خمسة قتلى في قطاع غزة بعد تجدد القصف
افاد موقع “واللا” مساء الجمعة ان الجيش الإسرائيلي، يواصل منذ ساعات الصباح، قصف قطاع غزة جواً وبرا، بأوامر مباشرة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الأمن موشيه يعلون، وذلك ردا على القصف الصاروخي الفلسطيني الذي استؤنف بعد انتهاء فترة الهدنة عند الساعة الثامنة من صباح الجمعة.
وقصف سلاح الجو في ساعات المساء مدينتي خان يونس ورفح و47 هدفا في مختلف انحاء القطاع. وقالت وزارة الصحة في غزة ان خمسة فلسطينيين قتلوا خلال الهجمات الإسرائيلية يوم الجمعة، واصيب 31. وبذلك يرتفع عدد القتلى منذ بداية الحرب الى 1898، بينما وصل عدد الجرحى الى 9837.
وكانت صافرات الانذار قد دوت في مدينة اشكلون ومنطقة المحلس الاقليمي “حوف اشكلون”، فور انتهاء وقف اطلاق النار المؤقت، واعترضت “القبة الحديدية” صاروخا تم اطلاقه من قطاع غزة باتجاه المدينة، فيما سقط صاروخان في مناطق مفتوحة في المجلس الاقليمي. ولم يتم التبليغ عن وقوع اضرار أو اصابات. وبعد فترة وجيزة سقط صاروخ آخر في منطقة مفتوحة داخل المجلس الاقليمي اشكول، فيما اعلنت حركة حماس مسؤوليتها عن اطلاق ثلاثة صواريخ غراد باتجاه اشكلون.
وفي ساعات الظهيرة اصاب صاروخ منزلا في سديروت دون ان يسفر عن اصابات. وقالت مصادر إسرائيلية ان مواطنين اصيبا بجراح جراء انفجار صاروخ بالقرب من محطة وقود في منطقة شاعر هنيغف. وفي ساعات بعد الظهر تم توجيه الصواريخ الى منطقة بئر السبع.
وكان رئيس الوفد الفلسطيني الى محادثات القاهرة، عزام الأحمد، قد ابلغ موقع “واللا”، قبل فترة وجيزة من انتهاء وقف اطلاق النار، بأنه لم يتم التوصل الى اتفاق حول تمديد الهدنة، مشيرا الى ان مصر اقترحت تمديدها لمدة ثلاثة أيام أخرى، لكن حماس رفضت الاقتراح. واضاف ان الوفد الفلسطيني سيبقى حاليا في القاهرة وسيقرر لاحقا ما اذا سيواصل المحادثات.
واعلن الناطق بلسان حماس سامي أبو زهري بان الفصائل الفلسطينية قررت عدم تمديد الهدنة بسبب رفض إسرائيل لمطالبها خلال محادثات القاهرة. لكنه قال ان المحادثات ستتواصل في محاولة لصياغة خطوط لاتفاق يقود الى وقف اطلاق النار مع إسرائيل.
وادعى الناطق العسكري ان القصف تجدد في الساعة الرابعة صباحا، أي قبل انتهاء فترة الهدنة، حيث تم اطلاق صاروخين على منطقة المجلس الاقليمي اشكول. لكن ابو زهري نفى هذا الادعاء، وقال ان هذا الاتهام يعتمد تقارير إسرائيلية هدفت الى توتير الاوضاع.
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو قد تطرق الى المفاوضات في القاهرة، وقال في حديث لشبكة “فوكس” الامريكية، انه ليس متأكدا من انتهاء المعركة وان “المسألة ترتبط بمدى رغبة حماس بمواصلة الحرب”. وحسب نتنياهو فقد حفرت حماس انفاقا تحت حدود القطاع لم يتم التوصل اليها بعد. واضاف نتنياهو ان إسرائيل وجهت ضربة قاصمة الى قدرات حماس، ومع ذلك فانه يعتقد ان هناك حاجة الى ايجاد حل سلمي، اذا كان ذلك ممكنا. وحسب قوله “ليس لدينا أي شيء ضد سكان غزة، بل اننا نريد مساعدتهم ضد استبداد حماس”. وادعى نتنياهو ان قتل الفلسطينيين في غزة خلال 29 يوما من الحرب ” لم يكن مقصودا”!
وكان الناطق بلسان الذراع العسكرية لحركة حماس، ابو عبيدة، قد عقد مؤتمرا صحفيا في غزة، امس، طرح خلاله مطالب التنظيم وحث اعضاء الوفد الفلسطيني على عدم الموافقة على تمديد وقف اطلاق النار اذا لم يتم التجاوب مع المطالب. وقال “ان المقاومة وشعبنا على استعداد لدفع الثمن وتحطيم جيش الاحتلال. لن نوافق على انتهاء هذه المعركة دون وقف حقيقي للعدوان بكل اشكاله، وانتهاء الحصار بشكل حقيقي, والتعبير الأمثل لذلك بانشاء الميناء، والا فان أي حل آخر هو مجرد خداع”.
حماس تعد “بمفاجآت اخرى”!
وكان الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني قد اوضحا، امس، ان كل الامكانيات مفتوحة، وان الجيش وحماس على استعداد لاستئناف القتال، اذا لم يتم التوصل الى اتفاق. وقال نتنياهو “اذا هاجم الفلسطينيون فسنرد كما كانت سترد كل حكومة”.
وقال مشير المصري في خطاب القاه في مهرجان دعم لحماس في القطاع، الخميس، “ان الحرب لم تنته، ويد المقاومة لا تزال على الزناد، والساعات القريبة ستحسم وجهة الأمور، والامكانيات كلها مفتوحة”. وحسب المصري لا تزال لدى التنظيم مفاجآت أخرى غير الصواريخ التي يمكنها الوصول الى تل ابيب وحيفا، والانفاق لا تزال جاهزة للعمل”.
ودعا سكان بلدات محيط غزة الى عدم العودة الى بيوتهم حتى يتجاوب نتنياهو مع مطالب المقاومة، فيما قال ابو عبيدة “اننا على استعداد لاستئناف المعركة، وسنحول دبابات الجيش الإسرائيلي الى دمى، وسنغوي الجيش على الدخول في معركة برية واسعة، ونكبده آلاف القتلى ومئات الأسرى اذا لم يرضخ لمطالبنا”.
الامم المتحدة: يجب رفع الحصار
الى ذلك قال منسق شؤون الأمم المتحدة في قطاع غزة، جيمس راولي، انه بدون رفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة، سيتواصل حرمان الفلسطينيين من كل حق في الحياة الطبيعية، وستصبح مهمة اعادة الاعمار الحيوية في هذه الساعة، مسألة مستحيلة”. وقال ان إسرائيل دمرت قرابة عشرة الاف منزل بشكل كامل، وبقي 65 الف مواطن بدون مأوى.
وفي إسرائيل دعا رئيس “البيت اليهودي”، وزير الاقتصاد نفتالي بينت، فور استئناف اطلاق النار، صباح اليوم، الى اعادة الوفد الإسرائيلي من القاهرة، قائلا: “لا يمكن مواصلة المفاوضات من خلال اطلاق النيران على المدنيين كوسيلة ضغط”. وحسب رأيه: “هذا هو اختبار الردع الإسرائيلي للسنوات القريبة، ويجب ان يكون الرد قاسيا، واذكر الجمهور الإسرائيلي بأن “الجرف الصامد” لم تنته، فحماس لم تهزم بعد، وعلى سكان اسرائيل ان يكونوا اقوياء ومستعدين لاستمرار المعركة”.
وقال زميله في الحزب، الوزير اوري اريئيل، انه “لا يمكن لإسرائيل السماح لتنظيم ارهابي بتحديد شروط اللعب، حسب اهوائه، هذا الواقع يجب ان يتغير فورا، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تعريف الهدف بشكل واضح لقوات الامن، وهو تدمير حماس مرة والى الأبد”.
ونشر موقع المستوطنين (القناة السابعة) تصريحا لرئيس جهاز الشاباك، سابقا، يوفال ديسكين، هاجم من خلاله القائد العام للجيش بيني غانتس، وقائد المنطقة الجنوبية سامي ترجمان، على خلفية دعوتهما لسكان بلدات محيط غزة للعودة الى بيوتهم قبل انتهاء فترة الهدنة صبيحة الجمعة.
وقال ديسكين: لا افهم لماذا كان يتحتم علينا اطلاق هذه الدعوة، والاظهار لحماس بأن الحرب انتهت بالنسبة للجيش، قبل ثبوت وقف اطلاق النار. لقد ادى هذا الاعلان الى جعل حماس تحرجنا صباح الجمعة.
كما طالب رئيس لجنة الخارجية والامن، زئيف الكين، رئيس الحكومة ووزير الامن بوقف محادثات القاهرة، والرد بكل قوة على هجمات حماس التي استؤنفت صباح الجمعة. وقال الكين: “يبدو ان اللغة الوحيدة التي يفهمها رجال حماس هي لغة الجيش الاسرائيلي. لا فائدة من مواصلة المحادثات في القاهرة، فالمبتز والارهابي يفهمان فقط لغة القوة وآن الأوان كي نستوعب هذه الحقيقة البسيطة”.
وطالب عضو الكنيست داني دانون المجلس الوزاري المصغر بتدمير حماس، وقال: “لا يمكن السماح لتنظيم ارهابي بتحديد الواقع. لا يوجد أي محاور في الجانب الثاني، بل هناك ارهابيين يبررون وجودهم بالعمليات الارهابية والدمار، وعلينا عدم مواصلة تصديق أي كلمة من جانبهم”.
محاولات مصرية حثيثة لتمديد التهدئة
وذكرت صحيفة هآرتس (الجمعة) ان طواقم المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، واصلت محادثاتها في القاهرة، حتى ساعة متأخرة، من ليلة الخميس – الجمعة، في محاولة للتوصل الى تفاهمات، تتيح تمديد وقف اطلاق النار لمدة 72 ساعة أخرى. وعلم انه لا تزال هناك فجوات كبيرة بين الجانبين.
وقالت مصادر مصرية مطلعة على المحادثات ان سقف المطالب الإسرائيلية والفلسطينية عال جدا، ويناسب محادثات حول حل شامل او محادثات سلام. وحسب تلك المصادر، فقد تركزت المحادثات حول تمديد الهدنة لعدة ايام اخرى بدون شروط، في سبيل ضمان استمرار المحادثات. وقالت المصادر ان إسرائيل توافق على الاقتراح لكن الفلسطينيين يتحفظون منه خشية استغلاله من قبل إسرائيل للمماطلة.
واوضح الجانب المصري ان الفجوة بين الجانبين عميقة، وان مصر اوضحت لحماس بان مطلب انشاء ميناء في غزة ليس مطروحا على جدول الأعمال. كما اوضحت مصر ان فتح معبر رفح سيتم فقط وفق شروط القاهرة، وفقط اذا تمت الموافقة على نشر قوات الرئيس الفلسطيني محمود عباس على المعبر.
ورفضت إسرائيل بعض مطالب حركة حماس، كإطلاق سراح اسرى التنظيم الذين سبق اطلاق سراحهم في اطار صفقة شليط واعادت إسرائيل اعتقالهم خلال هجومها على الضفة في حزيران الماضي. . وقال مسؤول إسرائيلي ان هذا المطلب ليس مطروحا على جدول الاعمال. واضاف ان إسرائيل ستكون مستعدة لتقديم تسهيلات كتوسيع منطقة الصيد لمساحة 12 ميلا مقابل شواطئ غزة، وتسهيل دخول البضائع عبر معبر كرم ابو سالم، والسماح بتصدير البضائع من غزة الى الخارج والى الضفة الغربية، وزيادة عدد تصاريح التنقل بين غزة والضفة عبر معبر الأردن.
