اعلان وقف اطلاق النار غير المحدود بين إسرائيل وحماس
تناولت الصحف الاسرائيلية اعلان وقف اطلاق النار بين إسرائيل وحماس، والذي بدأ مساء امس، بكثير من التحليلات التي ركزت في غالبيتها على عدم وجود أي جديد في الاتفاق يختلف عن المبادرة المصرية الأساسية التي طرحتها مصر في بدايات الحرب، بل ذهب البعض الى اعتبار الاتفاق نسخة عن تفاهمات عملية “عامود السحاب” مع تعديلات طفيفة. وتم ابراز قرار نتنياهو اخفاء الاتفاق عن أعضاء المجلس الوزاري المصغر، ورفضه التصويت عليه، الأمر الذي جر انتقادات من قبل وزراء اليمين المتطرف في الحكومة.
وكتبت صحيفة “هآرتس” انه بعد 50 يوما من الحرب وافقت إسرائيل وحماس وبقية الفصائل الفلسطينية، امس، على خطوط وقف اطلاق النار التي بلورتها الحكومة المصرية. وعارض اعضاء المجلس الوزاري المصغر في إسرائيل، نفتالي بينت وافيغدور ليبرمان ويتسحاق اهرونوفيتش وغلعاد اردان الاتفاق، الا ان رئيس الحكومة، نتنياهو، قرر الموافقة عليه ورفض طلب بينت اجراء تصويت في المجلس الوزاري، وذلك اعتمادا على وجهة نظر قانونية حصل عليها من المستشار القضائي للحكومة.
وقال رجال نتنياهو ان المجلس الوزاري منح نتنياهو ووزير الأمن يعلون، قبل اكثر من اسبوعين صلاحية المصادقة على وقف اطلاق النار. واعربت تسيبي ليفني عن تحفظها من الاتفاق وقالت “ان الزمن سيثبت ما اذا تم تحقيق الردع الكافي امام حماس وعاد الهدوء لفترة طويلة”. وأضافت ان على إسرائيل السعي الآن الى ضمان مبادئ دولية لتجريد القطاع من السلاح ومنع تعزيز قوة حماس العسكرية ووضع آلية مراقبة فاعلة في غزة.
وكتبت “يسرائيل هيوم” نقلا عن مقربين من رئيس الحكومة ان ما تم التوصل اليه مع حماس هو ليس اتفاقا وانما وقفا لإطلاق النار، لأن الاتفاق سيأتي بعد التداول في مطالب الطرفين بعد شهر. واوضحت المصادر ان إسرائيل لم توافق على بند “الغاء الحصار” وان حماس قبلت بالاقتراح الذي رفضته في السابق. وحسب مصادر سياسية، فان الاتفاق على وقف اطلاق النار لا يشمل سلسلة من الانجازات السياسية التي سعت اليها حماس، كتحويل الرواتب وانشاء الميناء والمطار واطلاق سراح اسرى صفقة شليط، الذين اعيد اعتقالهم. كما طالبت حماس بتحديد فترة وقف اطلاق النار وسعت الى اقحام الوساطة القطرية لكنها لم تحصل على ذلك.
واضافت الصحيفة: “لقد طالبت حماس بفتح المعابر لكن المعابر كانت مفتوحة ومرت عبرها البضائع. وحسب المصادر السياسية، فان حماس لم تحصل على صورة الانتصار التي سعت اليها، لا بتدمير تل ابيب ولا بتنفيذ عملية كبيرة. بل ان “حماس تلقت ضربة بالغة” حسب هذه المصادر، التي اضافت “ان إسرائيل ستطالب خلال النقاش في مجلس الأمن بتجريد قطاع غزة من السلاح”.
وحسب المصادر الإسرائيلية ستشرف تنظيمات دولية على منع استخدام مواد البناء لبناء الانفاق ومصانع الأسلحة. وحسب مصدر إسرائيلي رفيع فقد “حصلت إسرائيل على ما سعت اليه، وهو توجيه ضربة قوية الى حماس وموافقتها على المبادرة المصرية رغم رفضها لها منذ البداية. لقد اصرت إسرائيل على الوساطة المصرية وهو ما تم. وفي الأيام الأخيرة مورس الضغط الكبير على حماس كي توافق على وقف اطلاق النار، وهذا نتاج الثمن الباهظ الذي دفعته غزة وحماس”.
ورحبت الولايات المتحدة بالاتفاق، ودعا وزير الخارجية جون كيري كل الأطراف الى تطبيق كامل بنود الاتفاق، وقال ان هذه هي فرصة وليست مسألة مؤكدة. وفي الدورة القادمة لمجلس الأمن ستتولى الولايات المتحدة الرئاسة في ايلول القادم، وستعمل على تطبيق اتفاق وقف اطلاق النار وتجريد القطاع من السلاح.
اليمين ينتقد والمركز يدعم بتحفظ
وكتب موقع المستوطنين (القناة السابعة) ان بعض اعضاء المجلس الوزاري وجهوا انتقادات شديدة لرئيس الحكومة بسبب قراره عدم طرح الاتفاق للتصويت، وعدم اطلاعهم على الاتصالات التي جرت مع مصر وسماعهم عنها، عمليا، من وسائل الاعلام.
وحسب الموقع فقد امتنع نتنياهو عن طرح الاتفاق للتصويت بعد ان فهم بأنه لا يتمتع بتأييد الغالبية في المجلس الوزاري. وقال انه من المتوقع ان تزداد المواجهة مع نتنياهو خلال الأسابيع القريبة على خلفية شعور الجمهور الإسرائيلي بأن نتنياهو ويعلون منيا بالهزيمة ولم يتمكنا من هزم حماس. وسيواجه نتنياهو صراعا قاسيا، خاصة في اعقاب نتائج الحرب التي اسفرت عن مقتل 69 اسرائيليا وجرح 200 اضافة الى الضرر الاقتصادي الكبير الذي يصل الى خسائر تقدر بعشرين مليار شيكل.
في المقابل رحبت عضو الكنيست شيلي يحيموفيتش (العمل) بالاتفاق وطالبت باستغلال الوضع الناشئ لدفع العملية السياسية. وقالت: “علينا اخذ زمام المبادرة والعمل بشجاعة من اجل التوصل الى اتفاق سياسي. لقد خسرنا في هذه الحرب خيرة اولادنا ولا يمكن التسليم بجولات اضافية دامية كما لو كانت حتمية”.
من جهته اعرب رئيس كتلة “يوجد مستقبل” النائب عوفر شيلح، عن دعمه المتحفظ للاتفاق وقال “ان الاختبار الحقيقي لإسرائيل يبدأ الآن”. وقال شيلح ان تحقيق الهدف الحقيقي للحرب سيتم فقط اذا ادركنا سبل استغلال هذه الفرصة لتحويلها الى اتفاق طويل الأمد. وقال ان التعاون مع الجهات ذات الصلة في المنطقة، وبرعاية دولية، يمكنه ان يقود الى مثل هذا الاتفاق وكذلك الى استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وعلى رئيس الحكومة ألا يرتدع من هذا الاختبار”.
المفاوضات الجوهرية ستبدأ بعد شهر
وكتبت “هآرتس” انه حسب بيان وزارة الخارجية المصرية، فان وقف اطلاق النار لن يكون محدودا بفترة زمنية، وستقوم إسرائيل بفتح المعابر الحدودية فورا، امام المساعدات الإنسانية ومواد البناء لترميم القطاع. ولا يذكر الاتفاق المصري أي آلية للإشراف على المواد التي ستدخل الى القطاع.
وقال مسؤول إسرائيلي رفيع ان إسرائيل ستراقب المواد التي سيتم ادخالها، لكنه لم يرد على السؤال المتعلق بكيفية التأكد من انه لن يتم استخدام المواد لإنتاج وسائل قتالية او حفر أنفاق. وسيتم في اطار اتفاق وقف اطلاق النار توسيع نطاق الصيد امام شاطئ غزة لمسافة ستة أميال بحرية. ولم يتطرق الاتفاق المصري الى المطالب الأمنية الإسرائيلية او حتى الى الحاجة لإجراء مداولات حول الترتيبات الأمنية في قطاع غزة.
