بيرس في مؤتمر السلام: تاريخ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني لم يعرف شخصية مثل عباس
قال الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس في افتتاحه لمؤتمر السلام الإسرائيلي الذي عقدته صحيفة “هآرتس” امس، ان تاريخ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني لم يعرف شخصية مثل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأضاف: “على كل انسان جدي ان يعترف بأن ابو مازن فاجأنا في ظهوره في السعودية وشجب القتلة والدعوة الى السلام ووقف الارهاب، والقول “ابي من صفد ولن ارجع الى صفد”. لقد خاطر الرجل ويخاطر بحياته من اجل السلام، انه يعتبر شريكا حقيقيا للسلام، وانا لا ارى افضل منه، ولم يشهد تاريخ الصراع شخصية مثله”.
وقال بيرس عن نتنياهو “انه يفعل أشياء أحترمها، لكنه يفعل، ايضا، اشياء لا أوافق عليها”. وأضاف: “ما احترمه يجب ان اقوله عاليا، وما لا اوافق عليه يتحتم علي الانتظار لعدة اسابيع” ملمحا بذلك الى انه يحمل الكثير مما سيقوله بعد انتهاء ولايته هذا الشهر. وفي رده على سؤال حول ما اذا كانت لا تزال هناك فرصة لتحقيق السلام، قال بيرس ان العالم العربي غير نظرته الى إسرائيل. واوضح: طوال اكثر من نصف فترة وجود إسرائيل كان موقف العالم العربي رافضا للتفاوض معها، اما اليوم وانا متفاجئ جدا، فان الجامعة العربية وحتى الدولة التي تمثل العرب اكثر من غيرها، السعودية، تتحدثان عن السلام وهذا انقلاب ليس صغيرا. حتى الآن كان غالبية دول العالمين العربي والاسلامي تعتبر اسرائيل عدوها ومشكلتها، اما اليوم فيتساءل العالم العربي من هو العدو: نحن ام الارهاب؟”
وقال المستشار الكبير للرئيس الامريكي، فيليب غوردون في المؤتمر ان الادارة الأمريكية تدعو الى استئناف الهدوء في قطاع غزة، وتطالب الجانبين بالامتناع عن الحاق الضرر بالمدنيين الأبرياء. وشجب اطلاق الصواريخ على إسرائيل وقال ان إسرائيل تملك حق الدفاع عن ذاتها.
في المقابل قالت وزيره القضاء تسيبي ليفني خلال مشاركتها في المؤتمر ان إسرائيل تقف على عتبة شن حملة عسكرية برية واسعة على غزة، مضيفة ان الأمر يتعلق بسلوك حماس، وما اذا كانت ستسمح لإسرائيل بالعيش بهدوء، لأنه بدون ذلك ستضطر إسرائيل الى القيام بعمليات، قد تصل الى حالة اللا مفر”. وقال رئيس المعارضة البرلمانية يتسحاق هرتسوغ، في المؤتمر، انه لو كان رئيسا للحكومة لكان سيوجه ضربة قاسمة لحماس ويسافر الى المقاطعة للتحدث مع ابو مازن!
ورغم اطلاق الصواريخ من غزة، فقد ركز غالبية المتحدثين في المؤتمر على العملية السلمية مع الفلسطينيين وفشل الجولة الأخيرة من المفاوضات وفرص بلورة اتفاق سلام، يتم في اطارة اقامة دولة فلسطينية، وكذلك تم التركيز على المطالب الامنية الإسرائيلية في اطار الاتفاق المستقبلي. وطالبت ليفني الادارة الامريكية بكشف وثيقة الاطار التي تم التفاوض عليها ومطالبة الطرفين بتبنيها كقاعدة لاستمرار المحادثات. وقالت ليفني ان قرار واشنطن عدم كشف الوثيقة بعد انفجار المحادثات كان خاطئا، لأن كشف الوثيقة كان سيجعل الجمهور يشعر بأنه يمكن التوصل الى اتفاق سلام.
وهاجم هرتسوغ سلوك رئيس الحكومة نتنياهو الذي “لم يستغل الهدوء الامني النسبي طوال فترة رئاسته للحكومة من اجل التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين. واضاف ان على ليفني ويئير لبيد الانسحاب من الحكومة لأنهما لا يخدمان ناخبيهما ولا رؤيا السلام. ودعا رئيس الشاباك السابق، يوفال ديسكين، إسرائيل الى مواصلة السعي من اجل تحقيق السلام، وقال انه “طالما لا يمكن لكل الفلسطينيين توفير المطلوب فانه يمكن البدء مع السلطة الفلسطينية، يجب رؤية قدرتهم على ادارة دولة قابلة للحياة، وإخلاء المستوطنين الذين يقيمون خارج الخط الحدودي الذي سيتم الاتفاق عليه”.
وكان الوزير نفتالي بينت ارفع مسؤول مثل اليمين في المؤتمر، وقد قوطع هتافه مرات كثيرة من قبل الجمهور الذي نعته بالمحرض والفاشي، وحمله وحزبه المسؤولية عن الاجواء العامة التي قادت الى قتل الفتى الفلسطيني محمد ابو خضير. وحين تمكن بينت من الحديث شن هجوما على اليسار وادعى انه “يغتصب الواقع في سبيل ملائمته لنظرياته”. وقال “ان على اليسار اعادة اجراء حساب لمساره”، وادعى انه يؤيد السلام ولكن “السلام الحقيقي”. وعندما ادعى بينت ان الشعب اليهودي واسرائيل لا يريدون الحرب، صرخ به احد الحضور “انت تريد الحرب” ففقد بينت اعصابه وهاجم الحضور قائلا: “حاربت في الانتفاضة الأولى والثانية وحرب لبنان الثانية، ولن اسمح لأحد في هذه القاعة بوعظي حول الرغبة بالسلام، لا احد في إسرائيل يريد السلام اكثر مني”. وخلال خروج بينت من القاعة تواصل ترديد الهتافات ضده. وادعى لاحقا انه تم ضربه على ظهره خلال خروجه. وادعى البيت اليهودي في بيان لاحق ان الهتافات ضد بينت تم ترجمتها الى عنف جسدي. وردت صحيفة “هآرتس” على هذا الادعاء وقالت انه “من المؤسف ان الوزير بينت استغل سلوكا غير ملائم لاحد المشاركين في مؤتمر إسرائيل للسلام، والذي دفعه بلطف، كي يدعي انه هوجم بقبضة، في سبيل خلق عنوان من خلال تضليل لوسائل الاعلام.” واكد العديد من شهود العيان انه لم يتم ضرب بينت، خاصة وانه كان محاطا بالحراس الذين لم يتدخلوا او يحتجزوا أيا من الحضور.
