منذ سيطرتها على القطاع فيما بات يعرف بالانقلاب أو الحسم العسكري- لا فرق-، لم تتوقف حركة حماس عن السعي للتعامل مع هذا الجزء من الوطن المحتل، على انه “إمارة إسلامية “شبه محررة، وكل ما ينقص هذه الإمارة هو اعتراف من قبل الآخرين بأنها أصبحت حرة، وان بإمكانها أن تتعامل مع العالم على هذا الأساس، أو أن يتعامل العالم معها على هذا الأساس.
حماس حاولت جاهدة بدون انقطاع، الترويج إن انسحاب جيش الاحتلال أحادي الجانب، إنما كان ثمرة لجهودها ومقاومتها ضد المحتل، وتغييب دور الآخرين كما هو ديدنها، وانه لولا نضالات أبنائها لبقي شارون وقواته جاثما على صدر القطاع، متناسين أن هذا القطاع كان يموج بالثورة والثوار منذ الأيام الأولى لهزيمة الجيوش العربية وأنظمة الردة والتخاذل عام 1967، وان هذا القطاع طالما كان سكينا في الخاصرة الجنوبية الاحتلال، ولطالما تمنت قيادات الكيان أن يغوص القطاع بمن فيه في بحر غزة، هذا في الوقت الذي كانت فيه حركة الإخوان المسلمين التي تشكل حركة حماس فرعها الفلسطيني في عز نومها.
في ذلك الوقت الذي كانت فيه الثورة مستعرة ضد كيان الاحتلال، لم ير أبناء القطاع ولم يسمعوا أبدا بشيء اسمه حركة حماس أو غيرها من فصائل العمل الإسلامي، وان كل ما كان يفعله إسلاميو تلك الحقبة، هو مناكفة الحركة الوطنية والتصدي لها بدلا من مقاومة الاحتلال، الأمر الذي لقي ترحيبا من دولة الكيان، فغضت الطرف عن تنامي هذه \\\’الظاهرة\\\’، لا بل وغذتها، عسى أن يتمكن هؤلاء من تشكيل بديل لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي جيشت إسرائيل جيوشها من اجل القضاء عليها في العام 1982، وظل الحال على ما هو عليه حتى السنة العشرين من عمر الاحتلال، عندما بدأت الانتفاضة الأولى في العام 1987، حيث أعلنت حماس عن نفسها كتنظيم في الساحة الفلسطينية.
رغبة حماس في الهيمنة، جعلها تقفز متخلية ومتنكرة لما كانت تروجه من قناعات في معاداة اتفاق أوسلو، واعتبار السلطة مجرد وليد مسخ لا يقوم سوى على خدمة أغراض الاحتلال وتنفيذ أهداف دولة الكيان، وأتت مشاركتها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، على عكس حركة الجهاد التي لا زالت تنأى بنفسها عن المشاركة في أية انتخابات في الأراضي المحتلة، ونسفت حماس كل ما كانت تقول به عن سقف أوسلو واتفاقات أوسلو، وكانت النتيجة التي يعرفها الجميع، حيث فازت حماس بأغلبية كبيرة لم يتوقعها أحد بما في ذلك حركة حماس نفسها.
هذا الانتصار الذي من الواضح انه \\\’أسكر\\\’ قياداتها، فأصابها بنشوة جعلها تقرأ هذا الفوز بشكل غير دقيق، لا بل قرأته بشكل مغلوط تماما، معتقدة بان المزاج الفلسطيني أصبح دينيا حمساويا، مع العلم أن هذا الفهم كان مبتورا ومنقوصا ولا يمت إلى الصحة بصلة، ولا يتلاءم مع واقع الحال.
رغبة حماس في السيطرة والاستقلال وإنشاء الإمارة الإسلامية التي تروم، وصل إلى أنها أبدت استعدادها للقبول بدولة ذات حدود مؤقتة، كما أنها برغم ادعاءاتها بالمقاومة، إلا أنها أعلنت في أكثر من مناسبة، إنها على استعداد لإعلان هدنة مع دولة الكيان طويلة الأمد، قد تمتد إلى عشرات السنين، وهي لم تتردد عندما لزم الأمر في أكثر من مناسبة، بالتصدي للمقاومين من الفصائل الأخرى، ومنعهم من تنفيذ أية عمليات ضد دولة الكيان.