واضاف ان إسرائيل تريد، ايضا، رؤية دمج الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مسألة المعابر الحدودية ومشروع اعادة اعمار غزة. واوضح: “نريد اعطاء شيء للفلسطينيين ولكن من خلال خلق الانطباع بأن المقصود تحقيق انجاز للسلطة الفلسطينية وليس لحماس”.
وفي إسرائيل، قال الوزير يوفال شطاينتس لشبكة “بي. بي. سي” انه في حال استئناف القصف الصاروخي ستضطر اسرائيل الى التفكير جديا بتوسيع القصف الجوي والبري حتى السيطرة المؤقتة على قطاع غزة في سبيل تدمير سلطة حماس ونزع سلاح القطاع. وقال انه لا احد في إسرائيل يطمح الى ذلك ولكنه سيتم تنفيذه في غياب أي مفر”.
واعتبر وزير الخارجية افيغدور ليبرمان، في محادثة مع نظيره الامريكي جون كيري، اعلان الفلسطينيين عن رفض تمديد الهدنة بمثابة ابتزاز ، وقال ان إسرائيل مستعدة لكل الاحتمالات.
وكان احد المسؤولين الفلسطينيين قد ابلغ “هآرتس” امس، ان محادثات القاهرة “صعبة” وقدر بأن فرص التوصل الى اختراق منخفضة جدا. وأضاف ان الفلسطينيين يطالبون برفع الحصار بشكل كامل، ولن يتراجعوا عن مطلب الافراج عن الأسرى. واوضح ان الفصائل الفلسطينية تعتبر مطلب اسرائيل المتعلق بنزع السلاح “خطا احمر”، وقال ان الفلسطينيين يواصلون الانتظار فيما تحاول مصر تلافي انفجار المباحثات.
اسرائيل تطالب حماس باعادة جثتي الجنديين
وكتبت صحيفة “يديعوت احرونوت” ان اسرائيل طالبت في اطار محادثات القاهرة باعادة جثتي الجنديين اورون شاؤول وهدار غولدين، حسب ما اكدته مصادر سياسية. كما توجه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الى رئيس منظمة الصليب الاحمر بيتر ماورر، وطلب منه المساعدة على اعادة الجثتين.
وكان اورون شاؤول قد فقد خلال الهجوم الذي شنته حماس على قوات جولاني في حي الشجاعية، والذي اسفر عن مقتل ستة جنود، واختفاء اورون. واعتبره الجيش في البداية مفقودا، لكنه اعلن بعد استكمال فحص الأدلة التي عثر عليها في موقع العملية اعلن انه يعتبره ميتا. وقد تقبلت عائلته القرار، لكنها لا تزال تنتظر استعادة جثته لدفنها.
اما هدار غولدين فاختفى بعد الهجوم على قوة عسكرية في رفح يوم الجمعة الماضية. واعتبره الجيش ميتا، وتم اجراء مراسم دفن رسمية لأدلة قال الجيش انها تثبت موته. وعلم ان مجموعة من جنود وضباط وحدة النخبة في الجيش “سييرت متكال” دخلوا الى النفق الذي تم اختطاف غولدين عبره، بعد تطهيره، وهم الذين عثروا على ما يثبت مقتله، حسب رواية الجيش.
يشار الى ان حماس لم تدل حتى اليوم بأي معلومات رسمية حول مصير الجنديين.
اسرائيل ستعلن قطاع غزة منطقة عدو تهربا من مسؤوليتها عن الدمار
كشفت صحيفة “هآرتس” ان الحكومة الإسرائيلية تنوي الاعلان عن قطاع غزة كـ”منطقة عدو”، في سبيل منع تحميلها أي مسؤولية عن الأضرار التي تسببت بها للمدنيين في قطاع غزة خلال عملية “الجرف الصامد”، حسب ما قاله مسؤول إسرائيلي.
وقالت الصحيفة ان وزير الامن موشيه يعلون سيطرح هذا الاقتراح على الحكومة خلال اجتماعها يوم الأحد القريب. واضافت انه تم نشر نص الاقتراح على الموقع الرسمي لديوان رئيس الحكومة، الا انه تم ازالته بعد عدة ساعات.
وكانت إسرائيل قد اعتبرت في ايلول 2007، منطقة غزة، “منطقة معادية” بعد سيطرة حماس عليها. وتم في حينه فرض قيود على تحركات سكان القطاع، وتقليص دخول البضائع والوقود، وفرض قيود على الوزارات المختلفة. وسيغير الاقتراح الحالي تعريف غزة من “منطقة معادية” الى “منطقة عدو”، وحسب الاقتراح سيسري هذا التعريف بشكل تراجعي، من تاريخ 7 تموز الماضي، موعد بدء الهجوم على غزة.
وجاء في نص القرار الذي سيطرح للتصويت عليه في الحكومة، انه يهدف الى “منح تعبير قضائي اخر لمكانة غزة بما يتفق مع قانون التعويضات المدنية”. ولا يتطرق مشروع القانون الى مجالات اخرى من العلاقات بين إسرائيل و”دولة العدو”، كالمجال التجاري، حيث تمنع انظمة التجارة استيراد وتصدير البضائع الى الدول المعادية. ويعني تمرير هذا القرار، اعفاء إسرائيل من أي مسؤولية عن الاضرار التي سببها هجومها على غزة لأي مدني غير إسرائيلي.
وتعتقد وزارة الأمن ان القرار سيقلص الى حد كبير الموارد المطلوبة لمعالجة الدعاوى التي يمكن ان يقدمها الفلسطينيون ضد إسرائيل بسبب الاضرار التي سببها الجيش الاسرائيلي في قطاع غزة، وتلك التي يمكن ان تحدث في هجمات قادمة.
وكتب المستشار القانوني لوزارة الأمن، أحاز بن أري، في وجهة نظر مرفقة بمشروع القرار، انه سيكون من الصعب على الصعيد الدولي اعتبار القرار، بشكل خاطئ، كمحاولة لتهرب إسرائيل من التزاماتها بفحص الشكاوى المتعلقة بانتهاك قوانين الصراع المسلح والتحقيق فيها”، والرد على ذلك يكمن في التفسير المرفق للقرار، حيث تم التأكيد بأن هذا الاعلان الذي يتوقف على التعويضات المدنية، لن يؤثر على التزام إسرائيل بفحص الشكاوى المتعلقة بانتهاك قوانين الصراع المسلح من قبل قواتها المسلحة في اطار العمليات الحربية في قطاع غزة، بل والتحقيق فيها حسب الحاجة”.
وكتب بن اري ان اعلان غزة “منطقة عدو” سيسمح للنيابة العامة بالتغلب على المصاعب التي تميز معالجة مطالب الفلسطينيين “التي يتم رفض غالبيتها في كل الأحوال لكونها عمليات حربية”. ويدعي بن اري ان جزء كبيرا من الاضرار التي تصيب سكان القطاع ناجمة عن طرق الحرب التي تستخدمها حماس، بكونها تقيم قواعدها ومستودعات اسلحتها ومواقع اطلاق الصواريخ داخل المناطق المأهولة في قطاع غزة، وتتحصن وراء المدنيين الأبرياء بل وتمنع اخلائهم من بيوتهم”.
اسرائيل تعرض كراسة توجيهات تعتبرها تؤكد ارتكاب حماس لجرائم حرب
ذكرت “يديعوت احرونوت” ان الجيش الإسرائيلي يعتبر كراسة توجيهات عثر عليها الجيش في غزة، تشير الى ارتكاب حماس لجرائم حرب من خلال توجيهها لمحاربيها بالعمل من داخل المناطق المأهولة.
وعرضت وزيرة القضاء تسيفي ليفني على رئيس الصليب الاحمر، امس، وثيقة باللغة العربية، تحمل اسم “مقدمة في حرب المدن” قالت انه عثر عليها في جيب احد قتلى حماس في حي الشجاعية، وتتضمن توجيهات لنشطاء حماس بإطلاق النار على الجيش الاسرائيلي من المناطق المدنية.
تدعي الصحيفة ان الكراسة توضح كيف يجب التصرف في المعركة من اجل الحاق اقصى ما يمكن من الضرر بصورة الجيش الاسرائيلي “من خلال استغلال المدنيين الأبرياء كدروع بشرية”. وجاء في التوصيات التي شملتها التوجيهات ان “الجيش الإسرائيلي يقيد استخدام النيران ضد المجمعات المدنية، ويوصى بشن الهجمات من هناك، فاطلاق النار من بيوت المدنيين يخدم حماس لأنه يضخم الكراهية للجيش الاسرائيلي”.
انشقاق واضح في موقف اليهود الامريكيين من الحرب على غزة
كتبت صحيفة “هآرتس” ان عملية “الجرف الصامد” وما سبقها من تصعيد، لم تؤثر على المجتمع الإسرائيلي فقط، وانما ظهرت بوادر التطرف في اوساط الجالية اليهودية الامريكية، حيث اعلنت تنظيمات يسارية ويمينية عن ازدياد عدد الاعضاء المنضمين اليها في اعقاب الأحداث. ولوحظ ان منظمة اليسار اليهودي “جي ستريت” فقدت العديد من الاعضاء الذين اعتبروها معتدلة اكثر من اللزوم، فتركوها وانضموا الى صفوف تنظيمات تنتهج موقفا اكثر حدة ضد إسرائيل.
ومن بين التنظيمات التي حظيت بالتأييد واتساع صفوفها جراء الحرب على غزة، منظمة (JVP) – صوت يهودي من اجل السلام، العضو في حركة المقاطعة الدولية (BDS). فقد ازداد عدد الاعضاء فيها بنسبة 20%، وقامت بفتح خمسة فروع جديدة، بينما يجري العمل على فتح 16 فرعا آخر. ويطالب هذا التنظيم الادارة الامريكية بتعليق كل المساعدات العسكرية لإسرائيل.
وقد تظاهر نشطاء (JVP) ضد الحرب على غزة وفي 22 تموز اعتقل عدد من النشطاء خلال مظاهرة امام مكاتب “اصدقاء الجيش الاسرائيلي” في قلب منهاتن، بعد قيامهم بسد الشارع احتجاجا على ازدياد اعمال القتل في غزة.
ومن بين المنسحبين من “جي ستريت” كان ست موريسون، رئيس التنظيم في منطقة واشنطن. وقد انضم موريسون الى (JVP)، وقال: “كان من الواضح تماما ان الحكومة الاسرائيلية لا تقوم بأي شيء بناء، ولم يكن لأي نشاط ستقوم به “جي ستريت” أن يغير شيئا”. واضاف: “من الواضح ان الاحتلال هو أساس هذه المشاكل، ومن شأن صلابة مواقف (BDS) فقط، بشأن منع المساعدات الأمريكية وانتهاج خطوات صارمة جعل إسرائيل تتغير”.
يشار الى ان تنظيم “جي ستريت” الذي فشل في نيسان الماضي بالانضمام الى مؤتمر الرؤساء، الذي يوحد التنظيمات اليهودية الامريكية، لا يزال يعتبر يساريا وغير مقبول على قسم من الجالية اليهودية، لكن الكثير من نشطاء التنظيم يقولون ان طموحه لنيل الاعتراف ادى الى تليين مواقفه من ازمة غزة، علما ان هذا التنظيم وقف بحدة ضد عملية “الرصاص المصبوب” في 2009، واعتبر التصعيد الإسرائيلي “مضراً”، ما جعله عرضة للانتقادات الشديدة. وفي عام 2011، اصيب التنظيم باحتراق سياسي نتيجة مطالبته للرئيس الامريكي باراك اوباما بعدم فرض الفيتو على قرار مجلس الامن الذي حمل إسرائيل كامل المسؤولية عن فشل المفاوضات السلمية. وفي حينه اعلن عضو الكونغرس الديموقراطي جاري اكرمان، الذي حظي بتأييد التنظيم، ابتعاده عنه، بشكل علني، بسبب عدم وقوفه الى جانب إسرائيل.
