الدرس الأول الذي يجب تذكره والمنطقة تستعد لاستقبال الرئيس الأميركي باراك أوباما، في آذار (مارس) المقبل، وتحديدا زيارته لفلسطين والإسرائيليين، هو أنّ الإدارات الأميركية المتعاقبة لا تمانع في رعاية وتحريك مفاوضات وعمليات سلام مقصودة لذاتها؛ أي أن تكون هناك عملية وليس بالضرورة لأجل أن تصل هذه العملية لأهدافها. فإمّا أن تكون العملية مقصودة من أجل “التخدير” وتخفيف التوتر وحسب، أي لمنع الوصول إلى درجة الانفجار، أو أنّ العملية مقصودة لتهيئة المسرح الإقليمي في مكان آخر؛ من مثل إطلاق مؤتمر مدريد للسلام العام 1991 لترتيب المنطقة بعد هزيمة العراق وانتهاء الحرب الباردة عالميّا، أو لتسهيل غزو العراق العام 2003 (يوم إطلاق الرباعية الدولية)، أو لتهيئة المسرح لشيء على الجبهة الإيرانية.
لقد كان المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية في الانتخابات الأخيرة ميت رومني، هو الذي وعد بأن تكون محطته الأولى بعد الرئاسة هي إسرائيل، وها هو أوباما ينفّذ ما لم يعد به هو. وهو يأتي منتصرا مرتين في التجاذب الشخصي بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. فقد انتصر المرة الأولى عندما فاز في الانتخابات رغم دعم نتنياهو العلني للمرشح الجمهوري، في تدخل سافر في الانتخابات الأميركية. وفيما حقق أوباما انتصارا صريحا فإنّ نتنياهو هو الذي حقق فوزا بطعم الخسارة في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي وضعته في حسابات معقدة لتشكيل حكومة ائتلافية. كما انتصر الرئيس الأميركي ثانيا بعد أن عيّن في وزارتي الدفاع والخارجية وزيرين ليسا متحمسين للأجندة التي يدفع باتجاهها نتنياهو بخصوص إيران والحسم العسكري العاجل بشأنها.
إذن، يأتي أوباما وهو يقول لنتنياهو: أنا سيد اللعبة. بل ويقول أيضا للأميركيين وللوبي الإسرائيلي في بلاده: ها أنا أردّ على من اتهمني أني لا أهتم بشأن إسرائيل، أو أني أدفعها تحت عجلات العربة كما قال رومني، ولكن ربما أنا أعرف مصلحة إسرائيل أكثر مما يعرفها رئيس وزرائها.
واجه أوباما في الرئاسة الأولى عاملان أساسيان أعاقا خططه الطموحة لعملية السلام في الشرق الأوسط. أولهما، تعنت الحكومة الإسرائيلية؛ وثانيهما، التواطؤ داخل فريقه الرئاسي وداخل مراكز صنع القرار الأميركي مع إسرائيل. فمثلا، كان “المساعد الخاص” للرئيس الأميركي دينيس روس، معترضا على طلب تجميد الاستيطان. والآن، لا يبدو أنّ أوباما هيّأ الساحة لإطلاق عملية تسوية. فمثلا، تشير القراءة في تصريحات السفير الأميركي في إسرائيل دان شابيرو، أنّه جزء من “كورس” يغني اللحن الإيراني، فيقول تعليقا على زيارة أوباما: إنّ أكثر القضايا الضاغطة المشتركة التي تواجه إسرائيل هي السلاح النووي الإيراني والسلاح الكيماوي السوري. وقال إنّ مفاوضات فلسطينية-إسرائيلية ربما لا تحدث نتيجة زيارة واحدة.
ويتفق حديث شابيرو مع زيارةٍ قامت بها هذا الأسبوع، وكيلة وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الحدّ من التسلح روز غوتيم، والتي أعلن مسؤولون إسرائيليون أنها تضمنت تطمينات بشأن حزم الإدارة الأميركية في منع تسلح إيران النووي. ولا تبدو هذه التصريحات مطمئنة، وكذلك خطاب أوباما عن “حال الاتحاد” أمام الكونغرس يوم أمس؛ إذ أشار إلى “الوقوف بحزم” إلى جانب إسرائيل لتحقيق الأمن والسلام الدائم، ولم يذكر الفلسطينيين على الإطلاق. وحذّر إيران في الخطاب ذاته من أنّ بلاده “ستفعل الضروري” لمنعها من امتلاك السلاح النووي.
قد تبدو زيارة أوباما عقب التوتر مع نتنياهو للبعض نوعا من إعلان السعي إلى تحريك عملية السلام، ولكن كثيرا من المؤشرات تؤكد أنها قد لا تتعدى نوعا من المشاورات. والحديث عن مبادرات سلام جديدة لا يبدو جديا. فالحديث يبدو عن محاولة تقليص أزمات تؤدي للانفجار، من نوع إنهاء وقف المساعدات للفلسطينيين، وتشجيع الإسرائيليين على تقليص معاناة الفلسطينيين قليلا في بعض الملفات، بدون بوادر حقيقية لمعالجة الملفات الحقيقية وأهمها الاستيطان. بل إنّ ما تمخض من حديث حتى الآن يبدو كما لو أنه يتفق مع رغبة الاسرائيليين في حرف الانتباه عن الموضوع الفلسطيني إلى إيران.
الغد الاردنية.