وحسب مسؤول الإسرائيلي فإن الاتفاق لا يشمل، ايضا، مطالب حماس كالميناء والمطار واطلاق سراح الأسرى وتحويل رواتب المستخدمين الرسميين. واعلنت الخارجية المصرية ان وفودا من إسرائيل والفصائل الفلسطينية ستصل الى مصر خلال الشهر الأول بعد الاتفاق، لاستئناف المفاوضات حول القضايا العالقة. ومن المتوقع ان تطرح حماس مطالبها بشأن الميناء والمطار وحل ازمة الرواتب واطلاق سراح اسرى صفقة شليط. وستطرح إسرائيل مطالبها بشأن تجريد القطاع من السلاح ومنع تسلح حماس مجددا.
وحسب المسؤول الإسرائيلي فقد شهدت الاتصالات بشأن الاتفاق زخما خلال الأيام الماضية، وكان متوقعا الانتهاء منه يوم الاحد ليلا، لكن الخطوة لم تتم، وبعد ظهر امس، تم التوصل الى التفاهمات التي اتاحت اعلان الاتفاق.
وفي غزة نظمت حماس تظاهرة لإبراز قوتها بعد بدء وقف اطلاق النار، وتواصلت الاحتفالات في القطاع حتى ساعة متأخرة من الليل. ولأول مرة منذ محاولة اغتياله، الأسبوع الماضي، سمع صوت قائد الذراع العسكرية محمد ضيف، معلنا في رسالة مسجلة ان حماس توقف اطلاق النار وانه تم رفع كل القيود التي فرضت على البلدات المحيطة بقطاع غزة، وعلى مطار بن غوريون.
وتحدث الناطقان بلسان الحركة فوزي برهوم وسامي ابو زهري امام الحشد الجماهيري واشادا بالمقاومة. وقال ابو زهري ان حماس “تسمح” لسكان البلدات الاسرائيلية بالعودة الى بيوتهم. “لقد حققنا الانتصار عندما نجحنا بتحطيم قوة الردع الإسرائيلية”.
واعلن اسماعيل هنية عن الاتفاق على وقف اطلاق النار بعد ظهر امس، ومن ثم جاء بيان موسى ابو مرزوق، عضو الوفد الى القاهرة، والذي قال “ان المفاوضات انتهت وتوصلنا الى تفاهمات تتوج الموقف الراسخ للشعب الفلسطيني وتشكل انتصارا للمقاومة”. وقال ابو مرزوق لوسائل الاعلام ان الاتفاق يشمل وقف سياسة الاغتيالات الإسرائيلية لقادة حماس وذراعها العسكري ودفع الرواتب لكل مستخدمي الحكومة. واضاف ان حكومة المصالحة ستقود ترميم القطاع وتوسيع منطقة الصيد.
وقال محمود الزهار خلال مهرجان حماس في غزة: “سنقيم الميناء والمطار، نحن لا نحتاج الى تصديق من احد على عمل ذلك. سنقيم الميناء وكل من يهاجمه سنهاجم موانئه. وسنقيم المطار وكل من يهاجمه سنهاجم مطاراته، تماما كما فعلنا هذه المرة. واعد الأسرى الأبطال بأننا سنطلق سراحهم بكل الوسائل”.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد اعلن قبل نصف ساعة من بدء سريان الاتفاق عن التوصل اليه، واكد ان الولايات المتحدة وقطر ساعدتا على تحقيق الاتفاق. واوضح عباس انه بالنسبة للقيادة الفلسطينية هناك قرار استراتيجي بتغيير طابع العمل في كل ما يتعلق بالمفاوضات السياسية وانه ينوي عرض خطة شاملة ومفصلة امام القيادة، تهدف الى اقامة الدولة على اساس حدود 67. وقال: “لن نخوض اكثر في مفاوضات غامضة لا نعرف كيف تنتهي”.
قتلى وجرحى في إسرائيل قبل ساعة من وقف اطلق النار
قتل اسرائيليان واصيب ثالث بجراح بالغة جراء انفجار قذيفة هاون في كيبوتس “نيريم” في محيط غزة، مساء أمس، قبل ساعة واحدة من بدء سريان اتفاق وقف اطلاق النار. كما اصيب شخص آخر بجراح متوسطة وثلاثة بجراح طفيفة. ونقلت “هآرتس” عن مسؤولين في بلدات الجنوب، انه على الرغم من اعلان وقف اطلاق النار، فانه لن يتم فتح السنة الدراسية في موعدها، في حال تواصل اطلاق النيران. وقال الكثير من سكان بلدات محيط غزة انهم لا ينوون العودة الى بيوتهم وسيواصلون تعقب الأمور من بعيد. كما اعرب رؤساء السلطات المحلية في الجنوب عن عدم رضاهم ازاء الاتفاق.
وكانت الفصائل الفلسطينية قد اطلقت حوالي 180 صاروخا وقذيفة امس على اسرائيل، استهدفت بغالبيتها بلدات محيط غزة، وانفجرت قرابة 150 منها في الأراضي الإسرائيلية، بينها خمسة انفجرت في مناطق مأهولة بالسكان. واعترضت القبة الحديدية 27 صاروخا، احدها في سماء منطقة غوش دان. وتم اطلاق صاروخين آخرين على منطقة غوش دان سمع دوي انفجارهما دون ان يتم تفعيل صافرات الانذار او العثور على مواقع سقوطها! يشار الى ان وقف اطلاق النار بدأ الساعة السابعة مساء، لكن حماس اطلقت خمسة قذائف بعد 15 دقيقة.
وقال الجيش الإسرائيلي انه تم خلال ايام الحرب اطلاق 4564 صاروخا وقذيفة هاون على اسرائيل، انفجر منها اكثر من 3600 في الأراضي الإسرائيلية، بينها 224 في مناطق مأهولة. واعترضت القبة الحديدية 735 صاروخا، وقصف سلاح الجو الإسرائيلي اكثر من 5200 هدفا في قطاع غزة. وقال مصدر في الجهاز الأمني، امس، انه على الرغم من معارضة حماس للمبادرة المصرية الا انها هي التي حققت وقف اطلاق النار. وحول الاحتفالات في غزة قال: “يجب عدم التأثر من ذلك فلو بقي في غزة فلسطيني واحد لكان سيقول انه انتصر”. وحسب تكهناته فان ترميم غزة سيحتاج الى عشر سنوات. واضاف: “حماس تلقت ضربة بالغة ولكن مع ذلك فنحن نعيش في الشرق الاوسط ولا نعيش في اوهام”.
“استسلمنا لحماس”
وكتبت صحيفة “يديعوت احرونوت” ان سكان الجنوب اعتبروا الاتفاق بمثابة استسلام لحركة حماس، وقالوا بمشاعر من الغضب والخيبة: “استسلمنا لحماس. ليس من اجل هذا فقدنا المحاربين والمدنيين، وليس من اجل هذا جلسنا شهرين في الملاجئ، وليس من اجل هذا انهارت المصالح هنا، توقعنا اكثر من ذلك”.
ونقلت الصحيفة عن رئيس بلدية اشكلون، ايتمار شمعوني، قوله: ” سكان إسرائيل والجنوب رغبوا برؤية الحسم، ولكن هذا لن يحدث كما يبدو. رغبنا بمشاهدة حماس مهزومة وتستغيث، وما رأيناه عمليا هو ركض إسرائيل نحو المفاوضات في كل فرصة. بالنسبة لي اتفاق وقف النار يعني بدء الاستعداد للجولة القادمة، التي ستكون اشد قتلا “.
