“الأونروا” تنقل موظفيها من القدس وسط تحذيرات من تداعيات كارثية والأمم المتحدة تطالب اسرائيل بسحب قرارها
تقرير – نائل موسى /قالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى “الأونروا”، نهاية الأسبوع، إنها اضطرت الى نقل موظفيها من القدس الشرقية بعد قرار إسرائيل إغلاق مكاتبها في المدينة المحتلة، في رضوخ للمنظمة الأممية لإملاءات الاحتلال وقوانينه التعسفية ضد مؤسساتها.
وأسست الجمعية العامة للأمم المتحدة الأونروا في عام 1949 وفوضتها بمهمة تقديم المساعدة الإنسانية والحماية للاجئي فلسطين المسجلين في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، والأردن، ولبنان، وسوريا، إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لقصيتهم ومحنتهم الناجمة عن قيام العصابات الصهيونية بتهجيرهم عن ديارهم بالقوة، ابان النكبة عام 1948.
وضمن حربها على الاونروا المتواصلة منذ 76 عاما، صعدت حكومة الاحتلال مؤخرا في إطار محاولات انهاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى وطنهم وديارهم التي هجروا منها وفق القرار الاممي رقم 194 وعبره تصفية القضية الفلسطينية، وسط تنديد ورفض عالمي لفظي اقتصر على مطالبة حكومة نتنياهو بالتراجع او تعليق التنفيذ، دون التلويح بإجراءات عملية او عقوبات.
وتوظف حكومة نتنياهو احداث 7 أكتوبر في تصوير الوكالة كمنظمة إرهابية، وموظفيها كإرهابيين أو متعاطفين مع الإرهابيين”، ضمن دعاية عبثية مفضوحة مدفوعة برغبة في تجريد الفلسطينيين من وضعهم كلاجئين، وبالتالي تغيير المعايير الراسخة منذ فترة طويلة للحل السياسي. والهدف هو حرمان اللاجئين الفلسطينيين من حق تقرير المصير ومحو تاريخهم وهويتهم”.
ومنذ بدء حرب الابادة في تشرين الأول 2003، شملت القيود المفروضة على عمل الأمم المتحدة والمجتمع الإنساني عوائق على الوصول مثل التأشيرات قصيرة الأجل أو عدم منح تأشيرات دخول للموظفين الدوليين العاملين في الأرض الفلسطينية المحتلة وقتل 275 موظفا منهم، ترافقت مع تبنى “الكنيست” مشروعي قانونين ضد الأونروا في 28 تشرين الأول 2024 يحظر الأول نشاط “الأونروا” داخل “المناطق الخاضعة للسيادة الإسرائيلية”، بما يشمل تشغيل المكاتب التمثيلية وتقديم الخدمات، فيما يحظر القانون الآخر أي اتصال مع الوكالة. دخلا الخميس الماضي حيز التنفيذ.
وجاء قرار الاخلاء غداة رفض المحكمة الاسرائيلية العليا “طلب التماس”، قدمته مجموعات حقوقية لتأجيل تنفيذ القرارات، خاصة وأن هذه “القوانين تنتهك الحقوق الأساسية للإنسان وواجبات إسرائيل بصفتها القوة القائمة بالاحتلال”، محذرة من عواقب إنسانية وخيمة اكتفت الأمم المتحدة في مواجهتها بمطالبة إسرائيل بالتراجع.
ويشمل القرار إغلاق جميع مقرات الوكالة ووقف أنشطتها ما يطال 12 منشأة للأونروا في القدس الشرقية المحتلة من ضمنها مقرها الرئيسي بالشيخ جراح، و6 مدارس ومخيمي شعفاط، ومخيم قلنديا، وحرمان أكثر من 110 آلاف لاجئ في القدس من خدمات التعليم والرعاية الصحية والاغاثة ويهدد ملايين آخرين في الضفة الغربية وقطاع غزة
وعشية دخول القرار حيز التنفيذ، أعلن مندوب اسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، ومن على منصة مجلس الامن الدولي المنعقد بشأن قوانين الكنيست ضد الوكالة، أن حكومته ستقطع علاقاتها مع (أونروا) وأيّ هيئة تنوب عنها، وطالبها “بوقف نشاطها وإخلاء جميع منشآتها في القدس خلال 48 ساعة”.
