رام الله / قال الأسير السابق، الباحث المختص بشؤون الأسرى، عبد الناصر فروانة: إن أكثر من 800 ألف حالة اعتقال سُجلت منذ العام 1948، وأن تلك الاعتقالات لم تقتصر على فئة محددة أو شريحة معينة، بل طالت كافة شرائح وفئات المجتمع الفلسطيني بما فيهم عشرات آلاف الأطفال وأكثر من 15 ألف مواطنة.
وأضاف، في تقرير أصدره، اليوم السبت، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي انتهجت الاعتقالات سياسة، واعتمدتها منهجاً وسلوكاً يومياً ثابتاً، وأضحت ظاهرة يومية حيث لا يمرّ يوم واحد إلاّ وتُسجّل فيه حالات اعتقال، بل وانتهجتها كوسيلة لإذلال المواطنين والانتقام منهم وإلحاق الأذى الجسدي والنفسي بهم وبأسرهم، واستخدم بعضهم في كثير من الأحيان دروعاً بشرية، وتمّ إعدام الكثيرين منهم بشكل فردي وجماعي وبطريقة مباشرة وغير مباشرة، فيما اعتقل أمهات وآباء وزوجات وأشقاء للمساومة والابتزاز والضغط وهناك من تكرر اعتقالهم مرات عديدة.
وأكد فروانة أن الاعتقال والسجن والتعذيب باتت مفردات ثابتة في القاموس الفلسطيني، حيث لم تعد هناك عائلة فلسطينية إلا وتعرض أحد أبنائها أو جميعهم للاعتقال وتباعته، كما لم تعد هناك بقعة في فلسطين إلا وأن أقيم عليها سجناً أو معتقلاً أو مركز توقيف.
معطيات إحصائية
وبيّن الباحث الفلسطيني بالمعطيات العددية، أن معدل الاعتقالات كان متذبذباً، فيما شهدت سنوات الانتفاضة الأولى أعلى نسبة من الاعتقالات، حيث سُجل خلال الفترة الممتدة مابين سنتي 1948– 1967 أكثر من 100 ألف حالة اعتقال، وأن قرابة 420 ألف حالة اعتقال منذ سنة 1967 وحتى الانتفاضة الشعبية الأولى في ديسمبر عام 1987، ثمّ خلالها كانون الأول ديسمبر 1987 ولغاية منتصف 1994 سُجِّلت قرابة 210 ألف حالة اعتقال بمعدل 30 ألف حالة سنوياً.
ومضى فروانة إلى القول: ‘واضح أنّ الاعتقالات قد تراجعت بعد توقيع اتفاق أوسلو وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية في الرابع من أيار/ مايو 1994، حيث لم تُسجّل سوى عشرة آلاف حالة اعتقال منذ ذلك التاريخ ولغاية 28 أيلول/ سبتمبر 2000، وهو موعد اندلاع انتفاضة الأقصى، ولكنّ معدل الاعتقالات عاد وارتفع بشكل كبير منذ ذلك الوقت، حتى وصل إجمالي عدد حالات الاعتقال خلال انتفاضة الأقصى أيلول/ سبتمبر 2000 ولغاية منتصف أيار مايو عام 2012 إلى أكثر من 75 ألف حالة اعتقال.
وأضاف : أن قرابة 4700 أسير لا زالوا يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي من بينهم 63 أسيراً معتقلين منذ ما يزيد عن عشرين عاماً، وأن من بين هؤلاء 23 أسيراً مضى على اعتقالهم أكثر من خمسة وعشرين عاماً وهؤلاء يُطلق عليهم الفلسطينيون مصطلح ‘جنرالات الصبر’.
تعددت الأسماء والسجون واحدة
وكشف فروانة النقاب عن أنّ الاحتلال زجّ هؤلاء المعتقلين في معسكرات وأماكن احتجاز وتوقيف ورثها عن الانتداب البريطاني والحكم الأردني وتم توسيع بعضها سنة 1970، وفي وقت لاحق شيّد عدداً من السجون والمعتقلات بمواصفاته الخاصة، وهذه منتشرة جغرافياً على طول الوطن وعرضه ووصل عددها الإجمالي إلى أكثر من عشرين سجناً ومعتقلاً ومركز توقيف، غالبيتها العظمى تقع الآن في أراضي عام 1948، ورغم تعدّدها فهي سجون واحدة من حيث المضمون والأهداف، وفق توضيحه.
وبيّن فروانة أنّ معدل الاعتقالات ‘لم يكن ثابتاً كما هو موضّح، وإنما سار بشكل متذبذب، كما أنّ أشكال الاعتقالات هي الأخرى تبدّلت وتغيّرت، وظروف الاحتجاز اختلفت من فترة لأخرى، حتى أنّ أشكال التعذيب طُوِّرت واستحدثت، فسلطات الاحتلال دائمة البحث عن أشكال وأساليب أكثر انتهاكاً لحقوق الأسرى، واستحداث أساليب أكثر ألماً وقسوة وتضييقاً عليهم، وليس العكس، وأن أوضاع الأسرى تسير من سيئ إلى أسوأ’، على حد تأكيده.