ورفض رئيس المجلس الاقليمي “اشكول” حاييم يلين التصديق بأن المقصود وقف اطلاق النار لفترة طويلة. وقال: “دولة إسرائيل ضحت بـ64 جنديا ومئات الجرحى وشهرين من حرب الاستنزاف، وفي النهاية خرجت مع تفاهمات كما في “عامود السحاب”، ستقود الى جولة اخرى خلال سنة ونصف. فلماذا اذن، كانت كل هذه الفوضى؟ تفكيك غزة من السلاح يمكن عمله بواسطة اتفاق سياسي، ولكن اذا قررتم عمل ذلك في الحرب، فلتملكوا ما يكفي من الخصي لتفعلوا ذلك حتى النهاية”.
وقال رئيس مجلس اقليمي “حوف اشكلون” يئير فرجون: “كل اتفاق مع حماس هو وهم، يجب علينا عدم الدخول في حالة لامبالاة، وعلينا مواصلة التأهب، على الأقل خلال الأيام القادمة”.
كما يرفض السكان اظهار الفرح ازاء التطورات. وقالت ميراب كوهين من “عين هشلوشاه”: “عندما خرجنا من البيت اعتقدنا أننا سنرجع بسبب شيء اكثر جدية”. وقال كورن حزوت من “نير عوز”: “لن اتجرأ على العودة في الوقت الحالي، هذا لم ينته حتى ينتهي”.
وفي حزب الليكود عم الغضب على رئيس الحكومة، وقالت شخصيات من الحزب ان “بيبي لم يوفر البضاعة، انه يخرج من هذه المعركة مضروبا وضعيفا. هذا الشعور الصعب يسود الحزب، على المستوى الشعبي، وسيلاحق نتنياهو”. وقال احد المسؤولين الكبار في الحزب ان “بيبي اراد انهاء الحملة العسكرية منذ بدايتها، فقط كي يرجع الى البيت بسلام ويحافظ على بقائه السياسي”. ووصف الاتفاق بأنه اهانة.
وينوي رئيس مركز الليكود داني دانون عقد اجتماع للمركز قريبا، كي يحرج نتنياهو. وقال، امس: “رغم الثمن الباهظ فإننا لم نهزم حماس. لقد سببت سياسة التجاوز والتردد ضررا لقدرة الردع الإسرائيلية، والجولة القادمة هي مسالة وقت فقط”. وهاجموا حتى في المعارضة التوصل الى اتفاق بدون انجازات. وقال ايلي يشاي من “شاس” ان “الاتفاق بدون نزع السلاح يشبه تسجيل موعد الحرب القادمة على التقويم الزمني، هذا الاتفاق سيمنح حماس التزود بالأسلحة فقط”.
المالكي يطالب الدول الغربية بمحاكمة مواطنيها الذين شاركوا في الحرب على غزة
قالت صحيفة “هآرتس” ان وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، توجه امس، الى الأمين العام للأمم المتحدة، وعددا من وزراء الخارجية في الغرب وطالبهم بالتحقيق في مشاركة مواطنين من بلدانهم في الحرب على غزة ومحاكمتهم بتهم ارتكاب جرائم حرب. وبعث المالكي بنسخ من رسالته الى وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واستراليا وكندا وجنوب افريقيا.
واكد في رسالته ان على الدول الاعضاء في الأمم المتحدة التحقيق ومحاكمة الجهات التي خرقت القانون الدولي من ابناء دولها. وكتب: “يوجد في الجيش الإسرائيلي آلاف المواطنين الأجانب، وكذلك إسرائيليين يحملون جنسيات مضاعفة، ومتطوعين يتجندون عبر برنامج المتطوعين الأجانب، هؤلاء جميعا شاركوا في العمليات الحربية الإسرائيلية في المناطق المحتلة من الدولة الفلسطينية، بما في ذلك في الهجوم على قطاع غزة”. ويكتب المالكي في رسالته ان قوات الجيش الاسرائيلي ارتكبت سلسلة من جرائم الحرب في الماضي، وخلال حرب غزة، وتسببت بمقتل الكثير من الأبرياء وتدمير البنى التحتية المدنية الرئيسية”.
واكد المالكي ان معاهدة جنيف تحدد بأن الدول الموقعة عليها تتحمل مسؤولية التحقيق في خرق القانون الدولي من قبل مواطنيها. وعدد في رسالته سلسلة من الخطوات التي طالب بتنفيذها.
أ. الكشف عن كل المواطنين الأجانب الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي او يساعدونه، بما في ذلك في اطار خطة المتطوعين الأجانب.
ب. تبليغ اولئك الاشخاص بجرائم الحرب التي ارتكبت في غزة وحالات خرق القانون الدولي، والمسؤولية الجنائية التي قد يتحملها كل من يشارك في ارتكاب جرائم حرب او يساعد على تنفيذها، والتزام الدولة بالتحقيق ومحاكمة المشبوهين من ابنائها.
ج. التحقيق في الادعاءات بشأن مشاركة مواطنين اجانب في تنفيذ جرائم حرب او المساعدة على تنفيذها في اطار حرب غزة ومحاكمتهم.
وتقول “هآرتس” انه ليس من الواضح كيف سيتم التعامل مع هذه الرسالة ولكنه يمكن الافتراض بأن غالبية الدول لن تتعامل معها، وحتى لو ارادت، فإنها لن تستطيع دفع الموضوع لأنها ستواجه مصاعب كثيرة في العثور على المعنيين. مع ذلك تشكل رسالة المالكي خطوة اخرى في المساعي الفلسطينية لتصعيد الضغط السياسي والقانوني على اسرائيل في الحلبة الدولية.
وكانت السلطة الفلسطينية قد دفعت قبل عدة اسابيع قرار تشكيل لجنة دولية للتحقيق من قبل المجلس الدولي لحقوق الانسان. كما تجري السلطة مداولات داخلية ومشاورات مع حماس بشأن امكانية التوقيع على معاهدة روما والانضمام الى محكمة الجنايات الدولية.
اليمين يطرح مشروع قانون لالغاء مكانة اللغة العربية
كتبت “هآرتس” ان مجموعة من نواب “يسرائيل بيتينو” والليكود والبيت اليهودي، تنوي طرح مشروع قانون جديد يدعو الى اعتبار اللغة العبرية هي اللغة الرسمية الوحيدة في إسرائيل والغاء مكانة اللغة العربية كلغة رسمية. وينص مشروع القانون على الغاء الأمر الملكي (منذ ايام الانتداب والذي تبنته إسرائيل) بشأن التزام الدولة بنشر النظم والاعلانات والنماذج الرسمية للحكومة والسلطات المحلية باللغة العربية، ايضا. كما يدعو القانون الى الغاء استخدام اللغة العربية في المكاتب الحكومية والمحاكم.
ومن بين الموقعين على مشروع القانون عضو الكنيست الدرزي حمد عمار، من “يسرائيل بيتنا” الذي يقول: “انا نفسي اتحدث العربية ولكن القانون سيوفر المال للصندوق العام، في البلدات التي من الواضح ان المقاولين العرب لا ينوون التقدم الى مناقصات فيها”!
وبادر الى هذا القانون النائب شمعون اوحايون (يسرائيل بيتنا) ومن بين الموقعين عليه موشيه فايغلين (ليكود) واوريت ستروك (البيت اليهودي). وفي تعقيبه على مشروع القانون قال رئيس كتلة “يوجد مستقبل”، النائب عوفر شيلح: “يصعب معرفة ما هو الشيء الأكبر في مشروع القانون هذا، الشعبوية، الأذى او الحماقة. اللغة العربية تعتبر لغة الأم لكل مواطن خامس في إسرائيل، ويجب علينا تدعيمها وليس اضعافها، وبالتأكيد ليس في هذه الفترة الحساسة في علاقات اليهود والعرب”.
وقال النائب عيساوي فريج (ميرتس): “رجال اليمين تبنوا لأنفسهم حوارا عنصريا وعنيفا وجعلوه شرعيا ومقبولا. من يسعى الى شطب اللغة العربية في إسرائيل سيسعى غدا الى احراق الكتب التي ألفها ادباء عرب”.
لائحة اتهام ضد مقدسي لأنه استضاف قريبه المطارد!
