حاولت الابتعاد عن التلفاز وبخاصة قنوات الأخبار العربية والعبرية والأجنبية كي أتجنب المشاهد المرعبة التي نشاهدها منذ 7 أكتوبر لجثث الأطفال والنساء الثواكل والدمار والخوف الطالع من عيون الأحياء وعيون الموتى والصور القاسية التي تتوالى على الشاشة الصغيرة منذ بداية الحرب في متوالية هندسية تصاعدية ولكن هيهات هيهات!
راودتني أسئلة صعبة، أسئلة صغيرة وأسئلة كبيرة تبحث عن أجوبة: هل فكر قادة حماس بمستوى الرد الاسرائيلي على عمليتهم وبالثمن الباهظ الذي سيدفعه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي أماكن أخرى؟ وهل الاحتلال وغياب الأفق السياسي هما السبب لما حدث؟ وهل يمكن القضاء على حركة حماس وما هو الثمن الذي سيدفعه الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي في سبيل ذلك؟ وماذا يقول اليوم الذين اغتالوا اتفاق اوسلو وشنقوا عملية السلام بين الشعبين؟ ومن سيحكم قطاع غزة بعد أن تضع الحرب أوزارها؟ وما هو مصير حكومة نتنياهو وسموتريتش وبن غفير؟
لم أستمر في طرح الأسئلة كي لا أتهور وأخالف لائحة الممنوعات التي فرضتها الشرطة على المواطنين العرب، وأخرج على توصيات العقلاء والحكماء والقادة من أبناء شعبنا متمثلا بالبيت المشهور:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
فهاجت الذكريات التي “هي صدى السنين الحاكي” كما نعتها أحمد شوقي، أمير الشعراء، في “جارة الوادي” فقد عبر عن الواقع المر الحزين الذي نعيشه في هذه الأيام صديقي المرحوم الشاعر سميح القاسم، حينما كتب في بداية السبعينيات من القرن الماضي أغنيته المشهورة التي ردد كلماتها الطلاب العرب في الجامعات وبخاصة المقطع الشهير:
“قالوا اخرس: لا تتنفس
كرمال أمن الدولة”.
فهل كان سليل أبي ذر الغِفاري نبيا كما كان يعتقد وقد حاول اقناعي بذلك في يوم من الأيام الخالية؟
وتذكرت أيضا أن الدولة وزعت علينا في أثناء حرب الخليج كمامات واقية من الغاز، لم نستعملها، وما زالت مخزونة في بيوتنا، فجربت أن أضع احداها على وجهي كي لا أتكلم، الا أنني خشيت أن اتهم بعقلي إذا شاهدها الآخرون، فأعدت الكمامة الى المخزن فوجدت ربطة من الأوراق اللاصقة ما زالت تنتظر الاستعمال فأخذت قطعة منها وألصقتها على فمي، وعندئذ بحثت عن قناة الرياضة لأشاهد مباراة الكلاسيكو بين فريقي برشلونة وريال مدريد كي ترتاح أعصابي.. وعلى الرغم من أن الكلاسيكو ما عاد كلاسيكو بعد أن “شرق” النجم الكبير رونالدو الى الخليج وبعد أن “غرب” النجم الكبير ليو ميسي الى الولايات المتحدة. توكلت على الله وشاهدت المباراة.. ويبدو أن ما كان لن يكون.. فما عادت برشلونة ومدريد كما كانتا من قبل. وما عاد الهواء كما كان من قبل.. وما عادت حياتنا كما كانت من قبل. وما عاد الصباح هو الصباح، وما عاد النهار كما كان.
“قالوا اخرس لا تتنفس
كرمال أمن الدولة”.
يا سادة، يا كبار، يا من تملكون قرار الحرب وقرار السلام، يا جنرالات، كفى. كفى. أوقفوا الحرب!