أخيرا وبعد اثنين وعشرين شهرا من التحقيقات المستمرة وبعد توجيه الاتهام الى 37 شخصية لها علاقة بإدارة الرئيس ترامب وانتخابه عام 2016, وإدانة ستة من العاملين المقربين فى حملة الرئيس ترامب الانتخابية, تم تسليم التقرير الذى أعده روبرت موللر ولجنته الى وزير العدل الأمريكى وليام بار.
فى مايو 2017, تم تكليف موللر ولجنته لكشف النقاب عن الاتهامات التى وجهت للرئيس ترامب واتهامه بإعاقة العدالة وعملية التدخل الروسى فى الانتخابات لمصلحة ترامب مما أدى لفوزه بالرئاسة على المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون. استغرق عمل تلك اللجنة 675 يوما وبمجرد تسلم التقرير لوزير العدل الأمريكى, قام بإرسال خطاب الى أعضاء اللجنة التشريعية فى كل من مجلسى الشيوخ ومجلس النواب, ذكر فيه أنه تسلم التقرير وأنه سيحيطهم علما بما جاء فيه خلال عطلة الأسبوع.. وفعلا سلمهم يوم الأحد الرابع والعشرين من مارس تقريرا من أربع صفحات يحوى تفسيره وقراره لتقرير موللر ولجنته وخلص فيه الى تبرئة ساحة الرئيس ترامب من التهم الموجهة إليه, وذكر أنه سيسلم أعضاء الكونجرس التقرير خلال ثلاثة أشهر.
قامت قيامة مجلس النواب الذى يسيطر عليه الديمقراطيون وأرسلوا إليه أنهم يريدون الاطلاع على كل التقرير وليس تفسيره هو, وأنه ما كان له أن يقرر منفردا تبرئة ترامب هكذا, وادعوا من خلال الأربع صفحات التى أرسلها بنفسه, أن هناك ما يدين ترامب بخصوص إعاقته للعدالة وانه أهمل ذلك وقرر براءة ترامب مما يتعين عليه كوزير للعدل الاستجابة لهم وإرسال التقرير كاملا فى ميعاد أقصاه الثانى من أبريل. على الجانب الآخر سادت الفرحة البيت الأبيض والحزب الجمهورى كله.
المهم أن التقرير لم يبرئ ساحة ترامب بالكامل كما ذكر موللر فى تقريره طبقا لما ذكره وزير العدل بنفسه وخصوصا الفقرة على لسان موللر: لم أجد مايدين الرئيس فيما يخص التواطؤ مع روسيا غير أننى لا أبرئه فيما يخص إعاقة العدالة.
هذه الفقرة هى التى جعلت الديمقراطيين يرون أن موللر لم يبرئ ترامب كما فسر وزير عدله وأصدر حكمه من خلال تفسيره. غير أنه يبدو أن وزير العدل والذى عينه ترامب يبدو متمسكا برأيه أنه لن يسمح بنشر التقرير بالكامل كما يريد الدميقراطيون, وأن استنتاجاته التى أرسلها فى أربع صفحات تكفى الى جانب ما سيرسله فى الأسابيع المقبلة. ونتيجة تسارع الأمور وزيادة الضغوط استجاب وزير العدل وذكر أنه سيجعل التقرير متاحا خلال أسابيع.
فى اليوم الترامبى التالى وهو الإثنين الموافق الخامس والعشرين من مارس, وسط تلك الفرحة العامرة, تمت دعوة السيد بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى الى البيت الأبيض ليشهد توقيع قرار الاعتراف الأمريكى بالجولان باعتبارها جزءا من إسرائيل.
ظهر الرجلان وهما يرتديان نفس الملابس, كانت كلماتهما إطراء ومديحا للآخر. ذكر ترامب أنه فيما يخص العلاقة مع إسرائيل فهو الأفيد لها عبر تاريخ الولايات المتحدة كله وأنه يختلف عن الرؤساء الآخرين فى أنه رجل عمل, وأنه وعد فأوفى أما الآخرون فكل ما يفعلونه لا يتعدى مجرد الكلام. أعاد ذكر أنه وعد بنقل السفارة الأمريكية للقدس ونفذ وعده وبنى سفارة جديدة, وأنه اليوم يقر بحق إسرائيل فى تملك هضبة الجولان السورية وينفذ وعده.