كتبت “هآرتس” ان نيابة لواء القدس قدمت لائحة اتهام ضد وائل كرامة من القدس الشرقية، بادعاء تقديم المساعدة لابن عمه حسام قواسمة المشبوه بقيادة الخلية التي اختطفت وقتلت الفتية الاسرائيليين الثلاثة. ويتهم كرامة بتشويش اجراءات التحقيق وبتوفير ملاذ للقواسمة. وكان القواسمة قد وصل الى بيت كرامة في قرية عناتا في القدس الشرقية، بعد عدة ايام من اختطاف الفتية، وهناك تم اعتقاله في 11 تموز. وحسب ادعاء النيابة فقد كان كرامة يعرف انه يتستر على ناشط من حماس تطارده قوات الأمن.
مقالات
اتفاق وقف اطلاق النار يرضي اسرائيلي ويمكنه تغيير الصورة السياسية
تحت هذا العنوان يكتب تسفي برئيل، في موقع “هآرتس” الالكتروني، انه في حساب النقاط لا يوفر اتفاق وقف اطلاق النار أي صورة انتصار او ربح فوري لحماس. ان الخطاب الذي القاه زعيم الجهاد الاسلامي، رمضان عبدالله شلح، واللقاء المفصل مع مندوب حماس، عزت الرشق، يشيدان ببطولة الشعب الفلسطيني وقدرته على الصمود ضد الجيش الإسرائيلي، ولكنهما وصفا الانجاز والانتصار في القول للعالم “ان فلسطين غير قابلة للنسيان” وفي “احباط مؤامرة العدو الصهيوني وتفكيك قدرات الردع لديه”، حسب أقوال شلح.
في بنود الاتفاق المعدودة يصعب العثور على فوارق جوهرية مقارنة بالمبادرة المصرية الأصلية، الا اذا كان هناك “ملحقا سريا” للاتفاق، لم يتم نشره. لقد تم الاتفاق على فتح المعابر وادخال الحاجيات والمعدات الانسانية، بل ومواد البناء وتوسيع نطاق الصيد البحري الى ستة أميال، قبل شهر، ومن ثم قبل أسبوعين. ولم يتحدث أحد حتى الآن عن الالتزام بإنشاء ميناء او مطار، بل ان فتح معبر رفح لا يزال يخضع لنقاش منفصل بين الفلسطينيين ومصر.
في هذه المرحلة، يعتمد الاتفاق في الأساس، على تفاهمات “عامود السحاب”، وظاهريا يمكن لإسرائيل القول انها حققت هدفها: الهدوء مقابل الهدوء وتدمير الأنفاق. ولكن هذا الاتفاق هو مجرد تمهيد للاتفاق الجوهري والهام الذي ينتظر وصوله بعد شهر، عندما يتم دعوة الأطراف الى القاهرة للتفاوض حول المسائل الجوهرية، كالمطار والميناء واطلاق سراح الأسرى وطرق ترميم غزة.
وخلال الشهر القريب سيتم اختبار مدى استقرار وقف اطلاق النار، وهنا يكمن التجديد في الاتفاق المرحلي، الذي لا يحدد موعدا لانتهاء وقف اطلاق النار. لأول مرة توافق إسرائيل على خطوة لبناء الثقة بينها وبين السلطة الفلسطينية، في وقت تشارك في بناء الثقة هذه حماس والجهاد الاسلامي. صحيح ان المحادثات والمفاوضات لن تكون مباشرة، ولكن من الواضح تماما ان هذا الاتفاق يمثل كل فلسطين امام الحكومة الإسرائيلية. وبذلك تحظى السلطة الفلسطينية الموحدة ليس بالاعتراف الإسرائيلي الكامل، فحسب، وانما بموافقة اسرائيلية واضحة على عدم الفصل بين الضفة وقطاع غزة. وبدون هذين الاعترافين لن يكون هناك أي معنى للاتفاق المرحلي وللاتفاق الذي سيليه.
وهكذا تتحول حماس وبقية التنظيمات حتى بالنسبة لإسرائيل، الى جزء لا يتجزأ من الكيان السياسي الفلسطيني، الذي ستضطر إسرائيل الى مفاوضته في المستقبل حول العملية السياسية الشاملة. وهنا تكمن اهمية السؤال الذي طرحه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطابه: “ماذا بعد؟ هل كتب علينا العودة الى الحرب بعد سنة او سنتين؟” وقد أجاب على ذلك بشكل غامض حيث قال انه سيكون على القيادة الفلسطينية مناقشة ذلك لاحقا.
لقد اختفت “المفاجأة” التي وعد بطرحها في بداية الأسبوع، وكأنها لم تكن. ولا يوجد أي ذكر للخطوات السياسية، كالانضمام الى معاهدة روما والمحكمة الدولية للجنايات، ولا توجد أي مطالب للأمم المتحدة بتحديد تاريخ لإنهاء الاحتلال. ربما سيصل ذلك لاحقا، ولكن عباس، كما يبدو، يتوقع خطوة أخرى في جوهرها الوصول الى وضع تتحول فيه التنظيمات الفلسطينية الى حركات سياسية تضمن تفكيك سلاحها عندما يتم توقيع اتفاق السلام.
لقد قال مصدر فلسطيني لصحيفة “هآرتس” ان حماس تتواجد في مأزق صعب، امام مصاعب ترميم قوتها العسكرية وتصفية جزء كبير من مخزون اسلحتها. وبغياب الانفاق، وفي الوقت الذي تصبح فيه مصر الكلب الحارس على حدود سيناء، “ستضطر حماس الى اتخاذ قرار حول ما اذا كانت ستتوجه الى السياسة او تواصل الكفاح المسلح الذي لم يحقق الانتصار”، حسب المصدر.
وبالإضافة الى كون ترميم قطاع غزة سيشكل محط اهتمام خالد مشعل وعبدالله شلح، فانهما سيهتمان بترميم العلاقات مع مصر، التي اصبحت العراب الوحيد لضمان تنفيذ الاتفاق، ناهيك عن كون مصر تشكل الرابط الاقتصادي بين غزة والعام.
سؤال عباس حول “ماذا بعد” يرتبط، ايضا، بمستقبل السلطة الفلسطينية وتطبيق اتفاق المصالحة بين حماس وفتح. والحرب في غزة التي وحدت الجبهة الفلسطينية، ستترجم الى نتائج سياسية على الحلبة الفلسطينية. فمثلا، هل ستطلب حماس اجراء الانتخابات للرئاسة والبرلمان الفلسطيني في الموعد الذي تم تحديده قبل الحرب، أي في نهاية السنة الحالية او مطلع العام الجاري، او انها ستتخوف من أن يؤدي الدمار الكبير وعدد القتلى الى تخفيض نسبة الدعم بها بشكل كبير؟ هل ستتمكن من اعتراض قرارات عباس بواسطة التهديد العسكري؟ والسؤال الأهم هو: هل ستساعد هذه الحرب على استئناف المفاوضات السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين؟
الأجوبة على ذلك تكمن، أولاً، في فترة “بناء الثقة” الأولى التي بدأت أمس، والتي يطرح اتفاق وقف اطلاق النار أسسها. وستبدأ الفترة الثانية مع بدء المفاوضات حول القضايا الجوهرية التي ستحتم ليس التوصل الى مجرد تفاهمات تقنية حول المراقبة والسيطرة وانما مفهوما استراتيجيا يحدد استعداد إسرائيل للبدء ببناء الاستقلال الاقتصادي للدولة الفلسطينية، بواسطة الميناء والمطار، دون ان تعتبر ذلك انجازا لحماس وانما للسلطة الفلسطينية.
491 طفلا لا يحصيهم داوم
تحت هذا العنوان ترد رافيت هيخت في “هآرتس” على المقالة التي كتبها حانوخ داوم في صحيفة “يديعوت احرونوت” والتي رثى فيها الطفل اليهودي دانئيل تراغرمان، الذي قتل في ناحل عوز، وحدد انه “اذا كتب علينا القتال، واذا كتب على الأولاد الموت في هذا الصيف الرهيب، فيجب ان يكون القتلى من اولاد غزة وليس من اولادنا”.
