فيما تنحدر حكومة الإخوان المسلمين في مصر ذاهبة باتجاه حافة هاوية مالية، ما هي السياسة الصحيحة التي يتوجب على الولايات المتحدة انتهاجها للتعامل مع هذا الواقع؟ هذا سؤال ملح فيما تتدنى احتياطيات مصر المالية ويقترب البلد من نقطة انكسار مالية.
وتبقى الحقائق الاقتصادية في مصر مثيرة للصدمة: فقد كانت احتياطيات مصر الرسمية من العملات الأجنبية في شباط (فبراير) الماضي تبلع 13. 5 بليون دولار، والتي تستطيع أن تغطي أقل قليلاً من ثلاثة أشهر من الاستيراد. لكن المسؤولين الأميركيين يقولون أن إجمالي الاحتياطيات النقدية التي يمكن الوصول إليها تراوح فقط بين 6-7 بليون دولار. وأصلاً، أصبح من الأصعب العثور على المستوردات، بما في ذلك المواد الخام اللازمة للمصنعين المصريين. وكانت البورصة المصرية قد هوت بنسبة 7 % في وقت سابق من هذا الشهر، مستشعرة قدوم خطر داهم.
فما الذي تفعله حكومة الرئيس محمد مرسي لوقف التدهور الاقتصادي؟ ليس الكثير. ما فتئ مرسي يتعثر في التفاوض مع صندوق النقد الدولي للتوصل إلى حزمة إنقاذ بقيمة خمسة بلايين دولار تقريباً، والتي تمس حاجة مصر إليها كثيراً. وقد توقف خوفاً من تصاعد الغضب الشعبي من الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي، بما في ذلك خفض الدعم الذي يمتص نحو 25 % من موازنة مصر. (خدمة الدين وتوظيف القطاع العام يمتصان نسبة 50 % الأخرى).
تقف الجائحة على بعد شهرين أو ثلاثة من بوابة مصر، كما يعتقد كبار المسؤولين الأميركيين. وفي الأثناء، يواجه البلد اضطراباً سياسياً متزايداً، حيث أسفرت أعمال الشغب التي شهدتها مدينة بورسعيد عن جرح 50 شخصاً. وقد أرسلت حكومة مرسي مقترحا جديداً إلى صندوق النقد الدولي مؤخراً، لكنها ربما تقصر عن الوفاء بالأهداف الإصلاحية لصندوق النقد الدولي، ما يؤخر الشروع في العمل أكثر. وكانت الولايات المتحدة وحلفاؤها قد راهنوا قبل عامين على أنه إذا ارتقت جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة السلطة في مصر، فإنها ستجبر على التعامل مع مسؤوليات الحكم -مثل التفاوض على القروض مع صندوق النقد الدولي وتبني إصلاحات اقتصادية لخطب ود المستثمرين. والآن، تحيط هذه الحقائق الاقتصادية بمرسي. لكنه لم يظهر حتى الآن نوع القيادة التي كانت الولايات المتحدة تأمل أن يظهرها.
وإذن، ما هي اختيارات السياسة الأميركية فيما تقترب مصر من حافة الهاوية المالية؟ يقترح بعض منتقدي مرسي أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تدعه يسقط. وتلك بالتأكيد هي وجهة نظر المعارضة العلمانية في مصر، على طول الخط مع بعض الأنظمة المحافظة في الخليج. وهم يأملون في أن يرفض المصريون مرسي وحزبه في الانتخابات البرلمانية التي كان من المقرر أن تجري في نيسان (أبريل) والتي تأجلت بسبب التحديات القانونية.
لكن السياسة الأميركية تبقى داعمة أكثر من كونها قائمة على مبدأ “عُم أو اغرق”. وقد دأب البيت الأبيض على تشجيع مرسي وصندوق النقد الدولي للتوصل إلى اتفاق قبل أن يفوت الأوان ويسوء حال الضرر الاقتصادي. وكانت إحدى الخطوات الجيدة هي إقامة “صندوق مؤسسي” جديد لتمويل الأعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة الحجم، والذي سيشرع في توزيع أول 60 مليون دولار له في هذا الشهر. عندما اجتمع وزير الخارجية الأميركية جون كيري مع مرسي على انفراد في مصر خلال زيارته الأخيرة، تردد أنه حذر من وجوب أن تحدد مصر اختياراتها في الحال، ومن أنه يجب عليها عدم توقع أي إنقاذ في آخر لحظة من جانب واشنطن. لكن من الواضح أن واشنطن تريد لمرسي أن ينجح خشية أن يكون البديل عنه قيام الفوضى العارمة أو حدوث انقلاب عسكري.
وفي الأثناء، يبدو الجيش المصري ينتظر في الجناح، وهناك العديد من الجنرالات الذين يبدون بالغي التوق للتدخل. لكن الولايات المتحدة تعارض قيام أي انقلاب عسكري. ومن خلال دعمها لمرسي، تقف الولايات المتحدة موقفاً صعباً في مواجهة السعوديين المحافظين والناشطين الليبراليين في مصر على حد سواء.
لقد استطاع مرسي أن يتجنب اتخاذ القرارات الصعبة، فيما يعود في جزء منه إلى المساعدات الطارئة التي تأتي من قطر، التي تعهدت بضخ نحو 7 بلايين دولار في احتياطيات مصر من العملات الأجنبية. ويجب أن تكون رسالة الولايات المتحدة إلى قطر: أوقفوا المساعدة على تمكين مرسي من الهروب من مواجهة الواقع الاقتصادي.
يتجلى استمرار مراهنة إدارة أوباما على الديمقراطية الإسلامية من خلال تركيا، كما هو الحال في مصر. وقد زار كيري أنقرة أيضاً كجزء من رحلته السريعة الدبلوماسية، وانتقد رئيس الوزراء التركي، رجب طيب إردوغان، صراحة بسبب هجومه “المرفوض” على الصهيونية. ولعل ما يلفت الانتباه هو الإشارة أن إردوغان المتملص لم يرد على كيري: وفي الحقيقة ذكر بأن محادثاتهما في أنقرة تضمنت الطريقة المحتملة لقيام مصالحة بين تركيا وإسرائيل. ويأمل المسؤولون الأميركيون بأن تركيا عندما تتأمل عدم الاستقرار المتزايد والمتنامي على تخومها -في إيران والعراق وسورية- فإن إحياء الروابط مع إسرائيل قد يبدو لها خياراً أكثر جاذبية.
وفي الأثناء، يستمر تدحرج الثورة العربية، ويستمر الرئيس باراك أوباما في إبداء الحرص والحذر. وربما تكون أكبر المفاجآت هي أن لدى الإخوان المسلمين في مصر اليوم علاقات مع إسرائيل أفضل مما لتركيا الحليف التقليدي لإسرائيل. وقد تكون هذه أفضل بطاقة يملكها مرسي عند واشنطن -أنه مهما كانت نقاط فشله كزعيم لمصر، فإنه لا يخلق مشاكل مع إسرائيل.
(ذا ديلي ستار) ترجمة: عبد الرحمن الحسيني– الغد الاردنية .
*نشر هذا المقال بعنوان:
The United States frets as Egypt nears the financial cliff