كتب عبد الرؤوف أرناؤوط:سعت إسرائيل لتسويق نفسها “ضحية” في الأحداث التي شهدتها مدينة القدس بشكل عام، والمسجد الأقصى بشكل خاص، غير أنها أخفقت في ذلك.
وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، سعت الآلة الدبلوماسية والإعلامية الإسرائيلية إلى محاولة توجيه اللوم إلى الفلسطينيين، وإظهار نفسها أنها حريصة على حرية العبادة في المدينة المحتلة، إلا أنها لم تجد كلمة تأييد لها حتى من أقرب حلفائها.
وما زاد من صعوبة المهمة الإسرائيلية المستحيلة مشاهد الفيديو، التي التقطها النشطاء والمصورون الصحافيون الفلسطينيون في المسجد الأقصى وباب العامود والحي المسيحي لقمع الفلسطينيين في مقدساتهم الإسلامية والمسيحية.
ووجدت المشاهد المصورة، على مدار شهر رمضان، رواجاً في العالم، ما استدعى بيانات شجب واستنكار عربية وإسلامية ودولية، حتى من دول تعتبرها إسرائيل حليفة أو صديقة لها.
ولم تتمكن الحكومة الإسرائيلية من الحصول، ولو حتى على بيان واحد، يؤيد ما قامت به من انتهاكات ضد الفلسطينيين وللوضع القائم في المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس.
ووجدت الأزمة الإسرائيلية تعبيراً لها في المكالمة الهاتفية التي أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، أول من أمس، مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس.
حيث زعم بينيت، في بيان صدر عن مكتبه إثر الاتصال: “لا يجوز للمجتمع الدولي أن يخدم أجندة التنظيمات الإرهابية. إسرائيل هي الطرف الذي يحقق الاستقرار. إن لم نقم باستعادة النظام العام، لن يستطيع عشرات الآلاف من المسلمين أداء صلواتهم. كان هناك أناس حضّروا مسبقاً الحجارة والزجاجات الحارقة لاستخدامها داخل المسجد”، على حد تعبيره.
وسبق ذلك أن زعم بينيت، الإثنين الماضي، في بيان: “أنظر بخطورة إلى التصريحات التي تتهم إسرائيل بالعنف الذي يوجه ضدنا، وهناك من يشجع على رشق الحجارة وممارسة العنف ضد مواطني دولة إسرائيل. لا نقبل بهذا. هذا يشكل جائزة بالنسبة للمحرضين، وعلى رأسهم حماس، الذين يحاولون إشعال فتيل العنف في القدس”.
وفي محاولة إسرائيلية قد تكون الأخيرة، استدعى وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد الصحافيين الأجانب، أمس، وقال: “في الأسابيع الثلاثة الماضية، كانت هناك جهود خطيرة جارية في القدس. خلال شهر رمضان، كانت المنظمات تحاول خطف المسجد الأقصى من أجل خلق اندلاع أعمال عنف في القدس، ومن هناك، صراع عنيف في جميع أنحاء البلاد. اقتحم متطرفو حماس والجهاد الإسلامي المسجد الأقصى في ساعات الصباح الأولى مراراً وتكراراً. أدخلوا أسلحة إلى المسجد. ألقوا الحجارة والمتفجرات من داخلها، واستخدموها كقاعدة للتحريض على أعمال شغب عنيفة”.
وواصل زعمه: “ليست إسرائيل هي التي عرّضت المصلين للخطر، بل إن المنظمات هي التي عرضتهم للخطر”.
وتابع لابيد: “أريد أن أوضح: إسرائيل ملتزمة بالوضع الراهن في الحرم القدسي. المسلمون يصلون في الحرم القدسي، غير المسلمين يزورونه. لا يوجد أي تغيير. لن يكون هناك تغيير. لا نخطط لتقسيم الحرم القدسي بين الأديان. ندعو المعتدلين المسلمين، الدول الإسلامية، إلى العمل ضد هذه الأخبار المزيفة، والعمل معنا لضمان مصلحتنا المشتركة: الحفاظ على الوضع الراهن وتهدئة الوضع”.
وقام صحافيون إسرائيليون بإعادة نشر البيانات الرسمية الإسرائيلية التي تحاول إدانة الفلسطينيين على حساباتهم في شبكات التواصل الاجتماعي.
غير أن مراقبين قالوا لـ”الأيام”: إن سلسلة التصريحات الإسرائيلية أغفلت حقيقة أن الأحداث بدأت بالفعل بعد أن قام متطرفون إسرائيليون بنشر إعلانات عن نيتهم تقديم قرابين عيد الفصح اليهودي في المسجد الأقصى.