وادعى مكتب بينت في بيان لاحق ان “هآرتس” تقف الى جانب من هاجم وزيرا في إسرائيل! وقال رئيس الحكومة ووزير الامن السابق، ايهود براك في المؤتمر، ان دفع العملية السلمية مع الفلسطينيين سيساعد اسرائيل على مواجهة الخطر النووي الإيراني. وحسب رأيه فانه اذا تمكنت إسرائيل من تجنيد القوى والدخول في عملية سلام حقيقية فان ذلك سيساعد إسرائيل في العالم اذا اضطرت الى العمل لوحدها في ايران”.
حماس ترد على العملية العسكرية بهجمات صاروخية وصلت القدس والخضيرة
في وقت بدأت فيه إسرائيل، امس، عدوانها على غزة في اطار العملية التي اطلقت عليها اسم حملة “الجرف الصامد”، ركزت غالبية العناوين الرئيسية للصحف الاسرائيلية على القصف الصاروخي المكثف الذي تعرضت له اسرائيل يوم امس، والذي تجاوز منطقة غوش دان الى القدس والخضيرة، جنوب حيفا. واظهرت الصحف العملية الإسرائيلية وكأنها جاءت في اعقاب اطلاق الصواريخ الواسع من قطاع غزة. وواصل الجيش الإسرائيلي عمليات القصف طوال الليلة الماضية وفجر اليوم. وحسب المعلومات العسكرية فقد هاجمت إسرائيل منذ انطلاق العملية الليلة قبل الماضية، 434 هدفا. وقال ضابط رفيع صباح اليوم الاربعاء، انه تم منذ بداية العملية، اسقاط 60 صاروخا بواسطة القبة الحديدية. وتم تركيز القصف الليلة الماضية على راجمات الصواريخ المدفونة تحت الارض. وتطرق الضابط الى الصاروخ الذي اطلق باتجاه الخضيرة وقال انه من طراز “M302″، وهو من فئة الصواريخ التي تم العثور عليها على متن سفينة الاسلحة “كلوز سي”. وحسب تقديرات الجهات الامنية فانه لا تزال في غزة بضع عشرات من الصواريخ طويلة المدى.
واعلنت حركة حماس، فجر اليوم، ان الجيش الإسرائيلي قصف ودمر منزلي اثنين من المشاركين في محاولة التسلل الى كيبوتس “زيكيم” امس. كما قصفت إسرائيل منزل حافظ حمد، قائد كتائب القدس، الذراع العسكري للجهاد الاسلامي، وقتلته مع خمسة من افراد اسرته. وقصف سلاح الجو بيت رائد العطار في رفح، وهو احد قادة كتائب عز الدين القسام، لكن العطار لم يتواجد في المنزل فنجا من محاولة الاغتيال. وكانت إسرائيل قد اغتالت ظهر امس، محمد شعبان، الذي وصفه الجهاز الامني بمدرب وقائد خلية في الوحدة البحرية لحماس. وقد قصف سلاح الجو السيارة التي كان يستقلها شعبان مع مسافرين اخرين في منطقة جباليا وقتلهم.
وكتبت صحيفة “هآرتس” ان سلاح الجو هاجم امس، 270 هدفا في انحاء القطاع، بينها بيوت لنشطاء في حماس. وضربت إسرائيل 117 قذيفة وصاروخ، نجحت منظومة القبة الحديدة باحباط قرابة 30 منها في الجو. وأمر رئيس الحكومة نتنياهو بالاستعداد لتوسيع الحملة. وقال الجيش ان القيادة السياسية صادقت على تجنيد 40 الف جندي احتياط.
وقال الناطق العسكري الإسرائيلي ان الصواريخ سقطت امس في عدة مناطق في إسرائيل، بينها منطقة القدس والخضيرة وريشون لتسيون واشدود. وسمعت الصافرات في القدس وتل ابيب وبنيامينا ورحوبوت ورعنانا وبئر السبع. وتسببت بعض الصواريخ بأضرار مادية فقط. وفي الوقت ذاته حاول خمسة مسلحين التسلل من قطاع غزة عبر البحر في منطقة كيبوتس “زيكيم”، ووقع تبادل لاطلاق النيران مع الجيش. وقال الجيش ان المجموعة وصلت الى الشاطئ الاسرائيلي سباحة، وتم كشفها من قبل نقطة الرصد واستدعاء وحدة غبعاتي لمواجهتها. وقتل المسلحون واصيب جندي إسرائيل بجراح طفيفة. وفي ساعات المساء سمع دوي انفجار في نفق بمنطقة “كرم ابو سالم”.
وامرت الجبهة الداخلية كافة البلدات التي تقع في محيط 80 كلم من قطاع غزة بفتح الملاجئ العامة، وتم في ساعات المساء شمل القدس وبيت شيمش في هذا الامر. واعلن الجيش مساء امس عن توسيع العملية وقال انه يصر على معالجة واصابة حركة حماس بشكل مركز، متهما إياها باختيار هذه المواجهة. وشجب البيت الابيض القصف الصاروخي لإسرائيل وحمل حماس مسؤولية التدهور. واعلنت وزارة الصحة الفلسطينية ان 20 فلسطينيا قتلوا واصيب 110 اخرين من جراء القصف الإسرائيلي، مشيرة الى ان طفلين (8 و10 اعوام) واربعة فتية (13-16 عاما) كانوا بين القتلى. وقال نتنياهو انه اوعز بتوسيع العملية “بعد فشل كل المحاولات لإعادة الهدوء”. وادعى “لسنا نسارع الى الحرب لكن أمن مواطنينا واولادنا يسبق كل شيء، وسنقوم بكل ما يتطلب لإعادة الهدوء الذي ساد هنا لسنوات”.
