إخفاء جرائم الحرب خلف سؤال … بقلم : دانيال مكغواير

2014/08/04
Updated 2014/08/04 at 9:57 صباحًا

op8via4g

كبار السن يتعمدون إخفاء أمراضهم وأوجاعهم عن الآخرين هل لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها؟ رغم أنه من الصعب أن يكون هناك سؤال خاطئ، فإن هذا السؤال خاطئ حتى الموت، حتى مع أنه يشكل القلب والروح في دفاع إسرائيل عن هجومها الأخير على غزة الصغيرة والضعيفة.
وهو أيضاً أساس التقييم الأميركي للكارثة الأخلاقية القائمة الآن. وقد صوت مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع على الإجابة عن هذا السؤال بالإيجاب، في الوقت الذي تجاهل فيه كل الظروف المؤلمة الأخرى ذات الصلة. ولم يسبق لسؤال بهذا الحجم من الخطأ أن حظي بمثل هذه الأهمية والمصادقة رفيعة المستوى أبداً.
يرتكب هذا السؤال الملتوي خطيئته من خلال الانحراف والمخادعة. وبكل السحر الكلامي الشفوي، يتحول العدوان فجأة إلى دفاع يتمتع بكل المشروعية التي يمكن للدفاع أن يتحلى بها. وهو سؤال قريب من التساؤل: “هل يكون للمغتصب أثناء عملية الاغتصاب الحق في الدفاع عن نفسه إذا قاومت الضحية؟”.
مع فقدان جماعي في الذاكرة، تضع إسرائيل والولايات المتحدة جانباً وقائع أساسية من الحرب. ويشكل الحصار (أو الإغلاق) ضرباً من أعمال الحرب الهجومية. وفي الحقيقة، تظل هذه الممارسات من بين الأسلحة الهجومية الأكثر كارثية التي تدينها كل من نظرية “الحرب العادلة” -الأكثر قرباً من الفكرة- أخلاقيات الحرب اليهودية والمسيحية على حد سواء.
لخص ميمونايدز في القرن الثاني عشر وجهة النظر التلمودية من الحصار، فقال إنه يمكن تبريره فقط إذا ترك أحد الجوانب مفتوحاً حتى يتيح للمواطنين إمكانية الهرب. ومن الطبيعي أنه لا يعود حصاراً في هذه الحالة. والخلاصة: إن الحصار هو عمل غير أخلاقي.
وكما يقول مايكل وولزر في معالجته لموضوع “الحرب ضد المدنيين”، فإن “عدداً أكبر من المدنيين ماتوا نتيجة لحصار لينينغراد ومنهم في جحيم كل من هامبورغ ودريسدن وطوكيو وهيروشيما وناغازاكي إذا أخذت سوية”. وتوصف الآثار الصحية للحصار طويل الأمد والذي يزداد شدة على الأطفال والآخرين في غزة بأنها مرعبة.
يصطف الناس في غزة بشكل متساو في طابور الموت، نظراً لأن الهجوم الإسرائيلي الحالي يشدد ويضيق الحصار. وقد حاولت أساطيل كانت تحمل أدوية وأغذية تمس الحاجة إليها في غزة كسر الحصار، لكن إسرائيل قامت بردها على أعقابها: وفي إحدى الحالات أطلق الإسرائيليون النار وقتلوا تسعة من ركاب إحدى قطع أسطول السلام، أحدهم مواطن أميركي (سفينة مافي مرمرة التركية).
لنعد الآن إلى السؤال الذي يدعم التبريرات الإسرائيلية والأميركية الضعيفة: هل تمتلك الجهة التي تفرض الحصار الحق في الدفاع عن نفسها أمام ضحيتها خلال الحصار؟ ألا يتقدم حق المحاصرين في إنهاء الحصار على ادعاءات رابع أكبر قوة عسكرية في العالم، والتي تقوم بخنق 1.7 مليون مواطن فلسطيني مسجونين في داخل حدود غزة الضيقة؟
إن الحقيقة التي لا لبس فيها راهناً على أرض الواقع تشير إلى أن الناس في غزة يقفون في الحقيقة يتخذون شكل طابور الموت. ومع وجود إسرائيل على أحد الجوانب ومصر المعادية والقوية على الجانب الآخر، وحيث تم تدمير الأنفاق التي كانت بمثابة خطوط حياة اقتصادية (لا مجرد طرق لإيصال الأسلحة الدفاعية) أمسى الحصار كارثياً.
أكذوبة التكافؤ