ولوحظ اعتدال التنظيم بشكل كبير خلال الهجوم الأخير على غزة، حيث اعلن دعمه الحاسم “لحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها بشكل متناسب، ازاء تهديد الصواريخ غير المتوقف، وحقها بهدم الانفاق التي تصل الى اراضيها”!
الجيش يدعي توصله الى منظومة لكشف الأنفاق
كتبت صحيفة “يديعوت احرونوت” انه من المنتظر ان يجري الجيش الاسرائيلي، خلال فترة قريبة، تجربة لمنظومة جديدة مهمتها كشف الحفريات والانفاق. وسيجري الاختبار المتقدم بعد الانتهاء من اجراء اختبارات المحاكاة المحوسبة، واختبارات ميدانية خاضعة للرقابة في مختبر التجارب والتدريبات التابع للجيش في النقب.
وحسب الصحيفة من المفروض بالمنظومة الجديدة العثور على النشاط الجوفي على امتداد الحدود، والاشارة الى مكانه. وأشارت الصحيفة الى فشل تجارب كثيرة من هذا النوع في السابق، “لكنه اذا نجحت المنظومة الجديدة في الاختبار، فمن المتوقع ان يتم خلال سنة نشرها على الحدود باستثمار مالي يصل الى مليار شيكل”.
89% من الاسرائيليين يعتقدون ان إسرائيل ستخوض حربا اخرى في غزة
يستدل من استطلاع للرأي اجراه معهد “غال حداش” لصالح صحيفة “يسرائيل هيوم” ان 89% من الجمهور الاسرائيلي يعتقد ان إسرائيل ستخوض جولة اخرى من الحرب في غزة. وقال 74% انهم يعتقدون بأن “الجرف الصامد” كانت حربا بكل معانيها، بينما قال 23% انها كانت عملية عسكرية.
واعرب 53% عن اعتقادهم بأن اسرائيل كانت يجب ان تواصل العملية العسكرية، فيما قال 42% انه كان يجب انهائها. وقال 35% انه كان يجب مواصلة العملية حتى تدمير قدرة حماس على اطلاق الصواريخ، فيما قال 28% انها كان يجب ان تتواصل حتى اسقاط سلطة حماس. وقالت نسبة مماثلة، 28%، انه كان يجب تصفية قادة حماس، فيما قال 9% انه كان يجب احتلال قطاع غزة.
واعتبر 86% ان تدمير الانفاق يعتبر انجازا ملموسا لإسرائيل، بينما يرى 12% عكس ذلك. ويرى 69% ان حماس منيت بضربة قاصمة، بينما يرى 28% عكس ذلك. وفي ردهم على سؤال حول الجهة المنتصرة في الجرف الصامد، قال 49% ان العملية انتهت بدون انتصار لأي طرف، فيما يرى 45% ان إسرائيل انتصرت في العملية، بينما يرى 5% ان حماس انتصرت على اسرائيل.
ولا يصدق 68% ان محادثات القاهرة ستحقق اتفاقا طويل الامد، مقابل 19% يعتقدون ذلك.
وفي اعقاب انتشار المظاهرات في العالم ضد إسرائيل ردا على عملية الجرف الصامد، قال 82% انهم يشعرون بالقلق ازاء تفشي اللاسامية في العالم، بينما قال 18% انهم لا يشعرون بالقلق. ويرى 60% ان على يهود اوروبا الهجرة الى إسرائيل بعد تفشي اللاسامية، فيما قال 16% انهم لا يؤيدون ذلك.
ولا يشعر 59% بالقلق ازاء احتمال تقديم دعوى ضد إسرائيل في المحكمة الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، بينما قال 41% انهم يشعرون بالقلق. ويرى 53% ان قوة الردع الإسرائيلية ازدادت بعد الجرف الصامد، بينما يعتقد 33% انها لم تتغير، فيما قال 10% انها تقلصت. وقال 96% ان الجبهة الداخلية اظهرت معنويات راسخة خلال العملية، بينما يعتبر 2% فقط انها لم تفعل ذلك.
واعتبر 51% ان موقف الرئيس الامريكي خلال العملية لن يكن مؤيدا لإسرائيل، بل وقف ضدها، فيما قال 24% انه انتهج موقفا متوازنا ازاء الطرفين. وقال 18% ان موقفه كان مؤيدا لإسرائيل.
وبشأن الشعور بالرضا ازاء سلوك نتنياهو خلال الحرب قال 63% انهم يشعرون بالرضا، مقابل 24% لا يشعرون بالرضا. واما بشأن يعلون فقال 62% انهم يشعرون بالرضا عن سلوكه، مقابل 21% لا يشعرون كذلك. وقال 83% انهم يشعرون بالرضا ازاء سلوك القائد العام للجيش بيني غانتس، بينما قال 8% انهم لا يشعرون كذلك.
وفي سؤال حول الشخص الذي يناسب توليه لرئاسة الحكومة حاليا، حظي نتنياهو بأعلى نسبة 46%، تلاه بينت 12%، ثم ليبرمان 7%، ثم هرتسوغ وليفني 5% لكل منهما، ثم لبيد وساعر 2% لكل منهما.
امنستي تطالب التحقيق بجرائم الحرب الإسرائيلية
كتبت صحيفة “يسرائيل هيوم” ان منظمة امنستي الدولية طالبت بفتح تحقيق فوري في ما وصفته “بالأدلة المتراكمة التي تؤكد بأن الجيش الاسرائيلي شن هجمات متعمدة على اهداف مدنية في قطاع غزة”.
واتهمت امنستي إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة، اعتمادا على افادات جمعتها من سكان القطاع. واكد مدير قسم الشرق الاوسط وشمال افريقيا في امنستي، فيليب لوتر، ان “هذه الهجمات محرمة تماما، ويعتبرها القانون الدولي جرائم حرب”.
ويتبين من تقرير امنستي ان الطواقم الطبية في غزة، وطواقم “الهلال الأحمر الفلسطيني” تعرضت الى النيران الإسرائيلية. وافادت تلك الطواقم ان قوات الجيش وجهت نيرانها اكثر من مرة الى المستشفيات وسيارات الاسعاف او الأماكن التي اعدت لاستقبال الجرحى.
مقالات وتقارير
افعل ذلك يا بيبي
تحت هذا العنوان يكتب يوئيل ماركوس، في صحيفة “هآرتس” انه لا ينوي بتاتا البكاء امام مشاهد المعاناة التي انزلها قادة حماس بشعبهم. ويقول انه على الرغم من صعوبة رؤية الناس يبحثون بين انقاض بيوتهم عن فراش واغراض شخصية، الا انه يمكن ان يكون هؤلاء الناس قد وضعوا بيوتهم تحت تصرف حماس، سواء بمقابل مادي، او نتيجة لضغط جسدي معتدل، لبناء فتحات لمئات الانفاق التي هدفت الى تنفيذ عمليات ضخمة ضد الجمهور المدني الاسرائيلي، او انهم فعلوا ذلك بكل بساطة بسبب الخوف من بلطجية حماس.
لكن هذا كله لا يغير شيئا، يقول ماركوس، ويضيف ان العالم يشاهد هذه الصور ويصاب بالرعب، لكن هذا الدمار الكبير لم يكن ليحدث لولا قيام حماس بشن هجمات ارهابية بالصواريخ على البلدات الإسرائيلية، واعد في المقابل شبكة من الانفاق، لتنفيذ عمليات هجومية داخل المجمعات الاسكانية. ومن حظنا اننا فوتنا هذا الهجوم من خلال عملية “الجرف الصامد” احدى انجح العمليات العسكرية التي قمنا بها في ظروف مشابهة، وهي “من اكثر حروب إسرائيل مبررة” كقول شارون عن حرب لبنان، ولكن بفارق واحد، ان ردنا هذه المرة كان مبررا وناجعا، سواء من حيث الدفاع عن الجمهور بواسطة الاعجوبة المسماة “القبة الحديدية”، او من حيث الهجوم الجوي والبحري على غزة.
ويضيف: لقد اثبت الدماغ اليهودي هذه المرة انه ليست القوة وحدها تنجح، حيث اخترع، ايضا “معطف الريح” الذي يمنع اصابة الدبابات مباشرة”. ويرى ماركوس ان الحرب كانت متكاملة بكل معانيها هذه المرة، فقد تم تجنيد 82 الف جندي احتياط، اضافة الى القوات النظامية على مختلف مستوياتها، وبدا الجنود وكأنهم صنعوا من نوع جديد، يتمسكون بالأهداف، يتطوعون لمهام صعبة، وظهر الكثير منهم، خاصة الشبان، وكأنهم يجسدون صورة “البطل”.
ويقول: من اعتقد ان التهديد الرئيسي لإسرائيل يكمن في القنبلة النووية الايرانية، واننا لن نواجه حربا تقليدية، اكتشف مرة أخرى، اننا لا نزال في هذا الجيل نحارب بطرق المواجهة على حقنا في البقاء. ولا يوجد في نوع الحروب التي نخوضها أي حسم مطلق، لأن الجانب الثاني على استعداد لتحمل المعاناة. ويبدو انهم يستطيعون الوصول الى عشرة آلاف قتيل دون أن يرمش لهم جفن. لكننا نحن لا نستطيع دفع ثمن كهذا، ولذلك فان الاستنتاج هو انه لا مفر من البحث عن حسم سياسي.
ربما تكون هذه الحرب قد فتحت خيارات جديدة بشأن العملية السلمية. واذا كان قادة حماس قد شنوا الحرب في سبيل مراكمة قوة ضخمة في فلسطين العتيدة، فقد خسروا. لقد خرجوا من الحرب ضعفاء، فمصر السيسي تشمئز منهم. وكان السيسي اول من شعر بخطر الأنفاق وقام بإغلاقها في رفح فور وصوله الى السلطة. لقد اعادت حماس الروح الى اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر، فكلاهما يملكان مصلحة في منع تضخم الاسلام المتطرف على حدودنا وفي داخلنا، وكلاهما ترغبان بتسليط “فتح” على غزة، ايضا.
ومنذ لحظة اختطاف الفتية الاسرائيليين الثلاثة وقتلهم، ظهر ابو مازن كمن يكثر من تناول السبانخ، ويطمح لتمثيل فلسطين كلها بما في ذلك غزة. ويجب الاعتراف بأن بيبي ادار المعركة بحكمة، اذ ليس من السهل ادارة معركة على الحياة او الموت مع اشكال مثل ليبرمان وبينت، اللذان يتذمران في المقابلات التلفزيونية من التردد. لكن هذا لن يساعدهما، فهزيمة حماس تقوي ابو مازن كشريك جدي، وكضوء في آخر النفق.
ان الحريصين على مصلحة نتنياهو ينصحونه بتعزيز هذا الانجاز من خلال استئناف المفاوضات السياسية مع ابو مازن. فلتفعل ذلك يا بيبي.