وأوضح أنّ بعض المراحل اعتمدت على الاعتقالات والتعذيب، فيما اعتمدت مراحل أخرى على التصفية والإعدام بشكل فردي أو جماعي، ولهذا اختلفت معدلات الاعتقالات من فترة لأخرى، كما أن معدل الاعتقالات ارتبط بوجود قوات الجيش الإسرائيلي بشكل مباشر، حيث أن الاعتقالات تراجعت بعد أوسلو لكنها ارتفعت خلال انتفاضة الأقصى بشكل خاص في المناطق التي يمكنه اقتحامها والوصول إليها واعتقال المواطنين منها، ونفس الشيء بالنسبة لقطاع غزة حيث تراجعت الاعتقالات بشكل كبير جدا وباتت محدودة للغاية منذ انسحاب المستوطنين وإعادة انتشار قوات الاحتلال في سبتمبر 2005.
الحقبة التي أعقبت النكبة وحتى النكسة كانت الأكثر فظاعةً
واعتبر الباحث الفلسطيني أن الفترة الممتدة من نكبة الشعب الفلسطيني سنة 1948 وحتى استكمال الاحتلال الإسرائيلي سنة 1967، كانت الأكثر فظاعةً وإجراماً بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب، كونها اتسمت باعتقالات عشوائية واحتجاز جماعي في معتقلات مؤقتة أعدت وأقيمت خصيصاً لذلك في القرى العربية التي تم طرد وتهجير السكان منها واحتلالها، فيما نُقل نفر قليل منهم إلى بعض السجون التي ورثها الاحتلال عن الانتداب البريطاني كـ’عتليت وصرفند’، مؤكدا أن تلك المرحلة اعتمدت على التعذيب الجسدي بهدف إلحاق الأذى الجسدي المباشر بالمعتقلين، فيما شكَّل الإعدام الفردي والجماعي المباشر للأسرى والمعتقلين، ظاهرة هي أخطر ما اتصفت به تلك الفترة.
بعض الشهادات الإسرائيلية
واستحضر فروانة في تقريره بعض الشهادات والوثائق نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية، ضارباً مثلاً مجموعة الصور التي نشرتها صحيفة يديعوت العبرية خلال العام 2009 والتي أظهرت قوات إسرائيلية وهي تعدم أسيرا فلسطينياً مقيد اليدين على يد العصابات الإسرائيلية رميا بالرصاص بعد النكبة، مما دفع الكاتب الإسرائيلي ‘جدعون مرون’ للكتابة على صفحات صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية ويؤكد أن سياسة إعدام الأسرى هي سياسة قديمة قائلاً ‘هذه هي المرة الأولى، اغلب الظن، التي تنشر فيها سلسلة صور تقشعر لها الأبدان لإعدام عربي على أيدي إسرائيليين، وتوثق لحظات أخيرة لحياة هذا الأسير’.
وأشار الباحث إلى الفيلم الوثائقي الذي أثار جزئية يصعب تكذيبها وكشف كيفية إعدام جماعي لجنود مصريين بعد أسرهم والسيطرة عليهم وتجريدهم من سلاحهم، خلال حرب 1956.
حقبة منسية ؟
وعشية إحياء الذكرى الرابعة والستين للنكبة، قال فروانة: إن ‘تلك الفترة ( 1948-1967 ) وما تخللها من فظائع بحق الأسرى والمعتقلين بقيت غائبة ومنسية ومهمّشة من قبل المؤسسات الحقوقية والإنسانية وتلك التي تُعنى بالأسرى وأيضاً من قبل وسائل الإعلام، ولم تحظَ باهتمام يُذكر سوى ما ندر في التوثيق والدراسات، ولم تُمنح مساحات كافية أو حتى جزئية في وسائل الإعلام لتسليط الضوء عليها.
وتابع: إنّ بعض المعنيين والمهتمين بقضايا الأسرى اكتفوا ببعض العبارات في إشارة منهم لتلك الفترة، دون التعمق بالجوهر والمضمون، وأنّ الجميع بات يتحدث بإسهاب وتركيز أكبر حول الاعتقالات والشهداء الأسرى منذ سنة 1967، وكأنّ معاناة الأسرى وسجل الاعتقالات وما صاحبها قد بدأت منذ ذلك التاريخ، وهذا خطأ فادح يجب تداركه وتجاوزه.
توثيق منذ النكبة
وخلص المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة إلى مناشدة كافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية ومراكز الدراسات والتوثيق ووسائل الإعلام المختلفة إلى العمل الجاد والحثيث من أجل توثيق تجربة الاعتقال بكافة مراحلها وأشكالها، وما صاحبها من انتهاكات وجرائم قتل، وإيلاء الفترة الممتدة من نكبة 1948 وحتى احتلال عام 1967 الأهمية التي يجب أن تستحقها فيما يتعلق بالجزئية الخاصة بالاعتقالات والمعتقلين، وإدراجها ضمن الدراسات التي تؤرخ النكبة وما بعدها.
ـ