وحسب نتنياهو فان الجيش يوجه عملياته ضد من اسماهم “مخربي حماس” وليس ضد المدنيين الأبرياء”! وقال القائد العام للجيش بيني غانتس، ان “الجيش سيقوم بتفعيل القوة المطلوبة ضد حماس والتنظيمات “الارهابية”، وسنواصل العملية مهما تطلب الأمر وطالما سمحت لنا السياسة بذلك”. وقال ان الجمهور يتوقع من الجيش العمل واضاف: “سنجبي من حماس ثمن الخطأ الاستراتيجي الذي ترتكبه”.
من جهته قال وزير الامن موشيه يعلون ان “الهدف هو وضع حد نهائي للصواريخ والعمليات من قطاع غزة، وسندير المعركة حتى نحقق انجازا”. وقال انه “سيتم جباية الثمن من حماس حتى تفهم انه لا يتم اطلاق النار على مواطنينا وعلى جنودنا”!
في المقابل قال الناطق بلسان كتائب عز الدين القسام انه “اذا لم توقف اسرائيل سياسة قصف البيوت في غزة فسنوسع مرمى الصواريخ”. وقال مسؤول إسرائيلي رفيع مساء امس ان نتنياهو اوعز للجيش بالاستعداد لاجتياح غزة والقيام بعملية طويلة ومنهجية وقوية في غزة. واضاف ان الاجتياح البري يعتبر خيارا مطروحا على الطاولة.
آلاف الاسرائيليين تركوا بيوتهم في الجنوب
وكتبت صحيفة “يديعوت احرونوت” ان آلاف العائلات الاسرائيلية بدأت بحزم حقائبها ومغادرة بلداتها وبيوتها في الجنوب لفترة غير معروفة. وقالت: “ابتداء من يوم امس، بدأ السكان في البلدات المحيطة بغزة باخلاء بيوتهم والانتقال الى الكيبوتسات التي استوعبتهم، وفق تنسيق مسبق قامت به حركة الكيبوتسات. وقد وصلت مئات العائلات الى الكيبوتسات التي استضافتهم، امس، ويتوقع ان يتواصل وصول المجموعات اليوم وغدا وحتى نهاية الأسبوع. وقال احد السكان: “نحن لا نهرب من هنا ولا نترك بدافع الخوف، وانما نخرج في استراحة، ونبتعد عن خط النار كي يتمكن الجيش من العمل دون خوف من تعرض المدنيين الى الخطر”.
الى ذلك كتبت “يسرائيل هيوم” ان وزارة الخارجية الإسرائيلية تجند سكان الجنوب في الحرب الاعلامية، حيث دعتهم الى تصوير افلام تعكس طبيعة حياتهم في ظل الصواريخ، ليتم استخدامها في الحرب على الرأي العام الدولي. وحسب الناطق بلسان الوزارة يغئال بالمور، فان الهدف هو تعريف من لا يعيش واقع الحياة في إسرائيل على الواقع غير المحتمل لجانب كبير من السكان. وقال ان الوزارة ستقوم بتفعيل شبكة بريدها لنقل الصور والافلام الى كل انحاء العالم.
اعتقال مشبوه سابع في جريمة قتل محمد ابو خضير
كتبت صحيفة “يديعوت احرونوت” ان الشرطة اعتقلت، امس، مشبوها سابعا بقتل الفتى محمد ابو خضير من شعفاط، فيما تبين ان بالغا في الثلاثين من عمره من مستوطنة آدم هو الذي خطط للعملية وجند منفذيها. ويتبين من التحقيق ان قائد الخلية اخذ سيارة قريبه دون معرفته، واخذ معه شابين (17 عاما) احدهما من بيت شيمش والاخر من القدس، وتوجهوا الى شعفاط للبحث عن الضحية الملائمة. وقرابة الساعة الرابعة فجرا، شاهدوا محمد ابو خضير، واعتقدوا انه طفل فقرروا اختطافه. وقد اوقفوا السيارة الى جانبه وادخلوه الى السيارة بالقوة، وضربوه على رأسه بآلة حادة، وسافروا الى غابة القدس، وعندما وصلوا الى هناك اخرجوه من السيارة وسكبوا عليه الوقود واحرقوه حيا، ولاذوا بالفرار.
وادعى الشابان ان الشخص الذي جندهما ضللهما، حيث ابلغهما ان “الهدف هو اختطاف ولد عربي وضربه، ولم يذكر أي كلمة عن القتل، وانه هو الذي احرق الفتى”. ويدعي اقرباء المشبوه الرئيسي بأنه مختل عقليا. ويتضح من التحقيق انه قرر قتل ولد فلسطيني انتقاما لمقتل الشبان الاسرائيليين الثلاثة. اما المشبوهين الثلاثة الآخرين فلم يشاركوا في الاختطاف، وانما يشتبهون بالمساعدة وتوفير المعدات. وهم من شكان بيتار عيليت والقدس وبيت شيمش.
ويوم امس اعتقل المشبوه السابع وهو من سكان القدس. ويتبين انه تربط بين بعض المشبوهين قرابة عائلية لكنه لا يمكن توضيحها بسبب امر منع النشر. وقررت المحكمة المركزية في بيتح تكفا، امس، تقليص فترة اعتقال احد المشبوهين بالمساعدة على القتل.
منتدى لرؤساء الجامعات لمحاربة المقاطعة الاكاديمية
كتبت “يسرائيل هيوم” ان هفي ضوء ازدياد التهديد بالمقاطعة الاكاديمية لإسرائيل، قرر رؤساء الجامعات الاسرائيلية تشكل منتدى خاص لمحاربة المقاطعة. وقال رئيس لجنة رؤساء الجامعات البروفيسور مناحيم بن ساسون، ان المقاطعة الاكاديمية تعتبر خطوة خطيرة تتعارض مع روح البحث العلمي. وسيعمل المنتدى على متابعة تهديدات المقاطعة الاكاديمية وتحديد مقاييسها والعمل على تقليص اضرارها بمشاركة جهات اخرى في البلاد والخارج. وقال الجنرال بن ساسون ان المقصود ظاهرة متزايدة هدفها المس بإسرائيل.
مقالات
رسالة وليست حربا
تحت هذا العنوان تكتب صحيفة “هآرتس” في افتتاحيتها الرئيسية، ان حملة “الجرف الصامد” تهدف الى نقل رسالة واضحة لحماس تقول ان اسرائيل لن تتحمل هجمات الصواريخ على أراضيها، ولكن التخوف هو ان تتطور هذه الرسالة الى حرب مترامية الأطراف، لا يمكن التكهن بنتائجها مسبقا. فلقد قرر المجلس الوزاري المصغر، امس، تجنيد عشرات آلاف جنود الاحتياط بعد اطلاق عشرات الصواريخ على اسرائيل، ومقتل ما لا يقل عن 16 فلسطينيا جراء هجمات الجيش. وعادت الديناميكية المعتادة للعمل: نقل رسائل سياسية عبر مصر والولايات المتحدة، هجمات منفردة، والآن حملة واسعة.
وتضيف “هآرتس” ان الخلافات في المجلس الوزاري بين مؤيدي “القبضة الصارمة” التي تعاقب وتنتقم، وبين مؤيدي الحذر والانضباط، تدل على أن رئيس الحكومة يقر بحدود العملية العسكرية وابعادها السياسية والاقتصادية، وبذلك تم التعبير عن الاعتراف بأن ميزان الردع بين إسرائيل وحماس، رغم الفارق الكبير في القدرات العسكرية، يملي مقاييس الرد الاسرائيلي. وتقول الصحيفة ان هذا الاعتراف وقف على مدار فترة طويلة في صلب التفاهمات غير الرسمية بين إسرائيل وحماس، عندما وافقت إسرائيل على تحميل التنظيم المسؤولية عن الهدوء في قطاع غزة وطالبته بتطبيق هذه المسؤولية، وبالفعل لقد امتنعت حماس حتى الآونة الأخيرة عن تحمل جزء من القصف الصاروخي، بل عملت على احباط عمليات القصف من قبل التنظيمات غير الخاضعة لسيادتها. لقد فهمت إسرائيل انه بعد عملية “الجرف الصامد” ستبقى حماس هي القوة الفاعلة في القطاع، ولذلك تمتنع عن شمل “تحطيم البنية التحتية للإرهاب” – أي تحطيم القيادة – بين اهداف العملية.
وفي المقابل فان الضغط الذي يمارس على الحكومة، ومعاناة سكان الجنوب التي تشمل اصابة بيوتهم وتعليق التعليم واغلاق المصالح التجارية، تغوي على العمل بقوة وبحجم واسع. هذا هو الاغواء الذي يعتمد على وهم المفهوم الذي يدعو الى “انهاء المسألة مرة والى الأبد”، وهو المفهوم الذي فشل المرة تلو الأخرى، في العمليات السابقة.
وتضيف “هآرتس” انه يتحتم على رئيس الحكومة المناورة بحذر، حتى اذا كان وزير الخارجية ليبرمان ينفخ في مؤخرته والوزير بينت يصوره كمتردد. ففي الوضع الذي لا تجري فيه مفاوضات سياسية، وفي الوقت الذي تعصف فيه الضفة وتهدد بفتح انتفاضة جديدة، لا يشكل ضبط النفس العسكري دليلا على الوهن وانما تعبيرا عن فهم قابلية الاوضاع للانفجار. وهذه هي الظروف التي تحتم على السياسي اخلاء مكانه للقائد والاهتمام بأن لا تجر إسرائيل الى اماكن لم تقصد وصولها.
ليست انتفاضة بل حرب أهلية
تحت هذا العنوان يكتب نوعام تيروش في “هآرتس”، انه يبدو ظاهريا بأن الوصف الملائم للاضطرابات التي اندلعت في انحاء البلاد في الأيام الأخيرة، هو “انتفاضة ابو خضير”، ومن السهل جدا تفهم هذه الاحداث كبداية لهبة شعبية اخرى تنبع عن استمرار السيطرة الإسرائيلية على المناطق المحتلة في حرب الأيام الستة. لكن المشكلة تكمن في أن هذا التحليل لا يتفق مع الواقع، فالكيان السياسي المستقر والهادئ بين نهر الأردن والبحر، خلال الأحداث الأخيرة، كان السلطة الفلسطينية بالذات، والتي شجب رئيسها محمود عباس بشجاعة وبصوت واضح اختطاف الشبان اليهود.
ويضيف ان “انتفاضة ابو خضير” لا تحدث بتاتا في المناطق المحتلة، فالاضطرابات اندلعت في القدس الشرقية والمثلث وبلدات فلسطينية اخرى في شمال وجنوب اسرائيل، وتم تسجيل حالات توتر حتى في الكثير من المدن المختلطة، اما نابلس ورام الله وجنين والخليل فبقيت هادئة. وحسب رأيه فان حقيقة اندلاع الكراهية والعنف داخل إسرائيل، وفي الوقت الذي يخطو فيه اليهود والعرب بعيون مفتوحة، نحو الاصطدام العنيف، ليست صدفة. فالوقود الذي يحرك “انتفاضة ابو خضير” هو ليس الاحتلال، وانما حقيقة كون الفلسطينيين في اسرائيل يعتبرون درجة ثانية، ويتم التمييز ضدهم واقصائهم عن كل مسارات المجتمع اليهودي، اضافة الى هدر دمهم وليس كرامتهم فقط، كما ظهر في الأيام الأخيرة.
