سحبت قوات الاحتلال الاسرائيلي العديد من كتائبها المقاتلة في غزة بعدما سيطرت على معظم القطاع. واستقرت غالبية الكتائب المنسحبة على الجبهة الشمالية والضفة الغربية. وبالضرورة، تمكن جيش الاحتلال من حشد قوات كبيرة خلال الأسبوعين الماضيين تجاوزت 200 ألف جندي في الضفة الغربية من بينهم 15 ألفا في شمال الضفة الغربية، ليعلن الضفة الغربية منطقة عمليات عسكرية (ميدان قتال)، وقام ويقوم بتجريف الطرق وتدمير البنية التحتية في مخيمات الشمال ساعيا لفرض واقع جديد في إعادة احتلال هذه المنطقة وتوسيع عمليات جيشه لتشمل إعادة تموضع قواته في مناطق شاسعة من الضفة الغربية.
ويبدو جليا وأمام العالم أجمع أن حكومة الاحتلال الاسرائيلي بدأت بالفعل تطبيق مخططاتها العدوانية في الضفة الغربية لتشمل منع قيام دولة فلسطينية، وتقويض مؤسسات السلطة الوطنية، والتوسع في الاستيطان، وتهجير الفلسطينيين.
ويجمع المراقبون بأن الضفة الغربية المحتلة دخلت مرحلة جديدة، حيث انتقلت من مرحلة الضم الصامت والتدريجي الى مرحلة جديدة وهي مرحلة الضم السريع باستخدام أدوات الاجبار العسكرية الاسرائيلية الشاملة.
وفي ظل توغل جيش الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية، قدم جهاز الأمن الداخلي الاسرائيلي “الشاباك” تقريرا الى الحكومة الاسرائيلية يشير الى أن توسيع دائرة التوغل الاسرائيلي في الضفة الغربية، إضافة الى تنامي هجمات المستوطنين على الفلاحين الفلسطينين، وتوسيع دائرة اقتحامات المسجد الأقصى تحت حماية جيش الاحتلال، ستؤدي حتما الى اندلاع انتفاضة مسلحة فلسطينية. وبرغم هذه التحذيرات الا أن حكومة الاحتلال الفاشية استمرت في عدوانها في كل مناطق الضفة الغربية، لا سيما في منطقة الشمال، وازدادت العمليات العنصرية ضد المواطنين الفلسطينيين، وهدد وزير الأمن القومي الاسرائيلي بن غفير ببناء كنيس في ساحات المسجد الأقصى.
من هنا، ليس بعيدا عن التوقع بأن هنالك قرارا في الحكومة الاسرائيلية اتخذ باستمرار هذا التوغل حتى لو اندلعت انتفاضة فلسطينية ثالثه. بل على العكس، يبدو أن هذه الحكومة تصعد من إجراءاتها بهدف اندلاع هذه الانتفاضة المسلحة. ويعود السبب في ذلك الى رغبتهم في استغلال هذه الانتفاضة من أجل ابادة الشعب الفلسطيني وتهجيره وتقويض السلطة الوطنية، تماما كما حدث في قطاع غزة، حيث استغلت اسرائيل أحداث السابع من أكتوبر لتدمير قطاع غزة وتهجير مواطنيه وإعادة احتلاله.
في الواقع، لطالما كانت حكومات إسرائيل تعتاش على مزيد من الدماء، وهي تختلق الأزمات والصراعات من أجل استعطاف العالم وطرد الفلسطينيين وتدمير البنية التحتية في الأراضي الفلسطينية، وهو الأمر الذي حدث في كل انتفاضة فلسطينية تقريبا.
ويظهر جليا أن تصريحات القادة الاسرائيليين حول إزالة مخيم جنين ومحو قرية حوارة وضم منطقة الأغوار وتوسيع مربعات الاستيطان حول مدينة رام الله لتصل الى البحر الميت، تعبر جميعها عن أهداف الصهيونية في الوقت الحاضر، وهي القضاء على حلم الدولة الفلسطينية، وتدمير كل المؤسسات التي تعمل على إقامتها بما فيها منظمة التحرير.
في الحقيقة، علينا كفلسطينيين أن نكون حذرين وألا نوفر المبررات للصهاينة من أجل تحقيق أهدافهم التوسعية، وفي السياق، فإن تعزيز صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، وتفعيل المقاومة الشعبية والعصيان المدني، وتعزيز الدبلوماسية الرسمية والشعبية ستساهم جميعها بشكل ملحوظ في تخطي هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية. ولن يكون بالامكان محو إرادة الشعب الفلسطيني بالتحرر والاستقلال.
عن صحيفة الحياة الجديدة