وفي تحد سافر للإرادة والقوانين الدولية، قال دانون إن “القانون يمنع الأونروا من العمل ضمن حدود ما أسماه “لإقليم السيادي لدولة الاحتلال” كما يحظر أيّ تواصل بين مسؤولين إسرائيليين والأونروا”، وأن “إسرائيل ستنهي كلّ اتصالات التعاون والتواصل مع الأونروا أو أيّ جهة تنوب عنها”، وهو ما أبلغ به دانون الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
ويمثل قرارا الكنيست، خرقا لميثاق الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي والأعراف والاتفاقيات الدولية، ويتناقض مع قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، خاصة القرار رقم 302 الذي أنشأ “الأونروا” عام 1949 استجابة لأزمة اللاجئين الفلسطينيين، بما يمثل التزاماً دولياً بهذه القضية بعد فشل تنفيذ قرار مجلس الأمن 194 الذي يضمن لهم حق العودة.
ورد غوتيريش، بمطالبة حكومة نتنياهو، بسحب القرار بناءً على الإطار القانوني الذي ينظم أنشطة وكالة الأونروا وطبيعتها التي لا يمكن استبدالها، مشيرا إلى التزامات إسرائيل تجاه الوكالة وفقاً لاتفاقية أبرمت بين إسرائيل والأمم المتحدة في عام 1967، وبموجب اتفاقية امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها التي تسري على الأونروا.
وأكد أن القانون الدولي ينص على انه لا يحق لإسرائيل فرض سيادتها على الاراضي الفلسطينية المحتلة وانه “لا يمكن لإسرائيل التذرّع بأحكام قانونها الوطني”، بما في ذلك القانون الذي تم إقراره لحظر أونروا “لتبرير عدم وفائها بالتزاماتها بموجب القانون الدولي”.
وأشار غوتيريش الى قرارات الجمعية العامة التي منحت الاونروا تفويضا للعمل في مناطق عملها بما فيها القدس، مشددا على أنه بموجب القانون الدولي يتوجّب على “قوة الاحتلال” أن تضع آليات لمساعدة المدنيين في الأراضي التي تحتلها.
واوضح أن أي اجراءات تمنع الأونروا من مواصلة أنشطتها ستقوض بشكل حاد تقديم الاستجابة الإنسانية الملائمة في الأرض الفلسطينية المحتلة، مشيرا إلى تأكيد الجمعية العامة في قرارها الصادر في دورتها الاستثنائية الطارئة العاشرة يوم 11 كانون الثاني 2024، على عدم وجود منظمة يمكنها أن تحل محل أو تستبدل قدرة الأونروا لتوفير الخدمات والمساعدات المطلوبة، وهي مبادئ واحكام تنتهكها إسرائيل وتضرب بها عرض الحائط.
المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني، هاجم تشريع “الكنيست”، قائلا ان تطبيقه سيكون “كارثيا”، محذّرا من أن تقليص عمليات الأونروا خارج عملية سياسية، وفي وقت أصبحت فيه الثقة في المجتمع الدولي منخفضة للغاية.
وأكد أن “الوكالة ضرورية لدعم السكان المحطمين ووقف إطلاق النار، حيث مصير ملايين الفلسطينيين ووقف إطلاق النار وآفاق الحل السياسي الذي يجلب السلام والأمن على المحك.
وأشار إلى أن التشريع الذي أقرته الكنيست يتحدى قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ويتجاهل أحكام مـحكمة العدل الدولية، ويتجاهل أن الأونروا هي الآلية التي أنشأتها الجمعية العامة لتقديم المساعدة للاجئين الفلسطينيين، في انتظار إجابة سياسية على قضية فلسطين.
وقال لازاريني: “إن تنفيذ هذا التشريع يسخر من القانون الدولي ويفرض قيودا هائلة على عمليات الأونروا”. وأكد أنهم عازمون على البقاء وتقديم الخدمات حتى يصبح من المستحيل القيام بذلك، وهذا دون تعريض الزملاء الفلسطينيين للخطر، والذين يواجهون بيئة عمل معادية بشكل استثنائي تعززها جزئيا حملة تضليل شرسة.
وأشار إلى أن “الحكومة الإسرائيلية تستثمر موارد كبيرة لتصوير الوكالة كمنظمة إرهابية، وموظفيها كإرهابيين و “إن عبثية الدعاية المناهضة للأونروا لا تقلل من التهديد الذي تشكله لموظفينا، وخاصة أولئك في الضفة الغربية المحتلة وغزة، حيث قُتل 273 من زملائنا”.
