أزمة سياسية وأخلاقية جديدة في إسرائيل، وتتكرر كل سبعة أعوام، وهي المدة الزمنية لولاية أولى لرئيس الدولة، في تموز القادم، تنتهي الولاية الأولى للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس والذي رفض التمديد لولاية ثانية لسبع سنوات إضافية، الأمر الذي دفع جمهور المترشحين للرئاسة للتقدم لشغل هذا المنصب المعنوي، الفخري، وكل سبعة أعوام، تدور الأحاديث السياسية في إسرائيل، حول أهمية هذا المنصب الذي لا أهمية جدية له، كما يتم تكرار مقترحات ليتم انتخاب الرئيس من قبل “الشعب” وليس من قبل الكنيست/ البرلمان، ما يجعل هذا المنصب أكثر أهمية من الناحية المعنوية، كما أنه يتلافى مشاكل سيطرة النخبة الحاكمة في الكنيست، ومدتها أربعة أعوام فقط، على انتخاب رئيس، يفترض أن يكون رئيساً لكل الإسرائيليين، طيلة سبع سنوات على الأقل.
ومن جديد، يطرح رئيس الحكومة نتنياهو، ضرورة أن يمدد الرئيس بيريس لولاية إضافية، ليس حباً في بيريس، ولكن لكي يتم وضع مشروع قانون كي يتم انتخاب الرئيس بالانتخاب الشعبي، وهذا الأمر يحتاج إلى وقت، ذلك أن الكنيست سيذهب في إجازة بعد حوالي شهر، ما يمنع التصويت على التعديل المقترح، رفض بيريس التمديد لولاية جديدة، أشعل الحماس في الأوساط الحزبية والسياسية، وتمكن أكثر من حزب وشخصية من التقدم للترشح لهذا المنصب.. وأحياناً تزيد أو تنقص القائمة لكن وحتى اللحظة لا تزال عند خمسة أو ستة مترشحين.
عالم الفيزياء والحائز على جائزة نوبل للعام 2011 دانييل شختمان، أحد المرشحين غير الحزبيين، أما حزب الليكود الحاكم فقد رشح رئيس الكنيست السابق رؤوبين ريفلين، يضاف إليهما ناتان شرانسكي رئيس الوكالة اليهودية وداليا ايتسيك عضو الكنيست السابقة وديفيد ليفي ووزير الخارجية الأسبق، وقيادي آخر من حزب الليكود سيلفان شالوم.
ومع هذه الترشيحات، أخذت الأمور تخرج عن السيطرة، ليس لأسباب سياسية كما هو متوقع، بل لأسباب أخلاقية بالدرجة الأولى، ففي ظل احتدام المنافسة بين المرشحين ومرجعياتهم الحزبية والاجتماعية، بدأت حرب أخلاقية انعدمت فيها الأخلاق تماماً، وتناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية النهمة لتلقي سيل الشائعات والفضائح، بالتفاصيل المملة و”المسلّية” فضائح المرشحين لرئاسة الدولة العبرية، مادتها الأساسية ـ هذه الوسائل الإعلامية ـ ليست تحقيقاتها الصحافية، ولكن المرشحين أنفسهم، الذين أخذوا يوجهون الاتهامات الأخلاقية، كل منهم للآخر وللآخرين، المرشح سيلفان شالوم، وفقاً لوسائل الإعلام الإسرائيلية ربما يلغي ترشحه للرئاسة بعد نشر فصول عن تحرشه جنسياً بإحدى موظفات مكتبه، لكن هذه الفضيحة تعتبر عادية جداً، وبالكاد تمس بشرف المرشح، وهذا ليس حال المرشح بنيامين بن اليعازر الذي يسافر إلى لندن بشكل منتظم لمزاولة لعب القمار، خاصة أنه يحمل بطاقة أحد أندية القمار الشهيرة في عاصمة القمار والضباب، ويمكن أن يظل هذا الخبر عادياً لولا أن بن اليعازر اتهم مرشحين آخرين بأنهم استأجروا محققين خصوصيين لملاحقة سيرة بن اليعازر في لندن، كما أن هؤلاء المحققين نجحوا في فتح ملف زواجه من زوجته الأولى.. بن اليعازر هذا، سبق وأن اتهم بأنه استأجر محققين خصوصيين لملاحقة خصومه في الصراع على قيادة حزب العمل.. وبالتالي فإنه ضحية لإجرامه والبادئ أظلم.. كما يقولون !!
رئيس الكنيست السابق رؤوفين ريفلين، يقف في وجه ترشحه سارة، وزوجها بنيامين نتنياهو، ولا شك أنه يعضّ أصابعه ندماً، لأنه في أوقات سابقة، تناول سارة بالكثير من النقد اللاذع إزاء تصرفاتها الفضائحية، اليوم تقف سارة وزوجها لتنتقم منه وتحاول مع زوجها احباط ترشحه بكل ما يملكه رئيس الحكومة وحزبه من قوة داخل الكنيست !!
في استطلاع نشر مؤخراً حول الأيديولوجية الخاصة بالرئيس المرتقب، طالب حوالي 40 بالمئة من المستطلعين أن يكون عالماً أو أديباً أو كاتباً، قلة هم من أرادوا أن يكون الرئيس القادم سياسياً، ويعود ذلك بالتأكيد إلى أن هذا المنصب بروتوكولي شرفي ومعنوي، خاصة وأن القانون يفرض على الرئيس أن يستقيل من مناصبه الحزبية وعضويته في أي حزب كان، وعادة ما يكون المرشح من القيادات السابقة لأحزاب إسرائيلية أو ممن لفظتهم أحزابهم خلال معاركها الداخلية الطاحنة.
ومن المقرر أن يناقش الكنيست قائمة المرشحين لاختيار واحد منهم، خلال الأيام القادمة وقبل أن يذهب البرلمان الإسرائيلي في عطلته الصيفية السنوية، إلاّ أن المراقبين، ينتظرون ما بعد هذه الانتخابات، ذلك أن رؤساء الدولة العبرية، كما رؤساء حكوماتها، في الغالب يتعرضون للملاحقة القضائية، بعدما تثار حولهم الشبهات ذات الطبيعة الأخلاقية، سرقات وتحرشات، ما يشكل مادة دسمة لوسائل الإعلام الإسرائيلية التي بعد أن توقفت المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، تبحث عن مادة لتغطية نشاطها الإعلامي. وها هو الباب مشرع مع بدء موسم الرئاسة في إسرائيل!!