هذا عنوان كتاب صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية قبل عشر سنوات، يبدو اليوم ثمة حاجة كبيرة إلى استحضاره؛ إن كان الفكر يصلح في السياسة العربية للتخطيط والتبصر.
الشرعية اليوم تبدو أزمة أكبر من أي وقت مضى، والنزاع عليها وحولها تحول إلى جوهر الصراع والأزمة! وبتقدير مؤلف الكتاب، الباحث الجزائري خميس حازم والي، فإن الشرعية تتشكل حول أزمة التعارض بين السلطة والمواطن والمجتمع المدني والمجتمع السياسي؛ إنها
حالة الرضا والقبول التي يبديها المواطنون إزاء النظام السياسي وممارسة السلطة، وتمثل قاعدة قانونية للسلطة تفترض وحدة فعلية بين السلطة والمجتمع، وممارسة فعلية للأهداف المشتركة بينهما. وهي ترتبط بالسيادة، والمساواة، والشعور بالوطنية، والعدالة الاجتماعية؛ فهي صفة للسلطة القائمة على إجماع عام.
وقد عرف الفكر السياسي والممارسة السياسية أكثر من مصدر للشرعية. وهذا التنوع والاختلاف في مصادر الشرعية دليل على إمكانية انتقال السلطة وتحولها وفق تحول مصادر شرعيتها، وتحول أيديولوجية النظام السياسي الذي تقوم عليه السلطة.
وقد تضعف شرعية السلطة أو تنتهي لأسباب كثيرة؛ دستورية أو مؤسساتية، أو نتيجة للتغير في المجتمعات والشعوب، أو عجز السلطة عن إدارة شؤون الدولة والشعب، أو انحسار مكانتها وهيبتها لضعفها أو أخطائها، أو عدم تمثيلها لقيم ومصالح المجتمع.
لقد أصبحت مشكلة الشرعية السياسية مشكلة الحكم المركزية في الوطن العربي المعاصر، وغيابها وضعفها يفسران الطبيعة المتقلبة للسياسات العربية، والطابع التسلطي والقهري لأغلب السلطات العربية الراهنة. فانعدام الاستقرار والفاعلية، والفساد والقمع، هي عناصر مقلقة في السياسة العربية اليوم، وما ذلك إلا نتيجة لضآلة الشرعية للحكام والبنى السياسية والأيديولوجية السائدة.
وقد حذر المؤلف قبل عشر سنوات من أن النجاح الظاهر للأنظمة العربية ليس في الحقيقة سوى نجاح في إخفاء الغليان وتأجيل الانفجار… ورأى الاضطراب واردا في المستقبل. ولكن لا مناص من إجراء تغيير عميق في الثقافة السياسية، لأن الشرعية لا تتعلق فقط بالأنظمة السياسية، وإنما أيضا بالمجموعات السياسية، لأنه بغير ذلك فإن الاستبداد والفساد سيظلان راسخين، وستحل طبقات ومجموعات مستبدة وفاسدة محل مجموعات سابقة.
وأخيرا، فإن الحل برأي حازم والي في تحقيق الشرعية السياسية العربية على المبادئ التالية: الحل السياسي الديمقراطي بدلا من الحل العسكري–الأمني، وتحييد المؤسسة العسكرية، والتأكيد على البعد العربي الإسلامي في حركة النظام السياسي، والاعتراف بحق القوى الاجتماعية والسياسية المختلفة والمتعددة في المشاركة في السلطة، وتعزيز حقوق الإنسان، والاعتراف بحقوق الأقليات والقوميات في التعبير عن ذاتها، وإطلاق الحريات العامة، والعمل والتنسيق العربي المشترك في التشريع وتنظيم الحياة السياسية والعامة.
الغد الاردنية.