الصاروخ في يهود يغير مفاهيم الأمن
تحت هذا العنوان يكتب استاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا، اوري بن يوسف، في صحيفة “هآرتس”، ان عملية “الجرف الصامد” لم تكن حربا كبيرة، ولم تؤد الى احتلال او فقدان مناطق جديدة، وكما يبدو لم تغير وجهة المجتمع الإسرائيلي ومفاهيمه. لكن حدثا واحدا، وقع خلال العملية يمكنه ان يشير الى تغيير اساسي في مفهوم الأمن الإسرائيلي. هذا الحدث هو سقوط الصاروخ في بلدة يهود، وما تبعه من قرار سلطات الطيران الامريكية والاوروبية بوقف الرحلات الجوية الى مطار بن غوريون، لفترة وجيزة.
ان حقيقة نجاح صاروخ بدائي، حمل عدة كيلوغرامات من المتفجرات، وتم تصنيعه في ورشة داخل غزة، بوقف غالبية حركة الطيران في المطار الإسرائيلي يشير الى تغيير أساسي في توزان القوى بين إسرائيل واعدائها، والى الحاجة لتغيير المفهوم الأمني. فهذا المفهوم لم يشهد تعديلات كبيرة منذ تحديده قبل اكثر من 60 سنة. ويقف في مركزه الايمان بأن طريق مواجهة التهديدات الأمنية تمر عبر الردع، وعلى انه يمكن تلقي تحذيرات استخبارية حول نشوء تهديدات كهذه، وان قوة الجيش ستهزم العدو.
لقد اثبت هذا المفهوم نفسه بشكل جيد حتى حرب عام 1967، لكنه اصبح بعد تلك الحرب أقل صلة، خاصة عندما اتضح في حرب 1973، ان التفوق العسكري الإسرائيلي لا يكفي لردع العرب عن الخروج الى الحرب، وانه لا يمكن الاعتماد على وصول تحذير في الموعد المناسب. الا انه لم يتم تغيير ذلك المفهوم بشكل جوهري. لقد اختفت الجوش العربية بشكل شبه كامل، منذ عام 1973، وسيطرت مكانها تنظيمات العصابات والارهاب، التي تدير مع إسرائيل سلسلة من المواجهات منذ قرابة 40 عاما، ولا ينجح الجيش بالقضاء على التهديد.
صحيح ان حرب لبنان الاولى ادت الى ابعاد المواقع العسكرية لمنظمة التحرير عن الجليل، ولكنها ادت الى نمو حزب الله، الذي ظهر كعدو أقسى، وولدت الانتفاضة الاولى كرد شعبي على الفراغ الذي خلفه غياب بعض تنظيمات “المخربين” عن خارطة القتال. لقد نما حزب الله، وتطورت معه تهديدات اخرى، كالتمرد الشعبي والانتحاريين والصواريخ على محيط غزة، والآن الانفاق. وطوال تلك الفترة واصل الجيش الإسرائيلي بناء انظمة مثيرة شملت الاف الدبابات ومئات الطائرات الحربية المتطورة، رغم انها اصبحت اقل صلة في نوع المواجهات التي فرضت علينا خلال العقود الأربعة الماضية. لكن التغيير الأساسي يكمن في التغيير التكنولوجي.
في عام 1962، حاولت مصر انتاج صواريخ أرض – أرض كان يمكنها اصابة كل نقطة الى الجنوب من بيروت. وقاد تلك الجهود خبراء المان، طوروا صواريخ مشابهة خلال الحرب العالمية الثانية. لكن المبادرة منيت بالفشل المطلق. ومنذ ذلك الوقت تطورت التكنولوجيا العسكرية، واذا كان الطموح ذات مرة هو “توفير سيارة لكل عامل”، فقد تحول في ظل الواقع الحالي الى توفير “صاروخ لكل مخرب”. واذا كانت الصواريخ في السابق، قصيرة المدى وكان يمكنها اصابة البلدات القريبة من الحدود فقط، فاليوم، وبفضل ذلك التطور التكنولوجي السريع، يمكن في ورش العمل في غزة انتاج صواريخ يمكنها اصابة المناطق المحاذية لمطار بن غوريون، وشل الطيران الى إسرائيل. وهنا يكمن الفرق، لأن سباق التسلح بين الجيش الإسرائيلي المتطور، وحماس البدائية، يعمل في غير صالح إسرائيل. انه يخلق وضعا يجعل اسرائيل، على الرغم من تفوقها التكنولوجي المثير، عاجزة عن توفير رد ملائم على وابل الصواريخ التي تم توجيهها الى اهداف استراتيجية حساسة. وتفهم حماس ذلك، ايضا، ولذلك فإنها تسعى الى خلق قدرات كهذه.
والصحيح بالنسبة لحماس يعتبر صحيحا، اضعاف المرات، بالنسبة لحزب الله الذي يملك مستودعا ضخما يحوي عشرات آلاف الصواريخ التي تحمل غالبيتها رؤوس متفجرات ثقيلة، وذات دقة عالية اكثر من صواريخ حماس. يمكن الافتراض انه اذا قام حزب الله بتفعيل كل قدراته، بدون قيود، فان إسرائيل ستتعرض الى ضرر حقيقي كبير. صحيح انه اذا دفعت إسرائيل ثمنا باهظا في المواجهة القادمة فان غزة ولبنان سيدفعان ثمنا اضخم، ولكن قدرة الجيش الاسرائيلي على “مسح” غزة عن وجه الأرض، او “اعادة لبنان الى العصر الحجري” لن تمنع تعرض اسرائيل الى ضربات ثقيلة.
هذا الوضع الذي يملك فيه الجانبان القدرة على توجيه ضربات متبادلة دون امتلاك قدرات دفاع ملموسة، يسمى “ميزان الرعب”. ويكمن جوهره في القاء القنابل النووية على هيروشيما ونغازاكي قبل 69 سنة. لقد فهمت قلة من الناس آنذاك، بعد القاء القنابل، معنى ذلك. وكان احدهم العالم برنارد برودي، الذي حدد في عام 1945 ان “هدف الجيش الامريكي كان حتى اليوم هو تحقيق الانتصار في الحروب، ولكن منذ الآن يجب ان يكون هدفه الأساسي هو منع الحرب”. وقد استغرق الجنرالات الامريكيين سنوات طويلة حتى فهموا ذلك.
صحيح ان الحكم على الصواريخ في ايدي حماس لا يشبه الحكم على السلاح النووي في ايدي الاتحاد السوفييتي. ولكن في ظل وضع تتآكل فيه قدرة إسرائيل على الدفاع عن ممتلكاتها الاستراتيجية، تولدت الحاجة الى اجراء تغيير نموذجي في مفاهيمنا الأمنية. وبكلمات اخرى: في الحرب القادمة يجب استبدال شعار “دعوا الجيش ينتصر” بشعار “دعوا الدبلوماسية تمنع الحرب القادمة”.
السيسي هو المنتصر في “الجرف الصامد”
تحت هذا العنوان يكتب تسفي برئيل في صحيفة “هآرتس”، ان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ينظر الى حماس بمنظار مزدوج: ففي العدسة الأولى يرى فيها تنظيما ارهابيا تعاون مع التنظيمات الارهابية في سيناء، وتتحمل المسؤولية- او شاركت على الأقل- عن مقتل الضباط المصريين في آب 2012، وساعدت المعتقلين من الاخوان المسلمين، وبينهم محمد مرسي، على الهرب من السجن، وحركة أكلت وشربت من أيدي طهران، وزبون لمهربي الأسلحة من ليبيا والسودان عبر مصر، وتغذي المهربين في سيناء. وفي العدسة الثانية، يعتبرها تنظيما سياسيا، كتيبة مسلحة متفرعة عن الاخوان المسلمين، تورط النظام المصري مع إسرائيل، تقوض السلطة الفلسطينية، وتشكل مثالا لقدرة الحركات الاسلامية على السيطرة على السلطة.
ظاهريا يملك السيسي كل الأسباب المطلوبة لنيل شرعية العمل ضد حماس، ويمكن التكهن بأنه لو كانت غزة خاضعة لمصر، لكان السيسي قد عمل ضد قيادة حماس كما عمل ضد قيادة الاخوان المسلمين. ولكنه لا يرغب أي نظام مصري بالسيطرة على القطاع المحتدم، والسيسي ليس بحاجة الى هذا المستنقع، الذي يعتبر منطقة معادية. وسيبذل الآن كل ما يستطيع كي لا يهدد القطاع مصر، ولديه قدرات كبيرة. فمعبر رفح الذي يسيطر عليه يعتبر شريان حياة رئيسي لقطاع غزة، ولذلك عمل السيسي خلال العامين المنصرمين على جعل المعبر المنفذ الوحيد بين غزة وسيناء، وقام بهدم الأنفاق، واغلق معبر رفح لفترات طويلة، ومنع نشاطات حماس في مصر. ولا يحتاج السيسي الى تنسيق خطواته مع البرلمان، الذي لم ينتخب بعد، او ملائمتها مع الدستور. وتخضع الصحافة التقليدية لرقابة الدولة، والتنظيمات الاجتماعية التي حققت الانقلاب بدأت بمعرفة حدودها، خاصة بعد المحاكمة المشينة للمدون الشهير علاء عبد الفتاح، الذي حكم عليه بالسجن لمدة 15 سنة ودفع غرامة قيمتها 100 الف جنيه مصري.
على الصعيد السياسي عمل السيسي حتى الآن بشكل سلبي، فهو لم يبادر الى خطوات لدفع المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، ولا يعرض قوات او مساعدات للمتمردين في سوريا، وهذا الأسبوع لم يشارك في اول مؤتمر من نوعه لقادة الدول الافريقية الذي بادر اليه الرئيس الامريكي. كما لم يتشاور السيسي مع واشنطن او مع جون كيري قبل قيامه بنشر مبادرته لوقف اطلاق النار في غزة، ولا يسمح لوفود الاغاثة الايرانية بالوصول الى القطاع. ويكره رئيس الحكومة التركية طيب رجب اردوغان، ويعتبره عدوا، كما يعتبر قطر حشرة ارتقت بفضل المال. والسعودية وحدها هي حليفه الراسخ.
لكن الحرب في غزة وفرت له فرصة لإظهار سياسة فاعلة يقوم باستغلالها بشكل جيد، وليس امام حماس فقط. فقد أدار ظهرا متصلبا لواشنطن، ورثه كما يبدو عن مبارك، الذي لم يزر الولايات المتحدة طوال خمس سنوات بسبب سلوكها ازاء مصر. وقد اجل كيري ثلاث مرات زيارته الى القاهرة، لأن السيسي سحب البساط من تحت قدميه. واثبت لقطر ان المال الذي تقدمه لحماس لم يوفر لها التأثير في المكان الحساس، في القاهرة. ولكن حقيقة استيعاب قطر لأكثر من 130 الف عامل مصري، هي التي جعلت مصر تمتنع في آذار عن الانضمام الى السعودية في قطع العلاقات مع قطر. والمثير، ايضا، ان قطر لا تسارع الى طرد العمال المصريين كعقاب على سياسة مصر، لأنهم يمكن ان يشكلوا في اليوم المناسب، رافعة سياسية.
وربما تكون قطر قد خسرت المعركة السياسية في غزة، ولكنها لم تنه دورها السياسي في المنطقة. وسيحاول السيسي الاهتمام الآن بأن يمر اعمار قطاع غزة، الذي يتوقع ان تساهم قطر بتمويله، فقط عبر المصفاة المصرية وعبر السلطة الفلسطينية. ويعتبر انتصار السيسي بمثابة انتصار للسعودية، ايضا، التي لم تبرز نفسها خلال الحرب، ولكنها دعمت خطوات الرئيس المصري، لأن للملكة حسابا طويلا مع حماس ومع الاخوان المسلمين، ومنظومة علاقات مسمومة مع قطر بسبب علاقاتها مع ايران ودعمها للميليشيات السورية غير الخاضعة للمال السعودي.