قبل ذلك، كان انسحاب قوات الاحتلال أحادي الجانب من قطاع غزة، قد دغدغ مشاعر قيادات حماس، وصار الكثير من هؤلاء على ثقة ان هدفهم في إعلان \\\’الإمارة\\\’ بات اقرب من أي وقت مضى، وبدأت قيادات الحركة في التعامل مع الواقع على هذا الأساس، على اعتبار ان موضوع إعلان الاستقلال وإنشاء الكيان \\\’الموهوم\\\’ لم يعد سوى مسالة وقت، وهو وقت ليس بطويل.
مع تقدم الوقت، ومع تعمق الانقسام بين جناحي الوطن، بات هؤلاء يعتقدون أن القطاع ليس سوى أرض محررة، وأن على الجميع التعامل معه على هذا الأساس، وانه يجب التعامل مع الضفة فقط عل أساس انها هي الأرض المحتلة، وان العمل \\\’المقاوم\\\’ يجب أن يتجه إلى هناك، وصدرت العديد من المواقف التي تشير إلى أن هؤلاء يعتقدون انه لا بد أن تسير الأمور كما كان عليه الحال في القطاع، أي أن تحرير الضفة لا يمكن أن يتم في ظل سيطرة سلطة ترتبط مع الاحتلال بشكل \\\’مذل\\\’، وان سيناريو السيطرة على القطاع من قبل حماس، لا بد أن يتكرر في الضفة الغربية إذا ما أريد لهذا الجزء من الوطن أن يتحرر.
شعور حماس بأنها تقترب إلى الاستقلال والتحرر، ازداد انتعاشا من خلال الانقسام الذي يسيطر على البلاد منذ ما يزيد على الخمسة أعوام، وهيمنة الحركة على القطاع بشكل كامل، عدا عن فرضها لمعتقداتها وما تراه على الأهالي هناك، وكذلك فرض وجباية الضرائب، والتعاطي مع القطاع كحكومة مستقلة، بعيدة كل البعد عن الضفة الغربية، التي تديرها سلطة \\\’أوسلو\\\’، وقد يكون الأمر الأكثر تشجيعا لها هو تعاطي بعض الدول مع حركة حماس واستقبال قادتها \\\’وزراءها ورئيس وزراءها كممثلين لحكومة القطاع وليس كممثلين لحركة حماس\\\’ مما جعلها – حماس- تعتقد بان هنالك قبولا من هذه الدول لها كحكومة وليس كحركة، وقد وصل الأمر بالسيد محمود الزهار أن قام بتحريض الشعب الجزائري على حكومته لعدم استقباله من قبل ممثلين عن الحكومة الجزائرية.
إن حركة حماس بفهمها المجتزأ لكثير من المسائل، وتحليل الكثير من المواقف بطريقة ذات مسار أو اتجاه واحد، جعلها \\\’تتخبط\\\’ في النظر مثلا إلى حملات التضامن الدولية \\\’عربية، غربية، إسلامية\\\’ وتعتقد بان هذه الحملات تأتي للتضامن مع حماس وحكمها للقطاع، لا للتضامن مع أطفال ونساء ومرضى غزة، وهي لم تدرك حتى اللحظة، ان هذه الحملات لن تستمر في حالة \\\’رفع الحصار\\\’ أو إعلان دولة من جانب واحد في القطاع، خاصة وان الكثير من الوفود المتضامنة لا تتفق مع ما تحمله حركة حماس من أيديولوجيا وتفكير \\\’عصبوي\\\’ مغلق، لا يتلاءم مع ما يؤمن به أولئك المتضامنين أنفسهم.
حركة حماس التي عاشت \\\’نشوة\\\’ انتصار الحركة الأم في الجارة مصر، اعتبرت أن هدفها في إعلان الإمارة بات قاب قوسين أو أدنى، وان الموضوع يكمن فقط في الإعلان عن إنهاء الحصار من الجانب المصري وفتح معبر رفح، لينتهي بهذا عصر الاحتلال، ويبدأ عصر الإمارة الإسلامية في قطاع غزة، هذه الإمارة التي ستكون مدعومة من الشقيقة الكبرى، في ظل وجود الرئيس محمد مرسي على رأس السلطة في مصر، فهل ترى تسير المسائل بهذا الشكل؟ أم انه ليس سوى امتداد لطريقة التفكير المبتورة والمجتزأة التي تعيشها حركة حماس منذ نجاحها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية ومن ثم سيطرتها على القطاع؟.