هناك تطورات خطيرة تحدث، فلم يعد خافيا ان إسرائيل تقوم بعملية عسكرية إستراتيجية في لبنان من شأنها تغيير الواقع الذي كان سائدا في المنطقة منذ أكثر من عقدين، ربما نكون بعد عدة أسابيع او أشهر قليلة امام شرق أوسط مختلف، قد يكون بموازين قوى جديدة، فيها إسرائيل هي صاحبة اليد العسكرية العليا. هذا الواقع الجديد يحتاج إلى نمط تفكير وادوات وآليات عمل مختلفة، فالواقع الجديد لا تصلح معه أساليب التفكير القديمة، ولا حتى أنماط النضال القديمة، نحن أمام أسئلة كبيرة تحتاج إلى إجابات ذكية ومن خارج الصندوق.
صحيح أننا لم نصل الى خواتيم الأحداث، ولكن معظم الظروف السياسية والعسكرية تشي بأننا امام التغيير المشار اليه، فلدى إسرائيل ليس فقط الغطاء بل وكامل الدعم من الولايات المتحدة الأميركية، وهناك غياب لأي فعل دولي مؤثر يمكن أن يقنع واشنطن بلجم إسرائيل، كما ان إيران، بالمقابل، لم تفِ بوعدها لمحور المقاومة وحافظت حتى الآن على الأقل بحساباتها الخاصة، من هنا تنبع الحاجة إلى التفكير في المرحلة القادمة بمنطقمختلف. ولكن ونحن نفكر بالتغيير الذي تحاول إسرائيل تحقيقه وفرضه، فإن هناك ثلاث حقائق محلية وإقليمية لابد من أخذها بالاعتبار، اولاها: الحقيقة العربية في المنطقة وهي التي مهما جرى لا يمكن المس بها كحقيقة من جوهر تكوين المنطقة، ثانيا: وهي الحقيقة الفلسطينية التي فشلت كل المحاولات بطمسها، بل هي اكثر تعززا اليوم على الساحة الدولية، ثالثا: حقيقة ان الشرق الاوسط هو منطقة صراعات ولن تتوقف عن كونها كذلك، فما إن ينطفئ صراع حتى يظهر مكانه آخر.
انطلاقا من ذلك فإن احد الاسئلة الهامة هو ما إذا كان العرب سيبادرون لملء الفراغ الايراني وأنهم جاهزون له، ويبادرون أساسا إلى استعادة القضية الفلسطينية، التي اهملوها، وتركوا طهران تمسك بورقتها لأكثر من عقدين، وكانت احد اهم أسلحة تمددها في المنطقة. كما عليهم، أي العرب، وبسرعة وقبل فوات الأوان ملاحظة أن إسرائيل هي من يتمدد اليوم عبر تفوقها العسكري، مستغلة انها تواجه إيران وأذرعها، وأن إسرائيل بعد السابع من أكتوبر، وبعد أن فرضت إرادتها بالقوة، لن تكون هي إسرائيل ذاتها قبل السابع من أكتوبر.
ان الأساس في ملء الفراغ هو الإمساك مجددا بورقةالقضية الفلسطينية، ولكن بشكل صحيح، وليس من قبيل المنافسة او تقاسم المنافع قصيرة الأمد، او حتى تقاسم الشعب الفلسطيني وقضيته. هناك مدخل وحيد هو باب الشرعية الوطنية الفلسطينية، وليس عبر الفصائل، مهما كانت أهميتها، بل ان تحث هذه الدول دون أي تدخلات مباشرة بأن ينضوي الجميع تحت راية الشرعية الممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الوطنية، المعترف بها دوليا، عبر تقوية وتمكين الكيانية الوطنية الفلسطينية الموجودة على الأرض في فلسطين، والمقصود بها السلطة الوطنية ومؤسساتها.
وبهذا الشأن يمكن اعتبار التحالف الدولي للدفاع عن حل الدولتين، الذي بادرت السعودية لإنشائه نموذج لعمل عربي موحد، ويمكن تطويره ليكون رافعة لعمل سياسي ودبلوماسي عربي نشط. فملء الفراغ لن يتم لا بتمنيات ولا الدخول اليه من أبوابه الخاطئة، انما عبر العمل الفاعل الموحد، فأنماط العمل في العقدين الأخيرين، وخصوصا، جهود بعض الدول العربية في تعميق الإنقسام الفلسطيني، وإضعاف السلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، لم يستفد منه سوى طرفين: الأول إسرائيل، وثانيا القوى الإقليمية الطامعة بالتمدد في الجغرافيا العربية من خلال الورقةالفلسطينية، وعندما يكون الفعل العربي إيجابيا فإن نصائحه للجانب الفلسطيني ستكون مسموعة أكثر في أمور تتعلق بتوحيد الصف الفلسطيني والإصلاح.
اما على الصعيد الفلسطيني، فالمسؤولية أصعب وادق في المرحلة المقبلة، فلم يعد مسموحا بالارتجال، ولا بمحاولات التنافس على أرضية الانقسام، فقد سقطت مع المتغيرات الجديدة مقولات مثل محور المقاومة والاختباء خلف هذا المحور لتعميق الانقسام، وتعزيز فكرة انفصال قطاع غزة كي يحتفظ طرف بسلطته هناك. نحن بحاحة الى إستراتيجية مختلفة ووسائل نضالية مختلفة اساسها الاهتمام بالإنسان ووعيه، وقبل كل شيء وضع صيغة لوحدة فلسطينية ضمن المؤسسات يمكن لكل طرف فيها الاحتفاظ بمواقفه من خلالها، مؤسسات تعمل وفق أسس ومبادئ ديمقراطية.
التحدي كبير، والمتغيرات التي شهدتها المنطقة كبيرة وعميقة، نحن امام إسرائيل مختلفة وواقع إقليمي مختلف، مع عدم الاستسلام لإسرائيل المختلفة والتصرف بمسؤولية وطنية يمكن ان نصنع الفارق.
عن صحيفة الحياة الجديدة