والى جانب قطر يبدو أن اردوغان، ايضا، وقع ضحية لسياسته، ولكنه سيكون بامكانه يوم الاحد، كما يبدو، تعويض نفسه في الانتصار المتوقع في الانتخابات الرئاسية. لقد حظيت سياسته الخارجية بانتقادات ثاقبة من قبل منافسيه وكذلك من داخل حزبه، ويبدو انها تنهار على جبهات اخرى. ولكن في حال نجاح المفاوضات بين إسرائيل وحماس برفع الحصار عن غزة، سيتمكن اردوغان من اقتطاع كوبون سياسي والادعاء بأن الضغط الذي مارسه على إسرائيل طوال سنوات هو الذي ادى الى رفع الحصار. وفوق هذا سيشكل ذلك استجابة للشروط التي طرحتها تركيا على إسرائيل لاستئناف العلاقات الدبلوماسية معها. من هنا فان مسألة انتصار او خسارة حماس في غزة تتحول الى مسألة ثانوية، بال هامشية، امام خطوط الخارطة السياسية المتبلورة في المنطقة. خارطة تخلي فيها التحالفات القديمة مكانها للتحالفات الصغيرة، وتملي فيها التنظيمات الصغيرة السياسة الخارجية بل ورسم حدود قومية.
حرب ما بعد الحرب
تحت هذا العنوان تنشر غيلي كوهين تقريرا في صحيفة “هآرتس”، حول الصراع الجديد الذي ينتظر الكثير من الجنود الذين شاركوا في حرب غزة، وهو التحرر من الصدمة او “الضجيج الداخلي” كما يقول عالم النفس السريري ساعر عوزيئيل، مدير الوحدة السريرية في جمعية مساعدة المصابين بالصدمات على خلفية الحرب والارهاب.
وتقول كوهين في تقريرها انه تم خلال ايام الحرب معالجة اكثر من 100 جندي، اصيبوا بالقلق والتوتر او بصدمة الحرب. ورفض قائد وحدة معالجة أثار الحرب د. اوفير ليفي، اطلاع “هآرتس” على عدد الجنود الذين توجهوا لتلقي المساعدة، وقال ان نسبة المتوجهين على خلفية الصدمات النفسية منخفض مقارنة بعدد الجنود الذين شاركوا في الحرب.
وحسب معطيات السلاح الطبي في الجيش، والتي نشرت في ايلول الماضي، فان نسبة 1.5% من الجنود الذين شاركوا في حرب لبنان الثانية، عانوا من صدمة ما بعد الحرب، ومن التوقع ان يصل عدد الجنود الذين سيعانون من صدمات الحرب بعد حرب غزة الى نسبة مشابهة. وقد قام ضباط الصحة النفسية في الجيش بتشكيل طواقم خاصة لمعالجة “صدمات الحرب” لدى الجنود. وتضم تلك الطواقم عددا من الضباط والاطباء النفسانيين الذين يعملون في ساعات الطوارئ، في سبيل توفير رد للجنود خاصة من خلال اجراء محادثات معهم، دون فصلهم عن الاطار العسكري.
ويقول ليفي انه في الظروف العادية يمر الجنود والضباط بتحضير ذهني. ويضيف: “هناك فرصة لمنع الصدمة المزمنة بعد الحرب، وهذا هو ما نسعى الى تلافيه”. واضاف ان كل وحدة شاركت في الحرب رافقها ضابط من خدمات الصحة النفسية. ويحاول السلاح الطبي في الجيش دمج المعالجين في الوحدات فور انتهاء القتال. وخلال اللقاءات مع الوحدات التي شاركت في الحرب، خاصة الجنود الذين واجهوا احداثا قاسية، كما حدث لجولاني في الشجاعية، وماجلان في خان يونس، تم تشخيص عدد من الجنود الذين اصيبوا بصدمة الحرب، بل تم نقل بعضهم لتلقي العلاج. كما توجهت احدى وحدات جنود الاحتياط التي شاركت في الحرب الى وحدة معالجة أثار الحرب، وسيتم بعد اسبوع من تسريحها من الخدمة عقد لقاء علاجي جماعي لها.
لقد انتهج الجيش خلال الحرب طريقة اخراج الجنود للاستراحة لعدة ساعات واستبدالهم بآخرين، وهي خطوة قوبلت بالانتقاد من قبل القيادة الميدانية التي ادعت ان خطوة كهذه من شأنها المس بأهلية الوحدات على مواصلة القتال. وقال شهود عيان التقوا بقسم من الجنود الذين خرجوا من غزة لعدة ساعات وعادوا اليهم، انهم التقوا جنودا محتارين، لا يعرفون ما يفعلونه بين الضغط العائلي والاطار العسكري الصلب. ووصف احدهم ضابطا شابا كان يبكي وهو عائد الى منطقة تجميع الجنود، بعد محادثة صعبة اجراها مع امه، في ظل المعارك في غزة.
ويقول عوزئيل: “ما يحدث هو ان الجندي يدخل الى المعركة ويستعد لذلك، وبعد ذلك تعيده مرة اخرى لمجابهة الحياة في الخارج، وهذه مسألة تنطوي على تعقيدات، ولكن غالبية الجنود يعرفون ان عليهم مواجهة الأمر طالما لم تنته المعركة”. ويضيف عوزيئيل: “الآن تبدأ حرب ما بعد الحرب”.
وتصف غيلا سيلع من جمعية “منطال” التي تقدم المساعدة للجنود ما سيحدث خلال الأيام القريبة للجنود وعائلاتهم، فتقول: “الأسبوع الاول بعد الحرب سيكرس للغسيل والوجبات والاحتضان، وهو بمثابة شهر عسل حقيقي. ولكن بعد ذلك تطفو الصدمات مع عودة الجنود الى الحياة العادية. وليس كل جندي خرج من غزة خرجت غزة من داخله، فالنفس لا تفهم اننا خرجنا من هناك، ويجب الانتباه الى ما يحدث بعد الحرب”. وتقول انه يمكن خلال الاسبوعين الأولين بعد الحرب، ظهور افكار سلبية لدى الجنود او امتناعهم عن القيام بأعمال معينة، كالخروج مع الأصدقاء للهو، ورغبتهم بالانغلاق على انفسهم. ويعتبر الشهر الاول بعد الحرب حاسما، ويجب تمكين الجنود من التحدث عما يشعرون به واخراجه من داخلهم، ومن ثم التوجه للعلاج”.
الأصوات التي يتم سماعها بين الانقاض
تحت هذا العنوان تكتب عميرة هس في صحيفة “هآرتس”، ان كمية الاسمنت التي استخدمت لبناء الانفاق ذات الأهداف العسكرية لا تتجاوز كمية الاسمنت الاسبوعية التي يستهلكها قطاع غزة في الأيام العادية، حسب ما يؤكده مهندس من غزة، لديه خبرة وتجربة مداها عشرات السنوات، والذي يعارض حماس سياسيا. ويقول للصحيفة ان الاستهلاك اليومي للاسمنت في قطاع غزة وصل قبل العام 2004 الى قرابة 4000 طن. وبعد فرض الحصار الاسرائيلي ومنع دخول المواد الخام في 2007، وعندما بدأت سلطات حماس بتطوير اقتصاد الأنفاق، تمكن التجار على مدار اربع سنوات، من استيراد قرابة 3000 طن يوميا، عبر الانفاق. وحسب تقييم المهندس فانه يتم استهلاك 500 طن من الاسمنت، في اقصى حد، لبناء كل نفق. وحتى لو وصل عدد الانفاق الى 50، وليس 32 كما يقول الجيش الاسرائيلي، فهذا يعني انه تم استهلاك 25 الف طن من الاسمنت لبنائها، وهي كمية تقل عن الكمية الاسبوعية التي استهلكها القطاع قبل 2004، وتساوي الكمية التي تم استيرادها خلال ثمانية ايام عبر الانفاق من مصر.
ويقول المهندس، الذي يتابع قنوات التلفزة الاسرائيلية انه فوجئ بمدى تضخيم إسرائيل للأنفاق الى حد اعتبارها تهديدا استراتيجيا والادعاء بأن حماس استثمرت فيها غالبية مواردها. وحسب رأيه فقد استهلكت حماس نسبة ضئيلة من الاسمنت المستورد من مصر.
وتقول هس ان المهندس ليس وحده هو الذي يشاهد التلفزة الإسرائيلية، فمن يجيدون العبرية، ويشاهدون التلفزيون الاسرائيلي مثله، او يستعينون بالترجمة المباشرة، يقولون ان ما سمعوه من الخبراء الاسرائيليين عن حماس وسياسة القصف الإسرائيلي واصابة المدنيين لا يتفق مع الواقع، كما شاهدوه بأنفسهم وعايشوه على جلودهم خلال الشهر الأخير. وحتى اولئك الذين لا يؤيدون حماس وصفوا الخبراء العسكريين الاسرائيليين بأنهم “كاذبون”. وقالوا ان تضخيم ظاهرة الانفاق زادت من التقدير لحماس كقوة عسكرية.
وتقول هس ان الانفاق ليست اختراعا للتنظيم الاسلامي، فقد استخدمت الانفاق لتهريب السجائر والجبن والحشيش والسلاح من مصر، بعد الانسحاب الإسرائيلي من سيناء في مطلع الثمانينيات، وتقسيم رفح الى مدينتين مصرية وفلسطينية. كما استخدم النشطاء الانفاق للهرب من القطاع خلال الانتفاضة الأولى. وعملت الانفاق خلال فترة السلطة الفلسطينية في غزة، ايضا، تحت اشراف اجهزة الأمن التي جرفت منها الأرباح. وما فعلته حماس هو تطوير هندسة الانفاق، واقتصاد الأنفاق، بسبب الحصار السياسي والاقتصادي الذي فرض على سكان غزة من قبل إسرائيل ودول الغرب.
من يريد اعتبار الانفاق بمثابة انجاز لحماس، يمكنه عمل ذلك، ولكن هناك من يعتبرها تعكس “روح المناورة الغزية” والابداع، والقدرة على التحمل وايجاد حلول في كل الاوضاع الصعبة. هذا يعني انه اذا نجحت حماس في القطاع فهذا لأنها ليست “بذرة غريبة” في مجتمع ويمكن ابادتها او فصلها عن الجمهور الفلسطيني عامة. ولأن حماس ليست بذرة غريبة، فانه لا يمكنها التصرف كتنظيم عسكري فقط. فقد اظهرت حماس فوق الأرض، ايضا، قدرات كبيرة في الجانب المدني بالذات، كما يقول مراقب اوروبي، يكثر من زيارة قطاع غزة، ويعرف جيدا الاسطورة الغربية.
ويقول انه في الظروف التي تعتبر أصعب بعشرات المرات من تلك التي واجهتها سلطة فتح – بسبب الحصار والمقاطعة الدولية لحماس- وبدون دعم من قبل التنظيمات الدولية، نجحت الحركة الاسلامية بتطوير منظومة ادارية اكثر نجاحا من منظومة فتح، وخدمة السكان بشكل معقول. كما يقول موظفون في منظمات التنمية الدولية الذين كانوا على اتصال في السنوات الأخيرة مع المستويات المنخفضة والتنفيذية في حماس، انهم اعجبوا بأداء ونجاعة حماس.
وتضيف هس: ان التجربة والخبرة المكتسبة لم يتم دفنها تحت الانقاض، وسيكون من المنطقي اشراك المهنيين من رجالات حماس في اعمال الترميم الضخمة المتوقعة في قطاع غزة. وهذا طبعا يخضع لموافقة اسرائيل ورعاة السلطة الفلسطينية في الدول المانحة على السماح بمشاركة رجال القطاع المدني والمهني لحماس في اعمال الترميم.