ثمة المزيد من الأكاذيب المخبأة أسفل السؤال المذكور الذي في غير محله: ألا تمتلك إسرائيل حق الدفاع عن نفسها؟ ومن الأبرز منها، والتي تسيطر على إعلام الاتجاه السائد في أميركا، أكذوبة التكافؤ. والمعنى المتضمن هنا هو أن لدينا حرباً تجري بين أطراف متكافئة. لكن غزة لا تمتلك جيشاً ولا قوة بحرية ولا قوة جوية ولا حتى مهبطاً للطائرات.
مثل نوع من داود أعمى، تقوم غزة، بطريقة عبثية وبدفع اليأس بإلقاء حصى غير موجهة على جوليات الإسرائيلي، مانحة بذلك العذر لإسرائيل لتدعي لنفسها وضع الضحية والمسارعة إلى قذفنا بسؤالها المخادع للتغطية على جرائمها المتواصلة ضد الإنسانية.
الكذب يجر الكذب وثمة المزيد. وكما يبين الفيلسوف اللبناني الأميركي روبرت أشمور، فإن إسرائيل والولايات المتحدة، تقومان بجهد مدروس وعنيد، بإدارة ظهريهما للخطيئة الأصلية في الشرق الأوسط، وهو ما يفسر السبب في أن غزة تشكل السجن المكتظ الذي هي عليه.
إن ما يصفه  الإسرائيليون بأنه “حرب الاستقلال” هو ما يصفه العرب، على نحو أكثر دقة، بأنه النكبة التي حدثت في العام 1948. وفي ذلك العام، تم تشريد أكثر من 700.000 فلسطيني من ديارهم، وتدمير أكثر من 500 قرية من قراهم قبل أن يعاد بناؤها بأسماء عبرية. ذلك هو أصل كل الشر الإسرائيلي الذي يستمر على قدم وساق بينما ترفض إسرائيل كل العروض العربية للاعتراف بإسرائيل إذا هي انسحبت إلى حدود ما قبل العام 1967. وفي الأثناء، تستمر سرقة الأرض التي تسمى تلطفاً باسم “المستوطنات” في قضم الأرض الفلسطينية، على نحو يجعل من الحديث عن حل “الدولتين” وهماً ومحلاً للسخرية.
إن الولايات المتحدة، كما وصفها توني جت، هي “صراف الرواتب” للإمبريالية الإسرائيلية. والكونغرس الأميركي، كما يقول روبرت أشمور، هو “أرض تحتلها إسرائيل”. وكان قادة تنظيم القاعدة الذين وقفوا وراء هجمات 11/9 قد استندوا إلى الدعم الأميركي المتواصل للاحتلال الإسرائيلي كدافع حملهم على شن هجومهم. ولعل من مصلحتنا القومية أن نتذكر ذلك.
لقد وصل السخط من العدوان الإسرائيلي وتواطؤنا التابع إلى ذرى عالية. وفي عصر الأسلحة الذرية والطائرات من دون طيار والأسلحة الكيميائية والميكروبيولوجية التي يمكن أن تكون بحجم حقيبة السفر، فإن من البلاهة حد الانتحار الاستمرار في ذلك باعتبارنا الممكن الرئيسي لإسرائيل. أو لم نتعلم شيئاً من 11/9!
قام رئيسان جمهوريان -من بين الأشياء!- مرتين بتعطيل النزعة التوسعية الإسرائيلية. دوايت آيزنهاور في العام 1956 وجورج اتش دبليو بوش في العام 1989، هددا بوقف أو تخفيض المساعدات السخية التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل. وقد توقف “الاستيطان” وقضم الأرض حتى تمت إزالة الضغط ثم استؤنف العمل فيهما سريعاً.
من جهتهم، يرفض الفلسطينيون مهزلة وقف إطلاق النار مع استمرار الحصار، قائلين كما كان اليهود قد قالوا عندما ثاروا على الغيتوهات النازية: إننا نفضل الموت وقوفاً على أقدامنا على الموت جاثمين على ركبنا. وسيدفع أولئك الذين دفعوهم إلى هذه الخيارات سوف يدفعون الثمن مع ذلك. وكما يقول العلامة اليهودي “مارك اليس”، فإن “التاريخ يتسلل إلى القوي”.

كنسورتيوم نيوز …ترجمة: عبد الرحمن الحسيني الغد الاردنية

*أستاذ اللاهوت الأخلاقي في جامعة ماركيت، المعهد الكاثوليكي اليسوعي في ميليواكي بولاية ويسكونسن. وهو مؤلف “الاتجاه الأخلاقي لكل المسيحيين”.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً