لليهود ان ينفذوا عملية قتل في ظروف فظيعة كقتل محمد ابو خضير!! لقد كانت المفاجأة كاملة انهت مجموعة متكاملة من المعتقدات بشأن نظرتنا الى انفسنا. وسيطر شعور قاس من الحزن والخجل ومشاركة العائلة حزنها على الحوار العام في إسرائيل. وعبرت غالبية الشبكات الاجتماعية بمصداقية عن المشاعر في أعقاب القتل. ومن رئيس الدولة مرورا برئيس الحكومة وحتى آخر مواطن، شجب الجميع هذا العمل واستوعبوا ضخامة الطعنات.
لقد زرع قتلة محمد ابو خضير سكينا في قلب الأمة، في خضم ايام عاصفة. لقد اصبحنا مثل سدوم وعامورا. ففي هذا العمل المتعصب والمظلم، والجنوني، خلق القتلة خطرا حقيقيا على جميع المواطنين. لا يوجد أي مواطن في الدولة، اليوم، غير معرض الى عمل انتقامي من قبل المجانين الذين تعج بهم صفوف أعدائنا.
لا شك ان الجهاز القضائي في اسرائيل سيجيد معالجة منفذي الجريمة، وسيتم تقديم القتلة الى المحاكمة، وعندما تتم ادانتهم سيدفعون الثمن الذي يمكن للمجتمع جبايته منهم بواسطة القانون. ولا يستحق الذين داسوا معايير الرحمة بقدم غليظة ولو ذرة رحمة واحدة.
ويتحدث الكاتب عن الاخلاق اليهودية معتبرا ان الامة اليهودية حافظت طوال الاف السنين على الصورة الانسانية لأولادها، وعندما غاصت امم كبيرة في غياهب الظلمة القاسية، كان شعب إسرائيل كالزنبقة بين الأشواك، فلقد عرف اليهود بخجلهم، برحمتهم وبرد الجميل. لقد اختار الله الشعب اليهودي ليكون شعبه المختار، ليس على أساس جيني، وانما بسبب استعداده لتبني المعايير المتشددة في العلاقة بين البشر على اسس الايمان بأن كل البشر خلقوا على صورة الله.
ويضيف: في الأيام الأخيرة شهدنا مظاهر الانحلال الشديد للأخلاق والقيم. لقد تشوش موجه الضمير وغير مساره، تلاشى نور نجم الشمال الاجتماعي. اصبح اليهود قتلة، المنتخبون يشتبهون بأعمال رشوة، رجال القانون يتاجرون بلوائح الاتهام، وهذه هي قائمة جزئية فقط. لقد تحالفت حماسة التعصب والعنف القاسي مع الجشع الجامح الذي يثير مسألة مؤلمة: ألا زلنا يهود؟ وحسب شاين فانه عندما يتضح من هم قتلة محمد ابو خضير، يتحتم فحص من هم معلميهم، اين تعلموا، وباسم أي ايديولوجية عملوا، وعلى أي خلفية تطور لديهم هذا العمى الذي ولد قتل فتى بريء. علينا ان نعرف أنه عندما يرفع الشيطان سيف الكراهية، فانه لا يميز بين الدم والدم، وبين أمة وأمة.
الاحتواء الذي قلب الموازين
تحت هذا العنوان يكتب نداف شرغاي في “يسرئايل هيوم” عما يسميه سياسة الاحتواء التي تتبعها الدولة، فيقول ان الدولة احتوت بطاقة الثمن ومحاولات احراق المساجد، فتلقت احراق فتى عربيا حتى الموت. احتوت قرابة 100 محاولة لاختطاف اليهود، فتلقت اختطاف وقتل ثلاثة فتية. منذ سنوات ونحن نحتوي العنف العربي والاعتداء على اليهود في كل انحاء القدس (في الحرم القدسي وجبل الزيتون وجبل المكبر ومدينة داود والبلدة القديمة)، وها نحن نحصل على ما يشبه الانتفاضة في القدس وتقسيم المدينة بشكل فعلي.