ان حكومة الوفاق الوطني لم تواجه في بداياتها المعارضة الأوروبية والأمريكية، لأنها لا تضم وزراء من حماس ولأنها التزمت الخط السياسي لمحمود عباس. لكن المنظومة الوظائفية الناشطة، الرفيعة والمتوسطة، تتبع لحماس أو تم تعيينها خلال فترة تسلمها للسلطة (وزارة المالية في رام الله لم تدفع حتى الآن رواتب هؤلاء الموظفين ومثلهم الآلاف من العاملين في القطاع العام، بما في ذلك العاملين في وزارة الصحة وفرق الانقاذ الذين عملوا على مدار الساعة طوال فترة الحرب، وخاطروا بحياتهم). فهل سيتم اشراك هذه المنظومة في عملية الترميم؟
يبدو ان التخوف من التمييز بحق الغزيين والقطاع الخاص في قطاع غزة، وصل الى مسامع محمود عباس، وبناء على اوامره، كما تقول وسائل اعلام فلسطينية، ينوي رئيس الحكومة رامي الحمدالله، اضافة عدة وزراء من غزة الى حكومة التكنوقراط، وتغيير هدفها الرسمي، من الاعداد للانتخابات العامة، الى ترميم قطاع غزة. وهكذا تقرب الحرب الضفة وجهازها الحكومي من قطاع غزة.
ان التحدي الكامن في اعادة اعمار قطاع غزة، يتجاوز عدة مرات تحديات 2009، بسبب حجم الدمار الهائل الذي خلفه الجيش الاسرائيلي هذه المرة. وحسب المهندس الذي تحدث الى “هآرتس” فان عمال البناء وشركات البنى التحتية العاملين في القطاع لا تكفي للقيام بعملية الترميم، ولذلك لا بد من احضار عمال للبناء من الضفة، بل ومن مصر، كي لا يستغرق العمل 20 سنة واكثر. وفي سبيل منع اتساع الكارثة الانسانية، ستكون هناك حاجة الى استيراد كميات ضخمة من مواد البناء والمواد الخام. وقد اعلنت تركيا استعدادها لتزويد القطاع بالكهرباء بواسطة السفن، ولذلك فان كسر الحصار والحفاظ على تواصل بين الضفة والقطاع يعتبر جزء لا يتجزأ من عملية الاعمار. فهل ستستطيع إسرائيل منع الترميم اذا رفض الفلسطينيون شرطها بربط الاعمار بتجريد القطاع من السلاح.
معركة الجو واليابسة
تحت هذا العنوان يكتب يوسي يهوشواع، في صحيفة “يديعوت احرونوت”، انه “يبدو بأن عملية “الجرف الصامد” لم تكن الا تدريبا رسميا لما يمكن ان يتحول في المستقبل الى حرب لبنان الثالثة، ولذلك يمكن التأمل بأن حرب غزة ايقظت قادة الجهاز الأمني كي يفحصوا مجددا وجهة النظر الاستراتيجية التي ادت في السنوات الأخيرة الى اهمال سلاح اليابسة.
ومهما كانت المعركة الاخيرة في غزة مركبة، سواء على صعيد الجبهة القتالية او الجبهة الداخلية، يجب النظر الى قوة حزب الله الذي يملك 100 الف صاروخ طويلة المدى وقاتلة، كي نفهم ان المعركة في الشمال ستكون قاتلة. وهذا هو الوقت المناسب ربما لاستخلاص العبر كي نستعد لحرب لبنان جيدا.
خلال السنوات الأخيرة، يبدو ان شيئا واحدا اشغل القيادة السياسية وهو الخطر النووي الايراني، وليس صدفة ان منظومة سلاح الجو والاستخبارات حظيت بالأولوية المالية على حساب جيش اليابسة، وقد رأينا آثار ذلك في غزة: فالجيش لم يمتلك ما يكفي من الدبابات المدرعة من طراز “مركباه 4″، ذات المنظومة الدفاعية المضادة للصواريخ “معطف الريح”. ولكن هذا طرف الخيط فقط، فالجيش لم يمتلك، ايضا، ما يكفي من مصفحات “نمار” الامر الذي اضطره الى استخدام مصفحات “برادلس” القديمة. وقد صودق على شراء ثلث الكمية المطلوبة من مصفحات “نمار” لسلاح اليابسة، وربما يكون مقتل الجنود السبعة الذين هوجمت مصفحتهم القديمة في حي الشجاعية، مشتقا من ذلك القرار.
لكن الاخفاق الكبير يكمن في اهمال التدريبات للجيشين النظامي والاحتياطي. فقد قلص الجيش التدريبات من 20 تدريبا في السنة، بعد حرب لبنان الثانية، الى ثلاث تدريبات فقط في السنة الأخيرة، وهكذا دفعت الالوية التي شاركت في “الجرف الصامد” الثمن. لقد دخل لواء “ناحال” الى غزة بعد سنة تقريبا بدون تدريبات، وانهاك قوى جنودها خلال العمليات العسكرية في الضفة. ووصلت وحدة المظليات الى غزة بعد عشرة أشهر متوترة على الحدود اللبنانية، واما غبعاتي فقد تمكنت بصعوبة من اجراء التدريبات، بعد انشغالها طوال الوقت في دوريات حول قطاع غزة، وهذا يعني ان وحدات المشاة ضعفت خلال تشغيلها في دوريات الامن الجاري بدل التدرب على محاربة الأنفاق.
هل يتصور احد اجراء تقليص مماثل في سلاح الجو؟ هل يتخيل احد انطلاق طائرة حربية بدون طيار مدرب او يخرج لتنفيذ عمليات قصف بمعدات تالفة؟ لماذا اذن، يسمح الجيش لنفسه باشراك مصفحات غير مدرعة في الحرب البرية؟
كما ان اهمال منظومة الجيش الاحتياطي الذي لم يتدرب خلال السنة الاخيرة تعتبر مأزقا صعبا. ان القدرة على تصحيح الاخفاقات التي تكشفت خلال حرب غزة، يمكنها تعريف كيف ستنتهي الحرب القادمة في الشمال والتي يبدو انها لن تكون مستحيلة. لقد حسمت عملية الجرف الصامد النقاش المتواصل بين سلاح الجو وسلاح اليابسة، لصالح سلاح اليابسة، فقد بات واضحا انه لا يمكن الاعتماد فقط على القدرات الجوية، فالقصف المكثف يسبب ضررا جزئيا فقط، انه يصيب البنى التحتية ويدخل العدو داخل الانفاق، لكنه لا يهزمه. ان من دمر الانفاق هو سلاح الهندسة وسلاح اليابسة، بدعم من المدرعات والمدفعية، ومقياس تدريبهم سيقرر كيف سيؤدون مهمتهم بشكل افضل في المستقبل.
هذه مسائل صعبة، لكنه يتحتم طرحها الآن. لقد تم المصادقة على تحويل الاموال الى سلاح الجو على حساب سلاح اليابسة بمصادقة من وزير الأمن، وعلى صناع القرار اعادة تقييم الموضوع قبل ضياع الوقت.
بين غزة والقاهرة
تحت هذا العنوان يكتب ناحوم برنياع، في صحيفة “يديعوت احرونوت”، ان الوفد الفلسطيني الذي وصل الى القاهرة لإجراء محادثات مع جنرالات الاستخبارات المصريين عرض قائمة مطالب موحدة، ولكنه وقفت وراء هذه المطالب مصالح متناقضة بين شقي الوفد، فحماس تحتاج الى انجاز يبرر الثمن الذي دفعه المدنيون في غزة، والسلطة تسعى الى ترسيخ مكانتها كممثلة وحيدة للمصالح الفلسطينية. وطلب المصريون الاثبات لعدوهم الحقيقي – الاخوان المسلمين وفرعها في غزة – من هو صاحب البيت. ولم تتمثل حماس غزة في المفاوضات، لا حول الطاولة ولا في القلوب. فمصر ترفض التحدث مع رجال حماس، وتتحدث فقط مع عزام الاحمد، رئيس الوفد، ومن قادة فتح.
اما الوفد الإسرائيلي فيتحدث الى المصريين ورجال السلطة، ولا يتحدث الى رجال حماس. وقد اجرى الجهاز الامني الإسرائيلي نقاشات حثيثة، الخميس، كي يوفر للمتحاورين في القاهرة مبررات تمنع حماس من استئناف النار صباح الجمعة، بعد انتهاء الهدنة. وتفهم إسرائيل، ايضا، ان حماس يجب ان تحصل على انجاز على شاكلة تخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة. فقد ربحت حماس ذلك بفضل دماء وبيوت الغزيين.
ويكتب برنياع عن الاقتراح الذي قدمته وزيرة القضاء تسيفي ليفني الى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، قبل اسبوعين، لإطلاق مبادرة دولية، باتت تحظى بالاجماع الآن. ويقوم الاقتراح على المعارضة الشاملة لحماس، بما في ذلك من قبل دول المنطقة، تجريد قطاع غزة من السلاح، اعادة السلطة الفلسطينية الى قطاع غزة، واستئناف المفاوضات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. وقالت ليفني انه سيسر مصر الانضمام الى هذه المبادرة، لأنها تتفق مع جدول اعمالها، وكذلك الامر بالنسبة للتنظيمات الدولية.
ويقول برنياع ان احدى المسائل الكامنة في خطة ليفني تتعلق بالوضع السياسي والقانوني الذي وصلت اليه إسرائيل بعد عملية الجرف الصامد في غزة. فكما اثبتت تجارب الماضي، يمكن للعملية السياسية ان تذوب الانتقادات وتقصي الاجراءات القضائية في المحاكم الدولية، وتغطي الدولة ومبعوثيها بغطاء دقيق من الحصانة.
واقترحت ليفني ان تقوم إسرائيل بطرح مبادرتها في مجلس الامن الدولي وامام الرباعي الدولي. لكن نتنياهو لم يقل نعم، ولم يقل لا، وقام بتحويل الخطة الى محاميه يتسحاق مولخو. ومنذ ذلك الوقت لا احد يعلم عنها شيئا.
ان نتنياهو يفهم فوائد هذه الخطة، ويفهم، ايضا، سلبياتها، فهي ستكلفه ثمنا سياسيا داخليا، فاليمين داخل حزبه الذي سلم بصعوبة بالنتائج المحدودة للعملية العسكرية، سيهاجمه اذا بدأ بمغازلة ابو مازن. وما تعتبره ليفني فرصة، يعتبره الآخرون مشكلة.
لقد خلفت العملية كل اللاعبين مصابين. نتنياهو ملزما بتقديم توضيحات لكل الذين صدقوا خطاباته خلال فترته في المعارضة، حين وعد بتدمير حماس وعدم ابقاء أي ذكر لها، وابو مازن ازدادت قوته في العالم، وربما لدى اسرائيل، ايضا، ولكنه في الضفة وغزة يعتبر خائنا. ولم تساهم العملية العسكرية الا بتقليص مجال التسوية بينهما.
اما وزير الخارجية الامريكية جون كيري، فسيسره استئناف مبادرته في اعقاب العملية العسكرية. والاهانات التي تعرض لها من قبل إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر، زادت محفزاته. ولكن في هذه الاثناء لا يوجد مع من وعلى ماذا يجري الحديث.