وتكتب هيخت ان مئات الآلاف قرأوا مقالة داوم ونشروها على الشبكة، مئات الآلاف من الذين يملكون المشاعر حقا وذرفوا دمعة عندما شاهدوا صور دانئيل الجميل، بينما رسم لهم داوم بكلمات جميلة صورة الحزن. ملايين الناس الحساسين هؤلاء لا يستطيعون ولو لثانية وضع انفسهم مكان من هو ليس ابنا لشعبهم، ومن لا يتحدث لغتهم، ومن ليس له وجها ولا هوية، ولا يستحق حتى لو كان انسانا الرحمة والنعمة، ولذلك فانه يمكن هدر دمه، بسبب “القدر” كما يكتب داوم، ولأنه لا مفر، وبشكل اضطراري تماما، والا كيف يمكن قتل 491 طفلا خلال شهر ونصف (حتى كتابة هذه السطور وحسب معطيات الأمم المتحدة التي تقل عن معطيات وزارة الصحة الفلسطينية).
وتقول هيخت: ليست صرخات منظمة “لهباه” وامثالها، التي يمكن الاشمئزاز منها، وانما بالذات الكتابة الجميلة والدافئة لداوم، الذي تحدث عن ابنه عيدو الذي يبني الابراج من الليغو ويرتدي قميص ميسي تماما كما فعل دانئيل، هي التي تشرع العنصرية والعنف وتمنحها اطارا انسانيا، حضاريا مبررا. ويكتب داوم: “لا يمكن كما يبدو، عدم استخدام هذا الإسقاط” عندما قارن بين ابنه وبين دانئيل، دون ان يتوقف للحظة ويفكر ما الذي منعه من استخدام الاسقاط نفسه 491 مرة أخرى. كم هي قصيرة كلمة حماس، التي يستخدم داوم أعمالها القاتلة كي يتطرق بشكل سطحي ما الى اولاد غزة الموتى. انها ليست طويلة بما يكفي لتغطي 491 جثة.
من وراء الخطيئة الأخلاقية الرهيبة، التي ترى وجود اولادنا العاجزين فقط ولا ترى اولاد غزة التعساء، ومن وراء العمى الطفولي الذي يخفي البصيرة البسيطة، التي تقول انه كما انتخب اهالي غزة حماس الرافضة للسلام، انتخبنا نحن نفتالي بينت وافيغدور ليبرمان وبنيامين نتنياهو، الذين يتم تفسير نظرياتهم وسياساتهم على انها عنيفة وقاتلة من وجهة نظر الفلسطينيين، ومن وراء الاستغراب الاجرامي في حماقته، ازاء استمرار هذا الكابوس، نيران حماس، لفترة طويلة – كما لو أن الكابوس المقابل الذي يمتد على مدار 47 عاما يعيش خلالها ملايين البشر كالحيوانات في اقفاص لا يحدث كل سنة وكل صيف – من وراء كل هذه الأمور، يقف الفشل المفاهيمي، الذي يطرحه نص داوم، الفشل الذي تختبئ خلفه دولة بأكملها تحت ستار “الارتباط بالواقع” و “البراغماتية”. من يوافق على العيش كمتغير في معادلة “نحن أو هم”، يجب أن يكون مستقيما بما يكفي كي يجد نفسه مرة في هذا الجناح، ومرة في هذا الجناح – بتغيير العلامة فقط.
من يبدي استعداده للقتل، يعتبر عرضة للقتل. من يبدي استعداده لممارسة الوحشية، السيطرة، والقمع يعتبر عرضة للمعاناة من الوحشية والاحتلال والقمع. ومن يشرع قتل الأولاد، مصيره ان يتم قتل اولاده. والكلمات الجميلة حول اولاد الروضة والرب غير الرحوم، الذي استبدله داوم بحماس، لن تحول هذا السواد الرهيب الى يربض فوق رؤوسنا الى أبيض. في هذا الصيف لم يرحم أحد الأولاد. حتى اولئك الذين يجيدون اقتباس كلمات الشاعر يهودا عميحاي ويكتبون كلمات جميلة في صحيفة.
نتنياهو في مهمة ترميم.
تحت هذا العنوان يكتب يوسي فورتر في “هآرتس”، ان الأجوبة على الأسئلة الثقيلة، الاستراتيجية، ستأتي في المستقبل البعيد، وهذه الأسئلة هي: هل حققت إسرائيل الردع ورسخته في الوعي؟ هل اخضعت التنظيمات الارهابية؟ هل سيجعل سحق غزة والقتل الجماعي للمدنيين، ومئات آلاف اللاجئين وتصفية قادة حماس، الذين سيستبدلونهم في القيادة يفكرون مرتين وثلاث قبل الجولة القادمة، كما فعل حزب الله في 2006؟
في هذه الأثناء، ولأننا نعيش من يوم إلى آخر، فان صورة الوضع التي تملي الرواية الرسمية – السياسية، هي صورة قاتمة، خانقة وحامضة. فخلال 50 يوما من الحرب التي انتهت امس، لم تبادر إسرائيل ولم تقد ولم تملّ (باستثناء اغتيال قادة حماس، الذين قد يكون من بينهم محمد ضيف). ففي الغالب تم جر اسرائيل للرد على انغام شبابة حماس.
لقد جاءت نقطة الانطلاق الأيديولوجية بعد الانتهاء من معالجة الأنفاق. ولكن الجانب الثاني لم يتعاون، واكتشفت إسرائيل انها لا تملك استراتيجية للاستمرار. وهرب سكان الجنوب من بيوتهم، وتعرض المطار الى تهديد متواصل، وتم مرارا قصف تل ابيب، التي تعتبر رمز المناعة والقوة الإسرائيلية، وتدمرت العطلة الصيفية والسياحة الداخلية، والاقتصاد يلعق جراحه، وقتل 71 مواطنا، بينهم عشرات الجنود الشبان وطفلا. وبقيت حماس واقفة على ساقيها، وتنظم احتفالات النصر الواهية، في الوقت الذي تستعد فيه للتفاوض على مطالبها.
هذا هو ما يراه ويشعر به غالبية الاسرائيليين. الصدمة والمعاناة والضرر في القطاع تهم الاسرائيليين كما تهمهم قشرة الثوم. كل واحد يتحدث من موضع ألمه، يقول المثل. ولذلك سيكون من الصعب على الإسرائيلي المتوسط شراء صيغة “نحن انتصرنا” التي يرددها المتحدثون باسم الحكومة الآن. ان انسحاق نسبة التأييد لرئيس الحكومة تعكس عدم استعداد الاسرائيليين لتبني الرواية التي يجاهد نتنياهو من اجل ترسيخها. وقد ساد هذا المزاج، في الأساس، في صفوف ناخبيه، في اليمين، الأمر الذي يضعه امام تحد سياسي كبير: استرضاء الخائبين واعادة قاعدة ناخبيه الى أحضانه.
ليست غزة وحدها التي تحتاج الى الترميم والبناء من جديد. هكذا هي ايضا صورة نتنياهو التي بناها بجهد كبير طوال عشرات السنين، من “رجل محاربة الارهاب”، الى الرجل الذي سيجتث ويدمر ويسقط حماس على ركبتيها، اذا توفرت له الفرصة. بلا شك تعرضت حماس الى ضرر كبير، لكنه لم يتم اجتثاثها ولا القضاء عليها، لأن نتنياهو ووزير الأمن يعلون رفضا مسبقا أي امكانية للتوغل البري الواسع واحتلال غزة. لقد الحق قرارهما الضرر السياسي بهما، لكنه وفر حياة مئات الجنود.