احتوينا فراغا سلطويا وسياديا كبيرا في القدس الشرقية، ونحصل اليوم على الفوضى من الجانبين. ونواصل الآن الاحتواء. عرب إسرائيل يعربدون، سكان الجنوب يجلسون في الملاجئ، ونحن نحتفل بسياسة الاحتواء. وهذا خطا ومضلل. لقد التبس الأمر علينا، فالافكار، حتى وان كانت شاذة، والكلمات وان كانت قاسية، يمكن احتوائها، اما العنف فلا يمكن احتوائه وان كان خفيفا. فالاحتواء يبث الضعف والعجز، وهو عكس الردع تماما. الاحتواء يسمح لحماس وامثاله بمواصلة اطلقا الصواريخ على سديروت واشكلون واوفكيم وبئر السبع. ربما لا يكون الاحتواء هو سياسة “سلام الآن” ولكنه بالتأكيد سياسة “هدوء الآن”.
وحسب رأي الكاتب فان “الاحتواء يجعل الحاضر رهينة على حساب المستقبل، بثمن باهظ سيجبي المزيد. ففي الجنوب يسمح للارهاب والكراهية بمواصلة بناء قوتهما في دولة حماستان، وانتاج المزيد من الصواريخ طويلة المدى والتي ستسقط في نهاية الاحتواء على تل ابيب او نتانيا. ويتيح الاحتواء لعدونا تعميق “غزة السفلى”- شبكة الانفاق التي يستتر فيها قادة القتلة، والتي يستتر فيها الموت في صورة الأسلحة القاتلة. والاحتواء يضعف الجبهة الداخلية الإسرائيلية ويزرع فيها الاكتاب وينزع الروح المعنوية. والآن نحتوي الكراهية والعنف من قبل سكان المثلث، والشر والكراهية من قبل رجال الجناح الشمالي للحركة الاسلامية الإسرائيلية. نحتوي تشويش الحياة المتواصل في الجنوب، ومئات المصابين بالصدمة ولا مبالاة العالم المنافق وضعف وفقدان طريق صديقتنا الكبرى الولايات المتحدة.
ويتساءل: هل انتخبنا حكومة احتواء قومي؟ هل تحول الجيش والشرطة الى قوات الاحتواء الإسرائيلية؟ هناك الكثير من الادوات في صندوق الادوات السياسي والعسكري التي يمكن استخدامها قبل احتلال غزة، منها مثلا، فرض عقوبات على الجمهور الفلسطيني المتعلق بنا في التزود بالكهرباء والماء والوقود والطعام والمال. ان الاحتواء هو الذي قلب الموازين هنا، هو الذي حول الجبهة الداخلية الى جبهة تدافع عن نفسها بينما يجب على الجيش وجنوده ان يدافعون عنها والاهتمام بأن تبقى الجبهة الداخلية داخلية، هذه هي مهمتهم، وهذا ما تدربنا عليه. اننا ندفع اليوم ثمن الاحتواء السابق، وغدا سندفع ثمن احتواء اليوم. لقد اصبح الثمن باهظا الآن، واذا لم نستيقظ فسيجبي المزيد.
حسب طلب حماس
تحت هذا العنوان يكتب ناحوم برنياع في “يديعوت احرونوت” انه بعد عدة أيام من الشك، اتضحت امس، المواجهة مع حماس في غزة. لقد فعلت حماس الكثير – اطلاق 100 صاروخ – كي تجر إسرائيل الى داخل غزة، ومن شبه المؤكد انها تفعل ذلك، بدافع اليأس، لأنه حسب مفهومها، هذا هو الخيار الوحيد الذي تبقى لها. وامام حماس يقف بنيامين نتنياهو، احد رؤساء حكومة اسرائيل الأكثر ضبطا للنفس في كل ما يتعلق بتفعيل القوة العسكرية. وهو يعمل حسب مقولة “اذا لم تشأ اطلاق النار فتحدث”.