ثم تكلم نيتانياهو فكال المديح لترامب ووصفه بأنه أعظم صديق لإسرائيل وأضاف أنه يدعو جميع الحضور لحفلة فى الجولان وأنه سيسقيهم نبيذا منها وأن هذ النبيذ هو الأروع فى العالم.
السؤال المهم الملح: لماذا يفعل ترامب تلك الأعمال المخلة بكل القوانين والأعراف, ويتصرف مع قضايا العرب وأراضيهم كأنهم كلأ مباح بطريقة لم يسبقه بها أحد من العالمين وتدل على اتباع سياسة خرقاء متغطرسة؟. الإجابة تكمن فى رغبته الشديدة بالفوز بالرئاسة الأمريكية المقبلة وأن فن الصفقات التى يجيدها تحتم عليه هذا السلوك المشين. إنه لا يهتم بقيم أو قضايا وكل شىء بالنسبة له صفقة يطمع فى تحقيقها. من هنا هو يعرف ويدرك أن رضا الجالية اليهودية والمنظمات الصهيونية هو أحد السبل التى ستزيد من فرصة فوزه. الأمر الثانى هو فريقه الذى يدير السياسة الخارجية الأمريكية الآن, والذين يملكون أذنه ولا يسمع غيرهم, فقد رحل الراشدون عنه وهم جيمس ماتيس وزير الدفاع وركس تيلرسون وزير الخارجية وماكماستر مستشار الأمن القومى وجون كيلى كبير موظفى البيت الأبيض, ولم يتبق غير وزير الخارجية بومبيدو الذى ذكر فى خطاب قبل توقيع القرار بيوم أن العناية الإلهية هى التى أرسلت ترامب للدفاع عن إسرائيل, ومستشار الأمن القومى جون بولتون وكلاهما من صقور المحافظين, غير أن بولتون هو الذى يحدد مسالك ترامب ويملك أذنه, ومعروف عنه عداوته للإسلام ومحبته الشديدة لإسرائيل. عمل فى جميع إدارات الرؤساء الجمهوريين بداية من الرئيس ريجان وحتى وظيفته الحالية مستشارا للأمن القومى مع الرئيس ترامب, إضافة الى عمله سفيرا لأمريكا فى الأمم المتحدة خلال إدارة الرئيس جورج بوش, وهى الوظيفة التى لم يعمر فيها إلا لمدة خمسة أشهر ( من أغسطس 2005 ديسمبر 2006), اختلف خلالها بشدة مع كل من وزيرة الخارجية الأمريكية حينها, كونداليزا رايس وكوفى أنان سكرتير الأمم المتحدة. له مواقف متشددة متطرفة فيما يخص إيران وكوريا الشمالية يصر فيها على ضرورة تغيير الأنظمة بهاتين الدولتين. دعا فى مقال له عام 2015 بصحيفة نيويورك تايمز أن تقوم كل من أمريكا وإسرائيل بقصف المفاعل النووى الإيرانى. فيما يخص القضية الفلسطينية رأيه المعروف هو تصفية فلسطين وإلغاؤها بالكامل وهو أن تضم الأردن الضفة الغربية ومصر غزة. بعد تعيينه مستشارا للأمن القومى الأمريكى, قامت أمريكا بإلغاء الاتفاق النووى مع إيران. دائما له مواقف عدائية تجاه الأمم المتحدة. فى خطاب له عام 1994, قال: لا توجد أمم متحدة. الذى يوجد هو مجموعة دولية تقودها القوة الحقيقية الوحيدة فى العالم وهى الولايات المتحدة الأمريكية, عندما يخدم الأمر مصلحتها.
عن الأهرام