لقد انتهت المعركة العسكرية، والآن سيتحدث السياسيون. وزراء اليمين، خاصة زعيما البيت اليهودي واسرائيل بيتنا، نفتالي بينت وافيغدور ليبرمان، سيواصلون بين الحين والآخر، وطالما كان الأمر يخدمهم، الجلوس في الحكومة والاستمتاع بنعم المنصب الوزاري، وجلد نتنياهو من الداخل. وفي معركة الانتخابات القادمة سينسخون الشعارات الانتخابية لنتنياهو والليكود في معركتي الانتخابات 2006 و2009، ويركبوا عليها مباشرة الى صناديق الانتخابات. وسيضطر الرجل الذي وعد بأن يكون قويا امام حماس، الى اختراع نفسه من جديد، ولن يكون ذلك سهلا.
وهناك مشكلة اخرى قد يواجهها في الطريق، وهي فقدان الاحترام للزعيم. لقد عايش ايهود اولمرت ذلك في نهاية حرب لبنان الثانية. فلقد ادار له الجمهور ظهره، وتعامل معه كسحابة. ولكنه كان لدى اولمرت الكثير من الرفاق في القيادة السياسية، الذين حذروا ولم يعملوا على اقصائه او تركه، واحدهم كان ليبرمان، الذي انضم الى الحكومة العرجاء بعد الحرب ومنحها متنفسا وحياة. نتنياهو لا يملك حكومة اخرى (حتى لو كانت شاس تقف وراء الباب). حاليا ليس لديه ما يجعله يسارع الى تبكير موعد الانتخابات والمخاطرة بالمنافسة الداخلية غير السهلة في الحزب. نتنياهو يحتاج الى الوقت، الوقت للترميم، وهذا هو زمن البناء.
الردع يحتاج الى اثبات.
تحت هذا العنوان يكتب يوآب ليمور، في “يسرائيل هيوم” ان هناك فجوة كبيرة، لا يمكن جسرها تقريبا، بين طريقة فهم الجمهور لإنجازات عملية “الجرف الصامد” وطريقة فهم القيادتين السياسية والأمنية. فبينما يشعر الجمهور بتفويت الفرصة، يؤمن صناع القرار انه عندما سينقشع الغبار سيتضح بأن العملية كانت ناجحة جدا. ولا يتوقف هذا الاعتقاد على نتنياهو ويعلون، اللذان سيؤثر الهدوء في الجنوب على مسيرتهما السياسية، بل توافق القيادة العسكرية بشكل جارف على ان الجوانب الايجابية تتفوق على الجانب السلبي للمعركة.
ظاهريا، انهم محقون في ذلك، فحماس فشلت بتفعيل خطتها الحربية (خمسة قتلى مدنيين بـ4594 صاروخا) وفقدت مشروع الأنفاق الهجومية (32 نفقا)، ولم تنجح بتنفيذ عملية استراتيجية (بواسطة الطائرات الشراعية والاختطاف)، وفقدت الكثير من مسؤوليها الكبار وغالبية البنية التحتية (وسائل انتاج الأسلحة، قيادات، بيوت خاصة)، والأسوأ من ذلك انها جلبت الدمار غير المسبوق على القطاع (10 آلاف منزل مدمر، و300 الف لاجئ).
ولكن هذا الميزان يعتبر جزئيا فقط. ففي نهاية الأمر، نجحت حماس بدب الجنون في دولة بأكملها طوال 50 يوما، وبشل الحياة في الجنوب، وجعل آلاف السكان يهربون من بيوتهم، وزرع مشاعر غير مريحة بأن اعظم قوة في المنطقة لا تنجح بمواجهة تنظيم صغير نسبيا (15 الف شخص)، ومحدود جدا في الوسائل، وفي ذلك رسالة اشكالية في فترة تطرف وجنون الشرق الأوسط.
حتى في الجانب السياسي، لا يكتمل السطر الأخير. لقد وافقت حماس على وقف اطلاق النار وفق شروط رفضتها بإصرار، واضطرت الى تقبل الوساطة المصرية، وأتاحت إسرائيل تسهيلات ملموسة (في المعابر وتوسيع ميناء الصيد والغاء المنطقة العازلة غربي السياج)، دون ان تحصل على أي مقابل. صحيح ان القضايا الثقيلة (الميناء والمطار) سقطت مؤقتا عن الجدول، لكن ذلك تم بثمن: لن يتم تجريد غزة من السلاح، وليس من الواضح متى سيتم اعادة اشلاء الجنديين. ومع ذلك، من المفضل تأجيل التلخيصات، خاصة لأن عاملي الردع والهدوء، اللذان سيحددان الفرق بين النجاح والفشل، لا يزالان في ظل المجهول.
في إسرائيل يؤمنون انه عندما سيتضح حجم الضرر في غزة، ستفقد حماس بقية الشهية على المحاربة لفترة طويلة، ولكن يمكن النظر الى ذلك بشكل معكوس، ايضا: عندما تفهم انه ليس امامها فرصة حقيقية لمواجهة غضب السكان وترميم غزة ستعود حماس الى المسار المعروف- المقاومة.
وهنا تعود الطابة الى الجانب الإسرائيلي. خلال 50 يوما حددت حماس شروط اللعب، حاربت عندما شاءت، واوقفت النيران عندما شاءت، ولكن هذا يجب ان لا يستمر. على إسرائيل ان توضح ان الطابة لديها منذ الآن، واذا تجرأت حماس على حفر نفق، فسيتم اجتثاثها، واذا تم اطلاق النار فسيتم الرد بشكل لا يعرف الحدود، واذا تم اكتشاف خطة لتنفيذ عملية، سيتم تصفية المسؤول عنها، واذا تم تهريب اسلحة، سيتم اغلاق المعابر. فقط تصريحات واضحة في هذه المسائل والتمسك بها حين يلح الأمر، يحقق الهدوء المطلوب.
وهناك مسألة أخرى: محيط غزة. على الحكومة عدم التحدث وانما العمل. يجب عقد جلسة الحكومة يوم الاحد في “نيريم” او “ناحل عوز”، واداء القسم امام النقب الجنوبي بتفضيله في الاسكان والعمل والزراعة والبناء والرفاه والتعليم، وخاصة في الميزانيات، والكثير من الميزانيات. فاذا حدث ذلك سيزدهر النقب، والا ستكون حماس قد انتصرت.
رغم كل شيء، انتصار
تحت هذا العنوان يكتب دان مرغليت، في “يسرائيل هيوم” انه في مصطلحات العالم العصري الذي يعتبر فيه الانتصار العسكري محدودا؛ وفي حرب الصواريخ التي يطلق فيها المهزوم والنازف النيران حتى اللحظة الأخيرة؛ وفي الظروف التي يختلط فيها الواقع بالصورة، ويتنافس الاعلام حول اهميته في ساحة الحرب – فقد تم يوم امس تسجيل انتصار إسرائيل على حماس.
يمكن، ايضا، عرض الأمور بديماغوجية تنطوي على ذرة من الحقيقة: لقد تحققت الشروط الإسرائيلية الأساسية. لقد سبقها نقاش داخل ثاقب، وللمعارضين، وكلهم وطنيون يتحملون المسؤولية القومية، نقول: من المفضل الوصول الى الهدف خلال 50 يوما، مع 70 قتيلا، على تحقيقه خلال خمسة أيام مع 700 قتيل.
لقد خلفت “الجرف الصامد” 70 أما عبرية يلفها الحزن، وليتنا نكون قد استحققنا التضحية. لكنها ابقت مئات كثيرة خارج دائرة الثكل. بالنسبة لها، لا تنطوي نتائج العملية على تفويت فرصة. لقد فهمت نخبة الشخصيات الرسمية التي خدمت في الحكومة والجيش منذ حرب لبنان الثانية – نتنياهو ويعلون وتسيبي ليفني، ومن قبل، ايهود براك ودان مريدور وبيني بيغن، وكذلك غابي اشكنازي وبيني غانتس، ان العمليات العسكرية لا تنتهي بحل شامل. كل شيء يتلخص في انجاز مرحلي، حتى يتم حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
هذا المفهوم أقل بريقا من رأي شخصيات ذات نوايا طيبة، أيضا، امثال نفتالي بينت وغدعون ساعر ويوفال شطايتنس واوري اريئيل وافيغدور ليبرمان، الذين قدروا بأنه يمكن الانتصار على حماس بضربة وانتهينا. توجه نتنياهو ويعلون وغانتس يثير دائما غضب الضحايا – سواء العائلات الثكلى او من تدمرت بيوتهم جراء صواريخ غزة. القلب هو الذي يمضي وراء “ضربة وانتهينا” وليس العقل.