وأشاروا إلى أن هؤلاء المتطرفين قاموا بتوزيع منشورات عن نيتهم تقديم القرابين، عارضين مكافآت مالية تصل إلى 10 آلاف شيكل إسرائيلي لمن يتمكن من تقديم القرابين في المسجد، ومكافآت أقل لمن يحاول ويفشل.
واستناداً إلى المراقبين في مدينة القدس الشرقية، فإن بيانات الحكومة الإسرائيلية عن رفض تقديم القرابين جاءت متأخرة، ولم تتمكن من تبديد مخاوف الفلسطينيين من إقدام هذه المجموعات الإسرائيلية المتطرفة على تنفيذ مخططاتها.
من ناحية أخرى، فإن ممارسات الحكومة الإسرائيلية في المسجد الأقصى، بدءاً من يوم الأحد وحتى يوم الخميس، كانت تخالف تماماً مزاعم المسؤولين الإسرائيليين عن عدم تغيير الوضع القائم بالمسجد الأقصى.
وأشار المراقبون في هذا السياق إلى إقدام الشرطة الإسرائيلية على تحويل ساحات المسجد إلى ثكنة عسكرية طوال هذه الأيام، مع طرد المسلمين من ساحات المسجد لتمكين اقتحامات المتطرفين، فضلاً عن فرض قيود عمرية على دخول المصلين إلى المسجد، خاصة بالفترة الصباحية.
وفي هذا السياق، أشارت جماعات المتطرفين الإسرائيليين إلى أن 4625 متطرفاً اقتحموا المسجد في فترة عيد الفصح اليهودي بين أيام الأحد والخميس، وهو ما يوازي ضعف أعداد المقتحمين خلال العام الماضي حيث بلغ 2641 متطرفاً.
وذكر المراقبون أن ما زعمت الحكومة الإسرائيلية أنه إجراء لتهدئة الأوضاع، بوقف الاقتحامات خلال العشر الأواخر من شهر رمضان، هو إجراء متبع منذ بدء الاقتحامات الإسرائيلية أحادية الجانب للمسجد في العام 2003.
ولفتت مصادر مقدسية لـ “الأيام” إلى أن الارتفاع الحاد في أعداد الأسرى والجرحى خلال شهر رمضان إنما يدحض المزاعم الرسمية الإسرائيلية أنها كانت تستهدف فقط من سمّتهم المحرضين.
وتساءلت المصادر: “كيف يتم تفسير اعتقال أكثر من 500 مصل بالمسجد الأقصى في يوم واحد؟ وكيف يتم تفسير إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع عشوائياً على المصلين الصائمين الكبار والنساء والأطفال من طائرة دون طيار في ساحة المسجد؟ وكيف تفسر إسرائيل اقتحام عناصر شرطتها المسجد القبلي بالأحذية وإطلاق وابل من الرصاص المعدني المغلف بالمطاط وقنابل الصوت في داخله؟ وكيف يتم تفسير التحطيم المتعمد للشبابيك التاريخية والفنية في سقف المصلى القبلي؟”.
كما تساءلت المصادر: “كيف يمكن لمن يدعي حرية العبادة أن يفسر منع آلاف المصلين من المشاركة في احتفالات سبت النور بكنيسة القيامة، والتفريق ما بين المسيحيين العرب والمسيحيين الأجانب المشاركين بالاحتفالات”.
وقد أدانت بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية ممارسات الشرطة الإسرائيلية في البلدة القديمة من القدس خلال احتفالات سبت النور.
وقالت البطريركية، في بيان لها: إن الشرطة حرمت الآلاف من المسيحيين من حقهم الطبيعي بممارسة العبادة بحرية؛ من خلال الحواجز العسكرية التي نشرتها في محيط كنيسة القيامة على شكل أطواق أمنية وصولاً إلى أبواب البلدة القديمة المؤدية إلى الكنيسة، حيث منعت هذه الحواجز وصول المصلين والمحتفلين بالعيد.
كما أكدت البطريركية على رفضها الكامل للعنف الذي مارسه أفراد الشرطة ضد المصلين، وتصرفات هؤلاء الأفراد اللاأخلاقية على الحواجز، لا سيما ما نُصب منها في محيط مقر البطريركية وكنيسة القيامة.
إسرائيل تغضب لفشلها في تسويق نفسها ضحية بأحداث القدس