وأضاف: أن تلك الحملة تشكّل سابقة للحكومات لاتهام كيان تابع للأمم المتحدة بالإرهاب كذريعة لقمع حقوق الإنسان. وأن “الهجمات السياسية على الوكالة مدفوعة بالرغبة في تجريد الفلسطينيين من وضعهم كلاجئين، وبالتالي تغيير المعايير الراسخة منذ فترة طويلة للحل السياسي. وحرمان اللاجئين الفلسطينيين من حق تقرير المصير ومحو تاريخهم وهويتهم”، داعيا مجلس الأمن إلى مقاومة تنفيذ تشريع الكنيست
بدورها، دعت اللجنة الاستشارية للوكالة، الحكومة الإسرائيلية باعتبارها القوة المحتلة في الأرض الفلسطينية، إلى تعليق تنفيذ هذا التشريع. محذرة من أن تنفيذه سيؤثر بشدة على الاستجابة الإنسانية في غزة، وقد يعرض وقف إطلاق النار للخطر، ويقوض في نهاية المطاف آفاق الاستقرار الإقليمي.
وشددت على أن “الأونروا” ساهمت في تسهيل أكثر من نصف الاستجابة الطارئة في غزة على مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية، وتظل حيوية في التنفيذ الناجح لوقف إطلاق النار من أجل توفير المساعدات الإنسانية والتعليم لمئات الآلاف من الأطفال في غزة و50 ألف طفل في مدارس (الأونروا) في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.
عالميا، تواصل الرفض الدولي والإقليمي العارم لمخططات الاحتلال ضد الاونروا وعبرت دول حليفة لإسرائيل عن استنكارها الشديد مؤكدة عدم وجود بديل معقول وقبول للوكالة.
وفي هذا الإطار، أعرب وزراء خارجية المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، عن قلقهم البالغ بشأن تنفيذ حكومة نتنياهو للتشريع ودعوا الحكومة الإسرائيلية إلى “الامتثال لالتزاماتها الدولية وتحمل مسؤوليتها لضمان تقديم المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية للسكان المدنيين بشكل كامل وسريع وآمن ودون عوائق”. وبالتعاون مع الشركاء الدوليين، بما في ذلك الأمم المتحدة، لضمان استمرارية العمليات، مؤكدين أنه “لا يوجد كيان آخر أو وكالة أممية تمتلك القدرة أو البنية التحتية لاستبدال تفويض الأونروا وخبرتها”.
وجدد الوزراء التأكيد على دعم بلادهم لتفويض الأونروا، الممنوح من الأمم المتحدة، في تقديم الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة،
من ناحيته، أكد الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين يان إيغلاند، أن “الأونروا لا يمكن استبدالها”، مشيرا إلى أن بنيتها التحتية اللوجستية تدعم العديد من الجهود الإنسانية في غزة.
وإلى جانب التداعيات السياسية والقانونية لحظر عمل “الأونروا”، في إطار استهدافه الممنهج لقضية اللاجئين وحقوقهم غير القابلة للتصرف في العودة والتعويض، فإن للحظر تداعيات إنسانية كارثية على اللاجئين، خاصة في القدس المحتلة. حيث أكثر من 110 آلاف لاجئ خدماتها كما يدرس 1800 طالب وطالبة في 6 مدارس تتبع “أونروا” في المدينة، بالإضافة الى الخدمات الطبية المجانية إلى جانب خدمات تنظيم الأسرة وتطعيمات الأطفال والصحة النفسية ستتوقف عن العمل
ولا يخفي اللاجئون في القدس خشيتهم من تأثير قرار الاحتلال على الخدمات التي يتلقونها لكنهم قلقون أكثر من هدف القرار العنصري السياسي وبما فيه دفع المقدسيين إلى التعامل مع مؤسسات الاحتلال، وإخفاء وكالة الغوث الشاهدة على جرائم الاحتلال إبان التهجير والنكبة.
