منذ عقود وحتى الآن، ما تزال الأمم المتحدة غير قادرة على الاتفاق على تعريف للإرهاب. وحتى محكمتنا العليا الخاصة، خلصت مؤخراً إلى إنه ليس هناك تعريف متفق عليه دولياً لهذا المفهوم. وما تزال العقبة الكأداء أمام التوصل إلى مثل هذا التعريف أن الحكومات الغربية تريد استثناء دول وعملاء دول من أي تعريف. كما أن هناك عدداً من الدول الإسلامية التي تريد استثناء بعض حركات التحرر الوطني من هذا التعريف أيضاً.
أو، لنضع الأمر وفق مصطلحات الأخبار السائدة اليوم: إن الإسرائيليين لا يريدون أي تعريف من شأنه وسمهم بالإرهابيين بسبب قصفهم منازل كبار السن في غزة، كما أن فلسطينيي الضفة الغربية لا يريدون أي تعريف يسمهم بالإرهابيين على ردهم بالقتال ضد الاحتلال بقنابل المولوتوف. وفي تقريره السنوي الصادر مؤخراً، يبدو ديفيد اندرسون، مراجع الحكومة المستقل لتشريع الإرهاب، ساخطاً حين يكتب: “إن عناد بعض هذه الأسئلة قد ولد درجة من نزعة الإحباط بين أولئك الذين يسعون إلى تعريف الإرهاب”.
أنا اتناول الباذنجان والخبز مع الدكتورة سماح جبر في مقهى فلسطيني لطيف في “ستوك نيووينغتون”. وهي عالمة ومعالجة نفسانية تعمل في القدس الشرقية، ومتحدثة رزينة ومتواضعة، وربما مصدومة قليلاً من استخدامي لغة ملونة على نحو صريح. وهي فلسطينية متعلمة تنتمي إلى الطبقة الوسطى (وليست ديماغوجية بأي طريقة)، لكنها تصر على أن كلمة “إرهابي” أصبحت كلمة سياسية قوية -بالرغم من أنها غالباً ما تقال من دون تفكير فيها- والتي تستخدم في نزع الثقة عن المقاومة المشروعة لعنف الاحتلال.
ما يصفه البعض بأنه إرهاب، تنحو جبر إلى وصفه بأنه واجب أخلاقي. تعطيني ورقة بحثية أعدتها حول الموضوع. وتتساءل مستنكرة: “لماذا تسري كلمة “إرهابي” من فورها على أفراد أو مجموعات يستخدمون القنابل البسيطة من صنع محلي، ولا تسري على دول تستخدم أسلحة نووية وغيرها من الأسلحة المحظورة دولياً من أجل ضمان إخضاع الآخرين للطرف الذي يمارس الاضطهاد والقمع؟”. وتصر على القول إن المقاومة العنيفة يجب أن تستخدم في الدفاع كملاذ أخير. ومن المهم التمييز بين الأهداف المدنية وبين الأهداف العسكرية. وتشكو من أن “الإعلام الأميركي يصف سعينا إلى الحرية بأنه إرهاب، بالرغم من الحقيقة التي تنص على الحق في الحصول على تقرير المصير من الكفاح المسلح بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة في ما يتصل بالدفاع عن النفس”.
كنت قد شاركت في برنامج “مورال ميز” في راديو 4 مؤخراً، وقوبلت بضحكات ساخرة بسبب اقتراحي أنه من الممكن أن يكون هناك حق أخلاقي في المقاومة ضد القمع. وقيل في ذلك الوقت أنه يجب علي، كراهب، عدم تبني مثل هذا الخط. ولعل الشيء الغريب في هذا هو أن المسيحية فكرت ملياً في فكرة المقاومة العادلة. وعلى سبيل المثال، رأت “حركة الإصلاح الديني” سيلاً من التبريرات الأخلاقية لمقاومة الدولة عندما تسعى الدولة إلى فرض فهمها الخاص للدين على رعاياها. وفي العام 1574، مثلاً، نشر ثيودور بيزا بيانه “حق القضاة” الذي أكد فيه حق المقاومة -والمقاومة العنيفة في المفهوم النهائي- لاستبداد الدولة وطغيانها. ولم ترد هذه النظرة مرة واحدة فقط.
في الحقيقة، كان الكثير جداً من نظريتنا السياسية الحديثة عن دور وحدود الدولة قد تأسس عبر النظرية الدينية السياسية للقرنين السادس عشر والسابع عشر -ومن خلال أولئك الذين يوسمون بأنهم إرهابيون بموجب تشريع الإرهاب الراهن لهذا البلد. فمثلاً، كان أوليفر كرومويل سيعتبر إرهابياً بشكل شبه مؤكد. ثم فكروا في ذلك؛ كان (النبي) موسى ومناكفته الشهيرة (والعنيفة جداً) مع الدولة المصرية ستعتبر إرهاباً بنفس المقدار. وكان كلاهما “ملهماً دينياً”. وإذن، إذا كان بإمكاننا الحصول على حرب وحسب، فلماذا لا نحصل على إرهاب وحسب؟
من البلاهة الاعتقاد بأن كون الكيان المعني دولة يعطيه نوعاً من الغطاء والحصانة من الاتهام بممارسة الإرهاب -وبالتأكيد من السلوك الأخلاقي المخجل الذي نرفقه بذلك المصطلح. إننا نتحدث عن حرب غير متساوقة. وهذه أخلاقية غير متساوقة: واحدة، فيما يتصل بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ترمي حجر النرد ليستقر لصالح الاحتلال. وهذا أمر يخلو تماماً من أي صواب.
غايلز فريزر — (الغارديان)