ويكتب برنياع عما دار في جلسات المجلس الوزاري المصغر خلال ايام الحرب على غزة، ويقول ان المجلس الوزاري عقد 20 جلسة طويلة، تقريبا، اضافة الى المداولات التي كانت تجري على مستوى المكاتب الوزارية المختلفة. ويقول ان المداولات في المجلس الوزاري تمحورت حول ثلاثة خيارات: الاول: مهاجمة الانفاق التي امتدت الى اسرائيل، والثاني: احتلال القطاع حتى مستشفى الشفاء، الذي تتحصن قيادة حماس تحته، والثالث: مواصلة الحرب حتى الاحياء الواقعة في الدائرة الثانية حول مدينة غزة، بهدف تدمير الانفاق والمنشآت العسكرية الأخرى.
وطالب وزير الاستخبارات يوفال شطاينتس باحتلال قطاع غزة كله، وآمن ان الاختراق في مكان واحد لخط الدفاع حول القطاع، سيتيح لقوات الجيش التقدم بسرعة الى قلب غزة، وستنهار حماس، وسيتم حل مشكلة الأنفاق عندما يتم القضاء على قيادة حماس او اعتقالها. وكما تم في حملة السور الواقي في الضفة، هكذا سيتم في غزة العثور على اشخاص سيوافقون على تحمل المسؤولية، ولن يضطر الجيش الى اقامة حكم عسكري ولا صرف المليارات على توفير الخدمات للسكان، ويمكنه خلال عدة اسابيع الانسحاب.
لكن شطاينتس لم يحارب من اجل تمرير موقفه، اذ انه وافق على المنطق الكامن في التوجه المقيد، الذي تبناه نتنياهو ويعلون. في المقابل دعم ليبرمان احتلال القطاع، واعتبر موقف يعلون ونتنياهو يعبر عن الجبن، وليس نتاج تحليل مدروس للواقع. اما نفتالي بينت فقد اراد تنفيذ العملية في غزة ردا على اختطاف ومقتل الفتية الاسرائيليين. لقد فهم اهمية الانفاق فقط بعد بدء العملية، وبعد ان استمع الى الضباط الذين التقاهم في مناطق التجميع. لكنه بعد عودته الى المجلس الوزاري اخد يهاجم القيادة العامة للجيش. وحسب استنتاج بينت فان قيادة الجيش تريد وقف اطلاق النار فقط، وليست لديها رغبة في القتال، وان نتنياهو ويعلون ينقادان وراء ضباط الجيش. وخلال احدى الجلسات قال احد الضباط انه اذا تقرر احتلال القطاع كله فسيضطر الجيش الى احتلال 30 حيا كحي الشجاعية، واذا سقط في الشجاعية 20 جنديا، فانه يجب ضرب هذا الرقم بعدد الأحياء.
قبو الفرص
تحت هذا العنوان تكتب سيما كدمون، في صحيفة “يديعوت احرونوت”، انه اذا كان هناك ما يمكن الاتفاق عليه فهو انه لا يزال من المبكر لأوانه تلخيص نتائج حرب الجرف الصامد. فنتائجها سيحددها اختبار الزمن وليس عدد الاهداف التي تم تحقيقها او عدد القذائف التي القيت على غزة او عدد قتلى رجال حماس او عدد الانفاق التي تم تدميرها. واحيانا يتم تحديد نجاح الحرب في وقت لاحق، كما في حرب لبنان الثانية التي يقاس نجاحها بعدد سنوات الهدوء بعدها. ولكن اذا اندلعت غدا حرب يأجوج ومأجوج، واطلق حزب الله المئة الف صاروخ التي يمتلكها على إسرائيل، فهل سنواصل اعتبار تلك الحرب ناجحة؟ هذا ليس مؤكدا، ومن شبه المؤكد انه ستطرح عندها تساؤلات حول كيف سمحوا لحزب الله بتنويمنا، واي ترتيبات توصلنا اليها اذا كانت هذه هي النتيجة.
ولكن ما لا يمكن الاختلاف عليه هو انه ربما لأول مرة في تاريخ اسرائيل، تملك اسرائيل الآن فرصة، تمكن حتى نتنياهو من تشخيصها، عندما قال عشية تلخيص العملية انه بعد انتهاء المعارك ستفتح امام إسرائيل امكانيات سياسية جديدة. وترى كدمون انه يتحتم اليوم رؤية المصالح المشتركة لإسرائيل مع عدد من الدول العربية والسلطة الفلسطينية، ليس فقط فيما يتعلق بحماس وانما بالأحداث الجارية في تل الدول والتي تهدد استقرارها. هذه المصالح المشتركة تخلق فرصة لمرة واحدة، لتحريك الخطوات التي من شأنها تغيير مكانة إسرائيل في الشرق الاوسط. وبكلمات اخرى: يوجد لدينا شريك، بل اكثر من شريك، وهي القوى الاكثر اهمية في الشرق الاوسط. فمن جهة هناك إسرائيل، مصر، الأردن، السعودية، السلطة الفلسطينية، اتحاد الامارات والكويت، وفي الجانب الآخر هناك ايران وتوابعها سوريا ولبنان وجزء من العراق وقطر وتركيا.
وبشكل عبثي، بالذات على ضوء تسارع الاحداث خلال الحرب، تولدت فرصة العملية السلمية. واذا افترضنا ان حماس فقدت قوتها، وتعززت قوة ابو مازن، يمكن الانتقال الى خطة سلام دولية، تقودها مصر. فلا مكان بعد للمبعوثين الامريكيين الذين يستصعبون فهم ما الذي يواجهونه، وانما هناك مكان للقوى الاقليمية ذات المصالح المشتركة، التي ستكون مستعدة من اجل تحقيق الهدف، لإبداء السخاء وتقاسم الارض من جديد. فهل يفهم نتنياهو عظمة هذه اللحظة؟ وهل يتمتع ابو مازن بما يكفي من القوة لتحمل المهمة؟ وهل يبادر السيسي الى تحريك الموضوع ويفهم انه يمكنه ان يكون الحاكم الذي سيحقق السلام في الشرق الاوسط؟
وتقول كدمون ان وزيرة القضاء الإسرائيلية تسيفي ليفني تفهم عظمة هذه اللحظة، وتقول انه تولدت الآن فرصة اقليمية، وعوامل مشتركة بين اسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية. فالجميع شركاء في الفهم بأن حماس تشكل تهديدا. لكن المشكلة، تقول ليفني، ان بعض رفاقي الوزراء لا ينتقلون الى المرحلة القادمة من المصلحة المشتركة، والتي لا تتوقف على نزع السلاح، وانما تدعيم خطوة تبدأ بمنح السلطة الفلسطينية السيطرة على غزة، والعودة للحديث عن الاتفاق الشامل.
وتضيف ليفني انه بدل الانهاء في مصر مع تفاهمات تشبه تفاهمات “عامود السحاب” يمكن اتخاذ قرارات دولية ملزمة حول شكل اليوم التالي للحرب. يمكننا ان نتقبل بأن الهدف هو تجريد سلاح القطاع، ومنع تعزز قوة حماس، والى جانب مفهوم جماعي بضرورة وجود “سلطة واحدة وقانون واحد وسلاح واحد” كما حدد ابو مازن في برنامجه الانتخابي. وهذا يمكنه ان يشكل بداية لنظام جديد، تقول ليفني. هذا لن يحدث صباح غد، ولكنه يمكن ان يشكل بداية لشيء ما. يجب تحديد اهداف دولية، لا تقوم على اغلاق الجانب العسكري فقط، وانما فتح امكانية الترتيب الجديد في المنطقة.
وتتحدث كدمون عن عودة إسرائيل الى ابو مازن، وتقول ان الليكود يرى التطورات وكيف بدأت إسرائيل الاعتراف بهدوء بحكومة المصالحة الفلسطينية، ليس بشكل رسمي، وانما من خلال العودة الى الحديث مع ابو مازن، خلافا لقرار عدم التحدث معه بسبب تشكيل حكومة المصالحة. ويقولون في الليكود ان الوفد الفلسطيني في مصر يضم حماس والجهاد الاسلامي، ولن نستطيع بعد ذلك القول “لا تعترفوا بحكومة المصالحة. وستتحول حكومة التكنوقراط الى حكومة شرعية، والسؤال هو هل سيتم الضغط لاستئناف المفاوضات.
ويقول احد المسؤولين في الليكود انه يعتبر ذلك مسألة غير جيدة، ستقود الى صراع داخل الليكود، فأبو مازن لا يزال يعتبر غير شريك، ومن تتحرك هنا عن مواقفها هي حكومة نتنياهو. وحسب المصدر اياه فانه اذا خرجت إسرائيل من الضفة فسيحدث لعباس ما حدث له في غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي. سيخسر السلطة لصالح حماس، لأنه بدون إسرائيل لا يستطيع البقاء في الضفة، وهو يفهم ذلك. انه يواصل التعاون معنا من اجل نفسه.
وحسب رأي هذا المصدر فان الموضوع الفلسطيني بات اكثر تعقيدا اليوم، ولا يدعم العالم العربي كله الفلسطينيين بشكل مباشر. ويجب ان نفهم مدى خطورة الانسحاب من أراض فلسطينية لأنه سيتم السيطرة عليها مباشرة من قبل القوى الاسلامية المتزمتة والمسلحة. ولا يمكن لإسرائيل ان تسمح لنفسها بحدوث ذلك في الضفة، لأن سكان كفار سابا لا يريدون الشعور كما يشعر سكان ناحل عوز.
يجب نزع سلاح القطاع بالقوة
تحت هذا العنوان يكتب الوزير السابق ورئيس جهاز الشاباك سابقا، افي ديختر، في صحيفة “يسرائيل هيوم”، انه في مثل هذا الأسبوع قبل 69 عاما، فهمت القيادة الأمريكية انه لا مجال لإنهاء الحرب اللعينة ضد اليابان الا بطريقة واحدة: القاء قنبلة نووية على هيروشيما، وتم التأكد من موت السكان بعد ثلاثة أيام، وتم تدمير مدينة ناغازاكي وسكانها. ولم يتم في حينه اجراء أي اتصال مع أي من السكان وتحذيره من الكارثة، ولم يتم القاء قذائف تحذير على اسطح المنازل لإبعاد السكان عن المدينة التي سيتم شطبها عن وجه الأرض. فهكذا تتصرف قوة عظمى فقدت عشرات الآلاف من جنودها، بعيدا عن أراضيها.
لكن حماس ليست الجيش الياباني واسرائيل ليست الولايات المتحدة. ولكي نتعلم شيئا عن الخطوات التي مرت بها الولايات المتحدة واليابان في تلك الحرب، فقد كانت اليابان كما حماس اليوم، تعرف ان مصيرها بات محتوما، وقام اليابانيون بتفعيل سلاحهم السري – الطيارون الانتحاريون (الكاميكازي)، الذين اوقعوا آلاف القتلى في صفوف الأمريكيين، لكنه تم في نهاية الأمر هزم اليابان ودفعت ثمنا رهيبا.
وفي غزة تجر حماس سكان القطاع الى الهاوية التي تم جر ملايين اليابانيين اليها. وخلافا للولايات المتحدة، التي حاربت بعيدا عن اراضيها، يحارب الجيش الإسرائيلي ارهاب حماس والجهاد الاسلامي في غزة، في وقت تشاهد فيه المعارك من شبابيك بلدات “نتيف هعسراه” و”ناحل عوز” و”نيريم”. ويحارب جنودنا دفاعا عن البيت، في وقت تنظر فيه عائلاتهم اليهم من داخل البيت. لا توجد حرب مبررة مثل حربنا ضد حماس في هذه الأيام. ولذلك، يجب ان يسفر وقف اطلاق النار، باستثناء الهدوء، عن تجريد غزة من السلاح، وفقا للاتفاق الذي وقعه الفلسطينيون في واشنطن والقاهرة. والتفكير بأن حماس ستقوم بنزع سلاحها بإرادتها، يعتبر مسألة وهمية، ولذلك يجب تجريد سلاحها عنوة. وتتحمل مصر، الدولة ذات التأثير الاكثر فاعلية على حماس في غزة، مهمة دفع المطلب الإسرائيلي لتفكيك القواعد العسكرية لحماس في غزة، ويجب على اسرائيل الاصرار على ادارة المفاوضات السياسية المستقبلية مع سلطة فلسطينية واحدة، تدير قانونا واحدا وسلاحا واحدا للأمن الداخلي، في الضفة وغزة. ويمنع اجراء مفاوضات سياسية حول الضفة فقط.
