الفلسطينيون مرتبطون بالمساعدات المالية التي تأتيهم من الخارج، فلولا هذه المساعدات لكانت السلطة الفلسطينية قد انهارت. ويعتبر الاتحاد الأوروبي أحد أهم المانحين للسلطة الفلسطينية لكن لماذا يبقى تأثيره السياسي محدودا؟
يبدو أن العرض الذي يقدمه الأوروبيون للفلسطينيين مغريا: ألقوا السلاح، وسوف ندعمكم ماديا في بناء دولتكم. ينبغي للفلسطينيين أن يكونوا واعين بأنه من الممكن لهم الاستفادة من إنهاء العمل المسلح. فمن يستفيد اقتصاديا، لا ينبغي أن تكون له مصلحة في الحرب.
“السلام من خلال الرخاء”، هكذا أسمت الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط مارغرت يوهانسن المبدأ الأساسي للمساعدات الأوروبية المقدمة للفلسطينيين. وهو المبدأ الذي نشأ منذ بداية التسعينات من القرن الماضي. في سنة 1993 وقع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات اتفاقية السلام في أوسلو. وهي الاتفاقية التي شكلت لبنة بناء دولة فلسطينية. بعد ذلك اغتيل رابين وتوفي عرفات في مستشفى عسكري بباريس، وصار تأسيس دولة فلسطينية أمرا بعيدا أكثر من أي وقت. كما أن السلام الموعود ظل بالرغم من المساعدات الأوروبية المقدرة بالمليارات بعيد المنال.
السلام لم يحقق اقتصادا جيدا
وتشرح مارغرت يوهانسن من معهد أبحاث السلام والسياسة الأمنية في جامعة هامبوررغ: “مع عملية السلام، حصل تدهور اقتصادي، في الأراضي الفلسطينية”، تقول يوهانسن. كما أن العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية لم تتحسن وإنما ازدادت سوءا. أما الوضع الأكثر صعوبة فهو موجود في قطاع غزة المحاصر، والذي تحكمه حماس. أغلب البضائع ينبغي أن تستورد من مصر عبر الأنفاق. أما التصدير فهو الأكثر صعوبة. الصناعة في حالة يرثى لها والكثير من الناس عاطلون عن العمل.
أما الضفة الغربية والتي تقودها فتح، فقد شهدت في السنوات الأخيرة نوعا من الطفرة الاقتصادية. وتقول يوهانسن عن ذلك: “غير أنه ليس نموا مستداما”. وتتابع: “المال يأتي من الخارج، وبدون هذا المال ستكون الضفة الغربية غير قادرة على تأمين مستقبل اقتصادي لساكنيها”. كما تقول يوهانسن إن نقل البضائع يتعرض للتوقيف في العديد من نقط التفتيش الإسرائيلية. وتتابع: “من سيغامر بالاستثمار في منطقة كهذه لا يعرف أحد كيف ستتطور؟”
تأثيرات إيجابية
يرى تسافرير كوهين مسؤول مؤسسة ميديكو الدولية للمساعدات الإنسانية في الشرق الأوسط أن حصيلة الدعم الأوروبي للمنطقة متواضعة. ويقول كوهين: “السلطة الفلسطينية لم تنهار إلى حد الآن بسبب هذه المساعدات”. ويتابع: “أما إذا كانت هذه المساعدات قد قربت السلام، فهذا يبقى أمرا مشكوكا فيه، خاصة عندما يرى المرء كمية الأموال التي صُرفت، والنتيجة التي وصلنا إليها اليوم”.
ومع ذلك كان للمساعدات الأوروبية تأثير إيجابي كما تقول يوهانسن. فالأوروبيون دعموا على سبيل المثال الانتخابات، وبنوا محطات لمعالجة الصرف الصحي، كما ساعدوا في تأسيس جهاز للشرطة في الضفة الغربية، وكل هذه الأشياء معقولة”، تقول يوهانسن.
المشكلة الرئيسية
غير أن المشكل الرئيسي الذي يتفق عليه كوهين ويوهانسن هو أن الاتحاد الأوروبي لا يساهم بالشكل الكافي في إنشاء الدولة الفلسطينية. وتحتج يوهانسن قائلة: “لا أرى مبادرة من جانب الاتحاد الأوروبي بهذا الصدد.” ويقول الباحثة: “لا يبدو أن للاتحاد الأوروبي إرادة أو قدرة وضع حد للاحتلال الإسرائيلي”.
الغرض الرئيسي للاتحاد الأوروبي هو عزل حماس كما تقول يوهانسن: “إنها الفوبيا التي تعيق الاتحاد الأوروبي من نهج سياسة براغماتية واستشرافية. اعتقد أن هذا هو الخطأ”. وتتابع يوهانسن: “كما أن انقسام الصف الفلسطيني هو أمر سيء. خلاصة القول: ينبغي توحيد الشطرين الفلسطينيين. من هنا يجب على الاتحاد الأوروبي أن يتعاون مع حماس”. ومنذ أن استفردت حماس بالسلطة في قطاع غزة، علق الاتحاد الأوروبي مساعداته إلى المنطقة. الأوربيون يقدمون الأموال المخصصة لغزة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) .
على أية حال فبمقارنة الاتحاد الأوروبي بالولايات المتحدة الأمريكية يتبين أن تأثير الاتحاد الأوروبي على الفلسطينيين والإسرائيليين ضعيف. وهو الأمر الذي يتحمل فيه الأوروبيون المسؤولية، وتقول مارغارت يوهانسن: “الاتحاد الأوروبي صبور جدا، لذلك يأمل أن ما يفعله سيثمر فيما بعد. لكني أعتقد أن التركيز على المساعدات الإنمائية والتقشف، الذي أظهره الاتحاد الأوروبي هو أمر لن يترك آثارا إيجابية”.
عن “DW.DE “