وحتى يوم امس وقف وزير الأمن وقيادة الجيش وغالبية اعضاء المجلس الوزاري خلف نتنياهو، الا ان سيل الصواريخ التي خرجت من غزة، امس، جعلت ضبط النفس مسالة صعبة، اذ لا يمكن لأي حكومة اسرائيلية مواصلة جر واقع تصبح فيه حياة مئات آلاف الاسرائيليين أسيرة للقدرات النارية للتنظيمات الارهابية في غزة، والقدرات الدفاعية لمنظومة القبة الحديدية.
ويقول برنياع: يمكن اعتبار ما يحدث في الأيام الأخيرة في غزة بمثابة جولة كلاسيكية: حماس تطلق الصواريخ على مناطق المجالس الاقليمية، ونحن نرد بقصف جوي لأهداف خالية من البشر، ومن ثم يقومون هم بتوسيع مرمى النيران باتجاه شاعر هنيغف، فنوسع نحن دائرة القصف، ثم يستهدفون اشكلون ونتيفوت واوفاكيم، فنجند كتائب المشاة، ومن ثم يستهدفون بئر السبع وكريات جات ويفنيه، فنوسع نحن دائرة القصف ونهدد بالاجتياح، وعندها يستهدفون ريشون لتسيون.. وهنا عادة يتوقف الأمر.
والمشكلة في هذه اللعبة، حسب برنياع، هي انه يمكن لاحد الاطراف ان ينجح الى حد كبير، فيتم قتل الكثير من المدنيين وعندها لن يكون مفر من توسيع الحرب، هم باتجاه غوش دان، ونحن بالقصف المدفعي والاجتياح البري.
ويرى الكاتب في ضبط النفس الذي تبديه الحكومة الحالية شاذا عن القاعدة مقارنة بحكومات اليمين واليسار السابقة. ويقول ان شرط “الهدوء يقابل بالهدوء” والذي اخترعه براك عندما سعى الى هدنة مع حماس في فترة حكومة اولمرت، لا يعتبر شرطا متفقا عليه الآن، بعد اعلانه من قبل نتنياهو، بل أصبح طموح قلب قيل رغم اطلاق الصواريخ المكثف من غزة.
لقد انتقد بينت وليبرمان ضبط النفس خارج جلسات المجلس الوزاري المصغر، لكنهما كانا أقل تشددا خلال النقاشات الداخلية. وعمليا، لقد سمحا لنتنياهو ويعلون بمواجهة الصواريخ حسب مفاهيمهما.
وتنطوي المواجهة الحالية على ميزة اخرى، يقول برنياع، ففي الماضي تمحور السؤال المركزي حول ما سيحدث للعلاقات بين إسرائيل وحماس بعد تحقيق وقف اطلاق النار، وكانت في إسرائيل جهات اكدت على تحقيق الردع، فيما سعت جهات اخرى للتوصل الى ترتيبات، وكلاهما كانا يعرفان ان ما سيتم تحقيقه سيكون مؤقتا حتى الجولة القادمة. والسؤال الذي بات يطرح الآن يختلف عن السابق، وهو من ذا الذي سيسيطر على غزة اذا تمكنت إسرائيل من توجيه ضربة قاصمة لحماس. اذ يمكن لغزة ان تعمها الفوضى كما الصومال، او تصبح ملاذا لتنظيمات الارهاب التابعة للقاعدة، كما حدث في سيناء وشمال العراق واجزاء من سوريا. وبكلمات اخرى: ان حماس سيئة، ولكنها الأقل سوءاً.
واما الميزة الثالثة فتكمن في التدخل المصري، او الصحيح القول عدم التدخل. ففي فترة مبارك ومرسي قامت مصر بدور الوسيط بين إسرائيل وحماس، اما حكومة السيسي فليست متحمسة للقيام بهذا الدور، وهي بالتأكيد ليست متحمسة لدفع ثمن لحماس كي يمنحها دور الوسيط.