وهكذا، يقول الكاتب، فان قتل محمد ابو خضير وما جره من مسيرات الكراهية في انحاء البلاد، وتعابير الكراهية عبر الشبكة الاجتماعية، وقيام السياسيين باستغلال الوضع لتأجيج الكراهية والخوف، تحول الى رمز للواقع الجديد في اسرائيل، واقع الحرب الأهلية. ولا شك ان الاحتلال يغذي العنف داخل إسرائيل، وربما يكون رد الجيش الإسرائيلي البالغ في انتفاضة الأقصى لا يزال محفورا في وعي الفلسطينيين في المناطق ويردعهم عن الانضمام الى الهبة، ولكن الوصف الصحيح الذي يفسر الاحداث الاخيرة هو ان الدولة ممزقة بين مجموعتين عرقيتين، تتقاسمان ذات المنطقة الجغرافية والاطار السياسي، وتديران صراعا يتدهور في الأيام الأخيرة نحو الارهاب والعنف في الاتجاهين، وتسعيان الى حسم شكل النظام السياسي الذي سيسري عليهما. وهذا ينطبق عليه اسم واحد: حرب اهلية.
ويضيف: سواء تم التوصل الى حل الدولتين او واصل اليهود السيطرة على كل الأرض، وسواء تولد بديلا لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لا يقوم على الفصل، فانه يتحتم على النظام الذي سيعيش في ظله اليهود والفلسطينيين ان يكون نظاما ديموقراطيا. ولا يرى بالضرورة ان الحرب الاهلية ستنتهي مع انتهاء الاحتلال، ولا حتى اذا تم التوصل الى حل سياسي. فالعنف بين المجموعات داخل إسرائيل سيتوقف فقط اذا كانت إسرائيل دولة جميع مواطنيها، دولة يتمتع فيها كافة المواطنين بالمساواة في الحقوق دون أي علاقة بأصلها العرقي. واذا لم تكن إسرائيل دولة لكل مواطنيها فإنها لن تكون ابدا، كما تثبت الاحداث الأخيرة.
المشكلة الأساسية لنتنياهو
تحت هذا العنوان يكتب يوسي فورتر في “هآرتس”، انه تم جر نتنياهو من شعر رأسه للحملة ضد حماس، وهي الثانية خلال فترة ولايته. فهو لم يرغب بها وهرب منها وتمنى ان لا تصل، لكن العدو الغزي الصفيق لم يترك له خيارا. حتى الرسالة التي وجهها نتنياهو الى الوزراء، امس، لم تحاول اخفاء هذه الحقيقة المحرجة، حيث جاء فيها ان “المعركة فرضت علينا من قبل حماس”.
ويقول فورتر ان نتنياهو سيحاول خلال الأيام القادمة ترجمة ضبط النفس والانضباط المثير للانطباع الذي اظهره، في سبيل تحقيق مكاسب على الحلبة الدولية امام الدول التي ينفذ صبرها عادة امام العمليات العسكرية الاسرائيلية، وكذلك على الحلبة الداخلية. واذا قتل مدنيون او جنود لن يكون بالإمكان اتهام نتنياهو بسرعة الضغط على الزناد، او بالسعي الى الحرب. وسيضطر حتى اليسار الى الاعتراف بأن نتنياهو بذل جهدا للامتناع عن هذه المشكلة.
ويقول فورتر ان اليوم الاول لعملية “الجرف الصامد” شطب، تقريبا، النقاش السياسي، فاليمين الذي لاحق نتنياهو منذ العثور على جثث الشبان المخطوفين صمت، ومعسكر اليسار – المركز يمنحه الدعم، حاليا، حتى يسود الانطباع بأن بنك الأهداف انتهى. ويقول ان مشكلة نتنياهو لا تكمن في المركز السياسي او حتى في اليسار الصهيوني، وانما في قاعدته السياسية، في بيته الأيديولوجي في اليمين. فالاستطلاع الذي اجرته “هآرتس” امس، يشير الى وضع نتنياهو في هذا التوقيت، ويبين ان غالبية المشاركين في الاستطلاع يساندونه، ولكن مصدر قوته ودعمه هذه المرة جاء قليلا. ففي سؤالين حول توقيت العملية واهدافها، قال 44% انهم يعتقدون بأن نتنياهو ويعلون تصرفا بشكل صحيح عندما قررا الانتظار لأكثر من اسبوع حتى بدأت العملية. وقال 38% ان ضبط النفس في هذه الحالة يعتبر سيئا وكان عليهما العمل من قبل. ومن الواضح ان كل المعسكر الذي ينتمي اليه نتنياهو تشمله نسبة الـ38%.
والامر نفسه يتبين في السؤال حول اهداف العملية، فقد قال 40% انه يتحتم على اسرائيل خوض حرب فاعلة ضد حماس ولو كلف ذلك احتلال غزة. وقال 48% انهم يفضلون عملية محدودة تعيد الهدوء. ومرة اخرى يتمثل ناخبو اليمين والليكود في نسبة الاقلية. ويضيف فورتر ان دعم 68% من الجمهور للثلاثي الذي يدير المعركة، نتنياهو، يعلون وغانتس، ليس مفاجئا، فنتنياهو يعتبر قائدا مجربا اثبت اكثر من مرة انه ليس متسرعا في المسائل الامنية. ويعلون هو القائد السابق للجيش ورجل امن يحظى دائما بدعم الجمهور، وغانتس يتواجد في سنته الأخيرة ويحظى بتأييد الجمهور. ولكن، يضيف فورتر، هذه هي معطيات البداية، تماما كتلك التي حظي بها ايهود اولمرت وعمير بيرتس ودان حالوتس في بداية حرب لبنان الثانية، ولكن خلال شهر انقلبت السماء عليهم، وانتهت سيرتهم عمليا. وهذا هو الخطر الذي تواجهه كل القيادات السياسية والعسكرية. ولذلك لن يكون من المبالغ فيه التكهن بأن عبر حرب لبنان الثانية مطروحة طوال الوقت امام ناظري نتنياهو، في ذاكرته ووعيه.
ازيلت كل الحواجز
تحت هذا العنوان يكتب عاموس هرئيل في “هآرتس”، انه على الرغم من تواجد حماس في حالة ضعف، بل حتى في ضائقة استراتيجية فانه هو الذي يحدد حاليا سير الامور في المواجهة الحالية، بينما يتم جر اسرائيل نحو الصدام العسكري الذي لم ترغب فيه منذ البداية. وعدد الضحايا المتزايد في قطاع غزة، وحقيقة ركض ثلاثة ملايين إسرائيلي الى الملاجئ، امس، واطلاق اكثر من 100 صاروخ على إسرائيل، تملي التصعيد المتزايد. وبسبب عدم تحديد مسار منظم للخروج من هذه المواجهة، وعدم استعداد الوسطاء المصريين لبذل الجهود المطلوبة لتحقيق ذلك، لا يبدو حاليا في الأفق موعدا محددا لانتهاء هذا الصدام.
