بعد 30 سنة من العداء، دنت لحظة اعلان فتح صفحة جديدة بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، مع ملاحظة تنفيذ الطرفين في السنتين الأخيرتين خطوات تمهيدية وتحضيرية لتخفيف وقع مفاجأة الخطوة المتخذة لدى اتباعهما وأنصارهما.
ويبدو أن حكومة «العدالة والتنمية» اقتنعت بأن التحالف مع الأكراد أفضل إقتصادياً وسياسياً من رفع راية العداء في وجههم. وهو أمر منطقي بالنسبة إليها ولو مهّد ذلك لقيام دولة كردية في شمال العراق، طالما أن القيادة السياسية الحالية في تركيا متأكدة من أن هذا الإعلان لن يحصل إلا بعد تنسيق معها ونيل موافقتها، وليس من وراء ظهرها أو رغماً عنها كونها تمسك بخطوط نفط الإقليم وإقتصاده، وتثبت حسن نياتها تجاه جيرانها في شمال العراق، عبر مصالحة تاريخية مع أكرادها.
ولم يمر مشروع القانون الجديد الذي قدمته حكومة رجب طيّب أردوغان إلى البرلمان من أجل تحريك عملية السلام المجمّدة مع الأكراد، من دون سجال مع المعارضة حول مواده، خصوصاً تلك المتعلقة بتشريع التواصل مباشرة مع «الكردستاني»، وإسقاط صفة الإرهاب عن الحزب، ومنح حصانة قضائية لكل مسؤول تركي يتواصل مع قادته. ولن يُلقّب زعيم «الكردستاني» عبدالله اوجلان بعد اقرار القانون بغالبية أصوات حزب «العدالة والتنمية» الحاكم بـ «رأس الارهاب» في وسائل الإعلام الحكومية، كما وصِف طيلة ثلاثة عقود، في حين سيتراجع قادة الحزب عن وصف الجمهورية التركية بأنها «فاشية» في بياناتهم وتصريحاتهم. وستسمح السلطات لمن حملوا السلاح في الجبال بالعودة إلى تركيا للعمل في السياسة، وتمنحهم دعماً اقتصادياً واجتماعياً.
كذلك، سيحقق أوجلان بموجب القانون، طموحه في الاعتراف به وبحزبه ممثلَيْن للأكراد في تركيا، وبوجود طرف كردي مفاوض، وهو ما رفضته تركيا منذ اعلان جمهوريتها الحديثة، ومواجهتها الإنتفاضات الكردية المتتالية.
وتعتبر المعارضة القومية والأتاتوركية اليسارية أن مشروع القانون يضع إطاراً لحوار شرعي بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني، لا يستطيع احد أن يخمّن حدوده وإلى أين يمكن أن يصل، من دون السماح لأحد بالتدخّل أو الإعتراض على نتائج الحوار الذي سيصبح رسمياً وعلنياً، ويحظى المشاركون فيه بحصانة قضائية، مع التزام الحكومات المقبلة المفاوضات أياً يكن توجهها.
وفيما تدافع الحكومة عن مشروعها معتبرة إنه «الحل الوحيد لدفع الكردستاني الى إلقاء السلاح والاتجاه الى العمل السياسي السلمي»، يتزامن التغيير المهم في تاريخ علاقة الجمهورية التركية بأكرادها مع تحول الأكراد في المنطقة من اعداء لأنقرة إلى شركاء إقتصاديين، وأخيراً أهم حليف في المنطقة.
ولم تعارض أنقرة سابقاً دخول «البشمركة» الكردية العراقية الى كركوك التي كانت تعتبرها خطاً أحمر يجب ألا يسيطر الأكراد عليها، بل عهدت إلى «البشمركة» حماية التركمان في المنطقة. كما تدعم أنقرة إقليم كردستان العراق في خلافاته مع بغداد التي قد تصل إلى القطيعة والإنفصال عن العراق، وتسوّق نفط الإقليم دولياً حتى ذلك الذي يُضخ من كركوك، وتساعد سلطات الاقليم على دفع رواتب موظفيه الحكوميين، بعدما قطعتها بغداد.
الحياة اللندنية