جُن صاحب البيت
تحت هذا العنوان يكتب اليكس فيشمان في “يديعوت احرونوت” ان حماس تتصرف كانتحارية تحاول جر اسرائيل بالقوة الى المواجهة المسلحة. فبالنسبة لها سيؤدي انفجارها ضد إسرائيل الى اعادة اعتبارها لاعبا ملائما في المنطقة وسيحررها من ضوائقها السياسية والاقتصادية. وتأمل هذه الانتحارية ان تحدد بنفسها مستوى الانفجار، كي لا تتحطم الى شظايا، لكن المجلس الوزاري قرر عدم اللعب الى ايدي حماس وعدم التحطم سوية معها في المغامرة العسكرية التي تعد لها.
ويقول فيشمان ان التوجيهات التي تلقاها الجيش تنص على رفع مستوى الرد بالتدريج، وسيشكل كل يوم اختبارا لمدى رغبة حماس بمواصلة اللعب بالنار. فإسرائيل ليست معنية بتفكيك سلطة حماس في القطاع ولذلك فانها تترك لها مهربا. فاذا اختارت الانتحار النهائي وواصلت اطلاق الصواريخ، لن يبقى امام إسرائيل الا نزع القفازات والدخول في مواجهة شاملة مع قوات برية.
ويرى انه خلافا لعملية “عامود السحاب” التي بدأت بهجوم كاسح على مئات الاهداف الجيدة، فان حجم الاهداف وجودتها هذه المرة ستتسع مع مرور الوقت, وخلافا لتلك العملية لن يتم تجيند الاحتياط منذ البداية هذه المرة، وانما سيتم ذلك بالتدريج وحسب تقييم الاوضاع. ويقول ان صورة الاوضاع خلال الأيام القريبة ستكون مثل لعبة البينغ بونغ، ضربة من هنا وضربة من هناك. وكلما جبت إسرائيل ثمنا باهظا كلما وسعت حماس مرمى القصف، وفرصة معرفة احد كيف سيسطر على سقف اللهيب تساوي الصفر، لأنه لا توجد كوابح اليوم، ولا وسطاء، وعلى الملعب تتواجد اسرائيل وحماس فقط.
ويقول فيشمان ان الجولة المسلحة الحالية مع غزة لم تبدأ باختطاف الشبان الاسرائيليين وانما قبل ذلك، حين جاء التحذير من عملية استراتيجية كبيرة. فقد اشارت كل المعلومات التي تم جمعها الى ان حماس تستعد لتنفيذ عملية لم نشهد مثلها من قبل، عملية تذكر باختطاف غلعاد شليط ولكنها ستكون اكبر من ذلك. وكما يبدو فقد تم التخطيط لقيام قوة خاصة باجتياح ارض اسرائيل من داخل الأنفاق. وفي المقابل عملت الذراع العسكرية لحماس خلال الاسابيع الأخيرة على اعداد قواتها للتغطية على العملية المخططة واحتواء الرد العسكري المتوقع من إسرائيل. ولهذا الغرض قامت الحركة بتركيز كل وسائلها القتالية والاستعداد لمعركة طويلة وشاملة مع إسرائيل.
وتبين في الاسبوع الاخير انه في الوقت الذي تحدثت فيه حماس عن وقف قريب لإطلاق النار، كانت الحركة مسؤولة عن اكثر من 50% من عمليات اطلاق الصواريخ، بما في ذلك استهداف بئر السبع. ويمكن الاشارة الى سببن يفسران هذا الانفصام الشخصي: فإما تسعى حماس الى تنويم اسرائيل استعدادا لعملية استراتيجية كبيرة، او ان الذراع العسكرية فصلت نفسها نهائيا عن الذراع السياسية.