يتجه الإسرائيليون اليوم إلى صندوق الاقتراع لاختيار كنيست جديدة. وإذا ما نظرنا إلى خريطة القوى المرشحة، فإننا نكاد نجد شيئا جديدا، لكن إذا ما نظرنا إلى النتائج المتوقعة فلا نكاد نجد جديدا مطلقا، فكيف تستقيم المعادلة؟
في مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، سأل صحفي الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عن رأيه بشيلي يحيموفيتش. ولم يتردد عباس بالسؤال: “من هذه؟”. وكان ياسر عبدربّه حاضرا، فأوضح أنّها الرئيسة الجديدة لحزب العمل الإسرائيلي (الحزب التاريخي الذي قاد إسرائيل عشرات السنوات). والواقع أنّه غير مستهجن أن تصعُب معرفة يحيموفيتش، المولودة العام 1960، والتي لم تدخل العمل السياسي إلا في سن الخامسة والأربعين، وصارت عضو كنيست العام 2006، وقادت “العمل” بصورة مفاجئة مؤخرا.
خريطة الأحزاب التي تخوض الانتخابات الإسرائيلية جديدة تماما. فحزب الليكود الذي عانى قبل سنوات خطر الاضمحلال، دخل في تحالف مع “إسرائيل بيتنا” الذي كان هامشيا حتى سنوات خلت، ويتوقع أن يفوزا في الانتخابات. وتشكلت أحزاب في اللحظة الأخيرة تتنافس في الانتخابات، مثل “الحركة” بزعامة تسيبي ليفني، وحزب “هناك مستقبل” بزعامة الصحفي يائير لبيد، مع صعود مفاجئ لحزب “البيت اليهودي” الاستيطاني، بزعامة نفتالي بينيت، وتوقع اختفاء حزب “كاديما” صاحب أكبر كتلة برلمانية في الانتخابات الماضية. وأمام هذه الرمال المتحركة، ليس غريبا أن نسبةً تزيد على الربع من الناخبين الإسرائيليين لم يقرروا حتى أمس من سينتخبون.
نظرة متفحصة أولى تفضي إلى نتيجة مفادها أنّ اليمين والمستوطنين يصعدون بقوة، وأنّ الأحزاب سائلة وزائلة، أمّا الأشخاص فيتواجدون باستمرار ولكن يتحولون من حزب إلى آخر، مع صعود أسماء وتراجعها وتبخرها سريعا.
وبنظرة أكثر عمقا، يمكن القول إنّ التغير الحقيقي هو في القوى التي تقف خلف السياسيين الذين يشكلون أدوات وواجهات، في أغلب الأحيان. فالكيان الصهيوني الذي بُني على أكتاف حركة “الكيبوتس” التي بنت مستعمرات زراعية وصناعية ذات نفس اشتراكي يساري شيوعي، اجتذب يوما بعض اليسار العالمي الحالم، قد تحول إلى كيان تلعب المستعمرات (المستوطنات) في الضفة الغربية دورا قياديا فيه، ضمن تحالف ديني–طائفي–مافياوي–نيوليبرالي فريد.
ونسبة الضباط الإسرائيليين في الجيش الآتين من خلفية دينية، وفي الوقت نفسه من مستوطنات الضفة الغربية، تتزايد على نحو كبير. وبالتالي، فإنّ الحركة الأصولية الإسرائيلية التي كانت ضد الدولة اليهودية، تصبح صهيونية دينية. وأحد مصادر الدعم الأساسية لرئيس الوزراء الحالي والعائد قريبا بنيامين نتنياهو، هما رجال الأعمال وسوق الأسهم. والمستوطنات تبنيها شركات ومستثمرون، يريدون كنيست يعطيهم سلطة قوانين تسمح لأي مقاول بوضع يديه على أراضي الفلسطينيين والبناء عليها، في سابقة لم يعرفها التاريخ من حصول رجال أعمال على حق الاستعمار، مع عمل الجيش كشركة أمن لديهم! وطبعا، من سيخدم مصالح هؤلاء رجال أعمال/ سياسيين يسكنون المستوطنات أو يستفيدون منها، وعليهم قضايا جنائية من أمثال أفيغدور ليبرمان؛ الشخص الثاني في التحالف العائد للحكم.
الكيان الصهيوني صاحب الأحزاب اليسارية، والكيبوتسات، والكاريزما العسكرية والسياسية، يتحول إلى كيان يحكمه “نيوليبراليون” مستثمرون ومقاولون، ومستوطنون يحركهم المال ويبحثون عن شقق رخيصة، متدينون متزمتون موتورون يبنون هويتهم الاجتماعية على كراهية العرب وينتشرون في الجيش، ويشترون السياسيين، يحصلون على رواتب حكومية بدون عمل، أو يدخلون استثمارات بتمويل حكومي.
في تعليقها على أزمة القيادة في إسرائيل، نقلت “يديعوت أحرنوت”، أول من أمس، أنّ وزير دفاع أميركيا قال قبل سنوات لنظيره الإسرائيلي: “إننا نرسل لكم أفضل محامينا لإدارة صفقات بمليارات الدولارات لشؤون مثل شراء طائرات، وأنتم ترسلون مجموعة (كتبة)”. فرد الوزير الإسرائيلي بأنّ “هؤلاء أفضل السيئين لدينا.. ثم هل كون محامينا سيئين يعني أننا لن نحصل على الطائرات؟”. فرد وزير الدفاع الأميركي بأنّ إسرائيل ستحصل على الطائرات على أي حال. ولكنه أضاف أنّ تفاصيل الصفقة لن تكون ممتازة لإسرائيل. وواقع الأمر أنّ العقلية المافيوية–الدينية لا تكترث كثيرا للتفاصيل، طالما تحصل في النهاية على مكاسبها الشخصية، وما يؤهلها لزعم الانتصار أمام ناخب يجدد الثقة فيها.
الغد الأردنية .