تحت شعار البحث عن المستوطنين الثلاثة المفقودين شرعت سلطات الاحتلال “الإسرائيلي” بحملة عسكرية واسعة في مدن ومخيمات وقرى الضفة الغربية، وقد أطلقت “إسرائيل” على العملية اسم “حماية الأخ”، وأعلن الجيش أن قواته مشطت منطقتي نابلس والخليل، وشنت حملة اعتقالات واسعة طالت نحو 300 فلسطيني، بينهم أعضاء بارزون في حركة “حماس” . كما كثّف الجيش “الإسرائيلي” إجراءاته الأمنية على مداخل المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، خاصّة الخليل وبيت لحم . وكانت “إسرائيل” قد ادعت أن ثلاثة من المستوطنين قد اختفوا يوم الخميس 12 يونيو/حزيران على طريق بالقرب من مدينة الخليل، وهم يلوحون للسيارات المارة كي تنقلهم . وتبدو هذه الرواية أشبه بفيلم سينمائيّ، أشبه بأفلام الهواة، أخرجته حكومة “إسرائيل”، ليس له سوى هدف واحد هو تحطيم السلطة الفلسطينية بالكامل، وإلغاء وجودها، من خلال إعادة فرض الوجود العسكري المباشر في الضفة، وتجاوز صلاحيات الحكومة الفلسطينية التي أقرتها الاتفاقيات المشتركة بين الجانبين .
ذلك أنه منذ أن صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 67/19 في 29 نوفمبر/تشرين الثاني ،2012 الذي اعترفت بموجبه بدولة فلسطين كعضو مراقب فيها، عملت “إسرائيل” على منع تكريس وجود هذه الدولة، فتابعت سياسة الاستيطان على أراضي الضفة، وضيّقت الخناق أكثر على السلطة الفلسطينية، ورفضت كل مبادرات السلام للوصول إلى تسوية ترضي الشعب الفلسطيني، وتعيد له حقه السليب والمغتصب منذ عشرات السنين، أما على الجهة المقابلة، فقد واجهت السلطة الفلسطينية هذه الإجراءات “الإسرائيلية” التعسفية بمزيد من الخطوات الدولية، حيث أعلنت أن دولة فلسطين سوف تنضم إلى 14 اتفاقية دولية، كما حدث تقارب بين حركتي فتح وحماس تمخض عن ولادة حكومة فلسطينية موحدة في الضفة وغزة، رغم تحذير سلطات الاحتلال للسلطة الفلسطينية من الإقدام على مثل هذه الخطوة، التي من شأنها – وفق المزاعم “الإسرائيلية” – أن تقوض عملية السلام .
وقد رأت “إسرائيل” أن تسارع الأحداث لم يعد في مصلحتها، وأنه لا بد من إعادة الفلسطينيين إلى المربع الأول قبل البدء باتفاقات أوسلو عام ،1993 ومن هنا جاء فيلم الاختطاف المزعوم . وما يثير السخرية هو أن ما يسمى “تنظيم داعش”، قد أعلن مسؤوليته عن هذا الاختطاف، والسؤال هو، كيف وصل هذا التنظيم إلى فلسطين، وهناك أسوار شاهقة تسور هذه الأرض السليبة من ثلاث جهات، ومن الجهة الرابعة هناك شواطئ مُراقَبة ليل نهار، لا يكاد ينفذ منها نسيم البحر، فكيف انتقل “الداعشيون” من العراق وسوريا إلى “إسرائيل”؟ إن إلقاء التهمة هكذا جزافاً على تنظيم “داعش” هو إخراج “إسرائيلي” مفضوح، لأن جميع الفصائل الفلسطينية أعلنت صراحة أنها لا تعلم شيئاً عن الموضوع، وأنها لو فعلت لاعترفت، كما فعلت حماس من قبل مع جلعاد شاليط . ولكي تستجلب “إسرائيل” تعاطف المجتمع الدولي بدل استهجانه المتواصل، وتحميله لها وأد عملية السلام، بتعمدها بناء عشرات المستوطنات على الأراضي المغتصبة، فقد رأت “إسرائيل” أنه من المناسب إلقاء التهمة على “داعش”، ولا مانع من الزج بحماس في المنتصف، والادعاء بأنها على صلة وثيقة بهذا التنظيم، ونحن لا نقول هذا تبرئة لداعش وهو تنظيم إرهابي من عمليات الخطف، لكننا نتساءل، متعجبين ومستفسرين، كيف وصل هذا التنظيم الخطير إلى الضفة الغربية المحاصرة؟