من المؤكد انه حدثت أخطاء، لقد اراد نتنياهو ويعلون منع الحرب واقترحا “الهدوء مقابل الهدوء”، ولكنهما تحدثا باللغة العبرية العصرية، وليس باللغة العربية – الحماسية. خالد مشعل فسر رغبتهما الجيدة كضعف. سيما ان اسرائيل أخطأت ووافقت على وقف اطلاق النار قبل وقوفها على المعنى الخطير للأنفاق. وعندها كانت هناك لحظة اخضع فيها مفهوم نتنياهو ويعلون وغانتس للامتحان الصعب. فقد اتضح من جهة انه يتحتم ارسال القوات البرية، وقد فعلوا ذلك في وقت متأخر، وسيطروا على الأنفاق. ولكن ارسال القوات البرية كان يمكنه ان يتدحرج نحو احتلال غزة الكامل، ومن الجيد ان الثلاثة واجهوا الاغواء.
في نهاية الأمر، حل وقف اطلاق النار الذي تم التوصل اليه امس عندما قدمت إسرائيل فقط ما سبق واقترحته قبل المعارك، بينما خرجت حماس من الحرب وقد خسرت الف مسلح و32 نفقا و7000 صاروخ (واثمان اخرى دفعتها إسرائيل والفلسطينيين). هذه هي الحقيقة حتى عندما يحزن القلب على الثكل، الذي خفف قليلا من مشاعر الانتصار، ما يسمى الحموضة.
في هذه النقطة، في لحظة النهاية، ارتكب نتنياهو خطأ، كان يتحتم عليه طرح اتفاق وقف اطلاق النار للتصويت في الحكومة، وكان سيحظى بتأييد الغالبية، ولم يكن احد الذين سيبقون على الكرسي الوزاري سينقي يديه ويدعي انه لا يتحمل المسؤولية عن وقف اطلاق النار، وفي الحقيقة، المسؤولية عن الهدوء الذي يسود الآن في حقول شقائق النعمان في محيط غزة.
قليل جدا، متأخر جداً.
تحت هذا العنوان يكتب ناحوم برنياع في “يديعوت احرونوت”، ان النهاية الجيدة لا تكون جيدة دائما، ويسود التخوف بأنه بدل شق الطريق لإزالة التهديد من جانب غزة، فإننا نشق الطريق للجولة القادمة، في لبنان او غزة. ولكن هذا هو ما احضرته لنا حكومتنا وسنضطر الى التعايش معه.
لقد تمثل الاخفاق الأخير بالفشل في التوصل الى قرار في مجلس الأمن قبل الموافقة على وقف اطلاق النار. فالنص الذي تمت صياغته بمساعدة الامريكيين يركز على الواقع في غزة في اليوم التالي للحرب. وشمل دعوة الى نزع السلاح في غزة، وكان سيحسن الوضع السياسي لإسرائيل ويصعب على تركيا وقطر مواصلة دعم حماس. لكن نتنياهو تخوف من الثمن السياسي، وعندما اقتنع بذلك كان الوقت متأخرا. فاذا تم الآن اتخاذ قرار في مجلس الأمن فانه سيصاغ بطريقة اقل مريحة لإسرائيل، وسيلائم بشكل اكبر مقاييس ابو مازن.
يعتبر ابو مازن المنتصر الحقيقي في هذه الحرب. لقد حظيت حماس بالمجد في الشارع الفلسطيني، ولكن ابو مازن والسلطة سيحصلان على السيطرة في موضوع اعادة اعمار غزة، وهي مسألة ستناط بتحويل المليارات، وبكثير من الفساد.
ابو مازن يحظى اليوم بمكانة زعيم ايجابي وشريكا شرعيا ليس في العالم العربي والمنظومة الدولية فحسب، وانما في نظر الرأي العام الإسرائيلي، ايضا. ربما تكون “الجرف الصامد” هي طبق الفضة الذي ستقوم عليه الدولة الفلسطينية.
لقد انتهت المواجهات مع التنظيمات الارهابية في السابق بدعم دولي علني لإسرائيل. هكذا كان في نهاية حرب لبنان الثانية، من خلال قرار مجلس الأمن، وهكذا في نهاية الرصاص المصبوب، من خلال الزيارة التظاهرية لوزراء الخارجية الاوروبيين الى إسرائيل. لكن الحكومة الإسرائيلية الحالية لم تبادر الى خطوة في هذا الاتجاه، فلقد كان وزير خارجيتها مشغولا بأمور اخرى، ورئيس الحكومة لم يطرح مبادرة من جانبه.
ما حققناه في القاهرة هو تفاهمات “عامود السحاب” رقم 2. كان يمكن لذلك ان يعتبر انجازا بعد الأسبوعين الأولين للحرب، عندما لم يكن الثمن الذي دفعناه عاليا الى هذا الحد. لكنه غير محتمل بعد شهر. فبعد 50 يوما يمكن فقط ابداء الأسف على ما كان، وتأمل الخير في المستقبل.
خالد مشعل لم يسارع الى تقبل هذا الاتفاق. واسرائيل تقدر بأن قادة حماس في غزة فرضوا عليه تقبله بسبب الضائقة المتراكمة والضغط الجماهيري.
لقد اظهرت إسرائيل خلال هذه الحرب عدة حقائق غير مريحة. الاولى، انه رغم حرية العمل المطلقة للجيش جوا وبحرا، ورغم ضخامة قوة النيران البرية، ورغم الحماية شبه الكاملة امام الصواريخ، فان إسرائيل لا تستطيع هزم تنظيم ارهابي صغير نسبيا ومعزولا في العالم العربي.
الثانية، ان الحروب، حتى المحدودة، تتطلب ثمنا لم يتوقع الجمهور الإسرائيلي دفعه ولم يسارع الى دفعه. لقد تم دفع الثمن هذه المرة، اولا، بحياة الجنود، وبدماء مواطنين من الجنوب، الذين اهملتهم الحكومة طوال العملية، وبتشويش الحياة في مركز البلاد وبعشرات مليارات الشواقل التي فقدها الاقتصاد، وبالمصاريف الأمنية والأضرار الجسدية وانخفاض النشاط الاقتصادي.
الثالثة، لقد اكتشف الإسرائيليون انه لا توجد لديهم حكومة. فعشية العملية فهمت القيادة السياسية انها اذا واصلت خنق غزة فان حماس ستفتح النيران. ولو كانت تحركت للعمل، ربما كان يمكن منع الحرب.
عمليا، كان الجيش هو الذي ادار هذه الحرب، رغم ان القيادة العسكرية لم تطلب هذه الوظيفة، بل على العكس، لقد دخلت بعدم رغبة وتحمس الى الفراغ الذي خلفته القيادة السياسية. بالنسبة لنتنياهو كانت هذه المواجهة العسكرية الأولى من حيث قوتها، خلال فترة ولايته كرئيس للحكومة. والى حد كبير كانت هذه المعركة هي اكبر اختبار واجهه. لقد توقع الإسرائيليون زعيما سياسيا يعرف ما الذي يريد تحقيقه، يتخذ قرارات ويجري حوارا حقيقيا مع شعبه. لكنهم حصلوا على ناطق محنك، ونسبة قليلة اكثر من ذلك.
