المفترض أن تباشر القيادة الفلسطينية، قريباً، التحول من وضعية السلطة الوطنية إلى وضعية الدولة، بعد اعتراف الجمعية العمومية للأمم المتحدة بدولة للشعب الفلسطيني على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967 بصفة مراقب، وهذا يتطلب استبدال جوازات السفر الحالية بجوازات سفر جديدة، وتغيير كل المستندات والأوراق الرسمية وعناوين الوزارات والسفارات العاملة في الدول العربية والإسلامية والأجنبية، فالدولة أصبحت واقعاً لابد من تجسيده لكي تتحول هذه المسألة من مجرد فكرة إلى وجود حقيقي وقضية جدية.
لا يجوز أن يوضع هذا القرار الدولي، الذي شكل تحولاً هاماً بالنسبة لقضية فلسطين وبالنسبة لتطلعات الشعب الفلسطيني، على “الرَّف” مثله مثل قضايا ومسائل كثيرة سابقة، والمفترض أن تتجسد خطوة الجمعية العامة للأمم المتحدة حضوراً فلسطينياً في كل الهيئات الدولية على قدم المساواة مع كل دول العالم، وفي مقدمة هذه الهيئات محكمة الجنايات الدولية التي لابد من استخدامها كسلاح فعال ضد الجرائم المتواصلة التي يرتكبها الإسرائيليون ضد الأرض وضد الإنسان وضد المقدسات وحتى ضد البيئة في قطاع غزة وفي الضفة الغربية.
ثم إنَّ ما يؤكد كمْ أنَّ قرار الجمعية العمومية هذا قد جاء كخطوة تاريخية على صعيد القضية الفلسطينية والصراع في الشرق الأوسط أن ردَّ الحكومة الإسرائيلية جاء حادّاً وارتجالياً، وجاء بالمسارعة إلى اتخاذ إجراءات تدل على الارتباك وضيق الأفق والخوف من مستقبل بات قريباً، ومن بين هذه الإجراءات الإعلان عن مشاريع بناء مستوطنات جديدة في القدس الشرقية، واتخاذ قرار أهوج بتجميد الضرائب التي هي حقٌّ للفلسطينيين نصَّت عليه اتفاقيات أوسلو، وذلك بهدف المزيد من تجفيف موارد السلطة الوطنية المالية.
وأيضاً فإن ما يؤكد كم أن السلطة الوطنية تعاني الآن أوضاعاً مالية واقتصادية كانت بالأساس سيئة وأصبحت في غاية السوء، وكم أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي الضفة الغربية بات يعيش أحوالاً في غاية القسوة والصعوبة أن الولايات المتحدة، التي هي دائماً وأبداً مع إسرائيل، قد بادرت هي بدورها بعد قرار الجمعية العمومية الآنف الذكر إلى تجميد نحو مئتين وخمسين مليون دولار كانت تقدمها مساعدات سنوية للفلسطينيين، وأنه لم يصل شيء من المئة مليون دولار شهرياً التي كان وعد بها العرب من الجامعة العربية كـ”شبكة أمان” تعزز قرار القيادة الفلسطينية بالذهاب بطلب العضوية المراقبة إلى الأمم المتحدة.
والخطير، وهذا يجب التوقف عنده ملياً وأخذه بعين الاعتبار من قبل كل الدول العربية، هو أن الرئيس محمود عباس (أبو مازن) بات تحت ضغط كل هذه المستجدات يفكر جدياً في إعادة مسؤوليات الاحتلال إلى إسرائيل، لتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل قيام السلطة الوطنية في عام 1993، وليكون الإسرائيليون مسؤولين عن كل شيء، التعليم والصحة والأمن والطرق وأكل وشرب سكان الضفة الغربية، ولتصبح الدولة التي اعترفت بها الأمم المتحدة تحت الاحتلال غير مسؤولة عن أي شيء ويقتصر دورها على أن تكون بمثابة قيادة لحركة تحرر في داخل الأراضي المحتلة وعلى الصعيدين العربي والدولي، وهذا في حقيقة الأمر يتحمل مسؤوليته العرب الذين يقولون إن هذه القضية هي قضيتهم القومية الأولى.
الجريدة الكويتية