ويقول ان المواجهة في غزة امتطت على ظهر عملية الاختطاف، لكنها تتسع بدون علاقة بها. فقيادة حماس في غزة لم تكن طرفا في عملية الاختطاف ولكن فشل العملية – عدم قدرة الخلية التي اختطفت الشبان على طرح مطالب من إسرائيل، والعثور على الجثث- ابقى حماس بدون انجاز، واضيفت الى ذلك مشاعر الحصار المتزايدة في القطاع وفشل محاولات قيادة حماس اختراقه. وبحثت حماس عن انجاز بديل، ولذلك، كما يبدو، بادرت الذراع العسكرية الى تسخين القطاع بواسطة القصف الصاروخي المتزايد، وردت إسرائيل بضبط نسبي للنفس، وبهجمات جوية موضعية. وقد بادرت الحركة في بداية الاسبوع الى خطوة طموحة تمثلت في محاولة ذكية لتنفيذ عملية عبر نفق هجومي، بالقرب من كرم ابو سالم. ويبدو انه تم احباط العملية عندما نزلت قوة حماس الى النفق وتسببت بحادث عمل. ومن هنا تم فتح حساب آخر، فنزلت قيادة حماس السياسية والعسكرية الى المخابئ، وتسلم نشطاء الحركة اوامر بزيادة قوة القصف.
ويقول هرئيل ان مشكلة إسرائيل تكمن في انه تم جرها الى المواجهة دون أي مفر آخر. وهذا يشبه ما حدث قبل اسبوع من عملية “عامود السحاب” في 2012. ففي حينه، ايضا، اخطأت حماس في تقدير نوايا حكومة نتنياهو واعتقدت انها ستضطر الى تجاوز التصعيد. لكن إسرائيل امتلكت في حينه تفوق عنصر المفاجأة، حيث تم فتح العملية باغتيال رئيس الذراع العسكرية لحماس احمد الجعبري، وقصفت إسرائيل غالبية مخزون الصواريخ قصيرة المدى، ولذلك كان من السهل التوصل الى وقف لإطلاق النار.
اما هذه المرة فقادة حماس يجلسون في المخابئ، وعدد الصواريخ التي يمكنها الوصول الى غوش دان يقدر بعدة مئات، تم اخفاء قسم منها بشكل جيد. ويبدو ان حماس تعلمت الحذر. فخلال المواجهات السابقة قتل عدد كبير من اعضاء الخلايا التي اطلقت الصواريخ جراء القصف الجوي الإسرائيلي، اثناء قيامهم باعداد الصواريخ للقصف، وهذه المرة، وحسب اشرطة تم نشرها في السنوات الأخيرة، يتواجد قسم من راجمات الصواريخ تحت الأرض، فيما يحافظ مشغلوها على مسافة آمنة من مكانها اثناء تفعيلها.
ويرى هرئيل انه في ضوء الاحباط المتزايد لدى الجمهور الإسرائيلي يتحتم على الحكومة الرد بكل قوة. لقد قال عدد من الوزراء الكبار، امس، ان إسرائيل ازالت كل الحواجز، وان كل هدف ينتمي الى حماس يعتبر قصفه مشروعا. وكما يبدو فان “كل هدف” تشمل القيادة الرفيعة لحركة حماس، كما تم امس. فأعمال القصف القادمة لن تركز على الممتلكات. ومن جهتها تواصل حماس البحث عن انجاز. ويوم امس تم التبليغ عن تفجير اخر في نفق يقع في منطقة كرم ابو سالم، دون ايقاع اصابات في الجانب الاسرائيلي. وكذلك تم ارسال خلية من البحارة الى شاطئ زيكيم، بعد ساعات قليلة من قيام الجيش بقتل اربعة من رجال القوة البحرية لحماس. وتم قتل المتسللين فور وصولهم الى الشاطئ. وكما يبدو فقد اعدت حماس سلسلة من المفاجآت التكتيكية التي تهدف الى تشويش العملية الإسرائيلية وتسجيل انجازات معنوية. لكن هذا لم يتحقق حتى الآن.
ويضيف هرئيل: لقد اوضحت القيادة الإسرائيلية امس ان فترة الانضباط انتهت، ويحتمل ان تشمل العمليات اجتياحا بريا للقطاع رغم ان الحكومة لم ترغب بذلك منذ البداية. ويبدو ان الجيش بات قريبا من هذا الاجتياح اكثر مما كان عليه في عملية عامود السحاب. لكنه في حينه كانت إسرائيل متفوقة بسبب الخطوة الافتتاحية للمعركة. اما هذه المرة فنتنياهو لا يملك انجازا، وقصف النقب ووسط إسرائيل يمكن ان يتسع. وفي هذه الظروف يتزايد الضغط على الحكومة والجيش للقيام بعمل ما، ويمكن لهذا العمل ان يشمل ارسال قوتين تم اعدادهما مسبقا، لعمليات هجومية محدودة. ويضيف الكاتب انه يمكن للمواجهة الحالية ان تستغرق عدة ايام، وان تتصاعد، وهنا يكمن دور الوساطة المصرية. وحسب ما قالته مصادر فلسطينية فقد وصل وفد من المخابرات المصرية الى إسرائيل قبل اسبوع للشروع بالوساطة، وحماس بدأت تعرض شروطها علانية، وفي مركزها تخفيف الحصار وعودة الى وقف اطلاق النار الذي اتفق عليه في عامود السحاب، واطلاق سراح الأسرى الذين اعيد اعتقالهم.
