في وقت يتلاشى فيه وهم “حل الدولتين” مع الطريق المسدود الذي وصلت إليه المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية، فإن ما يتبقى هو “حل الدولة الواحدة”، والتي ستكون إما ديمقراطية ودولة مساواة، أو نظام فصل عنصري بحكم الأمر الواقع، في وجود طبقة فلسطينية تظل دنيا على الدوام.
* * *
مايكل جيه روزينبرغ هو منتقد بارز حاد الذهن للحكومة الإسرائيلية. لكنه أيضاً “صهيوني ليبرالي” يؤمن بشرعية وضرورة وجود دولة يهودية. وقد أفضى به هذا المنطلق إلى مهاجمة حركة “قاطعوا إسرائيل” في مقالة نشرها حديثاً تحت عنوان “هدف حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات هو تفكيك إسرائيل”.
في هذا السياق، يقلل روزينبرغ بشكل خطير من نطاق الحركة وإمكاناتها في محاولته إقناع نفسه والآخرين بأن حركة المقاطعة لا تمتلك فرصة حقيقية في تحقيق هذا الهدف الذي نسبه إليها.
مع ذلك، كان الدليل الوحيد الذي استشهد به على ضعف الحركة، هو فشل حكومة طلبة جامعة متشيغان مؤخراً في تمرير قرار بالمقاطعة وسحب الاستثمارات. وفي الوقت نفسه، أخفق روزينبرغ في ذكر قرار متزامن تقريباً، والذي اتخذته حكومة طلبة جامعة ليولا في شيكاغو لصالح المقاطعة. كما لا يشير روزينبرغ أيضاً إلى جهود حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات المطردة والمثيرة للإعجاب في أوروبا.
يواصل روزينبرغ تأكيده على أن السبب وراء “الإخفاق المستمر” لحركة المقاطعة هو أن هدفها يتمثل في تدمير إسرائيل أكثر من كونه مهاجمة الاحتلال والضغط من أجل تطبيق حل دولتين. ويكتب حول ذلك: “إن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات لا تستهدف الاحتلال في حد ذاته. إن هدفها هو وضع نهاية لدولة إسرائيل نفسها”.
ما الذي يعنيه ذلك؟ حسناً. بالنسبة لروزينبرغ، إنه يعني “استبدال إسرائيل نفسها بدولة” سوف تكون “نظرياً، مضيافة لليهود (لكنها) لن تعود إسرائيل بعد ذلك”.
عند هذه النقطة، ثمة العديد من النقاط التي تستدعي التدقيق في تفكير روزينبرغ. أولاً، يعني تركيزه على فكرة “نظرياً” في التعليق المذكور أنه لا يمكن سوى لدولة صهيونية، في رأيه، أن تكون “مضيافة لليهود” فعلاً. قم بإخراج الصهيونية من إسرائيل، وستكون في الحقيقة قد أخرجت اليهود كلهم منها أيضاً.
يمكن للمرء أن يفهم مكامن روزينبرغ، بما أنه يدرك الأخطاء التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية ويعرف أن المصالحة مع الفلسطينيين لن تأتي بسهولة. ومع ذلك، وبالنظر إلى النوع الصحيح من التنازلات، فإن خوفه على رفاه اليهود في إسرائيل غير صهيونية لا ينبغي أن يُترجم إلى واقع بالضرورة وكحاصل حتمي.
ثانياً، ما يزال روزينبرغ يجادل بأن حل الدولتين ما يزال ممكناً. “إن الحل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو إقامة دولتين لشعبين”. ربما يكون هذا هو واقع الحال “نظرياً”. ومع ذلك، فإن من شبه المستحيل “في العالم الحقيقي” (باستخدام عبارات روزينبرغ نفسه)، تصور هذا وهو يحدث في ضوء تركيبة هيكل السلطة الإسرائيلي ونظرته العالمية.
يعرف معظم أولئك الذين ينظمون ويشاركون في حركة مقاطعة إسرائيل أن حل الدولتين قد مات وغرق في البحر. وحتى لو أنتجت المفاوضات الحالية التي يقودها وزير الخارجية الأميركي جون كيري تقليداً باهتاً لدولة فلسطينية، فإنه سيبقى من الصعب رؤيتها وهي ترقى إلى أي شيء سوى بانتوستان.
الحقيقة هي، حتى في هذا الوقت، أنه هناك دولة واحدة قائمة بين البحر الأبيض المتوسط وبين نهر الأردن، وهي دولة إسرائيل الصهيونية. أما وقد أدركوا ذلك، فإن لدى جماعة المقاطعة حلان: التخلي عن القضية جملة وتفصيلاً، أو إدامة الضغط من أجل إحداث تحويل لإسرائيل الصهيونية إلى دولة ديمقراطية، تتبنى المساواة الدينية والعرقية –أي إسرائيل جديدة. هذا هو ما وصفه السيد روزينبرغ بأنه “تفكيك إسرائيل”.
