بقلم: نمرود الوني/هل الأمة يمكنها التصرف بغباء، وأن تقوم بتدمير نفسها والقضاء على مستقبلها؟ يتعلق هذا بمن نسأل ومن نعزو له الغباء. مثلا، إذا قمنا بإجراء استطلاع في أوساط الإسرائيليين اليهود حول نسبة الحكمة أو الغباء التي تميز الفلسطينيين في غزة حول إدارة شؤونهم، فلا شك أن الأغلبية الساحقة من الغزيين كانت ستختار الغباء. سيبرر المستطلعون ذلك بذريعة أنه بدلا من استثمار الأموال الطائلة التي حصلوا عليها من قطر ومن دول العالم لبناء قوة عسكرية ضد إسرائيل وحفر الأنفاق لاقتحامها، كان يجب على الغزيين استثمار الأموال في تحسين جودة الحياة وإنشاء البنى التحتية لضمان مستقبل مزدهر للأجيال الشابة.
كانوا هم أيضا سيردون بالإيجاب إذا سألوهم عن نسبة الغباء التي كانت تقف وراء أحداث تاريخية أصبحت صدمة قومية. الحدث الأول هو خراب القدس في فترة حكم الرومان نتيجة أفعال اليهود الذين فضلوا التعصب بدون تفكير على السياسة الحكيمة والمتزنة للبقاء. الحدث الثاني هو اختيار الألمان لنهج هتلر، وهو الاختيار الذي أدى إلى كارثة اليهود والخراب والثكل الجماعي وفقدان السيادة في ألمانيا.
ماذا عن رأي الإسرائيليين اليهود بسلوكهم ومستوى الحكمة في سياسة حكومات إسرائيل؟ بشكل خاص يجب تركيز السؤال على القضايا الأساسية التي ستحسم مصير الدولة. تفضيل السيطرة العسكرية والاستيطان في “المناطق” على تأييد إقامة الدولة الفلسطينية في إطار اتفاق سلام برعاية الدول العظمى والدول العربية المعتدلة، وزيادة الاستثمار في الجمهور الحريدي وتقليص موارده المخصصة للعلوم والأكاديميا والتعليم الرسمي، وتفضيل الانقلاب النظامي وتوسيع القتال في جبهة غزة ولبنان وإيران على ترسيخ ثقافة الديمقراطية والحرص على الرسالة والصورة الإنسانية، وإعادة المخطوفين ووقف القتال والحفاظ على قوة الاقتصاد والعلاقات الدولية.
الفكرة التي تقول، إن “الجمهور غبي ولذلك هو سيدفع” ليست فكرة جديدة. في مقابلة أجريت معه أوضح من كتب هذه الكلمات، شالوم حانوخ، بأنه “غضب من الجمهور الذي سلم قيادته لأشخاص بمستوى لا يمكن تخيله. غضبت لأنه اعجب بديماغوجيين أغبياء وشجعهم، في حين أنه كان يجب عليه مطالبتهم بالحد الأقصى من النزاهة والحقيقة والمسؤولية وبمستوى أخلاقيّ وعقلي”. لقد سبق حانوخ الكثير من الطيبين، مثل النبي شموئيل الذي اثبت للشعب بأنه يرغب في ملك يقوم باستعباده. رواة الكتاب المقدس، الذين ميزوا بين الأنبياء الحقيقيين الذين يطالبون بالعدالة والتفكير المتزن وبين الأنبياء الكذابين والمتملقين الذين وعدوا بالخلاص أو النصر المطلق وجروا الناس إلى كارثة. وفيلسوف التنوير، عمانوئيل كانط، الذي قال، إن معظم الناس يميلون، بسبب الكسل والراحة، إلى وضع التفكير في يد سلطة خارجية بدلاً من أن يفكروا بأنفسهم والاعتماد على الآراء المقدمة واتخاذ القرارات المتنورة والمدروسة.
النقطة الحاسمة، التي تناقض روح ما بعد الحداثة وعهد “ما بعد الحقيقة”، هي القول، إن غباء الأمة يجلب في حالات كثيرة الخراب، وهو حقيقة وليس مجرد رأي. الحقيقة هي رأي تدعمه التجارب الإنسانية المتراكمة من خلال الأدلة الواقعية والمنطق. هذه هي الفكرة التي ظهرت بالفعل في سفر الجامعة: الطاعة تؤدي إلى ضياع الطريق في الظلام، و”الرأي الحكيم يعيش بحد ذاته”، وهو الذي أسس أيضا مفهوم التقدم الذي بحسبه يؤدي السلوك العقلاني إلى نتائج جيدة اكثر بعشرة أضعاف من الخرافات والأوهام المسيحانية. المعرفة المتراكمة لطبيعة الواقع والعمليات التي تنظمه والعلاقات السببية الموجودة فيه تعلمنا بدرجة عالية من الموثوقية ما هو ممكن وما هو غير موجود في واقع معين، ما يؤسس لخطة عمل مدروسة وهو افضل من التبجح الوهمي.
ما الذي يمكن قوله عن مواصلة دعم جمهور واسع في إسرائيل لرئيس الحكومة وللحكومة، الذين انزلوا عليه الكوارث والإخفاقات في مجال الأمن، وقاموا بخيانة الثقة بشكل عام، وخانوا المخطوفين بشكل خاص، وتسببوا في فقدان استقرار الاقتصاد وتدمير العلاقات الدولية وتقويض أسس الديمقراطية، وسوء الخدمات العامة وتقويض بوصلة الأخلاق، والأضرار بالتعليم الحكومي والأكاديمي والثقافة؟ لا يوجد أمامنا أي خيار عدا تقديم سلوك الأمة الغبي، التي تجلب الدمار لنفسها، ليس فقط كرأي بل كحقيقة.
هناك تحفظ واحد وهو أن كل ما قيل هنا بخصوص الجمهور الإسرائيلي والجمهور الغزي صحيح، لكن فقط شريطة الافتراض بأنه وبحق لا يريد الغرق. أي شريطة أن يتم قبول الافتراضات الأساسية التي تقول، إن الحياة هي افضل من الموت، وإن الرفاه افضل من الضائقة، وإن الحرية افضل من الظلم، وإن الديمقراطية افضل من الاستبداد. بالنسبة لمن لا يقبلون هذه المفاهيم الأساسية فإن المنطق التقليدي أو الفطرة السليمة لا يمكنها الوصول اليهم وإقناعهم.
عن “هآرتس”