المصداقية، هذا هو اسم اللعبة
تحت هذا العنوان يكتب ناحوم برنياع في “يديعوت احرونوت”، عن خيارين غير مفرحين حسب قوله، الاول: ان حماس اختارت في حالة يأس، ان تكون شمشون الجبار، فاذا كتب عليها الاندفاع الى الحائط، فهي لا تريد ان يتم ذلك بسبب عدم توفر المال لدفع رواتب الموظفين، او لأنها فقدت شفعائها في العالم العربي، او بسبب انزال ضربة بالغة برجالاتها في الضفة خلال الأيام الأخيرة وتخلي الشارع الغزي عنها، ولذلك تعمل بمقولة شمشون “فلتمت نفسي مع الفلسطينيين”. واما الخيار الثاني والذي تعتبره إسرائيل اكثر واقعية، فهو ان رجال الذراع العسكرية في غزة اجروا تقييما استخباريا واستنتجوا ان الحكومة الإسرائيلية تكذب، وان التهديدات التي يطلقها كبار الوزراء فارغة المضمون.
ويضيف: اذا كانت حماس تريد التوصل الى انجاز في نهاية هذه الجولة، واذا كانت تريد ردع اسرائيل مستقبلا، فانه يتحتم عليها اثبات مدى قوتها، والصواريخ التي تم اطلاقها على تل ابيب تعتبر خطوة بادئة للمفاوضات. وباختصار، يكتب برنياع، فقد كان لدى رجال حماس مفهوما وركيزة وقائعية تقول: ان الغالبية في المجلس الوزاري والحكومة وقيادة الجيش، لم تعرف ما هي الفائدة التي ستجنيها إسرائيل من المواجهة مع حماس في غزة، وسعت الى منعها. وقد وقف وراء هذا التوجه رئيس الحكومة ووزير الأمن. وعندما يفقد احد الاطراف ثقته بتهديدات الجانب الآخر، تكون النتيجة فقدان الردع، وتبدأ عملية خطيرة، تسمح حماس لنفسها خلالها بالهيجان، وتضطر حكومة إسرائيل التي لا تسارع الى الحرب، الى الأمر بتوسيع الرد العسكري، بما في ذلك استخدام القوات البرية. انها لا توهم نفسها بأنها ستحقق من خلال ذلك انجازات كبيرة، ولكنه يتحتم عيلها الاثبات لنفسها ولسكانها ولحماس ان كلمتها هي كلمة، وان المصداقية هو اسم اللعبة.
ويضيف برنياع: بعد يوم من انتهاء هذه الجولة سنضطر الى سؤال انفسنا كيف حدث واصبح عدوا مثل حماس لا يصدق تهديدات رئيس الحكومة الإسرائيلية، هل حدث ذلك لأنه هدد ايران وحماس والسلطة الفلسطينية اكثر من اللزوم، وفعل أقل من المطلوب، او لأن حماس فقدت قدرتها على الاصغاء وفهم طريقة اتخاذ القرارات في اسرائيل، فمثل هذا الخطأ ارتكبته الجهات العربية اكثر من مرة. ويضيف: حتى يوم امس، كان يمكن للإسرائيليين الشعور بالرضا ازاء الاستعدادات لهجوم حماس. فقد تم احباط عمليتين خططت لهما حماس (النفق قرب كرم ابو سالم، والخلية البحرية) دون وقوع اصابات في الجانب الاسرائيلي. والصواريخ لم تسبب، حتى ساعة متأخرة من الليلة الماضية، وقوع اصابات بشرية او اضرار مادية كبيرة. وغوش دان تعرض للهجوم ولكنه لم يتضرر، وكذلك بئر السبع واشكلون وغيرها من المدن. وثبت وجود اهمية استراتيجية للقبة الحديدية.
ويقول برنياع ان قائد الاركان زار كتيبة غزة امس وصادق على المخططات، ولكن السؤال هو اذا ما كانت امكانية دخول القوات البرية الى المناطق المأهولة في غزة لا تزال واردة. ففي عملية عامود السحاب قبل عامين بدا ان القوات ستدخل لكن ذلك لم يتم، وتعرضت حماس الى ضرر بالغ، لكنها لم تتلق ضربة، ولم تحدث معارك حقيقية. لقد طالب وزير الخارجية ليبرمان الان بالدخول الى غزة في سبيل حسم المعركة، انه على استعداد لدفع الثمن المطلوب، والمرتبط بحياة الجنود وقتل مدنيين في الجانبين، وبصدور صور بالغة ستعرض على شاشات العالم. لقد قال للوزراء ان الثمن في المرة القادمة سيكون اكبر، وحماس لن تمتلك ثلاثة الاف صاروخ بل عشرات الآلاف. حاليا لا يزال ليبرمان يشكل اقلية في الحكومة، ذلك ان الغالبية تسعى الى التهدئة وليس الى الحسم.
فقدان السيطرة
تحت هذا العنوان يكتب اليكس فيشمان في “يديعوت احرونوت”، ان المواجهة بين إسرائيل وحماس دخلت نقطة اللاعودة، ومنذ الآن لا يملك أي طرف أي سيطرة لا على الجدول الزمني ولا على شكل انتهاء المعركة. فالجانبان لا يعملان من منطلقات استراتيجية او مصالح امنية واضحة فقط، وانما يتم دفعهما من قبل عالم من التخيلات والرموز والغرائز والانتقام، ولذلك فان كبح هذه المواجهة قبل وصولها الى مقاييس دامية يعتبر شبه مستحيل. ويضيف: بالنسبة لحماس يعتبر اطلاق الصواريخ على تل ابيب بمثابة “صورة الانتصار” المطلوبة في هذه المواجهة، تماما كالهجوم من داخل نفق والسيطرة على بلدة او اختطاف جنود الى غزة، فكلها احداث دراماتيكية لن تمنح الهيبة لحماس فقط، وانما ستعرض الحكومة الإسرائيلية الى ضغط شعبي يحتم عليها الموافقة على وقف اطلاق النار بناء على الشروط التي ستطرحها حماس. وبالفعل، لقد استلت حماس، امس، بعض المفاجآت الاستراتيجية التي اعدتها مسبقا: فقد بدأت باطلاق الصواريخ على غوش دان، وحاولت تنفيذ عملية استراتيجية عبر البحر في منطقة زيكيم، وحاولت تنفيذ عملية عبر نفق في كرم ابو سالم، وكل ذلك من خلال الافتراض بأنه كلما مضى الوقت ستزداد العمليات الإسرائيلية والتي ستقلص من قوة التنظيم. وطالما لم يصل الجيش الى كل الانفاق والصواريخ طويلة المدى، فان امام حماس فرصة اطلاق النار وتنفيذ عمليات استراتيجية. اما بعد عدة أيام فستواجه مصاعب كبيرة.
