قراءة الأخبار عن الشرق الأوسط الأوسع، ثم مشاهدة الرئيس أوباما وهو يزور إسرائيل، ولّدت لديّ هذه الفكرة: لقد بدا الرئيس كما لو أنه يزور جزيرة مرجانية في المحيط الهادئ، أو ربما في نيوزيلندا -لكنها بالتأكيد نوعٌ من الدولة/ الجزيرة التي تحيط بها بحار معتكرة.
وقد التقط آري شافيت في صحيفة هآرتس اليومية هذا المزاج في عموده الذي كتبه مؤخراً، والذي بدأه على النحو الآتي: “قبل بضعة أشهر، نشر أمنون دانكنير مقالة ذكية ومسلية في صحيفة “سوف هاشاوفا”. ووصف كيف أن مشروع شيمون بيريز التكنولوجي المبتكر يؤدي بإسرائيل إلى الانفصال عن الشرق الأوسط والإبحار غرباً عبر البحر الأبيض المتوسط، لتكون أشبه بنوع من جزيرة عائمة. وإذا وضعنا الضحك جانباً، فقد قبض دانكنير على روح العصر. ففي السنوات الأخيرة، كانت إسرائيل تشعر، وتفكر وتتصرف، كما لو أنها لم تعد موجودة في غرب آسيا، وأنه يمكنها أن توجد كجزيرة انفصلت عنها. كما لو أنه ليس هناك عالم عربي، ولا فلسطين، ولا إيران. ولا عرب، ولا مستوطنون، ولا احتلال”.
وفي الحقيقة، وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس أوباما في إسرائيل، ظهر تقرير قال إنه تم استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية المجاورة، وإن صواريخاً أطلقت على إسرائيل من غزة المجاورة. ولكن، وفي الوقت نفسه تماماً، نشرت صحيفة الأعمال الإسرائيلية، غلوب، هذه المادة: “أكملت أكسل بارتنرز إغلاق مشروع أكسل لندن 4، وهو صندوق بقيمة 475 مليون دولار يركز على أوروبا وإسرائيل… وسوف تستثمر أكسل لندن 4 في الحقول الأساسية لخبرة الشركة، بما في ذلك الإنترنت الخاص بالعملاء، والبيانات الكبيرة، ومعمار السحابة، وإدارة العلاقات والهواتف النقالة. وقال شريك أكسل، كيفن كومولي: “إن حقيقة أن أكسل لندن 4 قد أنشئت في ثمانية أسابيع وجرى الاكتتاب فيها بشكل كبير جداً، هو تأييد قوي لأكسل لندن وفرص السوق في أوروبا وإسرائيل”.
الصواريخ تصل من غزة في الصباح، ورأس المال الاستثماري يصل من لندن في فترة ما بعد الظهر. إن قدرة إسرائيل على العيش كما لو كانت منفصلة عن بقية المنطقة تعد أمرا مثيرا للإعجاب وضروريا. كما أنه وهمي وخطير.
إنه مثير للإعجاب وضروري لأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في عالم اليوم التي لديها لاعبون من غير الدول، مسلحون بصواريخ، متداخلون ومعششون بين المدنيين على أربعة أخماس حدودها: سيناء وغزة وجنوب لبنان وسورية. وفيما وراءهم تقع أرض نائية من الدول المستغرقة في الاضطرابات الداخلية، وإيران. ومع ذلك، تمكنت إسرائيل من التوفيق بين البت، والبايت والقنابل -مع جدران عالية تحيِّد أعداءها وتكنولوجيا فائقة تغذي اقتصادها.
لكن هناك خيطاً رفيعاً يفصل بين إبقاء الخطر في الخارج، والإقفال على الوهم في الداخل؛ بين إبقاء أناسك على قيد الحياة والإبقاء على الأحلام المجنونة على قيد الحياة. وتبدو إسرائيل قريبة من عبور هذا الخط.