حسب ضربات الشواكيش في الامم المتحدة يبدو ان غولدستون تلقى امر استدعاء. واذا تحقق هذا السيناريو، علينا الامتناع عن تكرار الخطأ الذي ارتكبناه خلال التحقيق في “الرصاص المصبوب”. بل علينا هذه المرة ان نقوم بدور فاعل ومكثف في تقديم معطيات وحقائق للجنة التحقيق، ونكشف قناع كل موظفي الأونروا.
اليوم التالي
تحت هذا العنوان يكتب دان مرغليت، في صحيفة “يسرائيل هيوم، ان الجيش عرض امام المسؤولين عنه معلومات ثمينة حول حفر الانفاق في غزة، ولديه حجة راسخة. ولكن كيف حدث ولم تأسر المخاطر الكامنة فيها خيال ووعي الحكومة ولجنة الخارجية والأمن؟ هنا تكمن المشكلة. ان وسائل الاعلام تغمر العالم بمعلومات كثيرة، تجعل صناع القرار يستصعبون تمييز الغث من السمين، وتحديد جدول اولويات، والتخلص من فرضيات “المفاهيم”، وهي الكلمة التي اصبحت كريهة منذ فوجئت اسرائيل في حرب يوم الغفران.
دائما يتمحور المأزق حول الجهة التي يجب تسليط الأضواء عليها، فهل هي المشروع النووي الإيراني؟ او التدهور في هضبة الجولان قبل اطلاق الصواريخ عليها؟ او ربما الانفاق التي يتم حفرها داخل الجبل اللبناني باتجاه الجليل الأعلى؟ او تلك الانفاق في غزة؟ وتتنافس عناوين الصحف على لفت انتباه القيادة العليا ولذلك لا يمكن اثارة الانتباه الى مصباح التحذير الأحمر، الا اذا كان يومض بشكل متواصل.
لكن هذا لم يحدث في غزة، ولذلك عندما خاضت إسرائيل، رغما عنها، الجرف الصامد، لم يطرح نتنياهو ويعلون وغانتس مسألة تدمير الانفاق في مقدمة سلم اهتماماتهم. لقد حذر الجيش ولكن بدون “حملة” متواصلة، ولم يثر موضوع الانفاق الا صدفة بعد نشر الصور التي اظهرت “المخربين” وهم يخرجون من فتحاتها. هذه هي الصور التي غيرت وجه الحرب تماما. وعندها عمت الفوضى السياسية وراء الكواليس. لقد طلب ليبرمان احتلال كل قطاع غزة، وصمت عندما عرض الجيش امام المجلس الوزاري المصغر ثمن هذه الدعوة. وكان نفتالي بينت اول من دعا الى معالجة الانفاق، وهذا يسجل لصالحه، لكن نتنياهو ويعلون، كان حذران وبطيئان.
عملية الجرف الصامد تضيف الى النقاش الذي سيتصاعد بعد عودة التطبيع الى الصيف الإسرائيلي جزء من الخلافات التاريخية الكلاسيكية. لقد طالب زئيف جابوتنسكي باحتلال الضفتين الشرقية والغربية، لكن منافسه بن غوريون قاد الحركة الصهيونية الى تقسيم البلاد كي يخلق قاعدة للسيادة اليهودية. وكان هو المحق وليس جابوتنسكي. وبشكل مشابه في اوضاع مختلفة، سادت الحركة الصهيونية خلافات في العديد من الحروب. وهذا يحدث الآن ايضا. لقد سعى نتنياهو ويعلون الى استنفاذ ما يمكن ولم يقفزا من الشباك الى الأعلى كي يتعلقان بالنجوم. لقد انضما الى تعاليم بن غوريون الذي سعى الى تحقيق اكثر ما يمكن من الامور العملية خلافا لنظرية “كلها لي” التي يطرحها اليمين المتطرف، وفي المقابل، وخلافا لرياح الركود والكآبة وعدم العمل التي رافقت الصهيونية منذ ايام “ايش بريت شالوم” و”يهودا لايب ماغنس” وحتى “يوسي سريد”، لقد اثبتت الصهيونية ابنة المئة عام ان مفاهيم بن غوريون وورثته وفرت اجود الثمار.
ان نتائج الجرف الصامد تتفق مع تعاليم بن غوريون. فإسرائيل لم ترغب بالحرب، وتجاهلت، بشكل خاطئ، الانفاق، وانزلت ضررا استراتيجيا غير مسبوق بحركة حماس التي اهدرت المليارات على الصواريخ التي لم تصب، وعلى الأنفاق التي تم سدها دون ان تحقق فائدة للارهاب. توجد فرصة لتحقيق الهدوء المتواصل، ولكن توجد فرصة اكبر بعدم تمكن حماس من توسيع ترسانتها. وهذا اكثر مما تم توقعه في البداية. لكن طلب إسرائيل تجريد القطاع من السلاح سيتم رفضه، فهو بات مجردا من السلاح.
لقد امتنعت الحكومة عن الفكرة الجنونية التي دعت الى تدمير حماس. هل يريدون احتلال عاصمة القطاع والارهاب واللاجئين؟ لقد تهرب بن غوريون من احتلال عاصمة عربية، وكان يعرف لماذا. إسرائيل لا يمكنها تدمير حماس لوحدها، ولذلك يتحتم تشكيل ائتلاف علني مع مصر والأردن والسعودية والسلطة الفلسطينية. وحتى لو تمكن الجيش من احتلال القطاع، فكيف كان سيواجه حكومة حماس في المنفى التي تسيطر على القطاع من قطر؟
لقد فحص زعيم إسرائيلي في السابق ما اذا كان ابو مازن وسلام فياض على استعداد لتسلم القطاع من ايدي الجيش الإسرائيلي، فتم الرد عليه بالرفض القاطع.
ويهاجم مرغليت الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ويعتبره انضم الى اعداء إسرائيل وخلع القناع والقفازات، عندما القى خطابا، يعتبره مرغليت معاديا للسامية، ضد إسرائيل بسبب مهاجمتها لمنشآت الاونروا في قطاع غزة.
ويزعم مرغليت ان بان كي مون، الذي يصفه بالرياء، يتعامل مع حق اليهود في الدفاع عن النفس كما لو كانت شموع الحانوكا، يمكن رؤيتها وعدم استخدامها. وهو يرى انه يسمح القول بأنه لا يحق لحماس حفر انفاق تحت السيادة الإسرائيلية، لكنه يمنع محاربتها.
ويقول مرغليت ان الاونروا قامت بتخزين صواريخ حماس. وقد اعترفت في البداية، ثم موهت الأمر، وكانت تلك الصواريخ تابعة للتنظيمات، فقامت باعادتها لاصحابها خلال الحرب كي تستخدمها لقصف إسرائيل.
ويزعم ان وكالة الغوث تعاونت مع الارهاب، وان العيادة التي قتل فيها ثلاثة جنود لم تكن عيادة فاعلة وانما هدفت الى تمويه فتحات الانفاق الهجومية. ويحمل الاونروا التي يتهمها بالكذب، مسؤولية مقتل الجنود.
كل بيت ثان كان مفخخا
تحت هذا العنوان ينشر يهودا شليزنغر ، في صحيفة “يسرائيل هيوم، لقاء مع قائد كتيبة ماجلان، الكولونيل (ي) الذي يلخص العملية العسكرية في خان يونس، معتبرا ان الجيش خرج منها منتصرا، ويرفض الادعاءات التي تقول ان العملية انتهت بتفويت الفرصة، ويعرض قائمة تلخص ما حققته كتيبته في غزة: قتل قرابة 60 مسلحا، تدمير نفقين هجوميين، تفجير ستة مستودعات اسلحة، تدمير 10 منصات للمراقبة، تدمير 15 منصة لإطلاق الصواريخ، كشف عشرات فتحات الانفاق، وتفجير عشرات بيوت النشطاء، والعثور على مئات قطع الأسلحة ومواد سرية لحماس وخرائط .
ويقول الكاتب ان نشاط وحدة ماجلان لم يبدأ في غزة، بل في الضفة، حيث شاركت في العثور على جثث الفتية المخطوفين، ومن ثم واصلت لتنفيذ عملية لا يمكن كشفها، ومن هناك وصلت الى غزة. والان يتحدث ضباطها وجنودها عن الحرب القاسية، عن العدو الذي يفتقد الى الكوابح الانسانية، والحزن على قتلى الكتيبة، وبشكل خاص عن التمسك بهدف الدفاع عن البيت.
ويقول (ي) ان اجتيازه للحدود الى غزة كان بالنسبة له مسألة طبيعية جدا، فإسرائيل لم تتسلل خلسة الى هناك ووصلت من خلال هجوم مدمج. ويعتبر السياج “حاجزا نفسيا” والارض هي القسم الأهم. ويقول الكاتب نقلا عن الجنود انهم “تأقلموا بسرعة”. ففي اول بيت دخلت اليه القوة العسكرية تم أسر مسلح وتحويله الى التحقيق، فوفر معلومات كثيرة”، كما يقول الرائد (س) احد قادة كتائب ماجلان.
ويضيف: “جئنا مباشرة من حملة “عودوا ايها الاخوة” في الضفة، وكانت الرائحة والمشاهد متشابهة. انت تعرف انه توجد هنا مدينة مع معدات قتالية، انت تطلق النار على البيوت، تمشطها، والدبابات من حولك. وتشعر انك في الحرب، ولا مكان للهرب. في كل بيت ثان دخلناه، وجدنا اسلحة او عبوات”.
لقد انشغلت الوحدة غالبية الوقت في معالجة الأنفاق، ويقول قائد الوحدة انه فوجئ بسماع الادعاءات بأن موضوع الانفاق تكشف صدفة ولم يكن مشمولا في قائمة المهام العسكرية. “كنا نعرف عن الأنفاق طوال الوقت، كانت لدينا استخبارات جيدة جدا، بل ان الانفاق كانت تحمل اسماء”.
ويتحدث الجنود عن المعارك التي خاضوها، ويقولون ان اشدها كان عندما دخل الجنود الى بيت مفخخ، كان فيه نفقا. وقد اصيب 17 جنديا جراء الانفجار الضخم، وقتل من بينهم ثلاثة. ويقول الكولونيل (ي) ان القوة وصلت الى خان يونس مع كل المعدات. وتم العثور على بناية العيادة التابعة للأنروا، والتي كانت فيها فتحة لنفق. وتقع العيادة في حي مكتظ، وبدأ الجنود بتمشيط البيوت للتأكد من عدم وجود “مخربين” فيها. وفي مرحلة معينة تم تفعيل كمين تواجد في المنطقة واطلقت النار على المبنى فانهار واصيب العديد من الجنود. وفي المقابل تعرضت القوة الى قذائف الهاون. وقال (ل) احد الجنود: “وقفنا هناك عدة ساعات للتغطية على النفق، وعندها وقع انفجار جنوني”.