إن ما قامت به “إسرائيل” من عمل عسكري موسع ضد الضفة لهو سيناريو مشابه لذاك الذي قام به هتلر ضد بولندا في أغسطس/آب عام ،1939 حيث ادعى أن قوة من الجيش البولندي اقتحمت الأراضي الألمانية، واعتدت على إحدى الإذاعات الإقليمية فقتلت وجرحت العاملين فيها، في حين أن هتلر هو من أرسل الجنود، ليعتدوا على تلك الإذاعة، كي يتخذ من هذا العمل مبرراً لاحتلال بولندا، وهذا ما حدث في الأول من سبتمبر/أيلول عام ،1939حيث اجتاحت الجيوش الألمانية بولندا، وأُشعِل بذلك أول فتيل في الحرب العالمية الثانية، ومن دون شك، فإنه إذا كان هناك مستوطنون يهود مختطفون، فإن الذي قام باختطافهم هو الجيش “الإسرائيلي” من أجل إيجاد المبرر للعدوان العسكري ضد الشعب الفلسطيني في الضفة . فتحت شعار البحث المستمر عن المختطفين، سوف يواصل الجيش “الإسرائيلي” اعتقالاته، وسوف يتمكن من الدخول إلى كل بيت فلسطيني، لمعرفة ما بداخله، عدا عن انتهاك الحرمات، وخلق الفتن، فقد قامت مجموعة من الشباب الغاضب برشق إحدى نقاط الشرطة الفلسطينية بالحجارة، بزعم أنها تعاونت مع المحتل، ولم تقاومه بأسلحتها . وسوف تثبت الأيام غداً، بعد أن يكمل هذا الجيش مهمته التي تتمثل في اعتقال كل كوادر المقاومة، وسلب الفلسطينيين كل ما من شأنه أن يكون عوناً لهم في مواجهة الاحتلال، فعند ذلك ستعلن “إسرائيل” أنها وجدت المستوطنين الثلاثة، وقد تقول، إنهم قتلوا بأيدٍ فلسطينية، وكل ذلك من أجل إعطاء عمليتها العسكرية غير المبررة شرعية دولية .
إن من يبحث من الفلسطينيين عن سلام مع “إسرائيل” هو مشتبه وموهوم، فهذه الدولة التي قامت على جماجم وأجساد الشعب الفلسطيني لا يمكنها أن تقبل بمنطق السلام، ولا يمكنها أن تقبل بوجود ولو شكل بسيط من الإدارة الفلسطينية في الضفة الغربية التي تعتبرها جزءاً مما تسميها “إسرائيل التاريخية” . إن الحملة العسكرية “الإسرائيلية” يجب أن يواجهها الشعب الفلسطيني بانتفاضة ثالثة، وأن تتم مقاومة المعتدين ومدنسي الحرمات بكل ما يمكن من وسائل المقاومة، فالحجر والعصي والحبال كلها وسائل تنفع في إظهار الرفض الفلسطيني المطلق لهذا الظلم المفضوح على مرأى ومسمع العالم، ف”إسرائيل” لا تحترم أي ميثاق دولي، ولا تراعي أحداً في سبيل تحقيق مصالحها، وهي قد عقدت عزمها على تدمير السلطة الفلسطينية بشكل كامل، وإنهاء حلم الدولة تمهيداً لتدمير المسجد في مدينة القدس، وبناء ما يسمى “الهيكل” مكانه، وهذا الأمر بات قريباً جداً .
إن الشعب الفلسطيني هو الوحيد القادر على رد كيد الأعداء، ومهما بلغت التضحيات فلا بد من المثابرة، لأن البديل هو التهجير والإلغاء لمن يبقى من الفلسطينيين في الضفة . فأمام هذا الزحف الهائل للمستوطنات، سوف تتحول مدن وقرى الضفة إلى تجمعات معزولة، وعند ذلك، فإما أن يرضى الفلسطينيون بالهوية اليهودية، أو يتم طردهم . ومن هنا فلا طريق للفلسطينيين غير المقاومة المشروعة التي كفلتها مواثيق الأمم المتحدة لكل من تُنتَهك أرضه، وتُدنس حُرماته .
عن الخليج الاماراتية