ويضيف فيشمان ان حماس ستحاول جر المعركة قدر الامكان، لأنها تقدر بأن قدرة استيعاب المجتمع الفلسطيني للضربات تفوق قدرة الاستيعاب لدى الجبهة الداخلية الاسرائيلية، ولذلك ستحاول حماس مواصلة قصف غوش دان بكل الصواريخ التي لم يتم اصابتها بعد، من خلال وجبات يومية تتراوح بين 10 و20 صاروخا. وحسب المعلومات فان حماس تملك بين 300 و350 صاروخا طويلة المدى، ما يعني انه يمكنها مواصلة اطلاق الصواريخ لمدة اسبوعين. وبمثل هذا الحجم يمكن للقبة الحديدية ان لا تنجح باسقاط كل الصواريخ، وسيخلق الدمار والاصابات في غوش دان صورة الفزع التي تبحث عنها حماس. وبالنسبة لحماس فانه حتى اذا تعرضت الى ضربة قوية، فان قدرتها على مواصلة الوقوف ستعني تحقيق انجاز، تماما كما حدث بعد عملية عامود السحاب.
وحسب فيشمان فقد قام سلاح الجو امس بقصف 98 راجمة صواريخ مدفونة داخل الأرض، وعشرة انفاق هجومية، كما تمت مهاجمة شبكة الدفاع الجوية لدى حماس، في سبيل تأمين المجال الجوي ومنع اطلاق الصواريخ على الطائرات. وصادقت الحكومة على تجنيد 40 الف جندي احتياط لصالح المعركة البرية. والتجنيد لا يزال جزئيا، لان إسرائيل ليست معنية باحتلال قطاع غزة، ولكن في اليوم الذي ستسقط فيه الصواريخ في تل ابيب، وتصيب المدنيين، لن تتمكن أي حكومة من الصمود امام الضغط الشعبي الذي سيطالبها باجتياح غزة لفرض النظام. وهذا سيناريو شبه مؤكد، تمضي إسرائيل نحوه بعدم رغبة منها، وخلافا لكل مصلحة. ويعتقد فيشمان ان الحكومة الإسرائيلية قريبة من اتخاذ هذا القرار.
يجب اعادة غزة الى عصر الحجارة.
هذه الدعوة يطلقها محرر “يسرائيل هيوم” عاموس ريغف، ويقول انه لا يقصد محو كل منزل وتدمير كل بنية تحتية وترك السكان يتجولون بين الخرائب، وانما يقصد محو كل قذيفة، وتفجير كل عبوة ناسفة، والسيطرة على كل رشاش وبندقية، أي شطب كل مخزون الاسلحة الذي راكمته حماس في القطاع خلال السنوات الأخيرة، واقتلاع اسنان الثعبان، وترك حماس مع الحجارة فقط. وهذا يمكن عمله فقط من خلال شن عملية عسكرية برية واسعة، من خلال الإصرار والعض على الشفتين والاقرار بأنه لا مفر من هذه الحرب.
وحسب ريغف فقد اتاحت حكومة إسرائيل خلال العقد الزمني الأخير، لقطاع غزة التحول الى قاعدة للإرهاب. وتم تنفيذ عمليات عسكرية وعمليات اغتيال، ولكن بين هذه وتلك، تمكنت “التنظيمات الارهابية” وفي مقدمتها حماس، سواء عبر الانفاق او بواسطة المصانع المحلية، وبمساعدات خارجية وبإنتاج محلي، من جمع كمية كبيرة من الصواريخ والقذائف، وهكذا تولد ما يشبه “ميزان الرعب” بين إسرائيل التي تملك اكبر جيش متطور وسلاح الجو والطائرات بدون طيار، وبين تنظيم ارهابي يتسلح بعدة آلاف من الصواريخ.
“لقد تآكل الردع الإسرائيلي امام الردع الحماسي المتمثل في قدرة حماس على ضرب غوش دان”. يقول ويضيف: في الظروف الناشئة حاليا، من الضروري تغيير الوضع، ولا يكفي استعادة الهدوء، وانما يجب العودة الى وضع لا تستطيع فيه حماس رشقنا بأكثر من الحجارة. هكذا بدأ الأمر هناك في غزة في الانتفاضة الأولى، ولكنهم منذ ذلك الوقت، وخاصة في العقد الأخير، تسلحوا بالصواريخ طويلة المدى. ويمكن خلال عشرة ايام اعادتهم الى عصر الحجارة.
ويقول ريغف: هناك لحظات في حياة الأمة يتم خلالها صنع التاريخ، وهكذا هو الوضع الآن، اذا اجدنا استغلاله. يجب هذه المرة تغيير الطريقة، بحيث لا يتم الاكتفاء بتوجيه عدة وخزات والقيام بعمليات قصف تشريحية، وانما يجب تركيز قوة كبيرة، تشمل عدة كتائب عسكرية، لتتدحرج كالمدحلة، ببطء ولكن بقوة كبيرة. ومن يعرف التاريخ العسكري يفهم الطريقة. لقد تم تفعيلها في السابق، ونجحت. وتقوم هذه الطريقة على تركيز قوة كبيرة على كل متر من الجبهة والتدحرج الى داخل القطاع، وتدمير كل موقع مقاومة وتفجير الانفاق وكل مستودعات الأسلحة، واستكمال المهمة والانسحاب. ويقول ان عملية كهذه ستحظى بتأييد الجمهور الإسرائيلي، من الجنوب وحتى الشمال. ولذلك يجب ان يتم تحديد هدف لقواتنا يتجاوز “اعادة الهدوء”. ويجب ان يكون الأمر: القضاء على قدرة حماس على تهديدنا. وترك حماس بعد الانسحاب من غزة، مع الحجارة فقط.