سابقة جنوب أفريقيا
يلقى الساعون إلى إحداث دمقرطة أصيلة في إسرائيل التشجيع من خبرة التفكيك السابق لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. لكن روزينبرغ لن يُعنى بأي من هذا أيضاً. وهو يشير إلى أن الذي حدث في تلك الحالة هو أن “نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا هو الذي تمت أزالته، وليس الدولة المعروفة باسم جنوب أفريقيا”.
هنا، يتبين أنه لا يفكر بوضوح وعمق في الفكرة التي يتبناها. لقد ساعدت حركة المقاطعة في تدمير أيديولوجية الفصل العنصري وتجلياتها المؤسسية المتمثلة في حكومة جمهورية جنوب أفريقيا. وقد أفضى ذلك، بالضرورة، إلى تغيير الشخصية الأساسية للبلد. ليس هناك فرق بين ذلك وبين هدف حملة المقاطعة الحالية لإسرائيل، والمتمثل في تدمير الأيديولوجية الصهيونية وتجليها المؤسسي بوصفه حكومة دولة إسرائيل. وينبغي أن ينتهي هذا أيضاً إلى تغيير في شخصية البلد.
أخيراً، يشير روزينبرغ إلى المطلب المنصوص عليه في قرار الأمم المتحدة رقم 194، الذي تدعمه حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات، والذي يدعو إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين أُخرجوا من ديارهم في العام 1948. ويبدو أن هذا الأمر يخيفه، وعلى نحو مفهوم. فمن وجهة النظر الصهيونية، تبدو تركيبة إسرائيل السكانية محفوفة بما يكفي من المخاطر بما هي عليه الآن. وإذا ما سُمح بعودة عدد كبير من اللاجئين غير اليهود، فإن الحفاظ على بقاء أغلبية يهودية في إسرائيل سيصبح مسعى مستحيلاً.
حول هذه المسألة، لدي صديق فلسطيني يؤكد أنه يجب توطين لاجئ فلسطيني واحد في إسرائيل ما قبل 1967 مقابل كل مستوطن إسرائيلي يسكن وراء الخط الأخضر. هل سيظن السيد روزينبرغ أن هذا سيكون عادلاً؟
عندما يأتي الأمر إلى اللاجئين الفلسطينيين، فإن ما يبدو أن روزينبرغ يأخذه على محمل الجد هو الحقيقة المعروفة منذ وقت طويل، من أنه عندما وإذا ما تم تحقيق مبدأ حق العودة فعلياً في أي وقت، فإنه سيكون بالتأكيد حصيلة لمفاوضات تهدف إلى خفض الاضطرابات الاجتماعية إلى أدنى مستوى.
لا يقصد أي من هذا التحليل لموقف روزنبرغ إنكار أنه يثير فعلاً مسألة بالغة الخطورة: هل يمكن تحقيق العدالة للفلسطينيين الذين يعانون منذ وقت طويل بينما يتم الإبقاء على إسرائيل دولة يهودية خالصة؟ إنه يريد أن يجيب عن هذا السؤال بالإيجاب، وهو يعتقد بأن حل الدولتين سوف يتيح له أن يفعل ذلك.
لسوء الحظ، ليست هذه هي الطريقة “التي يعمل بها العالم الحقيقي” (باستخدام عبارته) في تل أبيب والقدس. إن الحقيقة هي أن هذا حل الدولتين قد أزيل تماماً عن الطاولة، وبفعل الإسرائيليين أنفسهم. وهكذا، نكون قد تُركنا فقط مع خيار دولة صهيونية وحدوية.
سوف تكون الإجابة عن سؤال ما إذا كانت مثل هذه الدولة ستكون متوافقة مع العدالة للفلسطينيين: كلا، ببساطة. إن الصهيونية، مثلها مثل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا من قبلها، يجب أن تذهب –من أجل الفلسطينيين، وأيضاً من أجل مستقبل أكثر وعداً وإشراقاً لليهود.
*أستاذ التاريخ في جامعة وست شستر في بنسلفانيا. وهو مؤلف كتاب “مؤسسة السياسة الخارجية، خصخصة المصلحة القومية الأميركية”. و”فلسطين أميركا: التصورات الشعبية والرسمية من بلفور إلى الدولة اليهودية”. و”الأصولية الإسلامية”.
الغد الأردنية