عندما ننظر الى الوراء، الى ايام الحرب نكتشف الكثير من المداولات الكثيرة الكلام، ولكنه يصعب العثور على قرار ملموس واحد اتخذه نتنياهو، او قام بخطوة واحدة يمكنه نسبها الى نفسه. انه لم يجد في قلبه الجرأة على القول للإسرائيليين: “المواطنون الأعزاء، أنا آسف، لأني اعظكم منذ عشرات السنوات على وجود طريق واحد لمعالجة التنظيم الارهابي وهي القضاء عليه. ويمنع التفاوض معه، ويمنع التسوية، ولكنني أخطأت. ولذلك فإنني اجري الآن، تحت وطأة النيران، محادثات قريبة مع حماس، واسعى الى ترتيب، لا يوجد لدي أي اختراع آخر”. لكن هذا الخطاب لم يأت.
لم يحصل الاسرائيليون ايضا على الشفافية والمصداقية، وانما حصلوا فقط على خطابات حماسية عن الحيوانات البشرية في غزة. والى جانبه يجلس وزير الأمن موشيه يعلون صامتا وخافتا. بعد عدة سنوات سيسالون في المسابقات: “من كان وزير الأمن خلال حرب الجرف الصامد؟” ولن يستطيع احد الاجابة حتى مقابل مليون شيكل.
لم يكن المواطنون وحدهم من اكتشف عدم وجود حكومة، بل وزراء المجلس الوزاري، ايضا. خلال كل المواجهات العسكرية كانت هناك الكثير من الاحتكاكات في القيادة. لكن ما برز هذه المرة بشكل سيء هو تحطيم آليات اللعب. لقد فقد وزراء في المجلس الوزاري بقية ثقتهم برئيس الحكومة، وفقد رئيس الحكومة بقية استعداده لاشراكهم في ما يحدث. لقد علم الوزراء بموافقة اسرائيل على وقف اطلاق النار من خلال بلاغات هاتفية. نهاية مهينة لعملية مخجلة.
الحقيقة الرابعة غير المريحة التي تكشفت خلال العملية العسكرية هي انه بات من الصعب جدا على اليهود والعرب العيش في اطار مشترك. لقد تطرف اليهود والعرب، وتحولت العنصرية الى مسألة مشروعة، واصبح تهديد الفنانين والصحفيين مسالة اعتيادية. هذا الوضع الخطير يشكل خطرا على الحوار الديموقراطي والتعايش الداخلي، وهو احد الثمار السامة التي خلفتها الحرب في غزة.
كما ان الحرب خلفت مسارا مقلقا: الترسبات المريرة التي شهدتها العلاقات مع الولايات المتحدة. لقد دفعت إسرائيل لقاء قصف غزة ثمنا انعكس بالمظاهرات العاصفة في اوروبا وباتساع المقاطعة الدولية. هذا كان متوقعا، كما كان متوقعا التحقيق المعادي لإسرائيل من قبل الامم المتحدة. لكن المواجهة مع الولايات المتحدة كانت زائدة.
في دولة متحضرة
تحت هذا العنوان يكتب شمعون شيفر في “يديعوت احرونوت”، ان “ابو مازن ابلغنا من رام الله، امس، ان وقف اطلاق النار بين إسرائيل وحماس سيدخل حيز النفاذ عند الساعة السابعة مساء حسب توقيت القاهرة وفلسطين”. لكنه في هذا الوقت لم يتطوع في إسرائيل أي عضو في الحكومة، للوقوف امام الكاميرات وتبشيرنا بوقف اطلاق النار حسب توقيت القدس. فما الذي خجلوا منه هنا في إسرائيل؟ لماذا لم يفاخروا بأن حماس لم تحصل على ميناء ومطار؟
هناك الكثير من التفسيرات. الأمر الأساسي من بينها انه في الدولة المتحضرة بعد 50 يوما من الحرب التي قتل خلالها التنظيم الارهابي عشرات الجنود والمدنيين، وخرب الروتين، وادخل الدولة في ضائقة اقتصادية، والحق، بشكل خاص، ضررا بكرامتها ومكانتها، كان يتوقع اكثر من مجرد بيان حول وقف اطلاق النار. كان يمكن توقع توجه رئيس الحكومة الى ديوان رئيس الدولة لتبليغه قراره الاستقالة من منصبه.
هذه هي الخطوة الطبيعية التي يحتمها الواقع، والتي تدل على استعداده لتحمل المسؤولية عن كل ما حدث هنا خلال 50 يوما. سيما ان نتنياهو حرص طوال ايام المعركة على اظهار نفسه كبالغ ومسؤول، وانه من يتخذ القرارات، وانه العنوان الوحيد لما يحدث هنا. وما حدث هنا يتقلص في السطر الأخير الى “ترتيب ضعيف” مقابل حماس: ليس تجريد القطاع من السلاح، ولا آلية موثوقة لفحص المعدات التي سيتم ادخالها الى غزة بهدف ترميمها. كل المسائل التي أصر عليها المتحدثون باسم ديوان رئيس الحكومة خلال الحرب، من اعادة جثث الجنود وحتى اصابة سلطة حماس، تم تأجيلها الى النقاش الذي سيجري، او لن يجري بعد شهر.
هناك من سيقول ان الجانب الإسرائيلي سعى الى تحقيق وقف اطلاق النار لأنه ادرك فشل جهوده الرامية الى استنزاف او هزم التنظيمات الارهابية. لكنه يبدو ان التفسير الأهم الذي يمكننا ان نفهم من خلاله ما حدث في الجانب الاسرائيلي، يرتبط بمصطلح نذكره جميعا من حرب يوم الغفران: النظرية. بعد 41 سنة من تلك الحرب، فشلنا مرة اخرى ببناء النظرية التي اعددنا للحرب بناء عليها.
لقد افترضوا في إسرائيل ان عملية “الجرف الصامد” ستستغرق بين 10 و14 يوما، وتنتهي بترتيب الهدوء مقابل الهدوء، وان ذلك سيكون تتمة لترتيبات سابقة تلت المواجهات مع حماس، وأن أمامنا “عامود سحاب” آخر. لقد استعد الجيش للحرب السابقة. اما نتنياهو ويعلون فقد سعيا الى وقف اطلاق النار منذ البداية تقريبا، حتى قبل معالجة الأنفاق. الا ان حماس فاجأتنا، وبشكل كبير. لقد استخدم التنظيم الارهابي الغزي منظومة الانفاق الضخمة، واطلق الاف الصواريخ وقذائف الهاون، بهدف تشويش حياتنا لفترة طويلة. وقرر قادتنا المحاربة حتى تحقيق هدفهم الأساسي: نقاط خروج ودخول الى قطاع غزة.
على هذه الخلفية لا يوجد أي مغزى للشعارات التي رافقت ايام الحرب كـ “نزع القفازات” من قبل سلاح الجو، والضربات الكبيرة التي نزلت على رؤوس سكان غزة. لقد تم فعلا نزع القفازات، وكانت الضربات ثقيلة، ولكن هذا كله لم يؤد الى زعزعة توازن حماس. هناك من سيقول: هذه هي حياتنا في هذه المنطقة، ونحن نعيش بين فترة هدوء واستئناف الحرب، لكن ما سوقه لنا نتنياهو كان مختلفا. فنتنياهو الذي حاول عرض مفاهيم مختلفة عن سابقيه في كل ما يتعلق بمعالجة التنظيمات الارهابية، تبين كشخص يتم جره من قبل هذه التنظيمات، ويسمح لها بإملاء سقف اللهيب.
الأمر المؤكد هو ان الجمهور ليس غبيا. لقد منح الجمهور، وفي مقدمته سكان محيط غزة، فرصة لنتنياهو انعكست في بداية الحرب بالتحشيد الكبير وبإظهار الضمان المتبادل. اما الان فيصوت الجمهور بأقدامه، وهي خطوة يمكن تفسيرها بطريقة واحدة فقط: توقع قيام رئيس الحكومة بتحمل المسؤولية عن اخفاقاته. كما ان الجهاز السياسي يغلي ويعكس المزاج العام في صفوف الشعب. لكنه من شبه المؤكد ان نتنياهو لن يعرض رأسه. وكما يحدث دائما في النظام الديموقراطي لدينا، ستحدث الهزة الأرضية السياسية حسب جدول زمني مستقل وليس مرة واحدة.