إن الوهم الخطير الذي تسكن فيه إسرائيل، كما يقول شافيت، هو فكرة أنها “يمكن أن تعيش وكأنها اكتفاء ذاتي لا علاقة له بالبيئة المحيطة”. لكن لا توجد دولة تستطيع أن تفعل ذلك، كما يقول “بالتأكيد ليست دولة يتقاسم فيها ستة ملايين يهودي الأرض مع أكثر من خمسة ملايين فلسطيني. بالتأكيد ليست دولة تصر، حتى في العقد الثاني من الألفية الثالثة، على احتلال دولة أخرى”.
والواقع أن الحلم المجنون الذي تبقيه إسرائيل حياً هو أنها تستطيع أن تحتل الضفة الغربية بشكل دائم، مع 2.5 مليون فلسطيني، من أجل إرضاء المستوطنين الذين يستلهمون الكتاب المقدس، والذين يحتلون الآن مناصب وزارية رئيسية؛ مثل ملف الإسكان، في الحكومة الإسرائيلية الجديدة. ومع وجود ما يقرب من 600.000 إسرائيلي يعيشون الآن في القدس الشرقية العربية والضفة الغربية، فإن نافذة التوصل إلى حل الدولتين “تتلاشى ببطء عن الأرض”، كما يلاحظ الفيلسوف في الجامعة العبرية موشيه هالبرتال. وعلى نحو يثير الدهشة، ما تزال استطلاعات الرأي تكشف عن أن أغلبية في كلا الجانبين تؤيد التوصل الى اتفاق الدولتين “لكن هناك مشكلة ثقة عميقة” والتي ينبغي التغلب عليها -سريعاً.
أخبرني ناحوم برنيع، الكاتب المخضرم في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، أن أوباما قد أحدث “اختراقاً” حقيقياً لدى الجمهور الإسرائيلي بخطابه يوم الخميس. وأضاف برنيع: “إذا كان يُعتبر عدواً قبل ذلك، فإنه يعتبر الآن أحد الأصدقاء. وحتى أولئك الذين ما يزالون يختلفون معه لا يعتقدون بأن لديه نوايا سيئة تجاه إسرائيل”.
لقد اعتنق أوباما الإسرائيليين بالتفهم والصدق معاً. وقال ملاحظاً في كلمته: كما قال آرييل شارون -وأنا أقتبسه- “إن من المستحيل أن تكون لديك دولة يهودية ديمقراطية (و)، أن تسيطر في الوقت نفسه على كل (أرض) إسرائيل. إننا إذا ما أصررنا على تحقيق الحلم بكليّته، فإننا ربما نكون عرضة لفقدانه جميعاً”.
وهو السبب في أن الفلسطينيين يحتاجون إلى إسقاط كل ما لديهم من شروط مسبقة والدخول في المفاوضات، والسبب في أن إسرائيل تحتاج إلى وقف الاستيطان وإلى أن تختبر مرة أخرى وأخرى ما إذا كان الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض في السلطة الفلسطينية يمكن أن يفيا بالغرض. فبفضل تعاونهما مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، لم يقتل ولا إسرائيلي واحد في الضفة الغربية بسبب الإرهاب في العام 2012. لكن الفلسطينيين لن يتمكنوا من إدامة ذلك الضبط للنفس من دون وجود تحرك نحو إقامة دولة فلسطينية. إن أفضل وسيلة تتعامل بها إسرائيل مع الفوضى المحيطة بها هي عدم وضع رأسها في الرمال، وإنما التعاون مع الفلسطينيين لبناء دولة في الضفة الغربية، والتي تكون حديثة، علمانية وغربية النمط، واحدة يمكن فيها للمسلمين والمسيحيين واليهود أن يعملوا معاً، والتي تقف في تفنيد يومي لنماذج حماس/ الإخوان المسلمين الفاشلة في الأماكن الأخرى. لكن الإسرائيليين والفلسطينيين إذا لم يحاولوا كل شيء -الآن- لتحقيق ذلك، فإنه سيتم تذكر ذلك، لا كفرصة ضائعة وإنما باعتباره الفرصة الضائعة (النهائية)، ولن تستطيع أي جزيرة الهروب من العاصفة التي ستلي.
(نيويورك تايمز) ترجمة: علاء الدين أبو زينة- الغد الاردنية .
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Israel: Bits, Bytes and Bombs