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دائرة شؤون اللاجئين، د. أحمد أبو هولي، أن 12 منشأة للأونروا في القدس الشرقية المحتلة من ضمنها مقرها الرئيسي في حي الشيخ جراح، و6 مدارس مهددة بالإغلاق والمصادرة وحرمان أكثر من 110 آلاف لاجئ في القدس من خدمات الاونروا بما فيها الرعاية الصحية والاغاثة الى جانب الحد من عملها في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته لحماية ولاية الاونروا، والضغط على إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال بتعليق تنفيذ قوانينها ضد الاونروا التي تتعارض مع التزاماتها بموجب القانون الدولي الملزمة بالاتفاقية العامة بشأن امتيازات وحصانات الأمم المتحدة.
واضاف أبو هولي بأنه لا بديل عن الاونروا طالما الحل السياسي لقضية اللاجئين غائباً، بفعل التنكر الإسرائيلي لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين طبقا لما ورد في القرار 194.
وأوضح بأن الاونروا تعد شريان حياة للاجئين الفلسطينيين في جميع مناطق عملياتها الخمس، ولا يمكن الاستغناء عنها، مشيداً بموقف المنظمات الدولية التي رفضت ان تحل محل الاونروا او القيام بمهامها
وأكد بان الدول العربية المضيفة ترفض وبشكل مطلق تحمل أعباء إضافية تقوم بها الاونروا او أي فراغ سيحدثه سريان القانونين الإسرائيليين ضد الاونروا.
وطالب أبو هولي جميع المنظمات الدولية تنفيذ مشاريعها داخل المخيمات الفلسطينية فقط من خلال بوابة الاونروا تعزيزاً لدورها وولايتها بحسب التفويض الممنوح لها بالقرار 302 .
وتطرق أبو هولي الى المخاوف بشأن الوضع المالي الحرج للأونروا مع استمرار قطع التمويل الأمريكي وإعلان السويد وقف تمويلها للعام الجاري وإعلان اربع دول من كبار المانحين تخفيض تمويلها.
ورأى ان إسرائيل بمهاجمة الأونروا لم تحاول إخفاء أهدافها، فهي أرادت أن تنهي قضية اللاجئين لمحو الحقوق التي لا يمكن محوها، وهي غير قابلة للتصرف. وأن الفكرة بالنسبة لإسرائيل بسيطة، وهي التخلص من اللاجئين، من خلال محاولة تدمير الوكالة
وأضاف، أن القرار الإسرائيلي الذي يتحدى الشرعية الدولية، سيسهم في رفع التصعيد والتوتر في المنطقة جراء مسّه بالخدمات التي تقدمها الوكالة لحوالي 6 ملايين لاجئ فلسطيني داخل المخيمات، محملا الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن التداعيات الخطيرة لهذا القرار.
وشددت “الخارجية”، على أن “الأونروا” رافعة أممية إنسانية تخفف الظلم التاريخي الذي حل بشعبنا، وأن تماهي بعض الدول مع قرار الاحتلال بوقف عملها يشكل مخالفة صريحة وقاسية للقانون الدولي، ولقرارات الشرعية الدولية بما فيها قرار الجمعية العامة الذي اعتمد الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، خاصة أن القرار الإسرائيلي يندرج في إطار مشاريع ومخططات أكبر تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وشطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
واعتبرت جبهة النضال الشعبي الفلسطيني إجراءات دولة الاحتلال ضد “الأونروا” مخالفة واضحة للقوانين الدولية وللتعهدات والمواثيق، وأن هذه الإجراءات تشكل خرقاً للحصانة الأممية والدولية التي تتمتع بها الأونروا وغيرها من منظمات الأمم المتحدة، ويمثل وقاحة سياسية.
وتابعت هذه الخطوة خطيرة، وأن طلب إخلاء مقر الرئاسة في حي الشيخ جراح، الذي يحمل أهمية رمزية ومقر معهد تدريب قلنديا المهني الواسع، وكلاهما مستهدف لإقامة بؤرتين استيطانيتين. وهذا بمثابة انتهاكً صارخً للقانون الدولي وتعديًا على حصانة ورفعة مؤسسات الأمم المتحدة، بما فيها القرار رقم 2334، وتتعارض مع التزامات إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال.
وطالبت المجتمع الدولي بالانضمام إلى الموقف الفلسطيني الرافض للقرات باعتبارها أداة إضافية لترسيخ الاحتلال والاضطهاد ضد العاصمة القدس، وباتخاذ ما يلزم لمعاقبة إسرائيل كدولة مارقة، ومساءلة قادتها كمجرمي حرب.